25 أبريل,2024

حكم الجيلاتين

اطبع المقالة اطبع المقالة

حكم الجيلاتين

يدخل الجيلاتين في تكوين العديد من الأطعمة والحلويات والأدوية، وقد ذكر أهل الاختصاص أنها مادة بروتينية مستخلصة من الكولاجين الذي يكون مصدرها جلود وعظام الحيوانات، فيؤخذ مثلاً من رقائق العظام البقرية، والجلود. وقد تكون مستخلصة من الأسماك أيضاً، كما يمكن استخلاصها من النباتات إذ تؤخذ من الطحالب.

ولا إشكال في حلية تناول الجيلاتين، وما يدخل في تصنيعه لو كان نباتياً، إلا أن الكلام في حلية تناوله لو كان حيوانياً، وهل تكون حلية تناول ما دخل في تصنيعه معلقة على كونه مأخوذاً من حيوان مذبوح على وفق الطريقة الشرعية، أم لا يعتبر ذلك؟

هذا وقبل الحديث عن ذلك، نود التذكير بأمرين:

الأول: أنه لا يوجد ملازمة بين الحكم بطهارة شيء وحلية أكله، إذ قد يكون الشيء طاهراً لكنه لا يحل تناوله، فلحم الأسد على سبيل المثال يحكم بطهارته متى ذبح على الطريقة الشرعية، إلا أن ذلك لا يستوجب البناء على حلية أكله، كما أن الحيوان الذي يشك في كونه ذبح على الطريقة الشرعية، يحكم بطهارته، لكنه لا يجوز تناول لحمه.

الثاني: لا تتوقف حلية تناول شيء من الحيوانات على ذكاته بذبحه على الطريقة الشرعية، بل يلزم أن يكون مما يحل أكله، فالأسماك التي لا فلس لها قد تستخرج من الماء حية فتكون ذكية، إلا أنه لا يحل تناولها لعدم وجود شرطية حلية أكلها فيها وهو الفلس، والنمور قد تذبح على الطريقة الشرعية فتكون مذكاة، لكنه لا يحل تناول لحومها لانتفاء شرط من شروط حلية اللحم فيها، وهو عدم كونها من السباع، وهكذا.

ووفقاً للأمرين السابقين، يقع الحديث حول الجيلاتين الذي يدخل في تصنيع الأطعمة والحلويات والأدوية، من حيث حلية تناولها وعدمه، وهل أنه يلزم فيه أن يكون مأخوذاً من حيوان مذبوح على الطريقة الشرعية، وأنه مما يحل أكله، وعليه فلو وجدنا جيلاتيناً مستورداً من البلدان الكافرة، ولم يحرز أنه أخذ من حيوان مذكى، ويحل أكل لحمه، فلا يجوز تناوله حينئذٍ، أم لا؟

إن الإجابة على ذلك تستدعي رسم صور:

الأولى: أن يكون الجيلاتين مأخوذاً من الحيوان المذبوح على الطريقة الإسلامية، وهو حيوان يحل أكل لحمه، كما لو كان مأخوذاً من البقر مثلاً، أو كان مأخوذاً من الأسماك التي لها فلس، فلا إشكال ولا ريب في حلية تناول جميع ما دخل في تصنيعه حينئذٍ.

الثانية: أن يكون الجيلاتين مستخلصاً من حيوان مذكى، لكنه لا يحل أكله، كما لو كان مأخوذاً من أحد السباع، أو كان مأخوذاً من الدببة، أو كان مأخوذاً من الأسماك التي لا فلس لها، فوفقاً لما عرفت من أنه يعتبر في حلية الأكل كون الشيء مما يحل أكله، فلا ريب أنه يحكم بعدم تناوله كما هو.

الثالثة: أن يكون الجيلاتين مستخلصاً من حيوان مشكوك التذكية، لعدم الجزم بكونه قد ذبح على الطريقة الشرعية، سواء كان مما يحل أكله كالأغنام، أم كان مما لا يحل أكله، كالقرود، فلا ريب أنه يلتـزم بعدم حلية أكل ما يدخل في تصنيعه، لأنه وإن كان طاهراً، لأن النجاسة مترتبة على صدق عنوان الميتة، لكنه لم يحرز ذكاته، أو لم يحرز أنه محلل الأكل.

الرابعة: أن يكون الجيلاتين مستخلصاً من الميتة، فلا ريب في عدم جواز تناوله، حينئذٍ، من دون فرق بين كونه يؤخذ مما تحله الحياة، أو كونه يؤخذ مما لا تحله الحياة.

والصحيح هو الالتـزام بحلية الجيلاتين الداخل في تصنيع ما ذكر في جميع الصور والحالات المذكور، متى توفر أحد أمرين:

الأول: حصول عملية الاستحالة في حقيقة الكولاجين لينتج الجيلاتين، فقد نص الفقهاء على كونها من المطهرات، وهذا يعني أنه لو كان الجيلاتين مأخوذاً من الميتة مثلاً، فإن حصول عملية الاستحالة فيه الموجبة لتبدل صورته النوعية، وحصول صورة جديدة مخالفة للصورة السابقة تجعله طاهراً، فيشك عندها في حلية تناوله، فيحكم بحلية التناول.

ومن باب أولى لو كان مأخوذاً من الحيوان المذكى، فهو طاهر من جهة، ومع حصول عملية الاستحالة وتبدل الصورة، فسوف يبنى على حلية تناوله كما عرفت.

والظاهر أنه لا يفرق في الحكم المذكور بين كونه مأخوذاً من نجس العين، كالخنـزير مثلاً، وبين كونه مأخوذا من غير ذلك.

نعم قد يبقى الكلام في أن ما يجري في شأن الجيلاتين هل يطبق عليه عملية الاستحالة الموجبة لتحقق الأمر المذكور، أم لا؟

إن الرجوع للبحوث التخصصية التي تتحدث عن كيفية حصول الجيلاتين وتحققه خارجاً، وأنه يستخلص من بروتين الكولاجين، وكيفية استخراجه والمراحل التي يمر بها تثبت انطباق عنوان الاستحالة عليه خارجاً.

الثاني: أن يكون المقدار المستخدم منه في عملية التصنيع مقداراً بسيطاً جداً يوجب أن يكون مستهلكاً فيه، بحيث لا يشعر بوجوده.

والحاصل، فمع حصول أحد هذين الأمرين الذين ذكرا لا وجه بعد ذلك للتوقف في حلية شيء من الجيلاتين، والله سبحانه وتعالى الهادي إلى سواء السبيل، وهو العالم.