- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

دروس في الثقافة الفقهية (2)

شرطية الإسلام:

ثم إنه هل يعتبر في المكلف أن يكون مسلماً، أم لا يعتبر ذلك؟…
المشهور بين الخاصة والعامة أن الكفار مكلفون بالفروع كتكليفهم بالأصول، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه. ونسب الخلاف إلى أبي حنيفة من العامة والمحدث الكاشاني وصاحب الحدائق وسيدنا الخوئي(ره) وشيخنا التبريزي(دامت أيام بركاته).

وقد تمسك القائلون بعدم التكليف، بأن الخطاب القرآني، مختص بالذين آمنوا، والمراد من المؤمن هو المقابل للمنافق والكافر، فلاحظ قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)، فإن الخطاب قد وجه للذين آمنوا، فلو كان الصوم واجباً على الكفار، لما كان هناك وجه لتخصيص الخطاب بالذين آمنوا، وهذا يعني أن الخطاب خاص، فلذا وجه لخصوص الذين آمنوا، فيثبت المطلوب.

ولا ينحصر الأمر في خصوص هذه الآية الشريفة، بل نجد ذلك في جملة من الآيات الشريفة الأخرى التي تضمنت الخطاب نفسه، فلاحظ.
فان قلت: لقد ورد في القرآن الكريم أيضاً الخطاب بعنوان الناس، فقال تعالى:- (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً).

وقد أجاب عن ذلك السيد الخوئي(ره) بأن هذه الآيات التي تضمنت الخطاب بلفظ(الناس) مطلقة، يمكننا أن نقيدها بالآيات التي اشتملت على التعبير بالذين آمنوا، من باب حمل المطلق على المقيد، فيستفاد حينئذٍ أن المقام مقام اختصاص بخصوص الذين آمنوا.

ويمكن الجواب عن ما أفاده(ره) بأن حمل المطلق على المقيد، إنما يكون حال وجود تنافي بين الدليلين، بحيث يكون أحدهما يفيد أمراً والآخر يفيد أمراً آخر، أما لو كان الدليلان يشيران إلى نفس الأمر، عمدة ما كان أن أحدهما يشير إلى عنوان أوسع دائرة مما يشير إليه الآخر، ففي هذه الحالة لا يكون بينهما أي تنافي أو تعارض، فلا معنى لحمل أحدهما على الآخر.
ومقامنا من هذا القبيل، إذ أن الدليلين مثبتان، أي أنهما يفيدان توجه التكليف للناس، وتضمن الدليل الآخر الإشارة لفرد من أفراد الناس، وهم خصوص المؤمنين.

نعم يـبقى أنه لماذا خُص المؤمنؤن بخطاب مستقل عن عامة الناس، مع أن الخطاب قد وجه للجميع.
وجوابه واضح، أن التخصيص غايته الاهتمام بالمخاطب، أو إبراز جانب اعتناء ورعاية من المخاطِب بالمخاطَب، أو تأكيد الخطاب الموجه للمخاطَب من قبل المخاطِب، أو غير ذلك.
على أنه يمكننا أن نذكر جواباً لكل واحدة من الآيات التي تضمنت الخطاب بلسان الذين آمنوا، مما يشير إلى عدم وجود خصوصية فيها للمؤمنين دون غيرهم، فمثلاً آية الصوم، لعل تخصيص الخطاب فيها غايته رفع الاستيحاش، والاستـثقال، وتطمين نفوس المؤمنين، من خلال بيان أن هذا التكليف كان موجوداً في الأمم السابقة، وأنه ليس من الأمور المستجدة والمفروضة عليكم.

بل إن هذا التكليف ينطوي على فائدة وخير كبيرين بالنسبة لكم، وذلك لكونه سبيلاً من السبل الموصلة لكم للتقوى.

هذا وقد يستدل القائلون بنفي التكليف أيضاً بأن السيرة منعقدة على أنه(ص) لم يأمر أحداً ممن دخل في الإسلام بالاغتسال عن الجنابة بعدم إسلامه، ومن الواضح أن النجاسة العينية من الأمور الوضعية التي لا ترتفع بالإسلام، ولذا لو كان الكفار مكلفين بالفروع لكان لزاماً عليهم أن يعمدوا إلى الاغتسال، لكي يطهروا، فيثبت أنهم غير مكلفين، ضرورة أن السيرة منعقدة على عدم أمره(ص) أحداً بالاغتسال.

ولا يخفى أن هذا الدليل مردود، بأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، بحيث أن عدم وجداننا لما يشير من أنه(ص) أمرا أحد بالاغتسال، لا يكشف عن عدم أمره أحداً بذلك، وإلا لو التـزم بذلك، لما ثبت حجر على حجر، فهذا التاريخ لم يحدثنا عن أنه(ص) أخذ خمس أرباح المكاسب من أحد، بل حتى النصوص المأثورة عنه(ص) لم تتضمن ذلك، فهل يقال بعدم وجوب دفع الخمس في أرباح المكاسب؟!!!

مع أننا لو رفعنا اليد عن كل ذلك، لكفانا ما ورد من أنهم كانوا يغتسلون من الجنابة، وهو من بقايا ملة إبراهيم، وإسماعيل(ع)، وقد أقرهم النبي(ص) على ذلك .
ولو أغمضنا عن كل ما ذكرنا، لكفانا ما ورد من أنهم كانوا يغتسلون غسل التوبة، فهذا يكون كافياً لتحقيق الغرض، وثبوت المطلوب.

وفي مقابل ما ذكرنا من الأدلة، استدل المشهور من أصحابنا بجملة من الأدلة:
منها: إطلاق الآيات الواردة في التكليف بالفروع من الصلاة والزكاة كقوله تعالى:- (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) فإن الخطاب الوارد في الآية الشريفة، شامل للمسلم والكافر، ولا خصوصية فيه في خصوص المسلم، كما هو واضح.

وقوله تعالى :- (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم)ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المسلم والكافر.
بل يمكن أن يتمسك أيضاً بجملة من الآيات الخاصة، كقوله تعالى:- (ماسلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين)

وتقريب الاستدلال بها:

إن هذه الآيات محاورة بين أهل النار، وأهل اليمين، وبيان سبب دخولهم لها من خلال عدم إتيانهم بالصلاة وترك أداء الزكاة، وهؤلاء الكفار لو لم يكونوا مكلفين بها لما استحقوا دخول النار.

ومنها: قوله تعالى:- (ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون)وتقريب الاستدلال بها: إن الآية صريحة في ثبوت الويل للمشركين بسبب تركهم الزكاة، وهذا دليل على وجوبها عليهم.

والإنصاف، قوة أدلة القائلين بكون الكفار مكلفين بالفروع كتكليفهم بالأصول، وتفصيل المطلب أكثر من هذا المقدار، يطلب من البحوث التخصصية.

تنبيه:

كما عرفت مما تقدم أن السيد الماتن(دامت أيام بركاته) بصدد الحديث عن حكم المكلف بالنسبة إلى امتـثال التكاليف الإلزامية الموجهة إليه، ومقتضى ما أفاده(حفظه الله) هو عدم شموله للصبي، وكلامنا في خصوص الصبي المميز.

هذا وقد يستشكل في أنه لا وجه لتخصيص المقام بخصوص المكلف، وهو من كان مستجمعاً لشرائط التكليف، بل إن المورد يشمل الصبي المميز أيضاً، وذلك لأنه يحكم بصحة عباداته، وصحة جملة من معاملاته، وهذا يعني أنه لابد له من أن يسلك أحد الطرق الثلاثة، وقد ذكر هذا السيد مصطفى الخميني(قده).

وما أفاده(ره) وجيه، لأن العقل يحكم بتنجز التكاليف في حق الصبي مثله مثل بقية الأفراد، ولهذا يحتاج إلى وجود مؤمن في حقه، ولا مؤمن في حقه إلا من خلال حديث رفع القلم، فلابد للصبي من أن يكون مجتهداً أو مقلداً، أو محتاطاً في حديث رفع القلم، لكي لا يتنجز في حقه التكليف.

الأولى في صياغة العبارة:

ولهذا الأولى في صياغة العبارة أن يقال: يجب على كل من لم يـبلغ رتبة الاجتهاد أن يكون مقلداً أو محتاطاً.

أو يقال: يجب على كل مسلم لم يـبلغ رتبة الاجتهاد أن يكون في جميع عباداته ومعاملاته وسائر تروكه وأفعاله وجميع شؤونه مقلداً أو محتاطاً.