28 مارس,2024

الأطعمة والأشربة

اطبع المقالة اطبع المقالة

لاشك أن للتغذي بالطعام والشراب أثراً حاسماً في سلامة الجسد وبقائه، بل وفي قيامه بوظائفه الأساسية، بما في ذلك الجانب النفسي والروحي الفاعلان في سعادة الإنسان ونجاحه في الدنيا والآخرة، ولذا فإن عناية الشريعة بهذا الجانب من نشاط المكلف، رغم كونه شأناً غريزياً خاصاً بالفرد، يُظهر مدى حرصها على تحقيق الفوائد ودفع المفاسد المعنوية التي تنتج عن الغذاء، لا سيما منه ما يعجز الإنسان عن اكتشاف مضاره ومنافعه دائماً أو في المدى المنظور من عمر جيل أو أجيال، وهي أمور سوف تظهر خلف كل حكم شرَّعه الإسلام في هذا الجانب عند أدنى تأمل.

وكما سائر مجالات الحلال والحرام من أفعال الإنسان، فإن مجال الحلال من الطعام والشراب أوسع من مجال الحرام.

وهذا دعى فقهاؤنا الأعلام لعقد باب في رسائلهم العملية بعنوان الأطعمة والأشربة.

معنى الأطعمة والأشربة:

ولكن قبل الشروع في ذلك، لابد من التعرض لبيان المراد من عنوان الأطعمة والأشربة، فنقول:

الأطعمة:جمع الطعام، والطعام: اسم لكل ما يؤكل وبه قوام البدن، مأخوذ من طَعِمَ، أي:أكل أو ذاق.

والأشربة:جمع الشراب، والشراب: اسم لكل ما شرب، ماءاً كان أو غيره، مأخوذ من شَرب، أي جرع.

والمبحوث عنه هنا، لا يقتصر على ما يؤكل ويشرب بالنحو المعتاد من خلال الفم، كما هو المستفاد من معناه اللغوي، بل يراد به في الفقه، ما يعم ذلك مما يدخل إلى الجوف عن طريق الفم بالطعام والشراب، وما يدخل إليه من خلال الأنف أو الحلقوم في الحالات الاستـثـنائية، بل يراد به في بعض موارده ما يشمل استنشاقه وتدخينه وإدخاله في الجسد في العروق، وهي الأمور التي يجمعها لفظ(التـناول)، فمثل الدم من الأعيان النجسة لا يحرم وضعه في العروق وإدخاله في الجسد، فيما يحرم شربه بالفم أو إدخاله في الجوف عبر الأنف أو الحلقوم، ومثل المخدرات يكون تناولها مختلفاً باختلاف أنواعها، وهكذا.

وكذلك فإن ما يحرم تناوله منها لا يقتصر على ما هو تكليف الإنسان تجاه نفسه، بل يعم تكليفه تجاه غيره ممن هو مولّى عليهم، كالأطفال، فإنه يجب منعهم من تناول المسكرات المائعة أو الجامدة مثل المخدرات، والأحوط استحباباً منعهم من تناول الأعيان النجسة، مثل الدم والميتة ونحوهما، إلا أن تكون مضرة بهم فيحرم على الولي جعلها في متـناول أيديهم وتمكينهم منها، وعلى من يعتمدون عليه في تقديم الطعام الطاهر، كضيوفه.

إن ما يحرم تناوله على المكلف من الأطعمة والأشربة، يحرم أيضاً تسببه بتناول الغير له ممن لا يستحله إذا كان جاهلاً بالموضوع أو الحكم، وبخاصة إذا كان معتمداً عليه في تقديم ما هو حلال من الطعام والشراب، بل إنه يحرم تقديم بعضها حتى لمن يستحله كالخمر، فيما يجوز تقديم البعض الآخر كلحم الخنـزير والميتة، كما هو قول بعض فقهائنا.

هذا وسنبدأ بالتعرض لما يحل من الحيوان، وما يحل من الحيوان بتصوري ينبغي أن يكون في بحث بعنوان الثروة الحيوانية يكون مشتملاً على كافة الأمور المتعلقة بالحيوان من سبل تملكه وما يحل منه وما يحرم سواء في جانب الانتفاع غير الإغتذاء، أم في جانب الإغتذاء.

لكن هذا لا نجده، حيث أننا نفتقر واقعاً إلى رسالة عملية نموذجية.

وعلى أي حال، سوف يكون مبتدأ حديثنا إن شاء الله حول ذلك.

في ما يحل وما يحرم من الحيوان:

ويتم الحديث من خلال عناوين ثلاثة:

الأول: في حكم حيوان البر:

ونريد به: كل ما يعيش على اليابسة من سباع وأنعام وحشرات.

س: ما هو الشيء الذي يحرم من حيوان البر؟…

ج: يحرم من حيوان البر جميع الحشرات الدابة أو الطائرة، ما عدا الجراد، ثم كل ذي ناب من الحيوان صغيراً كان كالفأر وما أشبهه من القوارض ، أو كبيراً كالأسد والنمر.

وسواء كان من آكلات اللحم كالذئب أو من آكلات الثمار والأعشاب كالفيل، أليفاً كان كالهر والكلب أو برياً وحشياً كالذئب والأسد.

وتحرم المسوخ كالأرانب والقردة، والدببة، كما تحرم الزرافة، والثعلب والضب، وابن آوى ووحيد القرن.

ثم جميع الزواحف مما لم يكن له رجل كالأفعى، أو كانت له أرجل صغيرة كالضب واليربوع والوزغ ونحوها.

هذا وينبغي الالتفات إلى أننا استخدمنا هنا تعبير الحشرات بمعناها العلمي، فيما استخدمها الفقهاء بمعنىً يشمل كل ما يلتجئ إلى الأرض من الحيوانات الزاحفة والقارضة.

وأما ما عدا ذلك منه فهو حلال، فيشمل جميع الحيوانات من الأنعام، وهي جميع أصناف البقر والغنم والإبل، أهلية كانت أو برية، وكذا الحصان والبغل والحمار وإن كان يكره أكل لحمها، والكثير من الحيوانات البرية، مثل الغزال وحمار الوحش والإيل وما أشبهها مما ليس له ناب.

س: هل يجوز أكل الديدان التي تكون موجودة في الفواكه؟…

ج: نعم يجوز أكلها، إذا أكلت مع الفاكهة، نعم إذا تيسر إزالتها فإن الأحوط وجوباً إزالتها والاجتناب عنها.

س: هل يمكن أن يحرم الحيوان المحلل؟…

ج: نعم يحرم الحيوان المحلل إذا عرضت عليه أمور، وهي:

الأول: إذا تغذى ذلك الحيوان على عذرة الإنسان وغائطه مدة من الزمان حتى نما فيها لحمه واشتد عظمه، وهو ما يقال له(الجلال)، حرم أكل لحمه وشرب لبنه حتى يستبرئ بإطعامه العلف الطاهر على الأحوط وجوباً مدة يزول عنه فيها اسم الجلال عرفاً.

س: هل يحرم الحيوان الذي يتغذى على غير عذرة الإنسان؟…

ج: لا يحرم الحيوان الذي يتغذى على عذرة الحيوانات الأخرى غير الإنسان.

س: هل يمكن أن يعود الحيوان الجلال إلى الحلية بعدما صار محرماً؟…

ج: نعم يمكن أن يعود إلى الحلية، إذا حصل له الإستبراء، وذلك بأن يمنع من أكل العذرة لمدة يخرج بها عن صدق الجلال عليه.

س: ما هي المدة التي يزول فيها عن الحيوان ذلك الاسم؟…

ج: لقد حددت المدة في كل حيوان على حدة، الإبل حدد فيه أربعون يوماً، وفي البقر ثلاثون يوماً، وفي الشاة عشرة أيام، وفي مثل البطة خمسة أيام، وفي مثل الدجاجة ثلاثة أيام، وفي السمك يوم وليلة.

هذا واعتبار ذهاب هذه المدة ومضيها في الإستبراء، إنما هو بنحو الاستحباب، وليس واجباً، بل المدار هو انتفاء اسم الجلال عنه.

الثاني:إذا رضع الجدي حليب خنـزيرة فله حالات يختلف حكمه باختلافها، وهي:

1-أن يكون في مرحلة الإرتضاع ويرتضع من ثديها ويشتد عظمه وينمو لحمه على ذلك اللبن، فإنه يحكم بحرمة لحمه وحرمة لبنه، وكذا بحرمة لحم نسله ولبنه مهما تعددت أجياله.

2-مثل الحالة الأولى ولكن لم يصل إلى مرحلة اشتداد العظم ونمو اللحم، فإنه يحكم بحرمته، ولكنه إذا منع عنها وألقى على ضرع شاة سبعة أيام حل بعد ذلك.

3-مثل الحالة الأولى ولكنه لم يرتضع من ثديها، فإنه لا يحرم بذلك، بل إنه لا يحرم أيضاً في هذه الحالة إذا تجاوز مرحلة الإرتضاع.

4-مثل الحالة الأولى ولكنه قد تجاوز مرحلة الإرتضاع، فإنه يحرم بذلك ولكنه يحل إذا أعطي علفاً طاهراً مدة يزول عنه فيها اسم الجلال عرفاً عنه.

س: هل يلحق بالخنـزيرة الكلبة والكافرة؟…

ج: لا تلحق الكلبة والكافرة بالخنـزيرة في الحكم.

الثالث: إذا جامع الإنسان البهيمة، وتحقق منه إدخال عضوه في فرج أنثى الحيوان أو دبرها، أو في دبر الذكر من الحيوان، حرم بذلك لحم الحيوان المدخول فيه ولبنه.

ووقع الخلاف في حرمة نسله، المتجدد بعد الوطئ، فأفتى بعض فقهائنا، بينما احتاط آخرون.

ولابد لتحقق الحرمة من كون الحيوان مأكول اللحم، سواء كان مما يطلب لحمه كمثل الغنم والبقر، أو مما يركب ظهره ويقلُ أكل لحمه كالحصان والحمار.

وكذا لابد أن يكون من ذوات الأربع، وأن يكون حياً حال وطئه غير ميت.

أما من جهة الفاعل البالغ فإنه لا فرق في تحقق الحرمة بفعله بين ما لو كان عاقلاً أو مجنوناً، عالماً أو جاهلاً، مختاراً أو مكرهاً، بل وكذا حكم الفاعل غير البالغ على الأحوط.

س: ماذا يفعل في الحيوان الموطئ، وقد حكم بحرمة أكل لحمه، وحرمة شرب حليـبه؟…

ج:يجب ذبح ذلك الحيوان الموطئ إذا كان مما يطلب لحمه، ثم إحراقه بعد موته، أما إذا كان الحيوان مما يركب ظهره، كالحصان والحمار، فإنه يجب نفيه إلى بلد آخر ورفع يد المالك والفاعل عنه وبيعه إلى طرف ثالث.

س: ماذا يجب على الفاعل الذي وطئ الحيوان؟…

ج: على الفاعل إذا لم يكن هو المالك أن يغرم قيمته للمالك، بعدما كان هو السبب في إتلافه، أما إذا كان الحيوان مما يركب، فإنه يضمن الفاعل قيمته للمالك، ويقوم المالك ببيعه، ويرد القيمة للفاعل.

س: لو اشتبه الحيوان الموطوء بين القطيع، فلم يعرف، فماذا يفعل حينئذٍ؟…

ج: إذا اشتبه الحيوان الموطوء في قطيعه، فم يتميز أخرج واحداً منه بالقرعة، وفعل به ما تقدم بيانه من الحكم.

س: هل يحرم الحيوان المحلل إذا أكل أو شرب شيئاً من الأعيان المحرمة، أو النجسة غير العذرة، مثلاً لو تغذى على أكل الميتة، أو مثلاً شرب الخمر؟…

ج:لا يحرم الحيوان المحلل إذا أكل أو شرب شيئاً من الأعيان المحرمة أو النجسة غير العذرة، نعم إذا شرب الخمر فسكر، وجب تجنب ما حواه جوفه من القلب والكبد والكرش ونحوها وإن غسل على الأحوط وجوباً.

حكم حيوان البحر:
لا يحل من حيوان البحر إلا كل سمكة أشتمل ظاهر جلدها على ما يعرف بـ(الفلس) وهو: دوائر صغيرة متراصة من القشور القاسية التي تنـزع عنها عند تحضيرها للطهي.
وقد ألحق الفقهاء بما له فلس أصناف جراد البحر، التي تسمى بالروبيان، أو الأربيان، وتسمى في بعض البلدان العربية بالقريدس، لأن لها جلداً خارجياً ينـزع عنها عند طهيها هو بمثابة الفلس، دون ما هو مثل الكركند أو السرطان، لأن جلدها القاسي الموجود عليها هو جلدها الوحيد الأساسي.
فيحرم بهذه القاعدة كل حيوان بحري أو سمكة لا تشتمل على الفلس، أو ذلك الجلد، ابتداءاً من حوت البحر وفرسه وانتهاء بأنواعٍ لا تحصى من الكائنات البحرية، مثل المحار ونجم البحر والأفاعي والحلزون وغيرها، وكذلك يلحق بها أصناف من الحيوانات البرمائية، مثل: الضفدع والتمساح والسلاحف، ومثل فرس البحر وغيرها.
س:إذا زال ما على السمكة من فلس لعارض، ككثرة احتكاكه بقاع البحر وصخوره مثلاً، أو لسوء خلقه كما يذكر في الكنعد، فهل يضر ذلك في حليته، فيحكم بحرمة أكله؟…
ج:إذا زال الفلس من على السمكة لعارض مثلاً، فإن ذلك لا يضر في حليته ما دام من صنف الأسماك التي لها فلس.
س: ما هو حكم بيض السمك من جهة الحلية والحرمة؟…
ج: بيض السمك تابع له في الحلية والحرمة، فالحلال من السمك بيضه حلال، والحرام منه بيضه حرام.
س: هل يشترط لحلية أكل السمك العلم بكون السمك المأكول له فلس؟…
ج: نعم يشترط ذلك، فلابد من العلم بوجود الفلس ليحل أكله، فلو شك في وجوده لم يجز الأكل قبل تحصيل العلم به، نعم يكفي حصول الاطمئنان من شهادة البائع وغيره من أهل الخبرة.
س: يوجد بعض المعلبات التي تحتوي على لحم السمك، ويكتب عليها شهادة بأن هذا السمك حلال، لكونه من السمك الذي له فلس، فهل يجوز أكله؟…
ج:إذا حصل للمكلف الاطمئنان بصدق الصانع أو المعلب لهذا السمك، فإنه يجوز له حينئذٍ أكله.
س: هل أن أخذ السمك من يد بائع مسلم، كافٍ لإحراز أن له فلساً فيحل أكله؟…
ج: إن مجرد أخذ السمك وشراؤه من بائع مسلم، لا يكفي لذلك، بل لابد من إحراز أن له فلساً، إما من خلال العلم، أو الاطمئنان بذلك، لأن في المسلمين من يستحل أكل السمك الذي لا فلس له.

سمك التونا المعلب:

س: ما حكم تناول سمك التونا المعلب؟…

ج:سمك التونا إذا كان من السمك الذي له فلس، وكنا نحرز أنه قد ذكي، فلا إشكال في جواز أكله، أما إذا لم يكن من السمك الذي له فلس، أو لم يحرز أنه قد ذكي، فلا يجوز أكله، والله العالم.