العقوبات الروحية

لا تعليق
من القلب إلى القلب
5
0

هناك من يعتقد أن العقاب الإلهي ينحصر بعالم الآخرة، فلا يوجد عقاب في عالم الدنيا، ولهذا نراه يعمد إلى عمل كافة الأمور، ويقول إن أمر الآخرة ليوم الآخرة، ولا ريب في خطئ مثل هذا الاعتقاد، فإن القرآن الكريم تضمنت آياته الشريفة، وكذا جاء في النصوص المباركة الحديث عن وقوع السخط الإلهي ونزول عقابه على الأمم السابقة، ولا إشكال في أن ذلك كله كان في عالم الدنيا، وقبل حلول عالم الآخرة.

ويخطئ أيضاً من يعتقد بوجود العقاب الدنيوي، إلا أنه يحصر تلك العقوبات الإلهية في عالم الدنيا في خصوص العقوبات المادية، فيتصور أن عقوبات الله تعالى في عالم الدنيا، لا تكون إلا بإنزال العقاب وحلول السخط الإلهي، ونزول النقمة الربانية، كما جرى ذلك في الأمم السابقة.

ولا يخفى أن حال هذا الاعتقاد من حيث الخطء وعدم المقبولية لا يقل عن حال سابقه، فإنه وإن كان أخف وطئة منه، إلا أنه يضيق عن الإحاطة بسعة القدرة الإلهية وتعدد وسائل النقمة الربانية.

والصحيح أن المستفاد من النصوص الشريفة أن العقوبات الإلهية قسمان: عقوبات في عالم الدنيا، وعقوبات في عالم الآخرة.

كما أن القسم الأول منها، وهو عقوبات عالم الدنيا قسمان أيضاً:

الأول: هو العقوبات المادية.

الثاني: هو العقوبات المعنوية والروحية.

أما القسم الأول، وهو العقوبات المادية في عالم الدنيا، فمصاديقه كثيرة، ولا تحتاج ذكراً، لأنه قد يكون عقابه سبحانه وتعالى من خلال التضيـيق في الجانب المعيشي، فيواجه الإنسان ضيقاً في المعيشة، أو ضنكاً فيها، ولا يعتبر هذا القسم من العقوبة الإلهية محور بحثنا، لكونه من الواضحات، ولعله قد أشبع من قبل الكثيرين ممن تحدث أو كتب في هذا المجال.

وأما القسم الثاني، وهو العقوبات الروحية والمعنوية، وهو الذي يغفل عنه من قبل كثيرين، حتى أنهم لا يشعرون حلول العقاب الإلهي بهم، ويظنون أن ما بهم ما هو إلا نوع عادي لا ربط له بالنقمة الإلهية، فقد ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر(ع) أنه قال: إن لله عقوبات في القلوب والأبدان، ضنك في المعيشة، ووهن في العبادة، وما ضرب الله بعقوبة أعظم من قسوة القلب.

لقد تضمن هذا الحديث الشريف مجموعة من العقوبات الروحية التي يوقعها الله تعالى على عباده، ويبتليهم بها:

منها: الضعف والوهن وعدم التحمل في العبادات، فلا يقدر المكلف على طول المكث في المسجد مثلاً، ولو طال وقت الصلاة لأصابه الضجر والملل، حتى أن بعضهم يترك صلاة الجماعة لكونها تأخذ وقتاً أطول بنظره من صلاته منفرداً.

وكذا لا نجد الكثيرين يعتنون بالصيام المستحب سواء في شهر رجب الأًصب أو شهر شعبان، أو كل خميس مثلاً من كل شهر، ويعتذر بأنه لا يطيق أن يصوم أكثر من شهر رمضان المبارك، ويغفل عن أن هذا الذي أصابه نوع من أنواع العقوبة التي أبتلاه الله تعالى بها، لكنه لا يشعر لذلك، ولذا نجد أن أهل المعرفة، والسير والسلوك عندما يجدون في أنفسهم حرماناً من أداء عبادة، أو ضعفاً عنها يراجعون أنفسهم ويتفكرون كثيراً لمعرفة السبب في ذلك، لأنهم يرون ذلك عقوبة وحرمان.

وكذا عدم إقبال الكثير من الشباب على أداء النوافل، فضلاً عن إهمال صلاة الليل، ظناً منه أن ذلك لا يضيره شيئاً، وهو لا يعلم أن هذا عقوبة أبتلاه الله تعالى بها، حتى حرمه من وصاله، والقرب منه.

ومنها: عدم التوجه والإقبال في الصلاة، فتراه عندما يصف قدميه بين يدي ربه مشغولاً بأمور عديدة، فتارة ينشغل بالمال، وأخرى يكون الانشغال بالعيال، وربما كان الانشغال بأمور أخرى.
ومنها: عدم حضور القلب في الصلاة، فهو وإن لم يكن منشغلاً بشيء من أمور الدنيا، ولا متعلقاً بها، إلا أنه لا يؤدي صلاته بقلب خاشع، ولا بتدبر أو تأمل في ما يؤدي، بل يؤدي عبادة جوفاء لا تكاد أن تحلق به شيئاً في سماء المعرفة والعشق الإلهي.

ومنها: حرمان لذة الدعاء ووصل المناجاة، يقول أمير المؤمنين(ع): اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء.

ومنها: قسوة القلب، وما أدراك ما قسوة، ولعمري أن هذا بنفسه يحتاج بحثاً منفرداً وكلمة مستقلة، نسأل الله تعالى التوفيق لذلك.

وبالجملة، فإن هذه الموارد وغيرها مما لم نذكره تعدّ عقوبات يصيب الله بها عباده، فلا ينبغي أن يغفل الفرد منا عن ذلك، بل عليه أن يلحظ حاله، حتى لا يكون من المعاقبين بهذه العقوبات الروحية، نسأل الله تعالى أن يجنبنا ذلك بحق محمد وآله الطاهرين(ع).

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة