29 مارس,2024

حديث الغدير

اطبع المقالة اطبع المقالة

من الأدلة التي يستند إليها الشيعة الإمامية في إثبات أن رسول الله(ص) قد نصب للأمة من بعده خليفة عليها بأمر من الله تعالى، وأن ذلك المنصوب لهذا المنصب الإلهي، هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، ما يجعل الخلافة والإمامة من بعده(ص) بالنص، وليست بالانتخاب والاختيار، والشورى، حديث الغدير، الذي رواه الفريقان بطرق متعددة، فقد أحصى المحدث البحراني(ره) ثمانية وثمانين حديثاً من طرق العامة، كما ذكر ستة وثلاثين رواية من طرق الخاصة، وقد أحصى بعض المحققين(ره) مائة وأربعة وستين كتاباً صنفت حول واقعة الغدير.

ولا ريب أن هذا يكشف عن مدى أهمية الحديث المذكور، وشدة اعتناء أرباب الحديث والسنن به، وقيامهم بنقله.

وقصته، معروفة، فإنه بعد فراغ رسول الله(ص) من حجة الوداع، وفي طريق عودته إلى أرض طيبة الطيبة، نزل عليه الوحي الإلهي بلغة خطابية لم يتعودها رسول الله(ص) من الباري سبحانه، فقد كان اللسان يشتمل شيئاً من التهديد، حيث قال تعالى:- (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[1]، ما يكشف عن وجود أمر خطير يتوقف أداء الرسالة السماوية على تنفيذه، وتحقيقه، وإلا لم يكن لما قام به النبي(ص) خلال المدة الزمنية السابقة، وما يتبقى له في عالم الدنيا، من أثر. وعلى أثر ذلك أمر(ص) بأن يتوقف الركب، وأن يتأخر المتقدم من المسلمين، وأن يتقدم المتأخر منهم، فلما اجتمعوا جميعاً أقيم له منبر من أحداج الأبل، ثم قام فيهم خطيباً، إلى أن قال(ص): ألست بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجي أمهاتهم. فقلنا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والي من والاه، وعاد من عاداه.

ثم إنه وقد عرفنا شدة اعتناء رواة الحديث وأرباب السنن، بحديث الغدير، يلزم تناول دلالته على كون الإمامة بالنص، وليست بالشورى والانتخاب، واستعراض أهم الشبهات التي أثيرت حول ذلك، وما قدم من تفسير له بما لا ينسجم ومختار الشيعة الإمامية.

دلالة الحديث على الإمامة والنصب:

استند الشيعة أعلى الله كلماتهم وأنار برهانهم في ما قالوه إلى قوله(ص) في الحديث: من كنت مولاه، فهذا علي مولاه، بملاحظة ما تقدم من قوله(ص): ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ما يدل على أن المقصود من كلمة(مولى) هنا الأولى، فيكون معنى الحديث: من كنت أولى به، فعلي أولى به، ولا ريب في أن الحديث عن ثبوت أولوية النبي(ص) في التصرف، ولزوم الطاعة والانقياد، وعدم جواز المخالفة.

وبالجملة، إن المستفاد من الحديث، أن الأولوية الثابتة لرسول الله(ص)، وفقاً لما أعطيه من منصب سماوي تمثل في النبوة، فإنها حاصلة لأمير المؤمنين(ع) متمثلة في منصب الإمامة، ما عدا النبوة، لأنه لا نبي بعد نبينا(ص).

إجمال لفظ المولى:

وأعترض على التقريب المذكور، بوجود إجمال في لفظ المولى، جراء تعدد المعاني المذكورة له، ما يوجب الحاجة إلى وجود قرينة معينة له في أحد تلك المعاني، ومنع دلالته على غيره، وليس في البين ما يحدد ذلك في المعنى الذي ذكرتموه، فلا يمكن الاستناد للحديث المذكور للدلالة على المدعى. توضيح ذلك:

إن الرجوع لموارد استعمال لفظ المولى في القرآن الكريم، يفيد تعدد المعاني المستفاد منها، فقد استعملت في عدة معاني:

منها: استعمالها بمعنى الأولى، كما في قوله تعالى:- (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)[2].

ومنها: استعمالها بمعنى المتصرف، كما في قوله تعالى:- (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)[3].

ومنها: استعمالها بمعنى المتولي في الأمر كما في قوله تعالى:- (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ)[4].

ومنها: استعمالها بمعنى الناصر، فلاحظ قوله تعالى:- (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ)[5].

ومنها: استعمالها بمعنى الوارث، وقد جاء ذلك في قوله تعالى:- (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا)[6].

ومنها: استعمالها بمعنى الصاحب، كما في قوله تعالى:- (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَƒ)[7].

ومنها: استعمالها بمعنى المالك، وقد جاء ذلك في قوله تعالى:- (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[8].

ولا ينحصر الأمر في خصوص ما ذكرنا، بل قد يجد القارئ العزيز موارد أخرى لم نذكرها.

وقد ذكر علماء العربية، وفقاً لما نقله ابن الجوزي، عشرة معان للفظة المولى[9]، كما أن شيخنا البحاثة العلامة الأميني(قده) في موسوعته القيمة الغدير، أحصى سبعة وعشرين استعمالاً للفظة المولى[10].

والحاصل، إن ملاحظة تعدد موارد الاستعمال للفظة المولى، يوجب إجمالاً في تحديد المقصود منها، ذلك أن المستمع، لا يمكنه إحراز مقصود المتكلم، وتحديد أي واحد من المعاني هو المراد إليه، إلا إذا كانت هناك قرينة معينة للفظ في ذلك المعنى،وصارفة إليه، وإلا فلا.

جواب الإشكال:

ويعتمد دفع الإشكال المذكور، والجواب عنه على تحديد وضع لفظة المولى، وهل أنها موضوعة حقيقة في اللغة في لفظة المولى، ويكون استعمالها في بقية المعاني الأخرى من باب المجاز، أو أن استعمالها في جميع المعاني حقيقياً، وليس في البين مجاز، وعليه فسوف يكون اللفظ مشتركاً لفظياً، أو مشتركاً معنوياً.

وبالجملة، إن هاهنا محتملين، لا ثالث لهما:

أحدهما: الالتـزام بوجود استعمال للفظ المولى في معناه الحقيقي، واستعمال له في معاني مجازية، وأن معناه الحقيقي هو خصوص الأولى.

ثانيهما: انتفاء الاستعمال المجازي، بل الموجود هو استعمال حقيقي في كافة المعاني، وإنما يكون المورد من صغريات المشترك، إما اللفظي، أو المعنوي.

ولكي تنجلي الصورة في المقام، نشير إلى تحديد المقصود من المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، فإنه يقصد من قولهم: استعمل اللفظ في معناه الحقيقي، أنه قد استعمل في ما وضع له في الاصطلاح الذي وقع التخاطب به.

وأما استعماله في معناه المجازي، فيقصد منه: أنه قد استعمل في غير ما وضع له في الاصطلاح الذي وقع به التخاطب. ونقرب ذلك بمثال، فإن لفظة الفريضة في النصوص مثلاً، يقصد منها الشيء الواجب، فإذا ورد استعمالها في ذلك كان استعمالاً حقيقياً لأنه استعمال للفظ في ما وضع له في مقام التخاطب، وأما لو وجدناها تستعمل في معنى الاستحباب كان ذلك من استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وهكذا عندما نستعمل كلمة أسد في الحيوان المفترس، ملك الغابة، فإنه يكون استعمالاً حقيقياً، أما لو استعملناه في الرجل الشجاع، فقلنا: رأيت أسداً يقرأ، كان ذلك من الاستعمال المجازي.

وهذا بنفسه ينطبق في المقام، فقد يدعى أن لفظة المولى، تستعمل في واحد من المعاني المذكورة لها استعمالاً حقيقياً، وتستعمل في البقية استعمالاً مجازياً، والمعنى الحقيقي الذي تستعمل فيه، وقد وضعت له هذه اللفظة، هو الأولى، فيكون البقية مجازاً.

إلا أن هذا الاحتمال لا يمكن المساعدة عليه، والالتـزام به، ذلك أن استعمال لفظ من الألفاظ في المعنى المجازي، يحتاج وجود قرينة صارفة للفظ عن معناه الحقيقي، ومعينة له في المعنى المجازي، ولذا قلنا: رأيت أسداً يقرأ، فإن وجود لفظة القراءة قرينة صرفت لفظ الأسد عن الظهور في ملك الغابة، لعدم تصور القراءة فيه، وهذا ما لا يتوفر في مقامنا، لأن المتابع لموارد استعمال لفظة المولى في القرآن الكريم على سبيل المثال، لا يرى وجود قرينة أوجبت صرف اللفظ عن ظهوره في معناه الحقيقي، بل إنه يجد استعمالاً للفظ في معناه المراد، من دون وجودها، وهذا ينفي أن يكون اللفظ قد وضع لمعنى حقيقي، وأن استعماله في البقية مجازياً، ومثل ذلك يجري في المعاني التي ذكرها علماء العربية، وهكذا، فتدبر.

ومع انتفاء الاحتمال الأول، يتعين الاحتمال الثاني، وفقاً للقسمة الحاصرة، وعليه فسوف يكون استعمال اللفظ في جميع تلك المعاني استعمالاً حقيقياً، فيلزم أن يكون لفظ المولى مشتركاً، وكما هو معلوم، فإن الاشتراك لا يخلو عن كونه إما اشتراكاً لفظياً، فيكون اللفظ مشتركاً لفظياً، أو مشتركاً معنوياً، فيكون الاشتراك معنوياً.

ونعني بالمشترك اللفظي: أن يكون اللفظ موضوعاً لمعنيـين، أو يكون موضوعاً لمعانٍ بأوضاع متعددة، كلفظ العين، فإنها موضوعة للعين الباصرة، كما أنها موضوعة للعين الجارية، وهي موضوعة أيضاً لعين الذهب، وموضوعة كذلك لعين الركبة، وهكذا.

وأما المشترك المعنوي، فيعرف بأنه: أن يكون اللفظ موضوعاً لمعنى كلي، كالإنسان الذي يكون موضوعاً للحيوان الناطق.

المولى مشترك معنوي:

والظاهر عدم إمكانية البناء على كون لفظ(المولى) مشتركاً لفظياً، بل هو مشترك معنوي، لأن لفظ المولى موضوع في اللغة لمعنى الأولى، إلا أن الأولوية تختلف في كل مورد عن الآخر، فمثلاً مقتضى كون النبي الأكرم محمد(ص)، مولى المؤمنين، يستوجب أنه أولى بهم من أنفسهم في أمورهم، وأن له الأمر والنهي عليهم، وأن له عليهم حق الطاعة، بامتثال كل ما يصدر عنه من أوامر إليهم. كما أنه لو فسرت لفظة المولى بالوارث، فإنها لا تخرج عن الأولوية، لأن الابن أولى الناس بميراث أبيه، ومثل ذلك لو كان تفسيرها بلفظة الناصر، فإن العباس بن أمير المؤمنين(ع) مثلاً أولى الناس بنصرة المولى أبي عبد الله الحسين(ع)، وهكذا.

وبالجملة، إن لفظ الأولوية موجود في جميع المعاني المذكورة للفظ المولى، إلا أن الاختلاف بينهما في مصداق الأولوية، كما يقال ذلك في اطلاق لفظ الانسان على زيد وعمر وخالد، وبكر، وإن كان كل مصداق يختلف عن الآخر.

ويشهد لما ذكرنا أمران:

الأول: التبادر، فإنه بمجرد أن تذكر لفظة المولى، يكون المتبادر منها هو الأولوية، حتى مع تعدد الاستعمالات.

الثاني: صحة استعمال لفظ الأولى مكان المولى، فيصح أن يقال: النبي(ص) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، عوضاً عن قولنا: النبي(ص) مولى المؤمنين، كما يصح القول: الوالد أولى بولده، عوضاً عن القول: الوالد مولى ولده، وهكذا.

عدم تناسب المعاني لمقوله(ص):

هذا ولو لم يقبل بما ذكرنا، وألتـزم ببقاء لفظ المولى على تعدد المعاني، الموجب لكونه مجملاً فلا يصلح الاستناد إليه في مقام الاستدلال على مدعى الشيعة الإمامية، أمكن اتخاذ طريق آخر في تعيـين لفظ المولى في خصوص الأولى، ورفع اليد عن بقية المعاني الأخرى، بعدم تصور إرادة المعاني الأخرى في المقام، لوجود مانع يمنع عنها، وهذا يختلف بحسب حال المعنى المذكور، فقد يكون المانع عبارة عن الظروف التي جرت فيها واقعة الغدير، وصدرت فيها الكلمة محل البحث، فإنه لا يتصور أن يقوم النبي الأكرم محمد(ص) بإيقاف الركب، وأمره المتقدم أن يتأخر، وأمره المتأخر أن يتقدم من أجل أن يخبرهم أن من هو ابن عمه، فإن علي ابن أبي طالب ابن عمه له أيضاً، خصوصاً وأن النبي(ص) لم يكن يتحدث إلى مجتمع بعيد عنه وعن أمير المؤمنين(ع)، وأنه لا يعرفهما، بل كان حديثه في وسط اجتماعي يملك معرفة كاملة بهما، وأنهما من أبوين شقيقين.

وقد يكون المانع عدم توفر موجبات المعنى المقصود تفسيراً للفظ، فإن حمل لفظة المولى على المعتق، تستوجب أن يكون أمير المؤمنين(ع)، مالكاً لكل ما كان يملكه النبي(ص)، ليكون معتقاً كما أن رسول الله(ص) له حق العتق فيه، وهذا ما لم يقم عليه شاهد تاريخي، فلاحظ[11].

ومثل ذلك أيضاً لو فسرت كلمة المولى بالوارث، فإنه ليس كل من يرثه النبي(ص)، يرثه أمير المؤمنين(ع)، فإن النبي(ص) يرث زوجاته، وليس أمير المؤمنين(ع) وارثاً لهن، كما لا يخفى.

وقد يكون المانع عدم وجود خصوصية في أمير المؤمنين(ع) على غيره من المسلمين توجب تخصيصه بهذا الوصف، وإعطائه هذه الخصوصية، كما لو فسر لفظ المولى بالناصر، فإنه لا معنى له، لأن المسلمين جميعاً أنصار لمن نصره النبي(ص) فلا معنى لتخصيص أمير المؤمنين(ع) بذلك دون غيره من المسلمين، ومثل ذلك أيضاً لو فسر بالحليف، فإن أبا الحسن(ع) حليف لجميع حلفاء النبي(ص).

وأوضح من ذلك في عدم كونها مقصودة له(ص) المعاني الأخرى المذكورة في البين، كلفظة الصاحب، أو الجار، والشريك، والرب، وغيرها.

وهذا بخلافه لو فسرت لفظة المولى بمعنى المتولي للأمر، والمتصرف فيه، فإنها تكون منسجمة تماماً مع المعنى المقصود، لأن من الواضح أن المتصرف في الأمر، والمتولي له، يكون الأولى، بمعنى أنه المتولي للأمور، والمتصرف فيها، وهو الذي يكون له حق الطاعة، كما أن له حق الأمر والنهي.

وبالجملة، إن المعنى المنسجم تماماً مع المقصود لرسول الله(ص)، وما هو بصدد بيانه في حادثة الغدير يتوافق وكون المراد هو معنى الأولوية، فيكون المستفاد من الحديث إثبات ما كان ثابتاً لرسول الله(ص) لأمير المؤمنين(ع)، وهو ينسجم تماماً مع ما تريد الشيعة الإمامية الاتكاء عليه في إثبات النصب من بعد رسول الله(ص)، وإقامة خليفة له(ص) من بعده بأمر من الله تعالى، يتمثل في شخص أمير المؤمنين(ع).

أولوية أمير المؤمنين(ع):

هذا وقد يسلم الآخر بتمامية الدلالة، واستفادة معنى الأولوية من الحديث الشريف، فيلتـزم بأنهالأنسب، بل هو المعنى الواضح من الحديث أن المولى فيه بمعنى الأولى، إلا أنه قد يمانع من التسليم بالصغرى، فلا يقبل أن يكون الأولى بالتصرف بعد رسول الله(ص)، هو أمير المؤمنين(ع)، بل هناك من له الأولية في ذلك من الصحابة.

ولا يذهب عليك أن التوقف في ثبوت الأولية المذكورة في غير محلها، ضرورة أن التسليم بتمامية دلالة الحديث الشريف على الأولوية تقضي أن يكون الأولى هو أمير المؤمنين(ع)، لأن الحديث كله ينصب في الكلام عنه، وليس موجهاً للحديث عن غيره، إلا أن هناك من الإقرار على ألسنة الصحابة ما يدل على التسليم بأولوية أمير المؤمنين(ع) بذلك منهم جميعاً، فمن ذلك الحوار الذي نقله ابن أبي الحديد في شرحه على النهج بين الخليفة الثاني، وبين ابن عباس، فقد قال عمر: يا ابن عباس أما والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله(ص)، إلا أنا خفناه على اثنين. فسأله ابن عباس: وما هما يا أمير المؤمنين؟ قال: خفناه على حداثة سنه، وحبه بني عبد المطلب[12]. وكلامه صريح في التسليم بالأولية لأمير المؤمنين(ع)، والتبرير الذي ذكره ليس له أساس من الصحة ولا المقبولية كما لا يخفى.

القرائن الحافة بالحديث:

ولا ينحصر الأمر في إثبات دلالة الحديث على المدعى بما ذكر، إذ أن هناك طريقاً ثالثاً يمكن التمسك به في الإثبات، وهو عبارة عن القرائن الحافة بالحديث، فإنها تدل أيضاً على أن المقصود به هو خصوص المعنى الذي فهمه الشيعة الإمامية، من كونه(ص)، بصدد إقامة أمير المؤمنين(ع) خليفة من بعده بأمر من الله تعالى، نشير لبعضها:

منها: شعر حسان بن ثابت:

فقد ذكر المؤرخون قوله قصيدة في حادثة غدير خم بعدما سمع من النبي(ص) ما سمع، وبعدما قام المسلمون ببيعة أمير المؤمنين(ع)، ويظهر المعنى المقصود منها جلياً واضحاً من قوله:

فقال له قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

وقد جسد حسان ما فهمه من قول النبي(ص) في قصيدته، فضمنها أن الإمام(ع) هو الخليفة من بعد رسول الله(ص).

ومنها: تهنئة عمر بن الخطاب لأمير المؤمنين(ع):

فقد ذُكر أن عمر دخل عليه الخيمة يبايعه، وقال له أثناء البيعة: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة[13].

ولا ريب أنه لو كان المقصود بالمولى أي واحد من المعاني الأخرى المذكورة في الكلمات، لم يكن معنى لما صدر من الرجل الثاني، لأنه أي وجه لأن يحسد أمير المؤمنين(ع) على ما هو فيه، لمجرد كونه ابن عم رسول الله(ص)، أو لمجرد كونه ناصراً، أو حليفاً، أو معتقاً، إن هذا الحسد منشأه وجود صفة تميز أمير المؤمنين(ع) عليهم جميعاً، بل كانوا يرجون الحصول عليها، ونيلها.

ومنها: احتجاج الإمام(ع) بواقعة الغدير:

فقد ذكر المؤرخون أنه لما هلك الرجل الثاني، وجعل الأمر شورى، وأخذ القوم يحيلون ناحية الرجل الثالث، ناشدهم الإمام(ع) بحديث الغدير، فقال(ع): نشدتكم بالله هل منكم أحد نصبه رسول الله(ص) يوم غدير خم بأمر الله تعالى، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه غيري؟ قالوا: لا[14]. فإنه لو لم يكن المقصود من الحديث ما فهمه الشيعة الإمامية، لما قبل القوم باحتجاج الإمام(ع)، وتسليمهم له، بل لأجابوه بأنه لم يقصد من ذلك ما فهمته، بل كان يريد أنك ناصره، أو انك ابن عمه، أو لك ما له من العتق، أو الوراثة، وهكذا.

وبالجملة، إن التسليم منهم، بما قاله، وهو في مقام الاحتجاج بشأن منصب الخلافة، يدل دلالة واضحة، على أنهم أيضاً قد فهموا من مقول رسول الله(ص) يوم غدير خم، أنه يريد نصبه خليفة على الأمة بأمر من الله تعالى، فلاحظ.

على أنه لو ضم ما ذكرنا، وقرائن أخرى، إلى آية البلاغ بلغتها الشديدة التهديدية التي لم يعهدها رسول الله(ص)، وآية إكمال الدين وإتمام النعمة، وما تضمنتها من أمور أربعة ابتدأها بيأس الذين كفروا من دين المسلمين، فإنها سوف تكون أوضح دلالة وأقوى شاهداً ودليلاً على ما ذكرنا، فلا تغفل.

موانع القبول بالأولوية:

هذا وقد يقال بأن ما ذكر وإن كان صحيحاً، إلا أن هناك موانع تمنع من القبول به، ذلك أن هناك قرائن خارجية توجب حمل لفظ المولى الوارد في الحديث على غير ما ذكرتموه من معنى، وتلك القرائن عبارة عن المناسبات التي قيل الحديث فيها، ومن المعروف عند أهل المحاورة أن المناسبة التي صدر الحوار أو الخطاب فيها تشكل قرينة عقلائية حافة بالمقول يعول عليها في تحديد المقصود من اللفظ في مقام الظهور، ومقامنا من هذا القبيل، فإن هناك عدة أسباب كانت السبب في صدور هذا القول من رسول الله(ص) في شأن الإمام علي(ع)، وهذا يعني كون المقصود بها ما تضمنه ذلك السبب.

وما يلزم التنبيه عليه، هو أن الأسباب المذكورة لم يلتـزم بها الجميع، وإنما ذكرت في كلماتهم متفرقة، فبنىت كل فئة أو جماعة على سبب، وجعلته قرينة موجبة لصرف اللفظ عن المعنى المقصود منه، وحمله على ما تضمنه ذلك السبب.

فمنها: شكاية أهل اليمن على الإمام علي(ع):

فقد استظهر بعضهم أن المقصود من لفظة المولى، هو الناصر، والمحب، وجعل القرينة على ذلك كون الحديث قد صدر عن النبي(ص) لما شكى أهل اليمن أمير المؤمنين(ع)، فقام رسول الله(ص) يشيد به خاصة، ما يعني أن الحديث المذكور أجنبي تماماً عن الوصية، أو الاستخلاف، كما يدعى. وقد جاء ذكر شكاية أهل اليمن أمير المؤمنين(ع) كما في سيرة ابن هشام، أنه لما أقبل أمير المؤمنين(ع) من اليمن ليلقى رسول الله(ص) بمكة تعجل إليه، واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كل واحد من القوم حلة من البز الذي كان مع علي(ع)، فلما دنا جيشه خرج أمير المؤمنين(ع) ليلقاهم، فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك أما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك! انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله(ص)، فانتـزع الحلل من الناس، فردها في البز، وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم[15].

ومن المعلوم أنه لكي يصح الاستناد إلى القرينة المذكورة، وجعلها موجبة للتصرف في ظهور لفظة المولى، يلزم احراز تاريخ الشكاية، وأنها قد تحققت في السنة واليوم الذي وقعت فيه حادثة الغدير، وكانت مصاحبة لذلك. أما لو أحرز أن وقوعها كان قبل تاريخ واقعة الغدير، وإن كانت في نفس السنة، إلا أنها كانت قبل واقعة الغدير بأيام مثلاً، فلن يصح الاستناد لها.

والمعروف تاريخياً، أن شكاية أهل اليمن لو بني على وقوعها في سنة حجة الوداع، فإنها كانت قبل واقعة الغدير، حيث كانت قبل التاسع من ذي الحجة، بينما واقعة غدير خم كما هو معروف كانت في الثامن عشر منه، ومع التسليم بأن الموجب لقوله(ص): من كنت مولاه، فعلي مولاه، هو الإجابة على شكوى أهل اليمن، لم يكن هناك موجب لتأخير ذلك إلى ما يقرب من تسعة أو عشرة أيام، فلاحظ. على أن ابن هشام، قد ذكر أنه(ص) قد أجاب اليمنيين مباشرة وقد شكوى علياً إليه(ص)، فقال: أيها الناس لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات الله(في سبيل الله من أن يشكى). ولم يذكر أنه(ص) قد وصف علياً(ع) بكونه مولى أصلاً.

على أن هناك من يذكر أن شكاية أهل اليمن لأمير المؤمنين(ع) لم تكن في حجة الوداع، وإنما كانت قبل ذلك، لأن المعروف أنه(ع) قد بعث لليمن مرتين، وقد كانت شكواهم إياه في المرة الأولى دون الثانية، وهذا يوجب تغاير التاريخ بين حادثة الغدير، وبين واقعة الشكاية، ما يمنع أن تكون الشكاية المذكورة قرينة على أن المقصود من المولى التفسير الذي ذكر، فلاحظ.

ومنها: قضية أسامة بن زيد:

وقد منع بعضهم من دلالة لفظة المولى على ما يقرره الشيعة، واختصاصها بغير ذلك، استناداً لما وقع من نزاع شخصي بين أمير المؤمنين(ع)، وأسامة بن زيد، حيث قال أسامة لعلي(ع): لست مولاي، إنما مولاي رسول الله(ص)، فقال(ص) بعد أن سمع بالنـزاع: من كنت مولاه، فعلي مولاه[16].

وقد أجيب عن هذه القرينة، بأنه يلزم تحديد مقصود أسامة من نفي مولوية أمير المؤمنين(ع) إليه، فإن هناك احتمالات ثلاثة:

الأول: أن يكون مقصود أسامة، نفي ثبوت الأولوية لأمير المؤمنين(ع) الثابتة لرسول الله(ص) عليه.

الثاني: أن يكون المراد من نفيه المولوية، نفيه حق العبودية لأمير المؤمنين(ع)، عليه، وقصر عبوديته لرسول الله(ص) فقط.

الثالث: أن يكون مقصوده، نفي حق الطاعة الثابت لرسول الله(ص) على أسامة، لأمير المؤمنين(ع)، عليه.

والمتعين من المحتملات الثلاثة المذكورة، هو الأول، فإن الظاهر قصد أسامة نفي أولوية أمير المؤمنين(ع) به من نفسه، وأنه ليس كالنبي(ص)، لأن ذلك كان قبل أن يثبت النبي(ص) إمامة علي(ع) على المسلمين الظاهرة، لأن المفروض أنه بعد لم يصدر عن رسول الله(ص) شيء في ذلك.

ولا مجال لحمل قول أسامة بنفي المولوية، نفيه للعبودية لأمير المؤمنين(ع)، وقصر عبوديته لرسول الله(ص)، كما هو في المحتمل الثاني، لما هو المعلوم من أنه لم يكن عبداً لرسول الله(ص)، بل أقصى ما يثبت عليه ولاء العتق، الذي كان لرسول الله(ص) على أبيه، زيد بن حارثة.

وأضعف من ذلك الالتـزام بما جاء في الاحتمال الثالث، من كون المقصود هو نفي الطاعة لعلي على أسامة، لأن علياً لم يتأمر على أسامة، أو على أحد ما لم يأمره بذلك رسول الله(ص).

ثم إنه لو سلم بأن ما صدر من رسول الله(ص) يوم غدير خم، كان جراء ما وقع من نزاع شخصي بين أمير المؤمنين(ع)، وبين أسامة، إلا أن ذلك لا يوجب صرف معنى المولى، عن المعنى الظاهر فيه، وهو الأولى إلى غيره، بل لا يبعد البناء على أن هذا النـزاع يساعد كثيراً على تعين اللفظ المذكور في الأولى، فيفيد مولوية علي(ع) على أسامة وغيره قبل يوم الغدير، وبعده، لأن المستفاد من إجابة النبي(ص) لأسامة عندما رفض مولوية أمير المؤمنين(ع)، تضمنت إثبات المولوية إليه(ع)، من جهة، ورد التجاوز الذي صدر من أسامة للحد في رعاية حق علي(ع) من جهة أخرى.

انتقاص بريدة لعلي:

وقد حمل آخرون حديث غدير خم على غير المعنى المقصود منه، استناداً إلى حديث بريدة، فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده، عن بريدة قال: غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله(ص) ذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله(ص) يتغير فقال(ص): يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه[17].

ولا يذهب عليك أن هذه القضية تتوافق والقرينة الأولى التي تمسك بها المانعون من دلالة الحديث على المدعى، فإنهما تشتركان في كونهما وقعتا بعد بعث أمير المؤمنين(ع) إلى اليمن، وهذا يعني أن تاريخهما واحد، خصوصاً وأنه لم يرد أن أحداً قد شكى علياً(ع) في بعثه الثاني لليمن، وقد عرفت أن تأريخ البعث الأول، كان في السنة الثامنة من الهجرة، وحادثة الغدير وقعت في السنة العاشرة، على أنه لو سلم بوقوعهما في سنة واحدة، فلا ريب أن الشكاية كانت قبل يوم الغدير، كما ذكرنا سابقاً، فلاحظ.

على أنه لو سلم صدور هذه الشكاية في السنة العاشرة، أعني في بعثه(ع) الثاني لليمن، إلا أن ذلك لا يستوجب صرف لفظ المولى عما هو ظاهر فيه من الحمل على الأولوية، كما لا يخفى. لأن الموجب لرفع اليد عن ظهور اللفظ في معنى ما، إما أن يكون قرينة لفظية، أو قرينة مقامية، وهذا ما لا يستفاد من شكاية بريدة، لأن المفروض أنه جاء يشكو جفاء أمير المؤمنين(ع)، ليس إلا، فتدبر.

ثبوت الأولوية بعد البيعة:

وقد ألتـزم صاحب الصواعق المحرقة ابن حجر بتمامية ظهور لفظ المولى في الأولى، وعليه يكون المستفاد من الحديث أن علياً(ع) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وله عليهم حق الأمر والنهي، والطاعة، إلا أن ذلك ليس يوم قال رسول الله(ص) ذلك في غدير خم، وإنما يكون ذلك بعدما يقوم المسلمون ببيعته بعد الخليفة الثالث، والموجب لهذا التصرف، لزوم ما لايمكن الالتـزام به لو بني على مقالة الشيعة، وذلك الأمر أن يكون علي بن أبي طالب(ع) أولى بالطاعة والأمر والنهي في حياة رسول الله(ص)، وهذا ما لا يمكن الالتـزام به[18].

ولازم ما ذكر، عدم ثبوت المولوية لعلي(ع) على المسلمين الذين ماتوا قبل بيعته بالخلافة الظاهرية بعد الرجل الثالث، وهو ينافي ظاهر الحديث الدال على عمومية مولويته(ع) لجميع المسلمين، سواء من مات قبل بيعته الظاهرية، أم من كان حاضراً حالها. على أن القبول بالتقيـيد الوارد في كلامه بتخصيص ذلك بما بعد البيعة، يستلزم أن يكون الثابت بنص حديث الغدير لأمير المؤمنين(ع) ثابتاً لكل من وقعت له البيعة من الأمة، ما يوجب نفي التميز لأمير المؤمنين(ع) على أي واحد منهم. فلماذا إذاً نزلت آية البلاغ، ولماذا نزلت آية الإكمال، ولماذا تعطيل الركب والوقوف في الشمس الحارقة. مضافاً إلى أنه سوف يستلزم أن يكون قوله(ص) من كنت مولاه، فعلي مولاه لا معنى له، لأنه وفقاً لكلام ابن حجر سيكون المعنى هكذا: إذا بايعت الأمة علياً فهو صالح للإمامة، وأي معنى لأن يقول رسول الله(ص): إذا بايعت الأمة علياً، صار علي صالحاً للإمامة. لأن هذا المعنى يكون صادقاً على كل فرد تبايعه الأمة، فتدبر.

وأما اللازم الذي لا يلتـزم به لو بني على ثبوت الولاية لأمير المؤمنين(ع) في حياة رسول الله(ص)، وقبل بيعته الظاهرية، يدفعه أنه لم تكن ولاية أمير المؤمنين(ع) في عرض ولاية رسول الله(ص)، بل كانت في طول ولايته، وهذا لا يوجب الالتـزام بما لا يلتـزم به.

مصلحة تقديم المفضول على الفاضل:

وهذا ما تبناه المعتزلة، فإنهم يسلمون بأن علياً(ع) هو الأولى بإمامة المسلمين، وفقاً لما يستفاد من حديث الغدير، وأنه أفضل صحابة رسول الله(ص) فيكون الأولى بمقام الإمامة، إلا إذا قامت مصلحة تستوجب تقديم غيره عليه.

وضعفه واضح، ضرورة أنه لو كانت هناك مصلحة متصورة في البين، كان رسول الله(ص) أولى الناس بإدراكها، وتكون المخالفة لها بعد إدراكها أمراً قبيحاً، وحاشا رسول الله(ص) أن يصدر منه ذلك.

الأولوية تعني التعظيم والاحترام:

وهذا التفسير يسلم بكون المقصود من لفظ المولى، هو الأولوية، إلا أنه ليس كما تبناه الشيعة من كون المقصود بالأولوية الأولوية من أنفسهم في أمرهم، ونهيهم وتدبير أمورهم، وشؤون حياتهم، وإنما المقصود هو الأولوية بالتعظيم والاحترام، ومن الواضح أن هذا المعنى لا يستوجب ثبوت الإمامة لعلي(ع).

ولا يخفى أن تخصيص المقصود بالأولوية بالتعظيم والاحترام يحتاج قرينة موجبة لصرف ظهور اللفظ عما هو ظاهر فيه، ذلك أنه متى ذكر لفظ الأولوية، كان المستفاد منه من يكون له الأمر والنهي، والطاعة، وهو يساوق معنى الإمامة. ويساعد على ذلك ملاحظة مبتدأ كلامه(ص)، فإنه أشار إلى أولويته من المؤمنين في أنفسهم[19].

——————————————————————-

[1] سورة المائدة الآية رقم 67.
[2] سورة الحديد الآية رقم 15.
[3] سورة الحج الآية رقم 78.
[4] سورة محمد الآية رقم 11.
[5] سورة محمد الآية رقم 11.
[6] سورة النساء الآية رقم 33.
[7] سورة الدخان الآية رقم 41.
[8] سورة النحل الآية رقم 76.
[9]تذكرة الخواص ص 38.
[10]الغدير ج 1 ص 362.
[11]ينبغي الالتفات إلى أن هذا وفقاً لما يلتـزم به الخصم المانع من ثبوت الولاية لأمير المؤمنين(ع) كما لرسول الله(ص) فلا تغفل.
[12]شرح نهج البلاغة ج 10 ص 20.
[13]مسند أحمد حديث رقم 17749.
[14]الاحتجاج ج 1 ص 136.
[15]سيرة ابن هشام ج 4 ص 603.
[16]الغدير ج 1 ص 383.
[17]الغدير ج 1 ص 384.
[18]حكى ذلك السيد شرف الدين(ره) في كتابه المراجعات ص 206.
[19]اعتمدنا كثيراً في هذا البحث على مقال حديث الغدير مجلة ميقات الحج العدد 14، كتاب الإلهيات ج 2.