28 مارس,2024

الأسرة العلوية الفاطمية

اطبع المقالة اطبع المقالة

الأسرة العلوية الفاطمية

 

هناك جوانب عديدة في سيرة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع) جديرة بالدراسة وتوجب الاقتداء بها، وجعلها منهجاً متبعاً، ومن ذلك عوامل نجاح الزواج العلوي الفاطمي، وهو ما نرغب ملاحظة الأسباب والعوامل التي أدت إلى ذلك.

إذ لا ريب أن هناك مجموعة من العوامل أدت إلى نجاح زواج أمير المؤمنين والسيدة الزهراء(ع)، نشير لبعضها:

 

عدم العناية بالأمور المادية:

ويظهر هذا بصورة جلية واضحة في عملية إعداد أثاث بيت الزوجية، فقد ورد في البحار عن أمير المؤمنين(ع) قال: انطلقت فبعت درعي بثمانية وأربعين درهماً، وأقبلت إلى رسول الله(ص) فطرحت الدراهم بين يديه، فأعطى قبضة إلى أم أيمن لمتاع البيت، وقبضة إلى أسماء للطيب، وقبضة إلى أم سلمة للطعام، وأنفذ عماراً وأبا بكر وبلالاً لابتياع ما يصلحها، وكان ما اشتروه: قميص، خمار، قطيفة سوداء خيبرية، صرير مزمل بشريط، فراشان من خيش مصر، حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من جز الغنم، ستراً من صوف وحصير غجري، ورحى يد وسقاء من أدم، ومخضب من نحاس، وقعب للبن، وشن للماء، وجرة خضراء، ونطع من أدم، وعباءة وقربة ماء.

 

ومن الطبيعي أن مثل هذا الأثاث لا يصلح لمثل زماننا، ولذا ليس المطلوب هو تأثيث بيت الزوجية اليوم بهكذا أثاث، وإنما المطلوب هو الاقتداء به في بساطته، إذ لا ريب أنه كان في عصرهما(ع) أثاث أغلى وأفخم وأكمل من هذا الأثاث، إلا أنهما اكتفيا بهذا الأثاث البسيط وهذا ما ندعوا له أن يكون أثاث بيت الزوجية بسيطاً قدر المستطاع فلا موجب للتأثيث بأغلى الأسعار والأثمان.

 

التعاون في العمل المنـزلي:

لقد رسم أمير المؤمنين والسيدة الزهراء(ع) أجمل صورة لتعاون الزوجين في الحياة الأسرية، فقد جاء في البحار: دخل يوماً رسول الله(ص) على علي(ع) فوجده وفاطمة يطحنان في الجاروش، فقال النبي(ص): أيكما أشد تعباً، فقال علي: فاطمة يا رسول الله، فقال النبي(ص): قومي يا بنية، فقامت وجلس النبي(ص) موضعها مع علي، فواساه في طحن الحب.

 

وجاء عن أبي عبد الله(ع) الصادق(ع) قال: كان أمير المؤمنين(ع) يحتطب، ويسقي ويكنس، وكانت فاطمة(ع) تطحن وتعجن، وتخبز.

وفي هذين النصين دلالة على ضرورة وجود دور عملي للزوج داخل الأسرة، وأن دوره لا يقتصر فقط على توفير المال، بل يحسن أن يكون عنصراً فاعلاً بالعمل في الشأن المنـزلي لأن ذلك يضفي نوعاً من تحسيس الطرف الآخر بمكانته ومعزته واحترامه وتقدير عمله.

 

احترام مشاعر المشاعر والمداراة:

ويبرز هذا في حديث كل واحد منهما عن الآخر، فقد ورد في حديث الإمام أمير المؤمنين(ع) عن الصديقة الطاهرة فاطمة(ع) أنه قال: فوالله ما أغضبتها، ولا أكربتها حتى قبضها الله إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً قط.

وهذا التعبير الصادر من أمير المؤمنين(ع) في شأن الصديقة الزهراء(ع) يكشف عن مدى الدور العملي الذي كانت تمثله له بأبي هي وأمي، وكيف أنها كانت وسيلة لتخفيف الآلام والأوجاع، والإعانة على صعوبة الحياة وخشونتها ومراراتها وآلامها.

 

وجاء عنها(ع) في آخر ساعاتها من الدنيا: يا ابن العم، ما عهدتني كاذبة، ولا خالفتك منذ عاشرتني. وفي هذا التعبير درس عملي لما ينبغي أن تكون عليه الزوجة الصالحة من حسن العشرة والمعاملة مع الزوج، والطاعة، والابتعاد قدر المستطاع عن المخالفة فضلاً عن الإيذاء.

ولا يفهم مما ذكرنا أننا ندعو إلى إلغاء شخصية الزوجة وتبعيتها العمياء للزوج، وإنما ندعو إلى حسن التعامل وسلاسة المعاملة وحسن العشرة، بحيث يمكن للزوجة عرض وجهة نظرها بما لا يتنافى وذلك، فلا يشعر الزوج بالمخالفة لأجل المخالفة، بل ينبغي أن يتضح له أن ذلك من باب المصلحة، وهذا يستدعي استعمالها بعض التعبيرات المحققة للغرض.

 

الأهداف المقصودة:

من المعلوم أن للأهداف الموجودة من الزواج دوراً رئيسياً في نجاحه، لأنه يوجب سعي الزوجين إليها فيتنازلا عن أمور لذلك.

وقد ركز أمير المؤمنين والسيدة الزهراء(ع) على هذا الجانب، وأولياها أهمية خاصة، ويعدّ هذا العمل المشترك إحدى امتيازات البيت العلوي.

 

وقد كان أحد هذه الأهداف العظيمة التي قامت عليها الأسرة العلوية هي إنشاء جيل يعي ما يدور حوله، ويحيط بالأمور وشؤونها[1]، وهو ما يعرف اليوم بالتربية الناجحة والصالحة، وهذا يحتاج أسساً وقواعد يقوم عليها، ومن أبرزها، التعليم والمعرفة ودورهما في تنشئة الجيل الجديد ليضمن نجاحه وصلاحه، ولهذا نجد أن الصديقة الزهراء(ع) كانت تحرص على ذلك، فقد كانت ترسل ولدها الإمام الحسن(ع) إلى المسجد حتى يسمع الوحي ويحفظه، ويأتي ليقرأه على أمه(ع).

ولا ينحصر الأمر في خصوص الجانب العلمي والمعرفي، بل للبعد المعنوي والجانب العبادي أيضاً دور مهمة في نجاح العملية التربوية، وهذا ما كان يراعيه البيت العلوي بصورة أساس، ويوليه أهمية خاصة أيضاً وعناية، فقد تحدث الإمام الحسن(ع) عن التربية المعنوية والعبادية لأمه الزهراء(ع) فقال: ما رأيت أعبد من أمي فاطمة، كانت إذا قامت إلى الصلاة لا تنفتل من صلاتها حتى تتورم قدماها من كثرة الوقوف بين يدي ربها.

 

ومن الواضح أن في هذا الأمر نحو من أنحاء التعليم الذي تمارسه السيدة الزهراء(ع) لأولادها على العبادة، وشدة الارتباط بالله سبحانه وتعالى، وهو درس عملي مارسته بأبي وأمي أمامهم ليعرفوا كيف ينبغي أن تكون علاقة العبد بربه.

وهذا الإمام الحسن(ع) يدخل مع أمه السيدة الزهراء(ع) في حوارية، عندما يسألها فيقول لها: أماه، دائماً أسمعك تدعين للمؤمنين والمؤمنات، لم لا تدعين لنفسك؟ فتجيبه سيدة النساء(ع)، وتقول له: بني حسن، الجار ثم الدار.

وفي هذا الدرس العملي تجسد الصديقة الطاهرة مدى أهمية الاحساس بالآخرين، وضرورة العناية بذلك، وأنه لا ينبغي أن يعيش الإنسان لنفسه فقط، بل لابد وأن يكون ملتفتاً للآخرين والعناية بهم.

 

الأم مربية وليست موظفة:

ومن خلال التركيز على أهمية البعد التربوي وجعله أحد الأهداف المنشودة في تكوين الأسرة وأنه أحد الأهداف التي تنشأ من أجلها، يتضح أن القاعدة الأساس في الأطروحة الإسلامية أن تكون المرأة مربية، لا أن تكون موظفة بعيدة عن بيتها وعيالها.

وهذا لا يعني المنع من ممارسة المرأة الوظيفة إذا كانت وفق الضوابط الشرعية المقررة، إلا أن الغرض هو الألفات إلى أنه لا ينبغي أن تكون الوظيفة على حساب الأسرة والعناية بها.

 

 

 

[1] من الواضح أن الإمامين الهمامين الحسن والحسين(ع) إمامان معصومان مسددان من السماء يعلمان علماً لدنياً، ولا يحتاجان تعليماً، وكذا أختهما الحوراء زينب(ع)، وما كان من عملية تربوية من أمير المؤمنين والصديقة الزهراء(ع) كان غرضها تقديم درس عملي للمجتمع الإسلامي بأن يكون للزوجين مجموعة من الأهداف يسعيان لتحقيقها وتحصيلها من خلال إنشاء الأسرة.