28 مارس,2024

أبان بن عثمان

اطبع المقالة اطبع المقالة

[size=6][/size]
[font=arial]وقع الكلام بين الأصحاب في إمكانية الاعتماد على الروايات التي يقع في طريقها أبان بن عثمان، لعدم ورود توثيق خاص له، كما أنه فاسد المذهب كما قيل، وقبل البحث في مدى تمامية هذه المقولة، لا بأس بذكر ما جاء فيه من كلمات قدماء الأصحاب(ره)[/font]، فنقول:

أبان بن عثمان المعروف بالأحمر، قال عنه النجاشي: أبان بن عثمان الأحمر البجلي، مولاهم، أصله كوفي كان يسكنها تارة، والبصرة تارة، وقد أخذ عنه أهلها: أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو عبد الله محمد بن سلام، وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء، والنسب، والأيام…الخ…

ولا يخفى أن عبارته خالية عن الإشارة إلى بيان حاله من حيث الوثاقة والضعف، ولذا مقتضى العبارة المذكورة يحكم بكونه مهملاً، اللهم إلا أن يبنى على ما بنى عليه المحقق الداماد(ره) من أن كل من وقع في كتاب النجاشي يحكم بحسنه، ذلك لكون النجاشي قد ذكر في ديباجة كتابه بأنه قد أعدّ هذا الفهرست من أجل ذكر مصنفات أصحابنا من الإمامية.

وجاء في الفهرست لشيخ الطائفة(ره): أبان بن عثمان الأحمر البجلي، أبو عبد الله، مولاهم، أصله كوفي(الكوفة)وكان يسكنها تارة والبصرة أخرى، وقد أخذ عنه أهلها: أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو عبد الله محمد بن سلام، وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء، والنسب والأيام…الخ…

ويجري ما تقدم في عبارة النجاشي في عبارته(ره) أيضاً، فلاحظ.

وقد ذكره الشيخ أيضاً في كتابه الرجال، وكذا ذكره البرقي أيضاً في رجاله في أصحاب الصادق(ع).

ولا يخفى أن العبارتين خاليتان من الإشارة إلى بيان حال الرجل من حيث الوثاقة والعدم، فلاحظ.

وكيف ما كان، فيقع الكلام في ذكر ما يصلح لتوثيقه، خصوصاً وقد عرفت خلو العبائر التي نقلناها عن التوثيق.

هذا وقد ذكروا لذلك وجوهاً:

الأول: ما ذكره بعض الأعاظم(قده) من وقوعه في أسانيد تفسير علي بن إبراهيم القمي، قبل الشروع في تفسير سورة الفاتحة بأسطر، وقد شهد علي بن إبراهيم القمي(ره) بوثاقة جميع من وقع في أسانيد كتابه[1].

ولا يخفى أن تمامية هذا الوجه تعتمد على تمامية أمور ثلاثة، وباختلال واحد منها يسقط الوجه المذكور عن الصلوح للدليلية، والأمور الثلاثة هي:

أولها: أن تصح نسبة الكتاب الموجود بأيدينا لعلي بن إبراهيم القمي، إذ أن هناك ثلاث دعاوى في المقام:

الأولى: أنه كتاب التفسير للقمي.

الثانية: أنه كتاب مجموع من تفسير علي بن إبراهيم، ومن تفسير أبي الجارود.

الثالثة: أنه كتاب قام بتأليفه شخص، وقد ضمن كتابه هذا شيئاً مما رواه القمي في تفسيره، ومارواه أبو الجارود في تفسيره.

ومن الواضح أن الوجه الأول، يعتمد على نهوض الدعوى الأولى، وإلا فلن يتم الوجه الأول كما هو واضح.

ثانيها: أن تكون الديـباجة التي اشتملت عليها العبارة المستشهد بها في إثبات المدعى صادرة من علي بن إبراهيم، وليست مكتوبة من قبل شخص آخر، وإلا فلا.

ثالثها: أن تكون العبارة المستشهد بها في إثبات قاعدة كلية مفادها وثاقة جميع من وقع في أسناد الكتاب تامة الظهور في ذلك.

هذا وقد ذكرنا في الفوائد الرجالية عدم تمامية ما ذكر، فثالث الوجوه ممنوع لعدم ظهور العبارة في المدعى، كما أن ثبوت نسبة الكتاب لعلي بن إبراهيم غير محرزة، وتفصيل ذلك يطلب من البحث الرجالي، فليراجع.

الثاني: كونه أحد أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم لما يقولون، وأقروا لهم بالفقه، حيث عدّ من الطبقة الثانية.

وقد بنى على هذا الوجه بعض الأعاظم(قده)، لبنائه على دلالة هذا الإجماع على توثيق المجمع عليهم، وبه يثبت المطلوب[2].

وبعبارة أوضح، إن الإجماع المذكور يفيد وثاقة جميع من أدعي الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم على أقل التقادير.

ولا يخفى أن هذا الوجه يعتمد اعتماداً كلياً على أمور:

منها: حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد.

ومنها: ظهور العبارة المذكورة في ما أفاده(ره)، لا أن الظاهر منها هو مقالة المشهور من البناء على وثاقة من وقع بعدهم، لا وثاقتهم هم.

لا يقال: إن البناء على وثاقة من وقع بعدهم يكشف بطريق الإن عن وثاقتهم، ولا لم يكن معنى لتوثيق الواقعين بعدهم مع عدم البناء على وثاقتهم.

فإنه يقال: إن ما أفيد وجيه، لكن البحث ليس في كون أصحاب الإجماع ثقات أم لا، بل البحث في أن العبارة هل تفيد وثاقة أصحاب الإجماع، أم تفيد وثاقة من وقع بعدهم، لأنه ربما كان منشأ البناء على وثاقة أصحاب الإجماع يعود لقيام وجه آخر دال على ذلك، فلاحظ.

وبالجملة، لا مجال للبناء على هذا الوجه، خصواً مع ملاحظة ما ذكرناه في الفوائد الرجالية عند بحث كبرى أصحاب الإجماع فليراجع.

الثالث: توثيق العلامة(قده) إياه في الخلاصة، حيث ذكره في القسم الأول من كتابه، قال: فالأقرب عندي قبول روايته، وإن كان فاسد المذهب، للإجماع المذكور.

أقول: مراده(ره) من فاسد مذهبه، الإشارة لما قيل من أنه ناووسي، أو واقفي.

ووثقه أيضاً في كتابه المختلف، في كفارة إفطار شهر رمضان المبارك[3].

ومن المعلوم أن هذا الوجه يبتني على عدم التفريق في حجية قول الرجالي بين توثيق القدماء والمتأخرين، إما لكون منشأ الحجية في قوله، كونه من باب الخبروية، أو لكونه من باب خبر الثقة في الموضوعات، أو بقيد كونه خبر الثقة في المضوعات إذا أفاد وثوقاً وإطمئناناً.

أما لو قلنا بأن المعتبر في حجية قول الرجالي، ونه من باب الشهادة الحسية، فلا ريب في أنه لن يقبل توثيق المتأخرين، لعدم انطباق الشرط المذكور بالنسبة إليهم.

وعلى أي، فإن المختار عندنا، هو البناء على حجية توثيقات المتأخرين، لكون حجية قول الرجالي من باب خبر الثقة في الموضوعات إذا أفاد وثوقاً وإطمئناناً.

إلا أنه مع ذلك، لا مجال هنا للبناء على قبول التوثيق الصادر من العلامة(ره)، وذلك لأن مستن هذا التوثيق يعود إلى إجماع الكشي، وقد عرفت منا عدم قبوله، وبالتالي لن يكون التوثيق المذكور موجباً لتحقق الوثوق به، ضرورة أننا على معرفة بالمدرك الناجم عنه التوثيق، فلاحظ.

الرابع: توثيق المقدس الأردبيلي(ره) له في كتابه مجمع الفائدة والبرهان، في مباحث ما يصح السجود عليه[4].

ومن الواضح أن يجري هنا ما سبق وذكرناه في الوجه السابق من الإشارة إلى كونه توثيق للمتأخرين وبيان الخلاف الموجود في حجية توثيقاتهم، ومنشأ الخلاف الراجع للخلاف في وجه حجية قول الرجالي، فلاحظ.

هذا ويلاحظ على الوجه المذكور، أن من المحتمل قوياً جداً رجوع هذا التوثيق إلى الإجماع الصادر من الكشي، وبالتالي مع وجود الاحتمال يبطل الاستدلال.

الخامس: تصحيح العلامة(ره) طريق الصدوق(قده) إلى العلاء بن سيابة[5]، وطريقه إلى أبي مريم الأنصاري[6]، وهو واقع في كليهما، وقد جعل أحد الطرق التي يركن إليها في مقام التوثيق، كونه واقعاً في طريق قد حكم بصحته.

هذا وينبغي الالتفات إلى أن هناك فرقاً بين تصحيح القدماء والمتأخرين، حيث أن مبنى القدماء هو الوثوق، وبالتالي لا يعبر التصحيح الصادر منهم دائماً على وثاقة الرواة، بخلاف التصحيح الصادر من المتأخرين فإنه كاشف عن ذلك، لكون مسلكهم في الرواية هو البناء على الوثاقة.

إلا أنه لا يمكن الركون لهذا الوجه في مقام إثبات الوثاقة، لا لعدم القبول بأصل الكبرى، بل الحق هو تماميتها، وإنما لعدم تمامية الصغرى في المقام، بمعنى أن هناك تعليلاً قد صدر من العلامة(ره) دعاه للحكم بصحة الطريق المذكور، وهو الاعتماد على تصحيح الكشي، قال: إنه وإن كان في طريقه أبان بن عثمان وهو فطحي، لكن الكشي قال: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه[7].

على أننا لو أغضمنا الطرف عن كون التصحيح المذكور معللاً بإجماع الكشي، كان هناك مانع آخر يمنع من البناء على هذا التصحيح والاعتماد عليه، معارضته بما صدر منه في المنـتهى في بحث صلاة العيد، إذ أنه قد نص هناك على كونه واقفياً، لا تعويل على روايته[8].

السادس: رواية الأجلاء عنه، كابن أبي نصر، وجعفر بن بشير، وابن أبي عمير، بل إكثار الجليل الرواية عنه، إذ أكثر ابن أبي عمير في ذلك، ولا ريب في أن هذا كاشف عن الوثاقة، إذ أن الجليل لا يروي عن غير الثقة، فضلاً عن أن يكثر الرواية عنه، فيثبت المطلوب.

ومن الواضح، أن الوجه المذكور يتركب من قياس منطقي من الشكل الأول، كبراه إحدى دعويـين:

الأولى: أن رواية الجليل كاشفة عن الوثاقة.

الثانية: أن إكثار الجليل الرواية عن شخص كاشفة عن وثاقته.

هذا وقد ذكرنا في فوائدنا الرجالية، أنه لم نعرف وجهاً فنياً لتمامية هاتين الدعويـين بحيث تصلح إحدهما لتكون كبرى القياس المنطقي، ومع فساد الكبرى، لا وجه لتطبيق الصغرى، فلاحظ.

السابع: رواية جعفر بن بشير عنه، وهو ممن شهد في حقه أنه لا يروي إلا عن ثقة، وهذا يعني وثاقة جميع مشائخه.

ولا يذهب عليك أن هذا الوجه أيضاً مركب من مقدمتين، صغرى وكبرى، فما لم تتم الكبرى، فلن يصلح التمسك بالصغرى.

والإنصاف أننا قد ذكرنا في الفوائد الرجالية، وكذا في قاعدة لا ضرر، تمامية الكبرى المذكورة، وبالتالي يمكن تطبيق المقدمة الثانية، وعليه يصح الاستدلال بهذا الوجه لإثبات وثاقة أبان لكونه ممن روى عنه جعفر بن بشير.

الثامن: إكثار ابن أبي عمير، وهو الذي لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة، من الرواية عنه.

والإنصاف أن هذا الوجه كسابقه في التمامية والمقبولية.

فتحصل إلى هنا أنه لا ريب في الاعتماد على رواياته، بعدما ثبتت وثاقته، والله العالم.

——————————————————————————–

[1] معجم رجال الحديث ج 1 ص 145.

[2] معجم رجال الحديث ج 1 ص 147.

[3] المختلف ج 3 ص 307.

[4] مجمع الفائدة والبرهان ج 2 ص 114.

[5] خلاصة الأقوال ص 242.

[6] المصدر السابق ص 438.

[7] المصدر السابق.

[8] منتهى المطلب