20 أبريل,2024

المقالات الباطلة وأصحابها

اطبع المقالة اطبع المقالة

أفتى الفقهاء(رض) استناداً للقرآن الكريم، والنصوص الشريفة، بحرمة الغيبة وأنها من الكبائر التي توعد الله فاعلها النار، إلا أنهم قد استثنوا من ذلك موارد حكموا فيها بجواز الغيبة فيها، مع أنها ينطبق عليها غالباً تعريف الغيبة الذي ذكروه لها، ولسنا بصدد الاستقصاء لتلك الموارد التي وردت في كلماته أعلى الله مقامهم وأنار برهانهم، فإنه يمكن للقارئ العزيز الرجوع إلى ذلك في رسائلهم العملية المعدة لمثل هذا، إلا أننا نشير إلى مورد مهم قد يغفل عنه الكثير من المؤمنين في المقام، حتى ربما يتوهم البعض أن فعله يكون من صغريات ارتكاب الحرام، بل من ارتكاب الكبائر، كونه غيبة أو ما شابه، وذلك المورد الذي أعنيه هو القدح في المقالات الباطلة، حتى لو كان ذلك يستلزم نقصاً في قائلها.

ولا يخفى أن المقالات الباطلة قد تكون في أمور:

منها: ما يكون في القيم والأخلاق الإسلامية، كالقدح في حقوق الطريق وآدابه، وحقوق المارة، وما شابه ذلك.

ومنها: ما يكون في الثقافة الإسلامية، كالمقالات التي تنافي ثقافة الإسلام في الحرية، والدعوة إلى تطبيقها بصورة انحلال يتنافى وثقافته. ومثل ذلك التعدي على قدس مقام المرجعية، والنيل منه بالكلمات النابية، والتهمة والتجني أعاذ الله والمؤمنين من شر ذلك، وحفظ علمائنا حماة وهداة.

ومنها: ما يكون في الأحكام الشرعية، بدعوى أن الأحكام الشرعية ذكورية الهوى، وأنها تحابي الرجل على المرأة، وتعمد إلى تفضيله عليها، ومثل ذلك رفض ما جاء في الشرع الشريف من أحكام، بأن ميراث المرأة نصف ميراث الرجل، وما شابه ذلك.

ومنها: ما يكون قدحاً في العقائد الحقة، بإدعاء ما ليس منها فيها، كدعوى أن الأئمة(ع) ثلاثة عشر أماماً، أو دعوى أن السفارة الخاصة التي كانت في زمان الغيبة الصغرى بعد لم تنته، أو إدعاء أن هناك مهدياً ممهداً للإمام المهدي(عج) اليوم موجود، أو القول بأن له ذرية موجودين يعيشون بيننا، وهم معروفون بأسمائهم ونسبهم، وأمثال ذلك من المقالات الباطلة التي تتنافى والعقائد الحقة التي قام الدليل والبرهان منذ القديم في حوزاتنا العلمية صانها الله من الحدثان، على بطلانه، وكذبه وزيفه وخطأه.

فإن فتوى غير واحد من أعلامنا في جميع الموارد المذكورة، وما لم أذكر هي جواز الغيبة، وهذا يعني أنه لو وجدنا شخصاً يدعي اليوم أنه ولدُ الإمام الحجة المهدي(روحي لتراب حافر جواده الفداء)فإنه تجوز غيبته، لكونه من أصحاب المقالات الباطلة، كما أننا لو وجدنا من يدعي وجود السفارة الخاصة في زمان الغيبة الكبرى، فإنه ينطبق عليه نفس العنوان فيكون من الذين تجوز غيبتهم، ومثل ذلك لو سمعنا من يقول بأنه سوف يكون بعد رحلة الإمام المهدي(عج) من عالم الدنيا مهديـون، ولن تكون الرجعة من بعده للإمام الحسين(ع) فهو كذلك من أصحاب المقالات الباطلة، التي تجوز غيبته حينئذٍ.

هذا ولو توقف القدح في المقالات الباطلة وبيان بطلانها وزيفها والرد عليها على نقص القائلين بها، ببيان أنهم من المبتدعين، أو الإشارة إلى كونهم من المنحرفين، أو أنهم من الضالين، وكل ما يوجب نقصاً فيهم، للقدح في مقالاتهم الباطلة، لم يكن ذلك مضراً، بل هو من الأمور الجائزة، وقد برره سيد الطائفة الإمام الخوئي(ره) بأن وجوب حفظ الحق، وإبطال الباطل أهم من احترام المقول فيه. مضافاً إلى ما ورد عن الإمام الصادق(ع) في مروي داود بن سرحان أنه قال: قال رسول الله(ص) إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البرائة منهم، وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، ويحذرهم الناس، ولا يتعلمون بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة.

نسأل الله تعالى أن يكفينا وعامة المؤمنين والمؤمنات شر أصحاب المقالات الباطلة والدعاوى المنحرفة، وأن يرضي عنا سيدنا ومولانا بقية الحجج الذي لا حجة بعده إلا برجعة الإمام الحسين بن علي(ع)، صاحب الزمان روحي لتراب حافر جواده الفداء يوم يطلع على صحائف أعمالنا.