28 مارس,2024

آداب المريض وآداب زيارته (7)

اطبع المقالة اطبع المقالة

آداب المريض وآداب زيارته (7)

ثم إنه بعد الفراغ عن ذكر المقدمات المرتبطة بزيارة المريض، وعيادته، نتعرض إلى ذكر بعض الآداب والمستحبات التي أشير إليها في كلمات الأعلام، والتي يجدر بزواره مراعاتها خلال زيارتهم إليه.

الجلوس عنده:

يستحب لمن زار مريضاً أن يجلس عنده، لما ورد عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: أيما مؤمن عاد مؤمناً خاض الرحمة خوضاً، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا انصرف وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له، ويسترحمون عليه، ويقولون طبت وطابت لك الجنة إلى تلك الساعة من غدٍ وكان له يا أبا حمزة خريف في الجنة. قلت: وما الخريف جعلت فداك، قال: زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاماً.

لكن لا ينبغي له أن يطيل الجلوس معه، وكأن ذلك مراعاة لحاله ووضعه الصحي، ويستفاد عدم محبوبية إطالة الجلوس عنده من النصوص التي تضمنت تحديد مقدار العيادة والزيارة بقدر فواق أو حلب ناقة، ويقصد من الفواق ما بين الحلبتين في الناقة، وهو مقدار ما يمكن لوليدها أن يرضع منها، فعن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: العيادة قدر فواق ناقة أو حلب ناقة[1]. فإن تحديدها بقدر فواق ناقة، والذي قد عرفت المقصود منه،، والمدة الزمنية التي تقدر فيه عادة، يكشف عن أن العيادة للمريض والزيارة له لا ينبغي أن تزيد على هذا المقدار.

وجاء عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: إن من أعظم العواد أجراً عند الله لمن إذا عاد أخاه خف الجلوس، إلا أن يكون المريض يحب ذلك ويريده ويسأله ذلك[2]. وقد تضمن النص عدم إطالة الجلوس عند المريض توجب زيادة أجر العائد له، نعم يستثنى من ذلك ما إذا كان المريض راغباً في طول المقام.

وهل يستفاد من النص المذكور كراهة إطالة البقاء، أم أن أقصى ما يستفاد منه هو استحباب الاختصار في الزيارة؟ الظاهر أنه لو قيل بالكراهة لم يكن في ذلك بعد، خصوصاً بناءً على ما هو المعروف من التضاد في الأحكام، ويساعد على ذلك، بل يدل عليه تشبيه الإمام الصادق(ع) إطالة المكث عند المريض في زيارته بعيادة الحمقى، فقد ورد عنه قوله: تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعه، وتعجل القيام من عنده، فإن عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه[3]. فإن قوله(ع): فإن عيادة النوكى، متفرع على قوله(ع): وتعجل القيام من عنده، فيدل على أن الحمقى من طبعهم إطالة المكث والبقاء عند المريض أثناء زيارته، وقد ذكر(ع) أن هذه الزيارة، أشد وجعاً عليه من وجعه.

اللهم إلا أن يدعى، أن قوله(ع): فإن عيادة النوكى، ليس متفرعاً على ما تقدم، وإنما هو بصدد الإخبار والاستئناف، وبالتالي يكون الحديث عن عيادة الحمقى بما هم حمقى، سواء أطالوا الجلوس أم لم يطيلوه، فإنهم لا يحتملون عادة، فتأمل.

نعم يستثنى من قصر المكث والبقاء ما إذا كان المريض راغباً في بقاء الزائر، كما لو كان آنساً بحديثه إليه، أو لكونه من أهل العلم، سوف يستفيد منه في مسائله الابتلائية المرتبطة بطهارته وصلاته مثلاً، أو لأنه ممن يديم حضور المساجد والمنابر، وسوف يفيض عليه مما استفاده من تلك المجالس الطيبة، وهكذا.

وضع الزائر يده على الأخرى:

ومن الأمور التي يحسن بالزائر للمريض مراعاتها خلال زيارته، أن يظهر له كمال الأسى والتأسف على ما أصابه من مرض. وهل لذلك الإظهار وسيلة أو كيفية خاصة، يمكنه إبراز ذلك من خلالها، أم أنه يكون بكل ما يحكي ذلك، ويكشف عنه؟

لقد تضمن النصوص عرض أسلوبين يمكن لزائره أن يبرز له ذلك من خلالهما:

الأول: وضع إحدى يديه على الأخرى أثناء تواجده عنده.

الثاني: أن يضع يده على جبهته أثناء جلوسه عنده.

ففي رواية مسعدة عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: من تمام العيادة أن يضع العائد إحدى يديه على الأخرى، أو على جبهته.

وهل يقتصر على خصوص هذين الأمرين، أم أنه يتعدى منهما ليكون شاملاً لكل ما يكون مبرزاً للتأسف والحزن والأسى؟ احتمالان، للجمود على ظاهر النص وجه، والتعدي ليس بعيداً، والمسألة تحتاج تأملاً، فلاحظ.

إظهار المحبة والمودة له:

أن يظهر الزائر للمريض تمام المحبة والمودة إليه، ويواسيه بأن مرضه الذي أصابه لا يمثل حاجباً وحاجزاً له عن الناس، ومن الطبيعي أن هذه الأمور الوجدانية تحتاج إلى مبرزات وكواشف عنها في الخارج، والطريق إلى كشف ذلك يكون بوضع الزائر يده على أي موضع من جسده، أو بوضعها على ذراعه أثناء اشتغاله بالدعاء إليه. فقد روي عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعه، وتعجل القيام من عنده، فإن عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه[4].

وجاء عنه(ع) أيضاً أنه قال: تمام العيادة أن تضع يدك على المريض إذا دخلت عليه[5].

والمستفاد من كلمات الأعلام، وجود أمرين يلزم أن يتصاحبا معاً:

الأول: وضع الزائر يده على المريض.

الثاني: اشتغال الزائر بالدعاء للمريض، أثناء وضعه يده عليه.

مع أن النصين الذين يذكران في المقام عادة يخلوان من التعرض إلى اعتبار الدعاء، ويقصران الأمر على خصوص وضع اليد.

وعلى أي حال، فقد برر وضع اليد، بما جاء في كلمات بعض علماء النفس من أنه أحد الأمور الموجبة لحصول المودة والمحبة.

والاستشهاد لذلك بما ورد في قصة أبناء نبي الله يعقوب(ع)، من أنه إذا هاج بأحدهم الأمر وأصابه الغضب، مس أحد أبناء يعقوب فيهدأ ما به. في غير محله، لأن من الممكن أن ذلك يعود لمسألة الرحم، فلاحظ.

وبالجملة، لا ريب في أن وضع الزائر يده على المريض، أحد الأسباب الموجبة لرفع معنوياته، وشعوره بالاطمئنان والراحة.

ثم إنه هل هناك موضوعية لخصوص وضع اليد بما هي، أو لا، وإنما ذكرت بلحاظ كاشفيتها عن إظهار الزائر للمريض تمام المحبة والمودة إليه، ومواساته بأن مرضه الذي أصابه لا يمثل حاجباً وحاجزاً له عن الناس، وبالتالي يكفي حصول ذلك بكل ما يؤدي الغرض، كما لو شرب في كأس قد شرب منه، أو شاركه طعامه، أو جلس إلى جواره على سريره الذي يرقد عليه، وهكذا؟ لو قيل بالثاني لم يكن في ذلك بعد.

الدعاء للمريض:

فالمطلوب من الزائر للمريض أن يدعو له بالشفاء والصحة والعافية، ولا يعتبر في دعائه إليه صيغة معينة أو محددة، بل يكفي كل ما يصدق عليه أنه دعاء له بالشفاء، وقد تقدمت الإشارة عند الحديث حول آداب الزائرين، إلى أن دعوتهم له مستجابة.

نعم من الأفضل أن يكون دعاء الزائر بالصيغة الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة، مثل: اللهم اشفه بشفائك، وداوه بدوائك، وعافه من بلائك. فقد ورد عن صادق أهل البيت(ع)، قوله: وتدعو للمريض فتقول: اللهم اشفه بشفائك، وداوه بدوائك، وعافه من بلائك[6].

وقد روي عن النبي الأكرم محمد(ص) أنه قال: ما دعى عبد بهذه الكلمات لمريض إلا شفاه الله، ما لم يقض أنه يموت منه، وهن: اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.

ومن الأدعية المأثورة أيضاً، والتي يستحب أن يقرأها الزائر للمريض أثناء الزيارة، أن يمسك بعضده الأيمن، ويقرأ الحمد سبعاً، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم أزل عنه العلل والداء واعده إلى الصحة والشفاء.

[1] وسائل الشيعة ب 15 من أبواب الاحتضار ح 1.

[2] المصدر السابق ح 2.

[3] المصدر السابق ح 3.

[4] وسائل الشيعة ب 15 من أبواب الاحتضار ح 3.

[5] وسائل الشيعة ب 16 من أبواب الاحتضار ح 1.

[6] مستدرك الوسائل ب 39 من أبواب الاحتضار ح 22.