- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

الدرس الثاني – أخلاقيات المنبر

نـتحدث في هذا الدرس حول مجموعة من النقاط،ينبغي للخطيب الذي يريد ارتقاء المنبر أن يكون محيطاً بها.

النقطة الأولى:أخلاقيات المنبر:

فإن كل عمل ما لم ينطو على الناحية الأخلاقية فهو مجرد عن الروح،وبالخصوص النشاط الديني،فإنه من ألزم الأشياء للأخلاق ضرورة أن ذلك روح الدين.

وأهم أخلاقيات المنبر ما يلي:

1-أن تكون الغاية من عمل المنبر وجه الله سبحانه،قبل وبعد كل شيء،فلا تكون له أهداف زائلة تحول المنبر إلى مجال تجاري يعرض بضاعة تعجل به إلى النهاية وفقد مكانته ومركزيته.

وأما إذا كان المنبر مربوطاً بالله سبحانه وتعالى،فقد سلك الطريق القويم وضمن للمنبر أن لا يزول.

2-أن يرتبط المنبر بالصالح العام،فلا يجير لمصلحة فئة ضد فئة أخرى،بدوافع شخصية،بل يـبقى منار هدى يحمل للناس مشعلاً يضيء لهم الطريق.

وهذا لا يعني أن لا يقوم المنبر بعلاج قضايا الأمة ومشاكلها،بل أود أن أسمو بالمنبر عن الأهداف الشخصية الخاصة.

3-أن يرتقي بالمنبر عن إرضاء الطبقة الهابطة على حساب الحقائق والقيم،وعلى حساب العقل والذوق،كل ذلك من أجل تحصيل سمعة أو استقطاب جمهور.

النقطة الثانية:في الحديث عن الخطابة،وذلك ضمن أمور:

1-تعريفها:قال عنها اللغويون أنها اسم للكلام،أو هي الكلام المنـثور المسجع ونحوه.

وعرفها المناطقة:بأنها صناعة علمية يمكن بسببها إقناع الجمهور في أمر يتوقع حصول التصديق به قدر الإمكان.

فالخطيب هو ناقل الكلام أو الحسن الخطبة.

والخطابة:هي مجموع الكلام الصادر من المتكلم لغض إفهام الطرف السامع المقصود بالخطاب.

2-الهدف منها:

ويتوخى من الخطابة تهيئة النفوس لقبول ما يريد إقناعهم به.

ومن مصاديق الخطابة،الخطابة الحسينية،فإنها لا تختلف عن بقية أفراد الخطابة،لأن هدف الخطابة الحسينية ينصب على تهيئة الجمهور للإيمان بمضامين تتعلق بواقعة الطف من حيث اسبابها وأهدافها،والحوادث التي وقعت فيها وما نجم عنها بعد ذلك من بحوث تستهدف اقناع الناس على الإيمان بمضمونها.

فهي تخاطب غير المسلمين بأن الأمويين افتقدوا الإنسانية،وتخاطب المسلمين ببيان مبررات ثورة الحسين وشرعيتها لكونها أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.

3-الخطيب:

من خلال تعريف الخطيب بأنه حسن الخطبة،يتضح لنا أن هذه الجملة تتضمن أموراً:

الأول:اسلوب الطرح،وهذا أمر مهم له أبلغ الأثر على السامع،كما أنه يحدد مكانة الخطيب ومنـزلته في نفوس السامعين.

مضافاً إلى المقدرة على عرض المضمون الذي يريد إيصاله للآخرين،من خلال عبارات مناسبة مهذبة تخلو عن التبجح والإدعاء.

كما عليه أن يستعمل المفردة التي لها وقع في نفوس الجمهور لأن للكلمة النثرية وقع كما للشعر ذلك أيضاً.

وعليه أن يراعي في اسلوب الطرح،البيان الجزل،فلا إسهاب ممل،ولا إختصار مخل.

وعليه أن يراعي في اسلوب الطرح ظروف الأداء من مختلف الجهات،لأن بعض ما يطرح في زمان قد لا يصلح طرحه في زمان آخر،فما يطرح على سبيل المثال في أيام شهر رمضان لا يصلح لغيره،وهكذا.

كما أن ما يطرح في بعض الأمكنة قد لا يصلح طرحه في أمكنة أخرى،إذ ربما كان المجلس الأول حضوره من الفتيات الشابات،بينما حاضرات المجلس الثاني كلهن من الأمهات الكبيرات في السن،ومن الواضح التفاوت الفكري والثقافي بين المجموعتين.

أو طرح بعض المسائل العلمية في مجلس لا يوجد فيه إلا فتيات لا يملكن ثقافة كاملة،مثلاً أن يكون موضوع الخطيب آية الوضوء،وهي قوله تعالى:- (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلو وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحو برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين).

ويأخذ الخطيب في بيان صحة مذهب الشيعة في تمسكهم بهذه الآية لمنهجيتهم في الوضوء،فيذكر أن الواجب هو المسح على الرجلين وليس الغسل،وذلك لأن الرجلين معطوفة على المسح،والعطف تارة على اللفظ وأخرى على المحل،وهنا سواء قرأنا الآية بالنصب أو الجر،فإنها تشير إلى المسح لا الغسل،بلحاظ العطف الذي يكون كذا وكذا…الخ…،فإن هكذا مجال،ربما لا يستوعبه من ليس له ثقافة على أقل التقادير متوسطة في الجملة.

وكذا ما يطرحه بعض الخطباء،حينما يأخذ بالإلقاء فيسعى إلى استعراض الأدلة الموجودة وتفنيدها وهكذا.

وبالجملة ينبغي على أن يكون ملتفتاً إلى عنصري الزمان والمكان،وأن يأخذهما بعين الإعتبار حين الإلقاء وصعود المنبر.

الثاني:عليه أن يتتبع العلامات البارزة والأسماء المرموقة التي كان لها دور فعال يوم كربلاء،فإن هذا مضافاً لكونه مادة دسمة للمنبر من ناحية الموضوع،فإنه يحقق الغاية من المنبر وهي تربية المجتمع للإقتداء بتلك الشخصيات كأصحاب الحسين(ع)وكيفية ارتباطهم بالإمام(ع)وكيف ينبغي لنا أن نستفيد من ذلك في ارتباطنا بإمام الزمان(عج).

وعليه أيضاً أن يركز أن إقامة هذه المآتم ليست وليدة اليوم،بل كانت في السابق أيضاً أيام الفاطميـين والبويهيـين والحمدانيـين،وذلك لتقوية النفوس الضعيفة التي تشعر بالتذمم من ممارسة هذا اللون من الشعائر.

فشرح هذه الأشياء يحقق الهدف من المنبر في تأصيل واقعة كربلاء في النفوس.

الثالث:العمل بمهارة على وضع المستمع المسلم أمام مسؤوليته في أن لا يتحرج من عمل عمل يحبذه الإسلام،وعليه أيضاً دعوة المسلمين إلى فهم التشريع الإسلامي،وعدم ابتعادهم عن أمر يحقق لهم أجراً وإفادة.

فيوضح لهم مشروعية المجالس الحسينية ومشروعية البكاء بذكر الأدلة على ذلك،بما يكون متناسباً مع مستوى الحضور ومقدار فهمهم.

كما عليه أن يذكر بإسلوب حذر الإدانة لخصوم أهل البيت(ع).

النقطة الثالثة:الشروط التي يجب توفرها في الخطيب:

هناك مجموعة من الشروط ينبغي توفرها في الخطيب حتى تكون مقومات النجاح موجودة لديه،وتلك الشروط هي:

1-أن يكون ذا ثقافة عامة تقوم على ركائز وأسس علمية،فيكون واعياً لمعلوماته وقادراً على تقيـيمها.

2-أن يمتلك نظرة إجتماعية بعيدة تفهم مقتضيات المناسبة ومتطلبات الموقف.

3-أن يكون ذا أفق فكري يستوعب في مداركه مختلف ذهنيات مستمعيه.

4-أن يعي لغة الجماهير،الذين يخاطبهم فيحدثهم بما يفهمون.

5-أن يلون وينوع في معروضاته وموضوعاته وأطروحاته،فلا يقتصر على نمط واحد من الطرح،ولا يجعل منبره مأطراً بإطار خاص في المادة،ولا يقتصر على منهجية واحدة في الأسلوب والعرض.

6-أن يملك وسائل العرض والتأثير،كحسن الصوت وطلاقة اللسان وعذوبة المنطق وفنية الإشارة ومناسبة الهيئة.

7-أن يملك جرأة أدبية.

8-أن يعيش فكرته ويحب أهدافه حتى يتفاعل معها عندما يعرضها لتحقيق نجاحها