- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

الحاكم والشعب حقوق وواجبات

من النظريات التي ذكرت في علم الاجتماع، وأكد عليها بصورة أساسية، أن صلاح أي مجتمع من المجتمعات يتقوم بتوفر أمرين، متى كانا متوفرين كان ذلك موجباً لصالحه، وهذا يعني أن فقدان أحدهما يوجب عدم اتصافه بصفة الصلاح، مما يعني أن هذين الأمرين يمثلان جزء العلة لتحقق النتيجة المقصودة وهي صلاح المجتمع، كما هو واضح.

والأمران هما:              1-صلاح الحاكم.                            2-صلاح الشعب.

ولا يخفى أن تحقق الأمر الأول متوقف على امتلاك الحاكم صفات يلزم توفرها فيه، من علم وإخلاص، وكفاءة في الحكم والقيادة وإدارة الأمور، وتسيـيرها بصورتها المطلوبة. كما أن تحقق الأمر الثاني منهما، منوط أيضاً بتوفر شروط وصفات في الشعب، من نصح وإخلاص، وتعاون على الخير، وتقديم مصلحة النفع العام على المصالح الخاصة والشخصية.

ووفقاً لما ذكر، لو فقد هذان الأمران، نتيجة حصول تقصير من أحدهما، كما لو قصر الحاكم مثلاً، سواء كان ذلك من خلال إيجاد الموانع، أو كان بفقد المقتضي، فمن الأول مثلاً إخلاله بالقيام  بالمسؤوليات التي أنيطت به، ومن الثاني، افتقاده للصفات التي يلزم أن يتحلى بها الحاكم.

أو فقد صلاح الشعب، أيضاً لعدم وجود المقتضي عنده ليكون شعباً صالحاً، أو نتيجة وجود موانع فيه، فمن الأول، افتقاد الشعب لأهلية النصح والإرشاد والتعاون مع الحاكم، ومن الثاني، تمرد الشعب، وعدم الخروج على الحاكم، وعدم الالتزام له بالطاعة.
أوجب ذلك حصول اختلال في الوسط الاجتماعي، فيترتب على ذلك فقدان الأمن، ويعم القلق، والذعر، وعدم الاستقرار، وهكذا.

تصور خاطئ:

وقد اتضح مما تقدم أن هناك علاقة وطيدة بين الحاكم وشعبه، يمكن أن تصور وفقاً لما نص عليه في كلمات علماء الاجتماع، بأنها مبدأ الحقوق والواجبات، فللحاكم على شعبه جملة من الحقوق، كما أن عليه تجاههم واجبات، كما أن للشعب على حاكمه حقوقاً، وللحاكم عليه واجبات.

وهذا قد يوجب حصول تصور عند البعض، مفاده: أنه لما كانت العلاقة بين الحاكم وشعبه علاقة الحقوق والواجبات، فذلك يلزم ألا تؤدى الحقوق التي للحاكم حتى يقوم الحاكم بأداء الواجبات التي عليه، فلو لم يعمد إلى أداء الواجبات التي للشعب عليه، فليس له على الشعب حقوق، وكذا الحاكم، لا يؤدي واجباته تجاه شعبه إلا أن يقوم الشعب أولاً بأداء حقوقه إليه.

وبكلمة مختصرة، إن الأمر يقوم على نحو التبادل، فيتوقف أداء حقوق كل واحد من الطرفين، على أداء الطرف الآخر الحقوق المطلوبة منه، ولهذا لو لم يقم كل واحد منهما بأداء ما هو المطلوب منه، فليس له حينئذٍ حق المطالبة.

إلا أن هذا التصور، والقول بتوقف أداء حق كل واحد منهما على قيام الآخر بأداء حقوقه تجاه صاحبه ممنوع، والصحيح أن هناك تفريقاً، فيقال: أما بالنسبة للحاكم، فإنه مطالب بأداء واجباته تجاه شعبه، سواء قام الشعب بأداء حقوقه التي له عليهم، أم لم يقم بها، وهذا يعني أن مسؤوليات الحاكم المناطة به لا تكون متوقفة على قيام الشعب بأداء الحقوق اللازمة عليه تجاهه. وهذا بخلاف الشعب، فإن أدائه لحقوق الحاكم متوقف على أداء الحاكم حقوقه له، ولهذا لو لم يقم الحاكم بواجبات الشعب، لا يكون الشعب مطالباً بأداء حقوقه إليه.

ومنه يتضح أن أداء الشعب لحقوق الحاكم والواجبات المطلوبة منه إليه، يتوقف على قيام الحاكم بأداء حقوق الشعب له، وهذا بخلافه هو، فلاحظ.

هذا ومن المعلوم أن قيام أي من الفردين الذين ذكرنا أن صلاح المجتمع متوقف عليهما، يتم متى ما أحاط كل واحد منهما بالمسؤوليات المناطة به، والواجبات الملزمة له، وهذا يستدعي أن تتضح الصفات التي لابد وأن تتوفر في الحاكم، والأسلوب الذي ينبغي أن يتم التعامل من خلاله مع الشعب، وكذا الصفات التي يلزم توفرها في الشعب، وبالتالي الطريقة التي يلزم تعامله بها مع شعبه.

صفات الحاكم:

وقد تضمنت النصوص الشريفة الصادرة عن أهل بيت العصمة والطهارة(ع) بياناً لتلك الصفات التي يلزم أن يكون الحاكم متحلياً بها، ولا ريب أن استعراض النصوص كلها يوجب طولاً لا يتحمله هذا المختصر، ولذا سوف نقتصر على نص واحد يعدّ من أهم النصوص الدستورية، وهو عهد أمير المؤمنين(ع) إلى صاحبه الجليل مالك الأشتر(رض)، وقد كتبه إليه(ع) عندما وجهه ناحية مصر ليكون والياً عليها من قبله.

والحق أن العهد المذكور، جدير بأن يعمد إلى دراسته، وتحليل كافة المواد التي تضمنها، وشرح كل مادة مادة من مواده، خصوصاً وأنه يمثل أطروحة دستورية متكاملة، ومما يأسف له أنه لم يشرح بالمستوى الذي يتناسب والتطور الفكري في الأبعاد الدستورية والسياسية، حتى أن واحداً من أفضل الشروح التي كتبت فيه، وهو ما كتبه العلامة الفكيكي(ره)، لا يشفي الغليل في هذا المجال، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقيض له من يقوم بهذا العمل، وأن يخرجه من حيز التراث إلى دائرة الاستفادة، إنه سميع مجيب.

وكيف كان، فقد جاء في العهد التالي: قال(ع): وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سَبُعاَ ضارياً، تغتنم أكْلَهُم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثلَ الذي ترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم[1].

ولا يخفى أن العبارة المذكور تضمنت الإشارة إلى مطلبين أساسين:

الأول: عرضت الصفات التي يلزم أن تتوفر في الحاكم الذي يتولى قيادة الشعب، ويقوم بسياسة أمره، وينبغي أن يتحلى بها.
الثاني: بيان الأسلوب الذي يتم التعامل والتعاطي فيه من قبل الحاكم مع أفراد الشعب، والطريقة المثلى في هذا المجال.

أما بالنسبة للأمر الأول، فقد ركز(ع) على لزوم توفر صفات ثلاثة في الحاكم:
الأولى: صفة الرحمة.
الثاني: صفة المحبة.
الثالثة: صفة اللطف.

ولو تأملنا لوجدنا أن الصفات الثلاث تأخذ بعداً أخلاقياً تربوياً، ولا تتضمن شيئاً من البعد الإداري، أو البعد العسكري، مما يكشف عن بيان الأسلوب الذي يتم التعاطي به مع الشعوب من قبل حكامها، إذ أنه متى كان الحاكم متصفاً بالصفات المذكورة، فلا ريب أنه سوف يكون حاكماً رحيماً رؤفاً حنوناً على شعبه، مما يستوجب ألا يكون تعاطيه معهم، وتعاملهم من خلال القمع، ولا من خلال البطش أو التنكيل، لأن من يملك صفة الرحمة، لا يمكن أن يكون باطشاً، كما أن من يكون محباً، فلن يكون منكلاً، وكذلك من كان لطيفاً، فلن يكون قامعاً.

ومن خلال ما ذكرنا يتضح أنه(ع) لم يغفل الجانب الإداري، ولا الجانب السياسي للحاكم كما قد يتصور، وإنما ضمن ذلك في الصفات التي ذكرها، إذ متى كان الحاكم متصفاً بالصفات المذكورة كان ذلك معيناً له على سياسة شعبه، وإدارتهم بهدوء دونما مشاكل، لأن من كان محباً لشعبه، ينعكس ذلك عليهم، فيكون سبباً لمحبتهم له، وبالتالي يؤدي ذلك إلى قيامهم بواجباتهم، وأدائهم للحقوق التي عليهم، فيبرزون مبدأ الطاعة للحاكم، والانقياد، وهذا واضح جداً.

ثم إن من الملفت للنظر عرض الصفات المذكورة في كلامه(ع) بنحو الترتيب، مما يستدعي توقفاً عندها، ليستكشف أن هذا العرض هل بنحو الترتيب، بمعنى أنه ترتب الصفة الثالثة على الثانية المترتبة على الأولى، فلا يتصور وجود الأخيرة لو لم تكن الثانية موجودة، كما لا يتصور وجود الثانية لو كانت الأولى مفقودة، أم أن هذا الترتيب جاء اتفاقياً دونما نظر والتفاتة منه(ع) لذلك؟

قد يحتمل الثاني، فيلتـزم بأن هذا الترتيب لا يخرج عن كونه عرضاً اتفاقياً صدر منه(ع) أثناء كتابته العهد إلى مالك(ع).
إلا أن الذي يخطر بالبال خلاف ذلك، خصوصاً إذا ما أشير لما نعتقده نحن الشيعة من أنه(ع) امتداد طبيعي للنبي الخاتم(ع)، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، بل إن كل ما يصدر عنه(ص) لابد وأن يكون متدخلاً فيه العناية الإلهية، وأمير المؤمنين(ع) تلميذه وربيبه، فيكون له ما كان لأستاذه(ص)، فيستدعي ذلك أن يكون الترتيب المذكور مقصوداً.
ووفقاً لهذا، فما هو المغزى الذي أراده(ع) من هذا الترتيب والتبويب؟…

في الحقيقة إن ذلك يحتاج إلى مزيد تأمل، نأمل التوفيق لعرضه إن شاء الله في بحوث لاحقة.
ووفقاً لما ذكره(ع) من لزوم توفر صفات محددة في الحاكم أشار إلى أنه يلزم ألا يكون الحاكم سبعاً ضارياً في شعبه، فيغتنم أكلهم.
ولم يقتصر على التحذير من الاتصاف بهذه الصفة، بل أشار إلى ما يوجب ذلك، من خلال التذكير بأن الشعوب لا يخلو حالهم من صنفين:

أحدهما: من تربطه بالحاكم رابطة الدين، وهذا يمنعه من أن يكون عليه سبعاً ضارياً، مغتنماً لأكله.
ثانيهما: من تربطه به صفة الإنسانية، وهذا حق يكفل للإنسان الكرامة، ويكفل له الاحترام، وحفظ الحقوق وعدم التعدي عليها.

وبالجملة، إن لزوم توفر الصفات المذكورة في الحاكم، مرجعه لملاحظة حقيقة الشعب، فلأنه لا يخلو عن أحد فردين، لزم أن يكون الحاكم متصفاً بهذه الصفات، ولا يكون متخلقاً بصفات أخرى.

وعندما عمد(ع) إلى استعراض الأمر الثاني، وهو الأسلوب الذي ينبغي اتخاذه في التعاطي مع الشعوب من قبل حكامها، قدم(ع) في البداية حقيقة من الحقائق الاجتماعية، وهي أن الكثير من القضايا التي تصدر من الشعوب والتعديات والمخالفة للقوانين، وإن كانت صادرة على نحو العمد، إلا أنه ليس جميع ما يصدر يكشف عن تحدي فعلي وحقيقي للحكومة والدولة، إذ ربما كان منشأ ذلك هو فقدان الشعوب لبعض الدواعي التي نجم عنها حصول هذه التعديات والانتهاك للحقوق، ولنقرب ذلك بببعض الأمثلة، فمثلاً جريمة الزنا، والتي تعد من أبشع الجرائم، التي يسبب انتشارها انهيار المجتمع قيمياً، مضافاً لكونها أحد الأسباب الرئيسة لانتشار الأمراض، وتفشيها في وسطه، فإن هذه الجريمة لو عمد إلى محاولة دراسة الأسباب التي أدت إلى وجودها في الوسط الاجتماعي، فربما وجد أن منشأها افتقاد الممارسين لها للحنان العاطفي، فالفتاة التي تكون في سن المراهقة، وتعمد إلى تسليم نفسها لشاب قد يكبرها بعشر سنين مثلاً، أو لشاب لا زال يدرس في المتوسطة أو الثانوية، مرجع ذلك إلى وجود معاناة عندها في الوسط الأسري، فإنها لما كانت مفتقدة للحنان والبعد العاطفي، كان ذلك منشأ لأن تبحث عنه في الخارج، وللأسف تلقفتها أيدي الذئاب الجائرة، لتغشها بأنها تعطيها ما تفتقده، وهي لا تعلم أنها تعمد إلى قتلها بصورة بطئية.

والحاصل، إن معرفة الأسباب من الطبيعي يؤدي إلى تخفيف التعامل، وإضافة إلى إيجاد العقوبة، يكون داعياً إلى علاج أساس المشكلة، واقتلاعها من جذورها حتى لا يتكرر الأمر ثانية، وهذا أحد الميز التي يمتاز بها القانون الإسلامي في علاجه للذنوب على القوانين الوضعية.

ولا يختلف الحال أيضاً لو ركز على جريمة السرقة، إذ ربما كان منشأ ذلك إما الجوع والفقر، أو تفشي المخدرات وكثرة تعاطيها، أو كان سبب ذلك هو الفراغ القاتل، وهذا يستدعي مضافاً إلى توقيع العقوبة إن يعمد إلى علاج الأسباب التي أدت إلى وقوع تلك الزمرة الشبابية فريسة لهذا المرض الخطير، وهو مرض السرقة.
 وكذا أيضاً ما يعرف بالتعدي الأمني، والانتهاك لقواعده، من خلال القتل واستعمال السلاح، فلاحظ[2].

ومن خلال ما قدمنا نخرج إلى أنه(ع) يشير إلى أن أسلوب التعامل الذي يلزم أتخاذه مع الشعوب لا ينحصر فقط في إيقاع العقوبات عليها، فإن ذلك لا يعد سبيلاً لصلاحها وتقويمها، بل إن اللازم أن يعمد إلى دراسة الأسباب التي أدت إلى حصول مثل هذه الأمراض وتفشيها في الوسط الاجتماعي، ومن ثم العمد إلى تقديم السبل والوسائل الناجعة في علاجها، وعدم تكررها مرة ثانية. فلاحظ قوله(ع): يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ.

حقوق الشعوب لدى حكامها:

وطبقاً لما تقدم، فما هي الحقوق التي للشعوب على حكامها، بحيث يلزم الحكام توفيرها إليهم؟
إن الإجابة عن السؤال المذكورة تستفاد أيضاً كما قلنا في البداية من خلال النصوص الشريفة، ولما كان استعراض النصوص يوجب الإطالة غير المقصودة من هذا المختصر، فسوف أعمد إلى عرض العناوين، وللقارئ العزيز المتابعة إن شاء الله تعالى.

الأول: أن يتوجه إلى أن مصدر تسلطه على شعبه يعود لما يمتلكه من قوة، مقابل ما كان عليه الشعب من ضعف، وهذا يجعله يتذكر أن هناك موجداً لهذه القوة، وهو الباري سبحانه وتعالى، فقد أكرمه عندما أعطاه إياها، فعليه أن يشكره حتى لا يسلبها منه، ولا ريب أن خير ما يشكر به الله سبحانه في مثل هذه الموارد أداء حقوق الشعوب، وبإعطائها ما تحتاج.
الثاني:  العدل بين الرعية، وإسعادها. وقد ذكروا أن العدل أساس الملك، وقد قيل أن يزدجر بن بهرام سأل حكيماً: ما صلاح الملك؟ فقال: الرفق بالرعية وأخذ الحق منها بغير عنف والتودد إليها بالعدل، وأمن السبل، وانصاف المظلوم.

ويتفق الجميع على أن العدل هو أقدس واجباته، وأجل فضائله، على أن بسطه عدله بين شعبه دليل على أنه يحترمه ويجلهم ويقدرهم.
ومن عجيب ما يحكى عن السيد ابن طاووس(ره) أن هولاكو قد سأل بعد فتحه بغداد العلماء مسألة: أيهما أفضل السلطان الكافر العادل، أم السلطان المسلم الجائر، وقد أحجم العلماء عن الفتيا، فكتب(ره) أن السلطان العادل الكافر أفضل من السلطان المسلم الجائر، ووافقه العلماء في ما كتب.

الثالث: الصلاح وحسن الخلق، وجمال السيرة والسلوك، ليكون قدوة صالحة ونموذجاً رفيعاً في الوسط الاجتماعي، يقتدي به شعبه.
الرابع: حسن الرعاية بالرفق، وتفادي سياسة العنف والإرهاب والتخويف، والتجويع، والتنكيل والتعذيب. وقد عرفت دعوة أمير المؤمنين(ع) تلميذه مالك(رض) إلى ذلك من خلال قوله: وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم[3].

الخامس: انتخاب الأعوان، وهم الذين سيكونوا المعينين له في قيامه بمسؤولياته، فهم وزرائه، فكلما صلحوا كانوا وسيلة له للاستمرار على الصلاح، ومتى فسدوا أودوا به إلى البوار والفساد، إذ سوف يحجبوه عن هموم شعبه، ومشاكلهم، ولن يفتح المجال لذوي الحاجات بالوصول إليه، وبالتالي يؤدي ذلك إلى بغض الشعب إياه، وحنقهم عليه. وقد جاء فيما سأل عنه يزدجر أحد الحكماء: فما صلاح الملك؟ قال: وزراؤه إذا صلحوا صلح.

السادس: محاسبة الجهات المسؤولة عن القيام بشؤون الشعب وأداء حقوقه، من عمال وموظفين، ومسؤولين، ومعنيـين بهكذا أمر.
والظاهر أنه يحتاج أيضاً إلى تفعيل مبدأ الثواب والعقاب، فيكافئ المحسن والمتقن لعمله، والمجيد له، ويعمد إلى معاقبة كل من أساء وقصر في أداء ما أوكل له من مهام.
السابع: احترام التقاليد الشعبية والطقوس والعادات، خصوصاً الدينية منها. ما دامت لا توجب إخلالاً بالأخلاق العامة، ولا تستدعي انهياراً لقيم المجتمع ودعائمه، فلا توجب انتشار الفساد، أو تفشي الخرافات والأباطيل في وسطه[4].

حقوق الحكام على شعوبهم:

وكما تضمنت النصوص الشريفة التعرض لبيان الحقوق التي يلزم أدائها من قبل الحكام لشعوبها لتكون واجبات يطالبون بأدائها، لم تغفل النصوص أيضاً حقوق الحكام على شعوبها، فأشارت إلى أن هناك واجبات يلزم على الشعوب أدائها لحكامها، وهي حقوق يطالب الحكام شعوبهم بها، ويمكن تلخيص تلك الحقوق التي لهم على شعوبهم في التالي:

منها: الطاعة، فلا يخرجون عليه، ولا يخالفوه، ولا يردوا رأيه أو يسفهوه. نعم لو حاد عن الطريق القويم، والصراط المستقيم، لم تجب طاعته، لأنه لا طاعة لمخلوق فيم عصية الخالق.
ومنها: النصيحة، إذ هم ملزمون بقصده، وتقديم النصح له، ومحاولة إبراز الحقائق بما هي إليه حتى لا يغش ولا تختلط عليه الأمور.
ومنها: ترك اغتيابه، والإساءة إليه من خلال ذكره بما يكره، ولا يحب أن يذكر به، إذ هم ملزمون بحفظ حرمته وكرامته، ورعايتها.
ومنها: الإخلاص، والولاء التام له، فلا يعطوا ولائهم لأحد سواه، ولا يوالون أحداً غيره.
ومنها: ألا يمانعه، ولا يعانده بفعل خلاف ما يريده.
ومنها: ألا يسوء معاملته، ولا يعسر أخلاقه معه.

[1] عهد الإمام أمير المؤمنين(ع) إلى العبد الصالح مالك الأشتر(رض)، نهج البلاغة كتاب رقم 53.
[2] الدولة الإسلامية ص 66.
[3] نهج البلاغة كتاب رقم 53.
[4] شرح رسالة الحقوق للعلامة الساعدي ص 324-327(بتصرف)