19 مارس,2024

آثار الزواج

اطبع المقالة اطبع المقالة

بعدما تحقق الزواج بين الطرفين،فإن هناك مجموعة من الآثار تـترتب على هذه العلاقة المقدسة التي وقعت بين الطرفين،وهما الرجل والمرأة،ونحن نحاول في هذا الفصل أن نتعرض لما يترتب على هذه العلاقة من آثار.

نفقة الزوجة:

وهي قيام الرجل بالإنفاق على زوجته بالنحو الذي يؤمن لها حاجاتها المعتبرة عرفاً من الأمور التي سنتعرض لبيانها.

والإنفاق بهذا المعنى هو أحد أهم حقي المرأة اللازمين على الزوج تجاه زوجته في إطار العلاقة الزوجية القائمة بينهما،إضافة إلى حقها الثاني الذي هو(حق الاستمتاع)،وذلك بغض النظر عن سائر حقوقها اللازمة عليه تجاهها كإنسانة لها حرمتها الخاصة الموازية لحرمته في جميع النواحي.

هذا وسوف نتعرض في هذا المبحث إلى أهم الأحكام التي تنظّم هذا الحق وتكفل وصوله إلى صاحبه،وسنقتصر على ما يختص بالإنفاق على الزوجة،دون أن نتعرض لغيرها ممن يجب الإنفاق عليه من الأقارب وغيرهم.

في ما يعتبر في الزوجة:

يعتبر في وجوب إنفاق الرجل على زوجته توفر أمرين:

الأول:الزوجية الدائمة:

فلابد من تحقق الزواج الدائم الصحيح المستكمل للشروط بينهما،فلا يجب الإنفاق على الزوجة التي يربطها بالزوج زواجاً بعقد منقطع،وهي التي يعبر عنها بالمتمتع بها حتى لو كان يسكن معها وولد له منها وطالت مدة زواجهما،فما لم يكن الزواج دائماً لا يكون الزوج مسؤولاً عن الإنفاق على زوجته.

نعم لو اشترطت عليه في عقد زواجهما المنقطع أن ينفق عليها،وقبل هو بالشرط،لزمه الوفاء به.

وقت استحقاق النفقة:

هذا وتستحق المرأة النفقة إذا كانت الشروط كلها متوفرة بمجرد وقوع العقد وتحقق عنوان الزوجية به،حتى لو لم تزف بعدُ إلى بيته،وإن طالت المدة،رغم عدم المساكنة،ورغم أن الزوج قد لا يحصل على حقه الكامل بالإستمتاع بها،نعم إذا اشترط عليها عدم الإنفاق صريحاً أو ضمناً ،ولو لوجود عرف واضح معلوم وملحوظ حين التعاقد،لم يجب عليه حينئذٍ.

فإن ترك تمكينه خلال فترة الخطوبة وقبل الزفاف يعتبر مما استقر تباني العرف عليه،بحيث صار هذا الأمر حاضراً في ذهن المتعاقدين حين إيقاع العقد،فيصير هذا شرطاً ضمنياً ملزماً له في سقوط حقه عنها والاقتصار على الإستمتاع بها على الحدود الموافقة للشرط.

صحة الزواج:

وأيضاً لابد من كون العلاقة الزوجية القائمة بينهما صحيحة،وعلى هذا لو انكشف بطلان العقد لأي سبب من الأسباب،لم يثبت للمرأة من النفقة ما لم ينفقه عليها مما كان واجباً عليه إنفاقه.

بل لو قامت المرأة بغشه بأن أوهمته صحة الزواج مع علمها بأنه فاسد،فإن له أن يطالبها بما كان قد أنفقه عليها خلال مدة زواجهما الذي تبين له فساده.

هذا ولا يقتصر وجوب الإنفاق على الزوجة على خصوص الزوجة بالفعل،بل يلحق بها في الحكم ذات العدة الرجعية ما دامت في العدة إذا لم يكن طلاقها لنشوزها،سواء كانت حاملاً أم لم تكن كذلك،فإن كان طلاقها لنشوزها لم يثبت لها نفقة إلا أن تـتوب فترجع نفقتها.

وكذا ذات العدة البائنة من الطلاق إذا كانت حاملاً،فإنها تستحق النفقة والسكنى حتى تضع حملها،فإن لم تكن حاملاً،أو كانت حاملاً لكن عدتها كانت عن فسخ لا عن طلاق لم تـثبت لها نفقة خلال عدتها البائنة.

ولو ادعت المطلقة البائن أنها حامل،فلا يجب قبول قولها إلا إذا حصل الوثوق بصحة دعواها من خلال الوسائل التي تفيد ذلك.

ولو صدقها في دعواها وأنفق عليها،ثم تبين له أنها ليست حاملاً،جاز له أن يستعيد ما أنفقه عليها.

ولو لم يصدقها فلم ينفق عليها شيئاً،ثم تبين أنها حامل،وجب عليه الإنفاق عليها حتى تضع حملها،كما عليه دفع نفقة ما مضى من أيام حملها.

هذا كله كما عرفنا في الزواج الدائم،أما الزواج المنقطع،فلا يثبت للزوجة حق النفقة حتى لو كانت حاملاً.

وكذا لا يثبت للزوجة المتوفى عنها زوجها الحامل حق النفقة أثناء فترة حملها،لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها.

الثاني:أداء حق الزوج:

فيعتبر في استحقاقها للنفقة قيامها بحق الزوج وعدم نشوزها عليه،وينحصر حق الزوج في أمرين:

1-بذل نفسها له وتمكينه من الاستمتاع بها بالنحو المعتبر شرعاً.

2-عدم الخروج من بيته إلا بإذنه.

فإذا أدت له هذين الحقين دون تمرد عليه وجبت نفقتها،وإن نشزت عنه وتمردت عليه فمنعته أحد هذين الحقين-فضلاً عن كليهما-سقطت نفقتها حتى تـتوب وترجع إلى طاعته وحسن معاشرته.

هذا وينبغي الالتفات إلى أن اعتبار هذا الشرط(أداء حقه)يعتمد على قابلية كلا الزوجين من حيث العمر للاستمتاع بالآخر،فلو كان أحدهما صغيراً غير قابل تكويناً للتمتع والتلذذ به،لا يثبت للزوجة النفقة حتى لو كانت الزوجة هي الكبيرة،وكان المانع مرتفعاً من جهتها.

ثم بعد توفر القابلية يكفي في مطاوعة الزوجة،بذلها نفسها حتى لو منعَ من فعلية الاستمتاع مانع مؤقت أو دائم،كالحيض والنفاس والإحرام والمرض،ومن العذر ما لو كان الزوج مبتلى بمرض معدٍ تخاف من سرايته إليها بالمباشرة كالإيدز مثلاً.

ولا يعتبر في المطاوعة قدرتها على إمتاعه بما يريد،فلو كانت الزوجة متقدمة في السن كفى في استحقاقها النفقة بذلها لنفسها بما بقي عندها من لياقة جنسية رغم كونها غير كافية لزوجها،وبخاصة إذا كان الزوج لا يزال في مقتبل الشباب،وسيأتي منا مزيد تفصيل لهذا الأمر في البحوث القادمة إن شاء الله.

ثم إن وجوب الإنفاق على الزوجة لا يشترط فيه كونها حاضرة،بحيث لا يجب على الإنفاق على المسافرة،بل يجب الإنفاق على الزوجة حال سفرها كوجوبه حال حضرها حتى لو كانت نفقتها في السفر أزيد منها في الحضر،نعم لا يجب على الزوج دفع أجرة سفرها،إلا إذا كان هو الذي اصطحبها معه في سفره،أو كان سفرها لأمر ضروري يرتبط بشؤون حياتها،كالسفر من أجل العلاج ونحوه،وفيما عدا ذلك لا يتحمل الزوج أجرة سفر زوجته حتى ما يكون لأمر واجب،كالحج ونحوه.

هذا ولا فرق في وجوب النفقة بين ما لو كانت الزوجة فقيرة ليس لها ما تعتاش منه،وبين ما لو كانت على شيء من الغنى واليسار،وكذا لا فرق بين الزوجة المسلمة والكتابية،نعم لا نفقة للمرتدة في الفترة الفاصلة ما بين ظهور ارتدادها وما بين مضي عدتها دون أن تتوب،فإن تابت قبل انقضائها استحقت النفقة خلال فترة ارتدادها.

نوع النفقة ومقدارها:

يجب على الزوج بذل ما تحتاجه المرأة في مختلف مجالات حياتها الشامل للطعام والشراب والملبس والمسكن ولوازم التجميل والنظافة ومتطلبات ضيافة زوارها من أرحامها ونحوهم،وكذا لوازم خدمتها من خدم وآلات،إضافة إلى الأثاث الذي تحتاجه في منامها وجلوسها وسائر أعمالها وحاجاتها.

والمعيار في كون الشيء حاجة لها،وكذا في نوعه ومقداره،هو ما تعارف عليه الناس في مجتمعها وبلدها لمن هو في مثل شأنها.

والمراد بـ(الشأن)هو:حال الزوجة من حيث العمر والثقافة والجاه،وهي الأمور التي تقتضي اختلاف نوع ومقدار ما يسد حاجتها من تلك الأمور التي ذكرناها،فقد يكتفى لفتاة تعيش في الريف بالنوع المتواضع من المسكن والأثاث،في حين لا يكتفى به لفتاة نشأت في المدينة،وهكذا نحوه في سائر المجالات التي تختلف باختلاف الناس والبلدان اختلافاً كبيراً.

هذا ومما يعتبر من مصاريف النفقة الواجبة،مصارف الولادة ومصاريف العلاج من مختلف الأمراض،سواء منها الأمراض المعتادة أو الأمراض الصعبة التي يحتاج علاجها إلى بذل مال كثير،إلا أن يكون ذلك حرجياً على الزوج،فيقتصر حينئذٍ على بذل ما لا حرج عليه فيه من نفقات علاجها من الأمراض الصعبة،وذلك أيضاً بالنحو الموافق لشأنها من نوع العلاج ومكانه وكيفيته.

وقد اتضح من خلال ما ذكرنا أن المعيار في النفقة الواجبة على الزوج تجاه الزوجة كونه حاجة معيشية،ولذا لايجب على الزوج أن يتحمل الديون التي على زوجته،ولا نفقات تعلمها لعلم أو مهنة،ولا تحمل ما قد يجب عليها من نفقة تجاه أبويها أو أبنائها من زوج آخر،ولا ما يثبت عليها من فدية أو كفارة أو أرش جناية أو حج واجب عليها،فضلاً عن نفقات الأعمال والقربات المستحبة،كزيارة العتبات المقدسة ونحوها.

طريقة الإنفاق:

تختلف طريقة الإنفاق باختلاف نوع الحاجة على نحوين:

الأول:ما يكون مما تذهب عينه بالانتفاع،كالطعام والشراب والدواء والوقود ونحوها،وهنا تكون الزوجة مخيرة بين الاكتفاء بما هو المتعارف من جعل الزوج لهذه الأشياء تحت تصرفها فتـتناول منها بمقدار حاجتها دون أن تـتملكها وتستأثر بها،وبين أن تطالب الزوج بدفع عين المأكول والمشروب إليها بمقدار حاجتها،حيث يجب عليه إجابة طلبها،فإن اختارت الأول لم يكن لها-بعد أن تأخذ حاجتها منه-مطالبة الزوج بشيء،وإن اختارت الثاني فإن لها مطالبة الزوج بتمليكها عين ما تحتاجه حين حاجتها إليه وتسليمه لها،فيما ليس لها أن تلزمه بدفع ثمن هذه الأعيان،كما أنه ليس للزوج أن يلزمها بأخذ الثمن،ولو دفع لها العين غير مطبوخة لزمته نفقة طبخها.

ومما يعد بحكم ما تذهب عيبه بالانتفاع،اللباس فإن الزوجة فيه مخيرة بين الرضا بما يجعله الزوج منه تحت يدها فتلبسه حسب حاجتها،وبين أن تلزمه بتمليكها إياه وتسليمه لها.

الثاني:ما يكون مما تبقى عينه بالانتفاع، كالمسكن والأثاث والمركب والخادم ونحوها،ويكفي الزوجة منها توفرها عندها وبذلها لها،سواء كانت أعيانها مملوكة للزوج أم متوفرة عنده بإجارة أو عارية،وليس للزوجة إلزامه بتمليكها أعيان تلك الأشياء إلا أن يرغب هو بذلك.