19 مارس,2024

أبدان الحج الطاهرة

اطبع المقالة اطبع المقالة

أبدان الحج الطاهرة

 

 

تقصر العقول البشرية عن الوقوف على المقامات الخاصة للنبي الأكرم(ص)، فكما يعجز الإدراك البشري عن الإحاطة بالصفات الإلهية والوقوف عليها إلا بمقدار القدرة البشرية كذلك المقامات الخاصة له(ص)، وأحد تلك المقامات الخاصة كيفية خلق بدنه الشريف وأبدان المعصومين(ع)، ومما كان خلقهم(ع).

وكما تضمنت النصوص وجود خصوصية لأرواحهم الطاهرة، لكونها قد خلقت من نور الله سبحانه وتعالى، بل من نور الأنوار، فإن لأجسادهم الشريفة أيضاً خصوصية في تكوينها، ذلك أنها لم تخلق كما خلقت بقية أجساد سائر الخلق، بل خلقت من شيء يكفل لها الامتياز على سائر المخلوقات، ليمتاز الجسد الشريف لرسول الله(ص) مثلاً بخصوصيات عالم الملكوت، وأن له الإحاطة الوجودية وقوة التأثير في الأشياء، مما ليس ثابتاً لغيره.

ويغفل الكثيرون عن الثمرة العملية المتربة على هكذا بحوث، فليست هي من الترف العلمي، إذ سوف سيتضح إن شاء الله بعض الآثار المترتبة على هكذا بحث.

وعلى أي حال، سوف نسلط الضوء في الحديث حول البدن الشريف للنبي الأكرم محمد(ص)، ومن خلال ذلك يتضح الحال في شأن الأبدان الطاهرة لبقية المعصومين(ع).

 

الوجود الملكوتي لبدن النبي(ص):

لا خلاف في اشتراك النبي الأكرم محمد(ص)، مع بقية الموجودات في أن لبدنه الشريف صورة ومادة ترابية، شأنه شأن بقية الأبدان، إلا أن هذا لا يعني اتحاده وإياهم في منشأ التكوين، ليكون مخلوقاً من نفس الشيء الذي خلقت منه.

فإن المستفاد من ملاحظة النصوص الشريفة أن بدنه الشريف(ص)، لم يخلق من التراب الذي خلقت منه أبدان سائر المخلوقات، بل كان خلقه من تراب آخر مختلف، فكما أن لروحه الشريفة خصوصية أوجبت امتيازه على بقية الموجودات، فكذا يكون لجسده الشريف(ص) هذا الامتياز.

وقد كان هذا سبباً أن يمتلك خصوصيات لا يمتلكها كل إنسان، فهو يوحى إليه، كبقية الأنبياء(ع) دون بقية البشر. نعم هو يعيش بين الناس بصفته البشرية ويمارس أفعاله وإن كان يفوقهم في الخصوصيات الروحية والبدنية، فهو إلهي الحقيقة بشري الصورة.

ولا يخفى أن هذه النتيجة المدعاة من وجود خصوصية للبدن المحمدي الشريف، وأنه لم يخلق مما خلق منه سائر الخلق، ليست من الأحكام العقلية التي يكون للعقل فيها مسرح، بل هي من الأمور النقلية، التي يتبع العقل فيها دليل النقل، وما يفيده.

وكيف ما كان، فمن النصوص، ما روي عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: إن الله خلقنا من عليـين وخلق أرواحنا من فوق ذلك، وخلق أرواح شيعتنا من عليـين، وخلق أجسادهم من دون ذلك، فمن أجل ذلك القرابة بيننا وبينهم وقلوبهم تحن إلينا[1]. ويستفاد من النص المذكور أمور ثلاثة:

الأول: أن أبدان المعصوميـن(ع)، قد خلقت من عليـين، وقد وقع الخلاف في تحديد المقصود من عليـين، فذكر في ذلك أقوال:

 

منها: أنه اسم للسماء السابعة، فيكون المقصود أن أبدانهم(ع)قد خلقت من طينة من السماء السابعة.

ومنها: أنه سدرة المنتهى.

ومنها: أنه اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد.

ومنها: أنه أعلى الأمكنة وأشرف المراتب، وأقربها من الله تعالى.

ومنها: أنه الجنة.

ومنها: أنه لوح من زبرجد أخضر معلق تحت العرش.

والحاصل، إن المتفق عليه أن الطينة التي خلقت منها أبدان المعصومين(ع)، من طين ليس من طين الأرض التي خلقت منها أبدان بقية الموجودات.

الثاني: إن أرواح المعصومين(ع)، قد خلقت من درجة أعلى من الدرجة التي خلقت منها أبدانهم، وهو نور الله سبحانه وتعالى، بل نور الأنوار كما دلت على ذلك جملة من النصوص.

وقيل أن المكان الذي خلقت منه الأبدان الطاهرة(ع)، هو عالم الملكوت، وأما موضع خلق الأرواح الزاكية، فهو عالم الجبروت[2].

الثالث: إن أرواح شيعة آل البيت(ع)، مخلوقة من نفس الطينة التي خلقت منها أبدانهم(ع)، وقد كان هذا سبباً لوجود الصلة والارتباط بين الشيعة والمعصومين(ع)، وحبهم إياهم، وأصبحت قلوبهم تهوي إليهم، وصاروا يضحون في سبيلهم. وقد أشار إلى ذلك الفاضل المازندراني(ره)، قال: ذلك لأن أبدانهم وأرواحنا من محل واحد، فبينهما كمال القرابة والاتصال، وأرواحهم المتعلقة بأبدانهم متعلقة ومتصلة بأرواحنا فلذلك يفيض منهم إلينا ما شاء الله من علومهم وصفاتهم، وأرواحنا المتعلقة بأبداننا متعلقة ومتصلة بأبدانهم وأرواحهم فلذلك تحن قلوبنا إليهم وتشتاق إلى لقائهم في الدنيا والآخرة[3].

 

نعم يعاني الخبر المذكور من مشكلة سندية، لا من جهة أبي يحيى الواسطي، وهو سهيل بن زياد، فإنه لا يبعد اعتبار مروياته، بل لعدم ذكره الواسطة بينه وبين الإمام الصادق(ع)، وهذا مانع من الاستناد إليه. وليس أبو يحيى ممن شهد في حقه أنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة، حتى لا يكون إرساله مانعاً من الحجية. إلا أنه يمكن التغلب على هذه المشكلة أعني فقدان الواسطة بملاحظة مشائخه الذين روى عنهم، فإن كانوا ثقات كان ذلك موجباً لاعتبار الخبر، بل لو كان بينهم ضعيف، أمكن اعتبار الخبر أيضاً من خلال حساب الاحتمال الرياضي.

وبالجملة، إن البناء على اعتبار الخبر، لو لم يكن متعيناً، فإنه قريب جداً، وعليه لا يوجد ما يمنع الاستناد إليه.

ومنها: ما رواه محمد بن مروان، عن أبي عبد الله(ع) قال: سمعته يقول: إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقاً وبشراً نورانيـين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيباً، وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيباً إلا للأنبياء، ولذلك صرنا نحن وهم: الناس، وصار سائر الناس همج للنار، وإلى النار[4]. ودلالة هذا الخبر على أن أبدانهم الطاهرة(ع) مخلوقة من طين لم يخلق منه سائر البشر واضحة، إذ يدل عليه قوله(ع): ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش.

ولا يتوهم وجود منافاة بين دلالة هذا الخبر وسابقه على أساس أن المستفاد من سابقه أن الطينة التي خلقت منها الأبدان الزكية من عليـين، وقد تضمن هذا الخبر أنها مأخوذة من تحت العرش، لأنه يندفع بعدم كون المقصود من العرش معناه المادي، بل يراد منه العلم، وهو ليس له محل محدود، فيكون المقصود منه من عليـين، فينسجم مع ما جاء في الخبر السابق.

 

ولما كان البناء على مثل هذا المعنى موجباً لعروض جملة من الإشكالات، عمد العلامة المجلسي(ره) غواص بحار الأنوار، إلى تأويل هذا النص وأضرابه بحملها على خلاف الظاهر منها، فذكر أن المقصود من التصوير، ليس تصوير الأبدان بصورتها الملكية، وإنما قُصد منه أنه تعالى خلق لهم أجساداً مثالية شبيهة بالأجساد الأصلية فهي صور خلقهم ومثاله، فيدل على أن لهم(ع) أجساداً مثالية قبل تعلق أرواحهم المقدسة بأجسادهم المطهرة وبعد مفارقتها إياها، بل معها أيضاً، كما أن لنا أجساداً مثالية تتعلق بها أرواحنا[5].

ولا يخفى أن مجرد ورود إشكال ما لا يوجب حمل النص على خلاف ظاهره، نعم لو كان المانع من العمل بظاهر النص كونه مخالفاً لظاهر القرآن الكريم، أو مخالفاً للسنة القطيعة، أو يتنافى والقاعدة العقلائية المعتبرة في حجية الخبر، كان ذلك موجباً للتصرف في ظاهره بحمله على خلاف الظاهر منه جمعاً بينه وبين ما ذكر، وإلا لم يكن هناك موجب لذلك.

ومحمد بن مروان وإن كان مشتركاً بين أشخاص، إلا أن الظاهر انصرافه لخصوص محمد بن مروان الذهلي، فإنه صاحب الكتاب وهو المعروف من بينهم، وقد نص على وثاقته. نعم اشتمل السند على كلٍ من محمد بن شعيب، وقد عدّ من أصحاب الإمام الرضا(ع)، ولم يذكر في حقه شيء من الجرح والتعديل، وكذا عمران بن إسحاق الزعفراني، الذي قال عنه الشيخ(ره) بأنه مجهول. إلا أن الظاهر أن وجودهما لا يمنع من اعتبار السند، لأن من روى مثل هكذا نص لا ريب في كونه الشيعة الإمامية، بل من أصحاب الاعتقاد الكامل، وهذا يكفي للبناء على اعتبار مروياتهما لدخولها حينئذٍ في دائرة الأخبار الحسان، فتأمل.

 

ومنها: ما رواه أبو حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: إن الله خلقنا من أعلى عليـين وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا، وخلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إلينا، لأنها خلقت مما خلقنا، ثم تلا هذه الآية:- (كلا إن كتاب الأبرار لفي عليـين* وما أدراك ما عليون* كتاب مرقوم يشهده المقربون)[6]، وخلق عدونا من سجين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه، وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إليهم، لأنها خلقت مما خلقوا منه، ثم تلا هذه الآية[7]:- (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين* وما أرداك ما سجين* كتاب مرقوم)[8]. ولم يختلف حال هذا الخبر عن سابقيه في الدلالة على المطلوب، وهو منسجم تماماً مع ما تقدم، وليس المقصود من أعلى عليـين شيئاً آخر غير ما تضمنه الخبر الثاني، وكذا ما جاء في الخبر الأول. وقد اشتمل سنده على أبي نهشل، وهو لم يذكر بشيء في المصادر الرجالية، لكن قد يبنى على اعتبار مروياته لرواية البرقي الأب عنه، بل يمكن البناء على اعتبار مروياته بلحاظ مضمون النصوص التي رواها، كما هو الحديث محل الكلام، فتأمل.

 

ومنها: ما رواه بشر بن أبي عقبة عن أبي جعفر وأبي عبد الله(ع)، قال: إن الله خلق محمداً من طينة جوهرة تحت العرش، وإنه كان لطينته نضح فجبل طينة أمير المؤمنين(ع) من نضح طينة رسول الله(ص)، وكان لطينة أمير المؤمنين(ع) نضح فجبل طينتنا من نضح طينة أمير المؤمنين(ع) وكانت لطينتنا نضح فجب طينة شيعتنا من نضح طينتنا، فقلوبهم تحن إلينا، وقلوبنا تعطف عليهم تعطفّ الوالد على الولد، ونحن خير لهم وهم خير لنا، ورسول الله(ص) لنا خير ونحن له خير[9]. والمقصود من خلق الشيعة من نضح طينتهم(ع)، خلق أرواحهم وقلوبهم، وليس خلق أبدانهم. وراوي الحديث ذكره الشيخ(ره) في رجاله في أصحاب الإمامين الباقرين(ع)، ولم يشر لبيان حاله، لكن قد يكفي للبناء على اعتبار مروياته، رواية ابن محبوب عنه وهو أحد أصحاب الإجماع، فتأمل.

ومنها: ما رواه أبو الحجاج، قال: قال لي أبو جعفر(ع): يا أبا الحجاج! إن الله خلق محمداً وآل محمد من طينة عليـين، وخلق قلوبهم من طينة فوق ذلك، وخلق شيعتنا من طينة دون عليـين، وخلق قلوبهم من طينة عليـين، فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد، وإن الله خلق عدو آل محمد من طين سجين، وخلق قلوبهم من طين أخبث من ذلك، وخلق شيعتهم من طين دون طين سجين، وخلق قلوبهم من طين سجين، فقلوبهم من أبدان أولئك، وكل قلب يحن إلى بدنه[10]. وهو واضح الدلالة في أن أبدانهم الشريفة لم تخلق من طين الأرض، وإنما قد خلقت من أعلى عليـين. وراوي الخبر هو عبيد الله بن صالح، ذكره الشيخ والبرقي(ره) في رجاليهما دون بيان لحاله من حيث الوثاقة والعدم، نعم ربما أحرز من روايته هذا الخبر أنه من الخاصة، فيكون ذلك كاشفاً عن حسن حاله، بل مع ملاحظة قوة المضمون الذي رواه، وهو الحديث عن أحد الأسرار الخاصة في خلقهم(ع)، يظهر أنه لم يكن شيعياً عادياً بل كان من العارفين بهذا الأمر، فيكون ذلك مساعداً على قبول مروياته، فتأمل.

 

ومنها: ما رواه الصدوق(ره) في كتاب المعراج، عن رجاله إلى ابن عباس، قال: سمعت رسول الله(ص) وهو يخاطب علياً(ع)، ويقول: يا علي إن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله، فكنا أمام عرش رب العالمين نسبح الله ونقدسه ونحمده، ونهلله، وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرضين، فلما أراد أن يخلق آدم خلقني وإياك من طينة واحدة من طينة عليـين، وعجننا بذلك النور وغمسنا في جميع الأنوار وأنهار الجنة، ثم خلق آدم واستودع صلبه تلك الطينة والنور، فلما خلقه استخرج من ذريته من ظهره فاستنطقهم وقررهم بالربوبية فأول خلق(خلقه) إقراراً بالربوبية أنا وأنت والنبيون على قدر منازلهم وقربهم من الله عز وجل، فقال الله تبارك وتعالى: صدقتما وأقررتما يا محمد ويا علي وسبقتما خلقي إلى طاعتي، وكذلك كنتما في سابق علمي فيكما، فأنتما صفوتي من خلقي، والأئمة من ذريتكما وشيعتكما وكذلك خلقتكم، ثم قال النبي(ص): يا علي فكانت الطينة في صلب آدم ونوري ونورك بين عينيه، فما زال ذلك النور ينتقل بين أعين النبيـين والمنتجبين حتى وصل النور والطينة إلى صلب عبد المطلب فافترق نصفين، فخلقني الله من نصفه واتخذني نبياً ورسولاً، وخلقك من النصف الآخر فاتخذك خليفة ووصياً وولياً، فلما كنت من عظمة ربي كقاب قوسين أو أدنى قال لي: يا محمد من أطوع خلقي لك؟ فقلت: علي بن أبي طالب(ع)، فقال عز وجل: فاتخذه خليفة ووصياً فقد اتخذته صفياً وولياً، يا محمد كتبت اسمك واسمه على عرشي من قبل أن أخلق الخلق محبة مني لكما ولمن أحبكما وتولاكما وأطاعكما فمن أحبكما وأطاعكما وتولاكما كان عندي من المقربين، ومن جحد ولايتكما وعدل عنكما كان عندي من الكافرين الضالين، ثم قال النبي(ص) يا علي فمن ذا يلج بيني وبينك وأنا وأنت من نور واحد وطينة واحدة؟ فأنت أحق الناس بي في الدنيا والآخرة، وولدك ولي، وشيعتكم شيعتي، وأوليائكم أوليائي وأنتم معي غداً في الجنة[11].

 

ولا تنحصر النصوص في خصوص ما ذكرنا، بل قد يجد القارئ العزيز غيرها في المصادر الحديثية المتعرضة للحديث عن المعصومين(ع).

وجاء أيضاً: الطينات ثلاثة: طينة الأنبياء، والمؤمن من تلك الطينة، إلا أن الأنبياء هم صفوتها وهم الأصل، ولهم فضلهم والمؤمنون الفرع من طين لازب، كذلك لا يفرق الله عز وجل بيننهم وبين شيعتهم[12].

وكيف ما كان، فإن النصوص الدالة على أن أبدانهم الشريفة قد خلقت من طينة مخزونة مكنونة، مستفيضة، بل لا يبعد أن تكون متظافرة، ما يغني عن الحديث عن أسنادها، والتدقيق في ذلك[13]، بل لو بني على استفاضتها فقط، فإن ذلك يوجب الوثوق بصدورها، خصوصاً وأن بعضها قد ورد في أحد أهم المصادر الحديثية عند الإمامية وهي الكافي، الذي قيل أن مؤلفه(ره) قد شهد بصحة جميع ما وقع فيه من الأحاديث، وقد قُبل ذلك منه، بل حتى من منع ذلك، جعل الموجب لذلك وجود المانع من القبول بالشهادة المذكورة، لا عدم تمامية المقتضي فيها.

ومع أن كتب الجمهور قد تضمنت الحديث عن خلق الروح الشريفة للنبي الأكرم محمد(ص)، وأنها قد خلقت من نور، إلا أنها لم تتضمن الحديث عن خلق جسده المبارك.

ولا يعني عدم تعرض نصوصهم لذلك وجود معارضة بينها وبين النصوص التي تضمنت ذلك في مصادرنا، لأن السكوت وعدم الحديث أعم.

وبالجملة، ليس في البين ما يصلح لمعارضة النصوص الدالة على ما ذكر حتى يمنع من الاستناد إليها، واعتبار ما تضمنته.

والحاصل، لا مناص بعد تمامية دلالة النصوص والبناء على اعتبار أسنادها لما سمعت، فلا مناص من التسليم بوجود الخصوصية للنبي الكريم محمد(ص)، وكذا بقية المعصومين(ع) في كون أبدانهم الزكية قد خلقت من طينة الجنة، بل من أشرف ترابها.

 

مناقشة النصوص المذكورة:

ثم إنه قد يمنع من الاستناد النصوص المذكورة للدلالة على المطلوب، لأمرين:

الأول: إن جملة من النصوص المذكورة تعاني من مشكلة سندية، إذ أن بعضها ضعيف بالإرسال، أو بوقوع من لم تثبت وثاقته في سنده، ومن المعلوم أنه إنما يصح الاحتجاج بشيء حال كون الخبر معتبراً، سيما في الأمور العقدية فيعتبر في ما ليس من العقائدية الأصلية أن تكون واصلة بخبر واحد معتبر، وليس الأمر كذلك كما سمعت.

وقد عرفت الجواب عنه عند التعرض للنصوص، وبيان اعتبارها من حيث السند، كما أنها مستفيضة، وهذا يوجب الوثوق بصدورها.

على أن هنا أمراً ينبغي الإلتفات إليه، وأن بعض النصوص التي تتحدث عن فضائل خاصة لأهل البيت(ع)، تميزهم عن غيرهم، وتشير إلى شيء من استحقاقتهم التي لهم من الله تعالى على الخلق، قد تروى بأسماء وهمية، لغرض عدم الظفر بهم من قبل السلطة الحاكمة في تلك الفترة حفظاً لهم، ولا يبعد أن يكون المقام من هذا القبيل، فتأمل جيداً.

 

الثاني: اشتمال الخبر على ما لا يمكن الالتـزام به، ذلك أنه مخالف لظاهر الكتاب الكريم، وقد أمرنا برد كل ما كان مخالفاً له، ومنشأ المخالفة، دلالة هذه النصوص كما سمعت على أن الأبدان الطاهرة للمعصومين(ع)، قد خلقت من طينة مخزونة مكنونة، وهو ينافي قوله تعالى:- (وبدأ خلق الإنسان من طين)[14]، فإن المستفاد منها أن الإنسان مخلوق من طين، وهذا لا ينسجم مع كون أبدان المعصومين(ع)، قد خلقت من طين مكنون مخزون.

ولا يذهب عليك أنه حتى يرد الإشكال المذكور لابد وأن يكون المقصود من الطين الوارد في الآية الشريفة هو خصوص طين الأرض، وليس شيئاً آخر سواه، وليس في البين ما يدل على ذلك.

على أنه لو تمسك لحصره في طين الأرض فسوف يكون ذلك ناجماً من خلال الاستناد إلى الانصراف، ليمنع من حجية العموم المستفاد من الآية المباركة.

 

وهذا يتم لو كان الانصراف المذكور ناشئاً من كثرة الاستعمال، وليس من غلبة الوجود، مع أن الانصراف المدعى منشأه غلبة الوجود وليس غلبة الاستعمال، وقد قرر في الأصول أن الذي يمنع هو ما يكون ناجماً من غلبة الاستعمال دون الناشئ من غلبة الوجود.

ووفقاً لما تقدم، سوف يقال: إن الطين الوارد ذكره في الآية الشريفة من المفاهيم المشككة، وليس من المفاهيم المتواطئة، وعليه، لن يكون مدلول النصوص الشريفة منافياً لمدلول الآية المباركة، ذلك أنه سوف يقرر أن هناك أنواعاً ثلاثة من الطين:

الأول: ما يكون طيناً متخذاً من أعلى عليـين، وهو أشرف تراب في الجنة، أو تراب أشرف الجنات، وهو الذي خلقت منه أبدان محمد وآل محمد(ع).

الثاني: الطين المتخذ من عليـين، وهو أدنى مرتبة من النوع السابق، وقد استعمل في خلق أبدان الأنبياء، وأرواح شيعة آل البيت(ع).

 

الثالث: الطين المسمى بسجين، وهو تراب النار، وقد خلق الله سبحانه وتعالى منه أعداء أهل البيت(ع)، بل لا يبعد أنه مستعمل في خلق أبدان أئمة الكفر، وغيرهم.

ويشير لما ذكرناه، من أن الطين أنواع وليس نوعاً واحداً، ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر(ع) أنه قال: إنا وشيعتنا خلقنا من طينة واحدة، وخلق عدونا من طينة خبال من حمأ مسنون[15].وقد فسر الخبال، بأنه عصارة أهل النار.

 

والمتحصل مما تقدم التالي:

أولاً: أن هناك اصطفاء لأرواح المعصومين(ع)، إذ خلقها الباري سبحانه وتعالى من نور، كما أن هناك اصطفاء لأبدانهم(ع)، فقد خلقها عز وجل من تراب الجنة، فصاروا ملكوتيـين النشأة والتكوين، يشتركون مع الناس في الصورة الانسانية.

ثانياً: يستفاد من هذه النصوص أسبقية وجود أبدانهم الشريفة في الخلق على سائر الأبدان وأكمليتها في الخصائص والصفات، لأن أبدانهم(ع) قد خلقت قبل الجميع، وهي مجمع الفضائل والكمالات البدنية، بلحاظ شرفية التراب الذي تكونت منه.

ثالثاً: دلت النصوص المذكورة على أن التربة التي قد خلقوا منها(ع)، هي منشأ تكوين الشيعة الروحي، ولعل هذا يفسر ما تضمنته كلمات بعض أهل المعرفة، من أنهم(ع) العلة المادية للأشياء، وأنهم العلة الغائية، لأنه لولاهم لم يكن وجه لخلق العالم، وأنهم العلة الفاعلية باعتبار وساطتهم في الفيض، أو مظهرية القدرة الإلهية.

 

آثار خلق البدن من تراب الجنة:

ومن الواضح أن هناك جملة من الآثار المترتبة على كون أبدانهم المباركة قد خلقت من تراب الجنة، نشير لبعضها:

منها: البناء على طهارتهم(ع) طهارة تامة، سواء في أنفسهم، أم في ما يخرج منهم(ع). ولا يضر بذلك ما ورد من أنهم(ع) كانوا يتطهرون، ويغتسلون، لأن ذلك منهم(ع) من باب إجراء السنة وتطبيق القانون حتى لا يخترق، فهم لا ينالهم الرجس ولا النجس، ويمكن أن يجعل نظيره ما جاء في قوله تعالى:- (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس)[16].

ومنها: امتلاكهم للقدرة الهائلة، فقد ورد أنه لم يكن أحد يعادل رسول الله(ص) في القوة قط، وأن له مهابة في القلوب، ولم ينظر إليه كافر أو منافق إلا ارتعش خوفاً منه.

وقد كان امتلاكهم للقوة الهائلة سبباً أن تصدر منهم الغرائب، مثل قلع باب خيبر[17]، وهزيمة الفرسان، والقدرة على مواجهة جيش بأكمله، كما كان من المولى أبي عبد الله(ع) يوم عاشوراء، وتحمل الجراحات، كما ورد ذلك في شأن أمير المؤمنين(ع)، يوم أحد، وكذا سيد الشهداء(ع)، يوم عاشوراء.

 

ومنها: انعدام ظله، وأنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ولا تحجب الموانع بصره، فيرى الأشياء خلف الحواجب كما يراها أمامها، لأن بدنه الشريف لم يخلق من تراب الأرض الكثيف الثقيل، بل خلق من تراب الجنة الملكوتي، الذي عجن بالأنوار، وخلط بماء الجنة.

ومنها: أن جسده الشريف لا يبقى في قبره بعد دفنه إلا ثلاثة أيام، ثم يرفع بعدها ليرجع إلى أصله في الجنة، وقد حكى المفيد والكراجكي، والفيض الكاشاني وغيرهم، اتفاق علمائنا على ذلك[18]. ويشير لذلك نصوص، مثل ما ورد عن الإمام الصادق(ع)، أنه قال: ما من نبي ولا وصي يبقى في الأرض بعد موته أكثر من ثلاثة أيام حتى ترفع روحه وعظمه، ولحمه إلى السماء، وإنما تؤتى مواضع آثارهم، ويبلغهم السلام من بعيد، ويسمعونه في مواضع آثارهم من قريب[19].

ومنها: أنه(ص) وآله الطاهرين(ع) يعتبرون منشأ الخير والبركة وسبب الشفاء.

 

الوجود الملكي لبدن النبي(ص):

لا ينحصر الشرف الحاصل للنبي الأكرم محمد(ص)، وآله الطيبين الطاهرين(ع)، في خصوص تكوينهم الملكوتي، بل هو شامل أيضاً لتكوينهم الملكي البشري، فهم يحظون بالشرف العالي من جهة صفاتهم الانسانية وخصوصياتهم البدنية والنسبية.

وقد دل الدليل العقلي والشرعي على وجوب تنـزيه الأنبياء الأوصياء من كل خلل بدني أو منفر خلقي أو خُلقي، فلابد أن يكون النبي أو الإمام سالماً من كل عيب، ومن كل ما يوجب النفور منه، سواء في الجانب البدني، أو الخلقي، أو الأخلاقي، فلا يكون المصاب بأحد الأمراض المزمنة، أو المشلول، أو المعتوه، نبياً أو إماماً ووصياً.

وكما يعتبر في حجة الله سبحانه السلامة في العقل والبدن، يعتبر فيه أيضاً الكمال من كل نقص، حتى في عقائد الآباء والأمهات، فلابد وأن يكون أباؤه وأمهاته، مطهرين من الكفر والشرك، والنفاق، وكذا من الزنا والسفاح[20].

ويعتبر فيه أن يكون في كمال العقل، والذكاء، والفطنة، وقوة الرأي، وأن لا يكون صاحب حسد، ولا حقد، ولا مريضاً بالجبن، والحرص، ولا مصاباً بالجهل، ولا بشيء من منافيات المروة.

والحاصل، يعتبر أن يكون النبي أو الإمام أفضل الخلق في كل كمال روحي وبدني، ويكون نسبه وحسبه طاهراً من كل منفر وخلل، لأن هذا ما تقتضيه طبيعته التكوينية ومكانته الإلهية ومهامه الرسالية.

ولهذا المعنى من لزوم توفر الكمال في كافة الجوانب والأنحاء في شخصية الحجة الإلهية، يشير أمير المؤمنين(ع)، في وصفه للنبي الأكرم محمد(ص)، حيث يقول: حتى بعث الله محمداً(ص) شهيداً وبشيراً ونذيراً، خير البرية طفلاً، وأنجبها كهلاً، وأطهر المطهّرين شيمة، وأجود المستمطرين ديمة[21].

 

خاتمة:

وربما تساءل البعض عن الفائدة المرجوة من مثل هذه الأبحاث، فإن علاقتنا بالنبي الكريم محمد(ص)، وكذا بالمعصومين(ع)، لن تتغير لمجرد أننا عرفنا أن أبدانهم(ع) قد خلقت من طين الجنة.

ومع أن الكلام المذكور ليس صحيحاً، لأن الإحاطة بمقامات الأشخاص لها أكبر الأثر في الإحاطة والمعرفة بهم، ومن ثمّ تحديد نوعية المعرفة الحاصلة من ذلك، فإن من تعرف أن للبدن الشريفة للنبي(ص)، وكذا للروح المقدسة خصوصية في كيفية الخلق والإيجاد استدعت امتيازاً له على سائر المجودات، فلا ريب أنه لن يكون نظره إليه نظرة عادية، بل سوف تكون نظرة خاصة، وهذا يعني دخالة مثل هذه الأبحاث في المعرفة للمعصوم(ع)، والإحاطة بشيء من كمالاته.

على أنه لو رفعنا اليد عما ذكر، فإن لهذه الأبحاث مجموعة من الآثار العملية المترتبة عليها، نشير لاثنين منها، وهما يرتبطان بالبعد العقدي:

 

الأول: إنه لم يخرج أحد منهم من الدنيا حتف أنفه، وإنما قد خرج منها شهيداً مقتولاً جراء ما وقع عليه من التخريب الحاصل من البشر، لأن أجسادهم كما سمعت ذات قابلية للبقاء والخلود، وعليه حتى لو لم نجد رواية تدل على تعرض أحدهم(ع) لقتل، فإن هذه النصوص تدل على ذلك.

 

الثاني: وفقاً لهذه النصوص لن نحتاج دليلاً لإثبات طول العمر للمولى بقية الله في أرضه(روحي لحافر جواده الفداء)، لما عرفت من أن مقتضى أن أبدانهم المباركة مخلوقة من تراب الجنة يستدعي قابلية الخلود فيها، وأنه ما لم يقع عليهم تخريب فلن يموتوا، لأنهم يبقون على قيد الحياة، ولما لم يصل شيء للمولى(بأبي وأمي) للآن شيء لكونه تحت الرعاية الإلهية الخاصة، فهو لا زال سالماً على قيد الحياة، وإن استمر به العمر[22].

 

 

 

 

 

[1] الكافي ج 1 باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم(ع) ح 1 ص 389.

[2] مرآة العقول ج 4 ص 272.

[3] شرح الكافي ج 6 ص 394.

[4] الكافي ج 1 ب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم(ع) ح 2 ص 389.

[5] مرآة العقول ج 4 ص 272.

[6] سورة المطففين الآيات رقم 18-21.

[7] سورة المطففين الآيات 7-9.

[8] الكافي ج 1 ص خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم(ع) ح 4 ص 390.

[9] بصائر الدرجات ج 1 باب فيه خلق أبدان الأئمة(ع) وقلوبهم وأبدان الشيعة وقلوبهم لئلا يدخل الناس الغلو في عجائب علمهم ح 1 ص 50.

[10] المصدر السابق ح 2 ص 50-51.

[11] بحار الأنوار ج 25 باب بدء خلقهم وطينتهم وأرواحهم ح 5 ص 3-4.

[12] الكافي ج 2 باب طينة المؤمن والكافر ح 2 ص 3.

[13] بل يمكن القول بتواترها بناء على ما هو الصحيح من أنه لا يعتبر عدد محدد في التواتر، وإنما يعتبر فيه الكثرة المفيدة للعلم، ويقصد من الكثرة الكثرة العرفية وهي تبدأ من الثلاثة فما فوق، فإذا حصل العلم من خلال ثلاثة نصوص مستجمعة لأركان التواتر كان ذلك كافياً للبناء على تواتر الأخبار، ولا يخفى أن هناك عوامل مساعدة لحصول ذلك، قد أشار إليها السيد الشهيد الصدر(ره) في مبحث التواتر ليس هذا مورد ذكرها.

[14] سورة السجدة الآية رقم 7.

[15] بصائر الدرجات ح 4 ص 35.

[16] سورة النحل الآية رقم 69.

[17] وقد ورد عن أمير المؤمنين(ع)، أنه لم يقلعه بقوة جسمانية، بل بقوة رحمانية.

[18] هناك خلاف في أن أجسادهم الشريفة(ع) ترفع إلى السماء بعد وضعها في القبر، وتعود بعد ذلك إلى الأرض ليجتمع كل نبي مع وصيه، أو أنها ترفع ولا تعود، ويكون الاجتماع في الجنة، قولان، يستدل لكل واحد منهما ببعض النصوص، وإن كان المعتبر منها يساعد على القول الدال على أنها ترفع من القبور بعد مضي ثلاثة أيام، لتكون في الجنة، وتفصيل ذلك في مجال آخر.

[19] الكافي ج 4 ص 567، كامل الزيارات ص 329، من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 345.

[20] وقد أوجب هذا الأمر قول الشيعة بإيمان عبد المطلب، وأبي طالب، وعبد الله(ع)، وآمنة وفاطمة بنت أسد(ع)، نعم اقتضت المصلحة أن يخفي بعضهم إيمانه، بل ربما كان مطالباً بكتمان ذلك بأمر من الله تعالى، شأنهم شأن مؤمن آل فرعون وآل ياسين، وأصحاب الكهف، فقد روى جابر بن عبد الله الأنصاري(رض)، عن رسول الله(ص)-في حديث ولادة أمير المؤمنين(ع)- قال: يا جابر، ربك أعلم بالغيب، إنه لما كانت الليلة التي أسري بي فيها إلى السماء انتهيت إلى العرش فرأيت أربعة أنوار، فقلت: إلهي ما هذه الأنوار؟ فقال: يا محمد، هذا جدك عبد المطلب، وهذا عمك أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا ابن عمك طالب. فقلت: إلهي وسيدي، بما نالوا هذه الدرجة؟ قال: بكتمانهم الإيمان وإظهارهم الكفر، وصبرهم على ذلك حتى ماتوا. بحار الأنوار ج 35 ح 12 ص 10. وقد وردت النصوص في أن عبد المطلب، وأبا طالب(ع) كانا من أوصياء خليل الرحمن إبراهيم(ع). فقد جاء في شأن عبد المطلب، عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: يبعث الله عبد المطلب يوم القيامة وعليه سيماء الأنبياء، وبهاء الملوك. بحار الأنوار ج 35 ص 156. وأما أبو طالب، فعن درست بن أبي منصور أنه سأل أبا الحسن الأول(ع) فقال: أكان رسول الله(ص) محجوجاً بأبي طالب؟ فقال: لا، ولكن كان مستودعاً للوصايا فدفعها إليه. قال: قلت: فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به، فقال: لو كان محجوجاً به ما دفع إليه الوصية. قال: فقلت: فما كان حال أبي طالب؟ قال: أقرّ بالنبي(ص) وبما جاء به ودفع إليه الوصايا ومات من يومه. بحار الأنوار ج 17 ح 24 ص 139، كمال الدين وتمام النعمة ح 7 ص 665.

[21] نهج البلاغة الخطبة 105.

[22] الحقائق والدقائق ج 4 ص 132-159 (بتصرف)