- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

حول وجوب صلاة الجمعة

ارجو افادتي حول صلاة الجمعة هل هي فرض ام ماذا (حكمها) وما الدليل

صلاة الجمعة

لا خلاف بين علمائنا في أن صلاة الجمعة واجبة في زمان حضور الإمام المعصوم(ع) سواء أقامها هو(ع)،أو قام بأدائها من نصبه،وهذا الوجوب لها في عصر الغيبة تعيـيني.

لكن وقع الخلاف بينهم في حكمها في عصر الغيبة على عدة أقوال،حيث قال بعضهم بحرمة إقامتها في عصر الغيبة،لكونها من الأمور التي تختص بالإمام المعصوم،فلا يجوز للأحد أن يتصدى لإقامتها سواه.

وقال آخرون بوجوبها حتى في عصر الغيبة،لأن جميع ما كان من المناصب الإدارية للمعصوم فإنه يكون للفقيه في عصر الغيبة،وعليه يجب إقامتها.

وقال آخرون بالتخيـير،فالمكلف مخير في عصر الغيبة بين إقامتها وبين الإتيان بصلاة الظهر.

وعلى هذا فالأقوال في حكم إقامتها في عصر الغيبة ثلاثة:

الأول:أن المتعين يوم الجمعة هو صلاة الظهر،ولا تشرع صلاة الجمعة يوم الجمعة،فلو أقيمت لم تكن مجزية عن صلاة الظهر.

الثاني:أن الواجب على المكلف يوم الجمعة،هو الإتيان بصلاة الجمعة تعييناً.

الثالث:كون المكلف مخيراً يوم الجمعة بين إقامة صلاة الجمعة وبين الإتيان بصلاة الظهر.

ولقد احتاط شيخنا التبريزي(دام ظله)بالإتيان بها إذا أقيمت مع توفر شرائطها،وهذا هو رأي بعض الأعاظم(قده).

هذا ويمكن تصوير أحد الأدلة التي اعتمد عليه القائلون بعدم مشروعية صلاة الجمعة في عصر الغيبة،وهو اشتراطهم في مشروعيتها حضور الإمام(ع).

لكن لا يخفى أن حضوره(ع)شرط في وجوبها،وليس شرطاً في مشروعيتها،وعليه لا معنى لأن يقال بعدم مشروعيتها في عصر الغيبة.

وأما القائلون بالوجوب التعيـيني حتى في عصر الغيبة،فقد استدلوا بعدة أدلة:

منها:قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي إلى الصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)1(1)،بتقريب:

إن المستفاد منها الأمر -الدالة على الوجوب-بالسعي إلى ذكر ،عندما يحصل النداء إلى صلاة يوم الجمعة.

ومن الواضح أن ذكر الله يوم الجمعة ناظر إلى صلاة الجمعة،حيث أن ذلك هو المنصرف من الآية بعد تخصيص الحكم بيوم الجمعة دون بقية الأيام،فيكون المراد هو صلاة الجمعة،لا مطلق الصلاة.

وقد تقرر في الأصول أن الأمر ظاهر في الوجوب التعيـيني إلا إذا ثبت غيره بدليل.

ثم إن مقتضى عمومية الخطاب للحاضرين والغائبين الالتزام بوجوب صلاة الجمعة تعيـيناً في كل زمان ومكان على جميع الأفراد،إلا أن يقوم دليل على خلافها.

ويمكن الجوانب عن هذا الدليل:

إن الآية تـتضمن قضية شرطية مفادها أن وجوب صلاة الجمعة واجبة متى تحقق النداء إليها،فما لم يتحقق النداء إليها لا يحكم بوجوبها،فوجوب السعي معلق على وجوب النداء.

وعلى هذا تكون الآية أجنبية عن موردنا لكونها لا تدل على وجوب إقامة صلاة الجمعة الذي هو محل الدعوى،بل تدل على وجوب الحضور إليها متى ما تحققت شرائط إقامتها من خلال النداء.

بل لقائل أن يقول أن مقتضى مفهوم الشرط هو عدم وجوب صلاة الجمعة إذا لم يناد إليها،ولم تـتحقق إقامتها.

ومنها:السنة المباركة،والنصوص كثيرة،بل قد أنهاها بعضهم إلى أكثر من مائتي نص،فلا ريب في ثبوت التواتر الإجمالي فيها.

ومن تلك النصوص صحيحة زرارة عن أبي جعفر(ع) قال:إنما فرض الله عز وجل على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة،منها صلاة واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة،وهي الجمعة ووضعها عن تسعة: عن الصغير،والكبير،والمجنون،والمسافر،والعبد،والمرأة،والمريض،والأعمى،ومن كان على رأس فرسخين[7][2].

ولا يخفى دلالتها على وجوب صلاة الجمعة تعيـيناً،حتى في عصر الغيبة،حيث لا تـتضمن تفصيلاً بين وقت حضوره(ع)،أو وجود من نصبه،وبين وقت غيبته.

لكن قد أورد عليها:

بأنها ناظرة إلى بيان الصلوات الواجبة على المكلفين من الجمعة إلى الجمعة مع تحديد عددها،وليست هي في مقام بيان الشروط وسائر الكيفيات المعتبرة فيها،كما أنها لا نظر لها إلى أنها واجبة في أي عصر،وأنها مشروطة بوجود الإمام،أو المنصوب الخاص من قبله،إلى غير ذلك من اعتبار العدالة في الإمام وما شابه.

وبالجملة إن الصحيحة قد سيقت لبيان أن صلاة الجمعة واجبة في الجملة،وهذا من الضروريات التي لا تقبل المناقشة،فالصحيحة واردة لبيان الأمر الضروري الذي لا خلاف فيه.

لكن الإنصاف عدم تمامية هذا الإشكال،لأن الشك قد يرجع إلى أجزاء المأمور به وشرائطه،ومن الواضح أن الصحيحة غير ناظرة إلى القيود والكيفيات التي تعتبر في الصلاة،فلا يمكن دفع ما يشك في اعتباره فيها باطلاق الصحيحة.

كما أن الشك قد يرجع إلى أصل الوجوب والتكليف وأنهما يعمان جميع المكلفين في كل عصر أو يخصان طائفة دون أخرى،اعني من عنده الإمام أو المنصوب من قبله،فلا وجوب لمن لم يدركه(ع)،ولم يكن عنده منصوب خاص من قبله.

ومن الواضح أن هذا الشك يندفع بالعموم الوارد في الصحيحة،وهو قوله(ع):فإن الناس،وهو جمع محلى باللام،وهو من أدوات العموم.

وبعمومها يثبت أن وجوب صلاة الجمعة كغيرها من الصلوات الواجبة في الصحيحة،فيعم كل مكلف في كل زمان ومكان،بلا فرق بين عصر الحضور أو عصر الغيبة.

وعلى هذا يثبت بهذه الصحيحة وأمثلها الوجوب التعيـيـيني لصلاة الجمعة في عصر الغيبة،كما في عصر الحضور.

والتحقيق عدم قبول كون صلاة الجمعة واجبة تعييناً في عصر الغيبة،حتى مع تمامية هذه الصحيحة وغيرها من النصوص المعتبرة على ذلك،وذلك لوجود موانع تصلح للقرينية والمانعية عن العمل بظواهرها على الوجوب التعيـيني،ونقتصر على ذكر واحد حذراً من الإطالة فنقول:

إن صلاة الجمعة من المسائل الإبتلائية،ولو كان وجوبها وجوباً تعيـينياً لشاع ذلك واشتهر بين الناس،وصار من المسلمات الواضحة،مثل بقية الفرائض اليومية،بحيث لا يكون لإنكار وجوبها من سبيل.

فلا يخفى وجوبها على أحد من المسلمين،فضلاً عن العلماء الأعلام المشتغلين بالبحث والتحقيق.

فلو كانت واجبة لما ساغ لفقهائنا رضوان الله عليهم أن ينكروا وجوبها،بل الظاهر أن قدماء أصحابنا كانوا متسالمين على عدم وجوبها،حيث لم ينقل عن أحد منهم القول بوجوبها التعيـيني في عصر الغيبة،مع اختلافهم في مشروعيتها في عصر الغيبة.

——————————————————————————–

[1] سورة الجمعة الآية رقم 9.

[9][2] الوسائل ب 1 من أبواب صلاة الجمعة.