29 مارس,2024

أحكام الرضاع

اطبع المقالة اطبع المقالة

قال تعالى:- (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)
تتحدث الآية المباركة عن أحد الأمور التكوينية الاجتماعية،من خلال أسلوب يشعر بالعطف والحنان والألفة وهو تنشئة الأطفال من خلال عملية الإرضاع الطبيعي للطفل من قبل أمه.
هذا وترشد الآية المباركة إلى نقطة غاية في الأهمية وهي أهمية لبن الأم للطفل حيث أثبتت الدراسات العلمية أن رضاعها له في فترة الطفولة الأولى وهي مدة الحولين ضروري جداً لنموه نمواً سليماً،فضلاً عما لذلك من أكبر الأثر على أخلاقيات الطفل النفسية والسلوكية،وهذا المعنى أشارت له عدة نصوص من أهل البيت(ع)حيث نهت عن استرضاع الحمقاء واليهودية وما شابه.
ثم إن للرضاع أحكاماً يترتب عليها عدة أمور أهمها وجود علاقة الأمومة بين المرضعة والمرتضع وثبوت الأخوة بين المرتضع وأبنائها وثبوت البنوة بين صاحب اللبن وبين المرتضع.
وبعبارة أخرى:إذا أرضعت امرأة طفلاً بالشروط التي سنذكرها صار ذلك الطفل المرتضع محرما لمن يأتي ذكرهم:
1-المرأة التي أرضعته فأنها تصبح أمه الرضاعية.
2-زوج هذه المرأة المرضعة وهو صاحب اللبن فإنه أبوه الرضاعي.
3-والدا المرأة المرضعة وإن علوا فيشمل أجدادها وإن طالت السلسلة،وحتى لو كانا والديها من الرضاعة.
4-أبناء المرأة المرضعة سواء الذين قد ولدوا ووجدوا أم الذين سيولدون.
5-أحفاد المرأة المرضعة وأحفاد أولادها وأحفاد أحفادها وهكذا سواء الموجود منهم أم الذي سيولد ويوجد فيما بعد.
6-أخوة وأخوات المرضعة حتى وإن كانت الأخوة بينها وبينهم من الرضاعة.
7-أعمام وعمات المرأة المرضعة حتى وإن كانت العمومة قد حصلت من خلال الرضاعة لا من خلال النسب.
8-أخوال وخالات المرضعة حتى وإن كانت الخؤولة حاصلة من الرضاعة.
9-أولاد زوج المرضعة وهو صاحب اللبن وأحفاده وأحفاد أحفاده وهكذا حتى لو كانت بنوته لهم الرضاعة.
10-والدا زوج المرضعة الذي هو صاحب اللبن كما عرفنا وأجداده.
11-أخوة وأخوات زوج المرضعة حتى وإن كانت أخوته لهم من الرضاعة.
12-أعمام وعمات وأخوال وخالات زوج المرضعة وإن علوا،من دون فرق بين كون العلاقة قد ثبت بينهم من خلال النسب أم كان ثبوتها بينهم من خلال الرضاعة.
ثم إنه بعد ثبوت هذه العلاقة النسبية بين المرتضع وبين من ذكرنا سوف يحرم عليه النكاح فيهم كما سيحرم عليهم النكاح في أولاده،ولذا ورد عن النبي الأكرم محمد(ص) قوله:يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
ومعنى هذا الحديث الشريف:أن كل امرأة حرمت عليك بسبب ثبوت النسب بينك وبينها كالأم مثلاً فإنها تحرم عليك إذا ثبت بينك وبينها نسب سببي من خلال الرضاع.
ومن هنا جعل فقهائنا أعلى الله كلمتهم وأنار برهانهم الرضاع أحد محرمات النكاح.
لكن هذه العلاقة إنما تترتب عليها الآثار لتحقق المحرمية وحرمة النكاح متى ما توفرت مجموعة من الشروط وهي كالتالي:
1-أن يتناول الطفل الحليب من مرضعة حية،فلا يكفي لنشر الحرمة أن يرتضع من امرأة ميتة،بلا فرق بين حصول ارتضاعه منها كل الرضاعات أو بعضها،مثلاً لو ارتضع منها بعض الرضاعات ثم ماتت وأكمل بقية الرضعات منها حال موتها فإن ذلك الإرتضاع لا ينفع لإثبات الحرمة التي سبق وذكرناه .
نعم حكم النائمة والمغمى عليها هو حكم الحية حيث يكتفى بمجرد الحياة ولذا لو دب الطفل إليها وهي نائمة أو مغمى عليها وارتضع منها وكان بتلك الرضعة إكمال المقدار المطلوب كان ذلك كافياً لترتب الأثر.
2-أن يكون اللبن من امرأة متـزوجة زواجاً شرعياً لتكون الولادة حاصلة من طريق شرعي،فلو حصل اللبن من غير ولادة أو أنه حصل لكن من ولادة بطريق غير شرعي كالزنا فأرضعت منه طفلاً فلا أثر لهذا الإرضاع في نشر الحرمة.
ولا فرق في الرضاع الناشر للحرمة الحاصل من وطي شرعي وإن حرم بالعرض كالوطي في أثناء الحيض أو أثناء الإحرام مثلاً.
3-أن يكون شرب الطفل للحليب عن طريق الامتصاص المباشر من الثدي،فلا أثر لشربه من خلال جهاز المص ،أو من خلال التقطير في فمه،أو من خلال الآلات الحديثة،أو بتحويله إلى جبن ثم أكله الطفل،أو حلب اللبن ثم أرضع للطفل.
س:لو أن الأم استخدمت آلة حديثة بحيث قامت بتثبيتها على رأس ثديها ثم ألقمتها الطفل، فهل يكون هذا الرضاع ناشراً للحرمة مع توفر الشروط الأخرى؟…
ج:إذا صدق في مثل هذه الحالة أن الطفل قد تناول اللبن من خلال امتصاص الثدي والتقامه له فلا إشكال في ترتب الحرمة وإلا فلا.
4-أن لا يكون اللبن ممزوجاً بشيء آخر كالماء،أو غيره من المائعات،ويعتبر أيضاً أن لا يمزج معه شيء كالسكر،وإلا كان الرضاع بلا أثر أصلاً.
5-أن يستفيد الطفل من الحليب إذا شربه،بمعنى أن لا يتقيأه بسبب وجود مرض عنده،فلو تقيأه كان الإرضاع كعدمه.
6-أن يكون الحليب الذي يشربه الطفل حاصلاً من ارتباط المرضعة بشخص واحد،ولذا لو أرضعته فتـرة من حليب زوج ثم طلقت وتزوجت زوجاً آخر،وأرضعته بقية الرضعات،لم يكن لهذا الإرضاع أثر،وذلك بسبب تعدد الزوج.
وبعبارة أوضح:لابد من أن يكون اللبن من زوج واحد،وعلى هذا لو كانت المرأة المرضعة متـزوجة من زيد ثم طلقها وتزوجها عمرو فحملت منه وبقى لبن الزوج الأول في ثديها إلى حين وضعها حملها ورضعت طفلاً مثلاً بعض الرضعات من لبن الزوج الأول،ثم أكملت بقية الرضعات من لبن الزوج الثاني لا يصبح ذلك الطفل ولداً ولا يكون محرما مع أحد.
7-أن يكون الرضاع قد ترك أثراً فعلياً على الرضيع بحيث أنبت لحمه وشدّ عظمه،ويكشف عن ذلك أحد أمور ثلاثة وردت في الأخبار وذكرها فقهائنا الأخيار:
الأول:الأثر:وهو أن يرضع بمقدار ينبت فيه اللحم ويشتد معه العظم،ويكفي فيهما الإنبات والشد بنحو ما يصدقان عليه عرفاً.
الثاني:الزمان:بأن يرتضع من المرضعة يوماً وليلة مع اتصالهما وأن يكون غذاؤه في هذه المدة منحصراً بلبنها بحيث يرتضع كلما احتاج إلى الرضاع أو رغب فيه،نعم لا يقدح في تحقق الإنحصار شربه الماء للعطش ولا ما يأكل أو ما يشرب من دواء.
ويكفي في تحقق اليوم والليلة المعتبر تحققهما ولو بنحو التلفيق سواء ابتدأ الرضاع أثناء النهار أم كان ابتدائه أثناء الليل.
الثالث:العدد:وقد وقع محل خلاف بين فقهائنا،فقال بعضهم بكفاية عشر رضعات بينما أختار آخرون اعتبار خمسة عشر رضعة.
ويعتبر في التقدير بالعدد توالي الرضعات بمعنى أن لا يفصل بينها رضاع امرأة أخرى،نعم لا يمنع من تحقق التوالي ما يتناوله الرضيع من المأكول أو المشروب.
ويعتبر فيه أيضاً أن يكون جميع العدد المطلوب من امرأة واحدة فلا يكفي التلفيق بين مرضعتين لحصول الأثر المراد حصوله من الرضاع.
ويعتبر ثالثاً:كمال الرضعة بأن يروى الصبي ثم يمتنع عن الشرب من قبل نفسه،أما لو كانت الرضعة ناقصة فإنها لا تحتسب.
8-أن لا يتجاوز عمر الرضيع العامين،فلو أكمل الطفل العامين واستمر على الإرتضاع،لم يكن لإرتضاعه هذا أثر في نشر الحرمة.