20 أبريل,2024

الإعجاز القرآني(4)

اطبع المقالة اطبع المقالة

 

الإعجاز القرآني(4)

 

شبهة الأخطاء العلمية في القرآن:

ومع ما تضمنه القرآن الكريم من معارف علمية دقيقة جعلت العلم الحديث يقر له بذلك، إلا أن هناك من أدعى وجود الأخطاء العلمية في القرآن الكريم، وأنه قد تضمن بعض المعلومات غير الدقيقة والخاطئة، ويمكن تصنيف تلك الأخطاء المدعاة إلى أصناف حسب الموضوعات:

 

الأول: الأخطاء المتعلقة بموضوع الخلق:

وقد ذكرت آيات نشير لبعضها:

منها: قوله تعالى:- (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)[1]، وحاصل ما ذكروه حول هذه الآية أن هناك بعض الموجودات أحادية الوجود، وليست مركبة من زوجين، وهي المخلوقات الدقيقة مثل البكتيريا، وبعض الفيروسات وكذا بعض الرخويات.

ولا يذهب عليك أن الإشكال المذكور يتم حال توفر أمرين:

 

الأول: أن يكون المقصود من الزوجية المذكورة في الآية الشريفة هي خصوص الذكر والأنثى، فيأتي ما ذكر من أن بعض المخلوقات لا تحتاج ذلك في عملية التكاثر مثلاً، وهكذا.

الثاني: أن يكون موضوع الآية الشريفة عاماً، وليس مختصاً بعنوان واحد.

 

أما الأمر الأول، فيمكن الجواب عنه بأمرين:

الأول: ما ذكره بعض العلماء، من أن الزوجية المذكورة في الآية الشريفة لا يقصد منها الذكر والأنثى، وإنما يقصد بها السالب والموجب، لأن كل كائن في الوجود يحمل عنصرين، عنصراً موجباً وعنصراً سالباً.

الثاني: ما جاء في بعض الكلمات، من أن الآية الشريفة تشير إلى النواة التي تمثل الجذر الأول لتكوين كل شيء، النواة تحوي على صنفين من الجسيمات، البروتونات، والنيوترونات[2].

 

وأما الأمر الثاني، فقد يمنع وجود إطلاق في الآية الشريفة لمانعين:

أولهما: وحدة السياق، فإن الآية الشريفة واقعة في سياق قوله تعالى:- (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون* والأرض فرشناها فنعم الماهدون* ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)[3]، فإن المقصود من فرش الأرض هو تهيئتها للزراعة بجعلها خصبة للزراعة والإنبات، فيكون ذلك مانعاً من ثبوت إطلاق في الآية، ما يوجب اختصاص الزوجية الواردة في الآية الشريفة بخصوص النباتات لا مطلقا.

 

ثانيهما: قوله تعالى:- (وهو الذي مدّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين)[4]، فإن موضوع الآية المباركة هو خصوص الزوجية في الثمرات وليس مطلق الزوجية، وبمقتضى ما ورد من أن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً، يكون المقصود من الزوجية في الآية السابقة هي الزوجية المقصودة هنا، لوحدة المادة، وهذا يوجب وحدة الموضوع، فيثبت أن الزوجية في الآية محل البحث هي الزوجية في النباتات، فلا يرد الإشكال المتقدم.

 

ويدفع الأول منهما، بأن وحدة السياق وإن كانت قرينة عقلائية يعتمد العقلاء عليها في مقام المحارة، إلا أن الاستناد إليها في المقام فرع إحراز نزول الآيات الشريفة كلها في مورد واحد، ولم يكن وجود الآيات في هذا السبك بلحاظ الترتيب الصادر من النبي(ص) بأمر من االله تعالى. ومع عدم الجزم بحصول النـزول لن يتسنى الاستناد للسياق كما لا يخفى.

وأما الثاني منهما، فإن مجرد اتحاد المادة لا يشكل قرينة على كون المقصود به في موارد الاستعمال واحداً.

 

والحاصل، إنه حتى مع التسليم بوجود اطلاق في الآية الشريفة، إلا أن ذلك لا يوجب ورود الإشكال المذكور، بعد وضوح المقصود من الزوجية فيها.

ومنها: ما جاء في خلق الإنسان، وهو قوله تعالى:- (فلينظر الإنسان مما خلق* خلق من ماء دافق* يخرج من بين الصلب والترائب)[5]، وقد قرب أصحاب الشبهة دعواهم، بأن الصلب هو عظام الظهر، والترائب هي عظام الصدر، ومن المعلوم أن العنصر الذي يتكون الإنسان منه وهو السائل المنوي لا يخرج من بين هذين النوعين من العظام، بل إنه يخرج من الأعضاء التناسلية، ما يعني وجود خطأ في القرآن الكريم عند حديثه عن منشأ تكون الإنسان.

ويرد الإشكال المذكور لو كان القرآن الكريم بصدد الحديث عن مصدر تكون الإنسان، أما لو كان الحديث فيه عن أصل منشأ تكونه، فلا يرد، توضيح ذلك: بالرجوع للبحوث التخصصية وما يرتبط بعلم التشريح، نجد أنهم يذكرون أن الإنسان مخلوق يتكون من التقاء الحويمن الحاصل من الرجل مع البويضة المفرزة من الأنثى، ويقرر هؤلاء أن مصدر المادة المنوية التي هي الحويمن والبويضة هما الخصية في الرجل، والمبيض في المرأة، وهذان العنصران عندما تكونا في أصل تكونهما كانا قريبين من الكلى، وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم بقوله:- (من ماء دافق* يخرج من بين الصلب الترائب) لأن الخصية والمبيض في أول تكونهما كانا واقعين بين عظام الصدر والظهر، أي بين الصلب الترائب.

 

الثاني: الأخطاء المتعلقة بخلق السماء:

منها: قوله تعالى:- (الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور)[6]. فإنها تتضمن خطأئين:

الأول: نصها على أن السماوات سبع، وليس لذلك حقيقة خارجية، فإنه قد صعد إلى الأعلى، ولم يجد الصاعدون إلا سماء واحدة.

الثاني: التعبير بكلمة طباق، فإنه لا يوجد طبقات في السماء، بحيث تكون طبقة فوق طبقة.

 

ولا يذهب عليك أن منشأ الإشكال الأول، قائم على أن المقصود من السماء في الآية الشريفة، هو العلو والارتفاع، أي المعنى العرفي للسماء، أما لو كان هناك معنى آخر لها، فلن يكون له وجه حينئذٍ.

والصحيح أن من يرجع للقرآن الكريم، يجد أن هناك استعمالات لمفردة السماء فيه، أحدها أن المقصود من السماء عبارة عن الفضاء، وهذا يعني أن المقصود بالآية عبارة عن سبعة فضاوات، لا حد لأي واحد من هذه الفضاءات السبعة. وعدم قدرة العلم الحديث عن الإحاطة بحقيقة هذه الفضاءات السبعة، لا يوجب القول بالخطأ، بل يلزم القبول به حتى يمكن للعلم الوقوف على حقيقة ذلك.

وأما الإشكال الثاني، فإنه يتم لو كان المقصود منه ما ذكر، أما لو كان المقصود من التطابق، التطابق في النظم والنسق، بحيث يكون النظام في السبعة واحداً، ولا يوجد بينها اختلاف، فلن يرد عندها. وهذا هو المقصود، فإنه سبحانه وتعالى بصدد الإخبار بأن النظام في السماوات السبع واحد.

 

ومنها: قوله تعالى: -(ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين)[7]، وقد قرب الإشكال في الآية بأنها تضمنت رجم الشياطين بواسطة المصابيح، والمقصود بالمصابيح فيها هو النجوم، ولم يعهد أن تقوم النجوم برجم الشياطين، بسبب كبر حجمها كما هو واضح. نعم لو قال القرآن أن الرجم للشياطين يتم بواسطة الشهب كان ذلك صحيحاً.

 

وعند الرجوع للآيات القرآنية، والجمع بينها، نجد أن القرآن يصرح بأن للنجوم وظيفتين مختلفتين، فوظيفتها بالنسبة لأهل الأرض أنها زينة لهم، أما وظفتها بالنسبة لأهل السماء، فهي الحفظ. نعم يبقى كيف نتصور قيام هذه النجوم بعملية الرجم، فإن المستشكل لم يقدم دليلاً على عدم صحة ذلك، بل نص على أن الرجم يتم بواسطة الشهب، وهذا لا ينفي قيام المصابيح التي هي النجوم بذلك، فإن العلم الحديث لم يتوصل لمعرفة ذلك، وشتان بين عدم الإحاطة بالحقيقة، والوصول للمقصود بها، وبين الجزم بالخطأ، وهذا يعني أنه لا يصح لأمثال هؤلاء القول بالخطأ لأنهم بعدُ لم يعرفوا المقصود مما تضمنته الآية الشريفة.

 

على أن التأمل في الآيات الشريفة، يفيد أن عملية الرجم لا تكون بنفس الكواكب، وإنما تحصل عملية الرجم من الكواكب، وهذا يشير إلى صدور شيء منها، وهو الشهاب الذي يقوم بعملية الرجم، فلاحظ قوله تعالى:- (وحفظناها من كل شيطان رجيم* إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين).

وهناك آيات قرآنية أخرى استند لها هؤلاء، نعرض عنها حذراً من طول المقام، مع أنه يمكن للقارئ العزيز ملاحظتها، والوقوف على الإجابة عليها.

 

 

 

[1] سورة الذاريات الآية 49.

[2] الأمثل في تفسير القرآن المنـزل ج 17 ص 118.

[3] سورة الذاريات الآيات رقم 47-49.

[4] سورة الرعد الآية رقم 3.

[5] سورة الطارق الآيات رقم 5-7.

[6] سورة الملك الآية رقم 3.

[7] سورة الآية رقم