29 مارس,2024

أحكام البنوك

اطبع المقالة اطبع المقالة

مدخل:

تعتبر مسائل البنوك من المسائل المستحدثة التي لم تكن في عهد النبي الأكرم(ص)الأئمة الطاهرين(ع).

وهي اليوم ضرورية للناس وذات أهمية كبيرة،كما أنها تعتبر أحد الأركان الأساسية في النظم الاقتصادية.

أسباب استحداث البنوك:

ويمكن أن تذكر بعض الأسباب التي دعت إلى إيجاد البنوك في المجتمعات:

1-الاحتفاظ بالأموال في مركز خاص يكون مجهزاً بالوسائل الأمنية،مما يحفظها عن السرقة.

2-محاولة التسهيل على الناس في معاملاتهم،خصوصاً المعاملات الكبيرة التي تنطوي على أموال كثيرة،فيحتاج إلى وجود مركز خاص يقوم بعملية الوساطة بين المتعاملين في إعطاء الحوالات أو الصكوك وما شابه.

3-سهولة نقل الأموال من بلد إلى بلد آخر.

ملكية الدولة:

من الأمور التي ترتبط ببحثنا مسألة ملكية الدولة،ومرادنا من ذلك هو الإجابة على سؤال مفاده:هل أن الدولة تملك أو لا؟…

من الواضح أن معنى الدولة،يعني الحكومة الموجودة في كل عصر،فهل أن هذه الحكومة في أعمالها التي تقوم بها تملك إذناً شرعياً من قبل الأئمة الطاهرين(ع)،أو من قبل الفقهاء الذين هم النواب عنهم(ع) في عصر الغيبة،أو لا؟…

فإن كان جوابنا بأن هؤلاء يملكون إذناً بجواز التصرف،وإجراء المعاملات بين الناس،فهذا يعني أن الدولة تملك.

وعليه يجب التعامل معها،على طبق هذا المعنى أعني كونها مالكة لما تحت يدها،فلا يكون من المال المجهول مالكه.

أما لو قلنا أنهم لا يملكون هذا الإذن،لا من المعصوم(ع) ولا من الفقهاء الذين هم النواب في عصر الغيبة،فمعنى ذلك هو القول بعدم ملكية الدولة،وهذا يعني ترتب مجموعة من الأحكام حينئذٍ تغاير الأحكام التي تترتب على القول بملكية الدولة.

وعلى أي حال ففي المسألة اختلاف بين العلماء،حيث قال بعضهم أن الدولة تملك،وقال آخرون بأنها لا تملك.

أقسام البنوك:

تنقسم البنوك إلى ثلاثة أقسام:

1-البنك الحكومي:وهو البنك الذي يكون تمويله-رأس ماله-من قبل الحكومة نفسها،فلا مساهمة فيه أصلاً للشعب.

وبالجملة هذه البنوك هي التي تقوم بتأسيسها الحكومة المسلمة في البلدان،فهي التي تضع رأس مالها،وتعين موظفيها،وتقوم بكل ما تحتاج إليه من لوازم.

2-البنك الأهلي:وهو عكس القسم السابق بمعنى أن تمويله-رأس ماله-كله من قبل الشعب فقط فلا يوجد للحكومة فيه شيء أصلاً.

وهذا البنك عادة يكون لشخص واحد،أو لعدة أشخاص،أو لشركة يملكها شخص أو أشخاص مشتركين.

وقد يكون هذا البنك مكون من رأس مال من مسلم،ومن غير المسلم،فعندها إذا كان الأكثر مساهمة هم المسلمون فإنه يعامل معاملة البنك الإسلامي.

3-البنك المشترك:وهو الذي يكون تمويله-رأس ماله-مقسماً بين الشعب وبين الحكومة،بحيث تكون هناك مساهمة من قبل الحكومة بمقدار،ويكون من الشعب مقدار آخر،وقد تختلف النسبة،فتكون النسبة الأكثر للشعب،والبقية للحكومة،وقد يكون بالعكس،يعني أن الأكثرية للحكومة،والبقية للشعب.

ثم إنه بناء على القول بملكية الدولة،يكون لتقسيم البنوك إلى ثلاثة أقسام معنى له ثمرة عملية،لأنه سيختلف الحكم بين أقسام البنوك بناء على القول بذلك،بينما لو قلنا أنها تملك فسوف يكون الحكم في الجميع واحداً فلا نحتاج إلى بيان الأقسام الثلاثة.

أحكام البنوك:

توجد للبنوك عدة أحكام نحاول أن نشير هنا إلى أهم تلك المسائل سائلين من الله سبحانه الموفقية والتسديد:

الإيداع في البنك:

توجد في البنك ثلاثة أنواع من الإيداعات وهي:

1-الحساب الجاري،وهي ودائع تحت الطلب،ولمودعها الحق في أن يسحب أي مبلغ على البنك شرط أن لا تزيد قيمة المبلغ المسحوب عما هو له من الرصيد عنده.

2-حساب الادخار أو التوفير،وهو عبارة عن رأس مال يقدمه العميل للبنك بدافع الاستثمار والادخار،وليس له الحق في المطالبة بها في تلك الفترة المحددة..

3-حساب الودائع،وتعرف بودائع التوفير،وهي لا تختلف عن القسم الثاني،إلا من جهة أن البنك ملتزم بتقديم الفائدة عليها ولو بنسبة ضئيلة.

وهذه الإيداعات الثلاثة تعتبر قرضاً من الشخص المودع للبنك،فتنطبق عليها جميع الأحكام التي تنطبق على القرض.

فكما أن الإنسان الذي يقرض شخصاً لا يجوز له أن يأخذ منه فائدة على ماله لكونه من الربا المحرم،فكذلك لا يجوز لمن أودع ماله أن يشترط على البنك إعطائه فائدة على ماله لكونه من الربا المحرم أيضاً.

وكما يستحب للمقترض أن يرجع المال إلى صاحبه ويعطيه شيئاً إضافياً عليه،كذلك يستحب للبنك أن يعطي الشخص الذي أودع ماله فيه زيادة من عنده.

نعم لو أن الإنسان أودع ماله في البنك،ولم يشترط على البنك أن يعطيه الفائدة،لكنه كان يعلم أن البنك سوف يعطيه فائدة،لعلمه المسبق أن البنك يعطي فائدة لكل من أودع ماله عنده،ففي هذه الحالة هل يجوز له إيداع أمواله في البنك،وهل يجوز له أخذ هذه الفائدة أو لا؟…

أقول:أما أصل الإيداع،فالظاهر أن العلماء متفقون على جوازه في مثل هذه الحالة،لكن اختلفوا في أنه هل يحق له أن يأخذ هذه الفائدة التي يعطيها البنك دون أن يشترط الإنسان مع أنه يعلم بأن البنك سوف يعطيه إياها،فقال بعضهم بعدم جواز أخذها،لكونها من الربا المحرم،وقال آخرون بجواز أخذها.

ثم بناء على القول بجواز أخذها،يفصل بين كون الفائدة حصلت له من بنك حكومي،أو مشترك،أو من بنك أهلي.

فإذا كانت الفائدة قد حصلت له من بنك حكومي أو مشترك فعليه أن يدفع قسماً منها للفقراء،أما لو حصلت له من بنك أهلي فجميع الفائدة له.

س:لماذا جعل المال الذي يودع في البنك قرضاً،مع أن البنك يسميها وديعة؟…

ج:إن تسمية البنك لها بالوديعة لا يعني لنا من الناحية الشرعية شيئاً،بل لابد من أن تنطبق على هذه العملية أحكام الوديعة الشرعية،فإذا كانت منطبقة،كان حكمها حينئذٍ حكم الوديعة،أما لو لم تنطبق عليها أحكام الوديعة،فلابد من أن نبحث لها عن عنوان آخر تنطبق عليه.

وقد وجد الفقهاء أن العنوان الذي ينطبق على هذه المعاملة هو عنوان القرض،فقالوا أن هذه المعاملة قرض.

تعلق الخمس بالمال المودع في البنك:

وما دمنا في معرض الحديث عن إيداع الأموال في البنك،فلنشر لبعض المسائل المتعلقة بذلك،وإن لم تكن من المسائل البنكية،لكنها ترتبط بها:

س:إذا كان عند الإنسان مال في يده،ولنفرض أن مقداره مثلاً خمسون ألف ريال،وأراد إيداعه في البنك،ففي مثل هذه الحالة هل يتعلق به الحق الشرعي أعني الخمس،أو لا؟…

ج:في مثل هذه الحالة لما كان الإنسان مالكاً للمال في يده،وقام بوضعه في البنك،ففي هذه الحالة يتعلق به الخمس،وتوضيح ذلك:

ذكرنا فيما تقدم أن بعض العلماء يقول بملكية الدولة،وبعضهم لا يقول بذلك،فعلى القول بأن الدولة مالكة،تبقى هذه الأموال التي وضعها الإنسان في البنك على ملكه،ولهذا يتعلق بها الحق الشرعي،لكونها داخلة في ملكه.

أما لو قلنا أن الدولة لا تملك،فهذا المال الذي وضعه في البنك يكون قد خرج من تحت ملكه إذا وضعه في بنك حكومي،أو في بنك مشترك،فالمفروض أنه لا يتعلق به الخمس لكونه ليس مالكاً له،وهذا كلام صحيح.

لكن تأتينا جهة أخرى،وهي أنه عندما وضع المال في البنك،وتحول إلى مال مجهول المالك،يكون قد أتلف هذا المال،ومعنى ذلك أنه مال زائد على مؤونته.

وقد عرفنا في باب الخمس أن المال الزائد على المؤونة حتى لو أنفقه الإنسان،ولم يكن من شأنه أن ينفق ذلك المال،يعني كان مسرفاً يتعلق به الخمس.

س:لو كان الشخص يودع ماله في البنك لكن دون أن يحصل له قبض لذلك المال،مثلاً كان الشخص يعمل في إحدى الشركات،وكانت تلك الشركة تحول له راتبه على حسابه في البنك مباشرة دون أن يقوم هو بقبضه،ففي هذه الحالة هل يتعلق الخمس بهذا المال الذي جعله في البنك؟…

ج:في مفروض السؤال،لا يتعلق الخمس بهذا المال،إذا كان الشخص يقلد من يقول بعدم ملكية الدولة،لأن هذا المال في الواقع مال مجهول المالك،فهو لا يملكه،فكيف يتعلق الخمس به،حتى وإن كان في حسابه البنكي.

نعم لو كان يقلد من يقول بملكية الدولة،فإن هذا المال يتعلق به الخمس متى دخل في حسابه،لأنه يننتفي عنه عنوان مجهول المالك.

صناديق الاستثمار:

وهو ما يسمى اليوم بمشروع الريال،وقد يكون بأي عملة أخرى،فالشخص يضع بعض المال في البنك،ويقوم البنك بعملية العمل بها،وبعد فترة من الزمن يعطى الإنسان أرباحاً على ذلك المال،بنسبة معينة متفق عليها.

وهذا العمل جائز أيضاً لكونه يدخل تحت مصاديق المضاربة الشرعية،ويحل جميع المال الذي يعطى للإنسان كفوائد على هذا المال،دون فرق بين البنك الحكومي،أو المشترك،أو الأهلي.

نعم هنا يأتي أن المال الذي يحصل عليه الشخص من البنك الحكومي،أو المشترك مال مجهول المالك،وسيأتي منا توضيحه.

ومن مصاديق الاستثمار الذي يدخل تحت عنوان المضاربة أيضاً برنامج أمان،وهو ما يقصد منه حماية أهداف العائلة،وقد تختلف تسميته من بنك لآخر.

وعلى أي حال هذه المعاملة عبارة عن اتفاق بين طرفين يقوم من خلاله الطرف الأول وهو العميل بدفع مبلغ من المال مقدر شهرياً لمدة زمنية محددة إلى البنك يتوخى من خلالها تأمين المستقبل المعيشي لأطفاله،ويقوم البنك بالعمل بهذه الأموال،ويعطيه عليها أرباحاً،وهذه المعاملة تخرج أيضاً على المضاربة،فلا إشكال فيها من الناحية الشرعية.

هذا ولهذه المعاملة عدة جهات وأنواع تطلب من الجهات المختصة المسؤولة في الأعمال البنكية،وقد أعرضنا عن ذكرها لعدم مدخليتها في الحكم الشرعي.

بطاقة الائتمان:

وهي تعتبر اليوم إحدى الخدمات المصرفية،لما تحققه من أمان لأموال الشخص بدل حملها في السفر،والحضر،لأن في حمل الأموال خطر على المال من الضياع أو السرقة.

وقد وفرت له هذه البطاقة الراحة،إذ بدل حمل النقود يمكنه أن يعتمد عليها في التسوق اليومي،في جميع المجالات.

أنواع بطاقات الائتمان:

ذكروا أن بطاقات الائتمان على ثلاثة أسام:

1-البطاقة التي يصدرها البنك شرط أن يكون للعميل حساب عنده،أو عند بنك آخر،كما يشترط أن لا يكون حساب العميل أقل من الحد الأعلى(أعلى مقدار تعطيه إياه البطاقة)الذي توفره له البطاقة،كما لا يسمح له أن ينخفض رصيد الحساب عن ذلك المبلغ المذكور.

فكلما استخدم العميل البطاقة في شراء حاجياته وتوفير متطلباته،يقوم البنك بالسحب من رصيده مباشرة لتسديد قيمة الفواتير المرسلة إلى البنك من قبل التاجر الذين اشترى منهم البضاعة.

2-وهي بطاقة الائتمان العادية،وتمتاز هذه البطاقة عن البطاقة السابقة،بأنه لا يشترط البنك أن يكون عند العميل حساب مالي،لا يقل عن الحد الأعلى للائتمان الذي توفره له البطاقة،وبعبارة أخرى لا يكون الحصول عليها مشروطاً بوجود ذلك الحساب.

وعلى هذا عندما يقوم الفرد باستخدام البطاقة لشراء السلع،أو الخدمة من التجار،فيحصل بصورة أتوماتيكية على قرض ائتمان مساوٍ لقيمة السلعة،أو الخدمة من البنك الذي صدر له البطاقة.

هذا ويحدد لكل عميل الحد الأعلى للقرض من الائتمان الذي توفر له البطاقة.

3-وهي بطاقة الائتمان القرضية،وتمتاز عن البطاقة السابقة،بأن الائتمان الذي تفيده هو عدم إلزام حامل البطاقة بدفع المبلغ تماماً عند تسلمه للفاتورة الشهرية،والغالب أنه يلزم بدفع نسبة ضئيلة منه،ويبقى الباقي في ذمته،ويقوم شهرياً بدفع فوائد التأخير،وتحسب الفوائد بصفة يومية على المبالغ المتبقية،وأشهر أنواع هذه البطاقات بطاقة فيزا،وهي على ثلاثة أنواع،لكن ذلك لا يؤثر في حكمها الشرعي.

ثم إن هذا التقسيم الذي ذكرناه،إنما هو بلحاظ بعض الاختلافات،لكن المتخصصين يذكرون أن بطاقة الائتمان على قسمين فقط،بكون القسم الثاني والثالث شيئاً.

أطراف بطاقة الائتمان:

بعدما تعرفنا على بطاقة الائتمان،اتضح لنا أن أطرافها ثلاثة:

1-الجهة التي تصدر البطاقة،وهي البنك،وقد تكون من إحدى الشركات العامة،أو الخاصة.

2-الجهة التي تحمل البطاقة،وهي هنا عبارة عن العميل،الآخذ للبطاقة ليستفيد منها،بالتسوق مثلاً.

3-الجهة التي تقبل البطاقة،وهي عملاء البيع،والتجار الذين يشتري الشخص منهم بواسطة البطاقة.

فحامل البطاقة عندما يرغب في الشراء مثلاُ يقوم بإبراز البطاقة إلى التاجر،فيقدم له التاجر ما يريده من السلع،أو الخدمة،أو النقود.

ثم يقوم التاجر بتسجيل رقم بطاقته وتوقيعه على قسيمة تبين ثمن السلعة،أو الخدمة بعد التأكد من صحة البطاقة وتاريخ انتهاء صلاحيتها.

بعد هذا يقوم التاجر بتقديم هذه القسيمة إلى البنك،ليحصل على المبلغ المطروح فيها،مع خصم مقدار منه،يمكن تقديره من 1إلى 4أو أكثر حسب الاختلاف في بطاقات الائتمان.

وهذا التسديد من البنك مع قطع النظر أن حامل البطاقة قام بالتسديد للبنك،أو لا.

التخريج الفقهي لبطاقة الائتمان:

والظاهر أنه لا إشكال عندنا في البناء على جواز الانتفاع من بطاقات الائتمان،لكونها من مصاديق الحوالة،توضيح ذلك:

إن حامل البطاقة عندما يقوم بالشراء من التاجر باستخدامه البطاقة،تشتغل ذمته بقيمة التجارة المشتراة،فيكون العميل وهو المشتري حينئذٍ مديناً،والتاجر دائناً،فيقوم حامل البطاقة(العميل)المدين بإحالة التاجر على البنك،ويكون توقيعه على الفاتورة المرسلة إلى البنك إحالة عليه،والتاجر يقبل هذه الإحالة.

وعلى هذا تكون علاقة التاجر مع البنك علاقة المحال والمحال عليه.

س:عرفنا فيما سبق أن المال الذي يوجد في البنك الحكومي،أو المشترك من المال المجهول المالك،بمعنى أنه ليس مملوكاً لمن كان المال في رصيده،فكيف يحيل صاحب الرصيد وهو العميل الذي قام بعملية الشراء التاجر للأخذ من هذا المال الذي لا يملكه؟…

ج:إن هناك إذناً للتاجر من الحاكم الشرعي بسحب مقدار الدين فقط من هذا المال المجهول مالكه وتملكه له نيابة عن الحاكم الشرعي.

هذا ويمكننا أن نخرج هذه العملية بصورة أخرى بأن نحملها على الضمان العقدي،بمعنى أن البنك يتعهد بأداء ديون العميل وهو حامل البطاقة،فتكون ديونه في مسؤوليته.

وعلى هذا سيـبقى الدين في ذمة العميل،لكن البنك جعل نفسه مسؤولاً عن أداء دينه،فإذا قام البنك بأدائه تكون ذمة العميل مشغولة للبنك بالدين الذي دفعه عنه،وتبرأ ذمة العميل عند التاجر لأن البنك قد دفع عنه.

س:هل يمكن أن نجعل العلاقة بين العميل حامل البطاقة وبين البنك علاقة القرض،فالبنك يكون قد أقرض العميل مبلغاً من المال وهو الذي يطلبه التاجر منه بصورة أتوماتيكية،وبمعنى أوضح:إن العميل بمجرد صرفه للبطاقة من البنك وأخذها منه يكون قد حصل على قرض أتوماتيكيا من البنك بمقدار الحد المالي الموجود في البطاقة؟…

ج:لا يمكن أن تكون العلاقة بينهما علاقة قرض،لأنه يعتبر في صحة القرض أن يقبض الشخص الذي يقترض المبلغ الذي اقترضه،وهذا غير موجود في شيء من صيغ البطاقة الائتمانية.

نعم لو وكل العميل البنك عنه في قبض القرض من البنك،ثم قام البنك بأداء دينه عنه،لصح تخريجها على القرض.

ولكن حتى هذا التوجيه يواجه مشكلة لمن يقلد من لا يرى ملكية الدولة وكانت المعاملة مع بنك حكومي،أو بنك مشترك،حيث أن المال الموجود عندهما مجهول المالك،كما أن ملكيتهما بحاجة إلى إذن،وهو غير حاصل كما عرفت.

العمولة التي تأخذ على بطاقة الائتمان:

عرفنا أن البنك يأخذ عملة لقيامه بإعطاء الإنسان هذه البطاقة،لكن السؤال،ما هو التخريج الفقهي لهذا المال الذي يأخذه من العميل لقاء قيامه بهذه الخدمة؟…

ويمكن أن يجاب عن ذلك،بأننا نخرجها من باب الجعالة،بمعنى أن العميل يجعل أجراً وجعلاً للبنك لقيامه بهذه الخدمة،فكأنه يقول له،إذا زودتني بالبطاقة الائتمانية،فلك مني مبلغ كذا من المال في بداية كل شهر.

وهناك وجوه أخرى يمكننا أن نخرج هذا المال المأخوذ عليها،أعرضنا عن ذكرها طلباً للاختصار.

القرض من البنك:

يجوز للإنسان أن يقتـرض من البنك متى كان محتاجاً إلى القرض،بل حتى لو لم يكن بحاجة إلى ذلك فإنه يجوز له الاقتراض.

لكن ينبغي عليه أن يلحظ أن هناك فرقاً بحسب البنك الذي سوف يقترض منه،فلو كان البنك أهلياً،يجوز الاقتراض منه بعنوان القرض،ولكن تبقى مشكلة أن البنك الأهلي سوف يأخذ منه فوائد على هذا القرض،بمعنى أنه اقتـرض مائة ألف ريال،فيتوجب عليه مثلاً أن يرجعها مائة وعشرة آلاف ريال،فما هو الحكم حينئذٍ،هل يبقى الجواز على حاله،أو أنه إذا علم بأن البنك سوف يأخذ منه ربا فلا يجوز له أن يقترض من البنك؟…

نقول:يجوز له حتى في هذه الحالة أن يأخذ المال من البنك،ويمكننا علاج الربا بأحد وجهين:

1-أن يقوم الشخص المقترض بشراء بضاعة من صاحب البنك،أو من وكيله بضاعة بأكثر من قيمتها الحقيقية بنسبة عشرة في المئة مثلاً إلى مدة سنة،فإذا قبض العميل السلعة من البنك وتملكها بالبيع باعها على البنك،أو على غيره فيقبض قييمتها حينئذٍ نقداً وهو قيمتها الواقعية التي أقل من سعر الشراء بعشرة في المئة،وتبقى ذمته مشغولة للبنك بقيمتها مع زيادة عشرة في المئة إلى مدة سنة.

2-أن يقوم الشخص الذي ينوي الاقتراض بشراء مبلغ من المال من عند البنك لنفرض أنه التومان،ويؤدي له قيمة هذا المبلغ بالريال،ومن المعلوم أن سعر الريال أرفع من سعر التومان،فعندئذٍ سوف يعطي الشخص البنك مبلغاً إضافياً على البنك الذي أخذه،لكن بعنوان البيع،لأنه من مصاديق بيع العملة،لا أنه قرض.

أما لو كان البنك حكومياً،أو مشتركاً،فإنه لا يسوغ القرض منه مطلقاً لكون المال الموجود فيه مجهول المالك،نعم يمكنه الاستفادة من هذا المال،بلحاظ الاستيلاء على المال المجهول مالكه بإذن الحاكم الشرعي،ثم تملكه له.

التأمين في البنوك:

وهو اتفاق يحصل غالباً بين شركة،من جانب وبين شخص،أو أشخاص من جانب آخر،بحيث يلتـزم الشخص بموجب هذا الاتفاق أن يدفع للشركة مبلغاً محدداً من المال،يسلمه بنحو التقسيط للشركة بصورة يتفق عليها الطرفان،ويمكنه أن يدفعه لها دفعة واحدة.

وتتعهد الشركة للشخص بأن تدفع له أو لورثته مبلغاً من المال يعوضه عن خسارته عند حدوث خطر يؤدي إلى وفاته،أو إصابته بمرض،أو حصول حادث له يسبب له تلفاً في بعض أعضائه.

وهذا هو ما يتم توضيحه خلال بوليصة التأمين ويعينانه في الوثيقة،ولهذا قد يكون التأمين على الحياة ضد موت مثلاً،كما قد يكون على صحة ضد مرض،أو ضد حرق أو عجز.

وقد يكون التأمين على مال منقول،ضد حرق أو سرقة،أو غيرهما من الطوارئ،وقد تكون هناك موارد أخرى يذكرها المتخصصون في الأمور البنكية.

وعلى أي حال هذه المعاملة لا إشكال فيها من الناحية الشرعية،وهي نافذة فيلزم على الطرفين أن يفيا بها حسب الاتفاق الحاصل بينهما.

مجهول المالك:

بقي أن نشير في الختام إلى معنى مجهول المالك الذي سبق ووعدنا ببيان معناه،فنقول:

المال المجهول مالكه هو المال الذي لا يعرف صاحبه،ولا مجال لتعيـينه وتحديده،كالمال الموجود في البنوك الحكومية والمشتركة،فإننا لا نعرف أصحابها بنحو التحديد والتميـيز فتكون لهذا السبب من المال المجهول مالكه.

بنوك غير المسلمين:

كان ما تقدم من الكلام متعلقاً بخصوص البنوك الإسلامية،ويقع حديثنا الآن عن بنوك غير المسلمين فنقول:

أقسام البنوك:

تنقسم البنوك غير الإسلامية أيضاً إلى ثلاثة أقسام:

1-بنوك أهلية بمعنى أن رأس ماله من الشعب فقط.

2-بنوك حكومية،بمعنى أن الممون لها هو الحكومة.

3-بنوك مشتركة،أي أن رأس مالها،مشترك بين الشعب والحكومة.

القرض من البنك غير الإسلامي:

لا يجوز للمسلم أن يقترض من بنوك الكفار بشرط أخذهم الزيادة عليه،لأن حرمة الربا كما تشمل المسلم تشمل الكافر أيضاً،إذا كان الذي سيدفع الفائدة هو المسلم.

نعم يمكنه أن يتخلص من مشكلة الربا بما ذكرناه في كيفية الاقتراض من البنك الأهلي الإسلامي.

أما لو كان البنك الذي سيأخذ منه القرض بنكاً حكومياً،أو بنكاً مشتركاً،فعندها يجوز له أن يأخذ المبلغ الذي يدفعه البنك إليه لكن لا بعنوان القرض،ولا يحتاج هنا إلى مراجعة الحاكم الشرعي في إباحة التصرف فيه،ويجوز له أن يدفع للبنك الفائدة التي يطلبها منه،لكونه لا يمكنه أن يمتنع عن التسديد.

الإيداع في بنوك الكفار:

يجوز للمسلم أن يودع أمواله في بنوك الكفار بشرط الفائدة،ويجوز له أن يأخذ الفائدة منها،لأنه لا ربا بين المسلم والكافر إذا كان الذي سيأخذ الفائدة هو المسلم،بلا فرق بين أن يكون البنك أهلياً،أم حكومياً،أم مشتركاً.