- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

عالم الظهور

عالم الظهور

 

يترقب المؤمنون بشوق عظيم ظهور الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، فيراقبون ما يذكر حول ذلك من علامات الظهور، ويعمدون إلى التعرف على ما حصل منها بعد معرفتها، وأنها تنطبق على ما يقع في الخارج من عدمه، إلا أنه يغفل عن تحديد عالم الظهور، وأنه في هذا العالم أو في عالم آخر.

وتظهر الثمرة أنه لو كان الظهور المبارك في عالم آخر غير هذا العالم، فلا معنى للبحث عن تحقق علاماته في هذا العالم، وفي هذا الزمان، بخلاف ما لو كان عالم الظهور مرتبطاً بهذا العالم، فإنه يكون للبحث عن ذلك ثمرة.

 

عالم الظهور الذي يقع فيه الظهور:

وحتى يمكن الوقوف على تحققه في هذا العالم من عدمه، لابد للتمهيد لذلك بما ذكره الفلاسفة من تقسيمهم نشآت الوجود الإمكانية إلى نشآت ثلاث:

الأولى: نشأة العقل.

الثانية: نشأة المثال المنفصل.

الثالثة: نشأة المادة والدنيا.

 

فللبدن في نشأة الحياة الدنيا حجم من طول وعرض وعمق، وهذا ما يجعله يشغل حيزاً ومكاناً، فالكتاب إذا كان موجوداً في مكان ما فإنه يشغل حيزاً فلا يمكن للكتاب الثاني شغل نفس الحيز.

وأما نشأة العقل، فهي عالم الملائكة المقربين، كجبرائيل، وميكائيل، فإن هذه الموجودات من سنخ موجودات لا حجم معين لها حتى تشغل مكاناً طولاً، وعرضاً، وعمقاً، ولا شكل لها، فلا يمكن تصويرها، كما لا يمكن رسم شيء منها كالوجه مثلاً.

ونشأة المثال المنفصل، وهي النشأة التي يوجد فيها بعض خصائص المادة أو النشأة الدنيوية، وبعض خصائص النشأة العقلية، فيوجد لها شكل وطول وعرض ولها صورة، لكن لا يوجد لها حجم، وهذا أمر يمكن تعقله، أي يوجد شكل وصورة دون حجم، مثل: الصورة في المرآة، ومثاله الحياة البرزخية، وبهذا تتميز الصورة أو الوجود المثالي عن الوجود العقلي، وعن الوجود المادي، فنشأة المثال فيها شيء من عالم العقل، وشيء من عالم المادة.

 

وبعد وضوح نشآت الوجود الثلاث، فهناك نظريتان في تحديد عالم الظهور:

النظرية الأولى: عالم الأولى:

إن الظهور المقدس لمولاي ولي النعمة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ورجعته الشريفة ليست من نشأة عالم الدنيا، ولا من نشأة عالم الآخر، بل هو عالم آخر مختلف عنهما، وهو عالم المثال، وهو الذي يكون قريباً من الحياة الموجودة في عالم البرزخ، وهو مختار الشيخ الأوحد الأحسائي، على ما في كتابيه جوامع الكلم، وشرح الزيارة الجامعة، والسيد العلامة الطباطبائي(ره)، كما في تفسيره الميزان.

وقد جعل العلامة الطباطبائي(ره) هذا العالم مرتبة من مراتب يوم القيامة، كالرجعة، وإن كان هو أقل منه رتبة لإمكان الشر والفساد فيه في الجملة، ويوم الظهور لظهور الحق فيه تمام الظهور، وهو دون الرجعة.

 

منشأ النظرية الأولى:

وقد نشأت النظرية المذكورة من خلال أمرين:

أحدهما: ما تضمنته النصوص الشريفة من وصف لحالة الموجودات لدرجة أن الحيوانات تعيش مع بعضها حياة سلمية، فيعيش الذئاب والغنم في حالة وئام وسلام، ومن الواضح أن هذا لا ينسجم مع عالمنا المادي.

ثانيهما: النصوص الشريفة، وهي ثلاث طوائف:

الأولى: ما تضمنت أن يوم الظهور المقدس، هو يوم كمال عقل جميع الناس واقعاً وعملاً، وهو أعظم أيام التجلي الربوبي، فقد ورد: إذا ظهر الحجة وضع الله يده على رؤوس العباد، فتمت بها عقولهم وكملت بها أحلامهم.

الثانية: النصوص التي تعرضت لتفسير قوله تعالى:- (إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام)[1] [1]، بولي النعمة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وهي غير قليلة، فعن الإمام الباقر(ع) أنه قال: ينـزل في سبع قباب من نور، لا يعلم في أيها هو حين ينـزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينـزل.

الثالثة: النصوص التي أشارت إلى أن منشأ غيبته(بأبي هو وأمي)، خوفه على نفسه من الأعداء في هذه الدنيا، ولذا فرّ منها وانتقل إلى الأولى.

 

النظرية الثانية: عالم الدنيا:

وأما النظرية الثانية، وهي التي عليها المشهور والمعروف من علماء الطائفة، بل عليها المسلمون جميعاً، من أن عالم ظهوره(روحي له الفداء)، هو عالم الدنيا الذي يحيى فيه، وقد غاب عنه، ولا زال يحيى فيه، ولم يخرج منه.

أدلة النظرية الأولى:

وقد استدل أصحاب النظرية الأولى بالنصوص التي تضمنت ذكر أيام الله سبحانه:

منها: خبر التفسير المنسوب إلى علي بن إبراهيم القمي، من أن أيام الله ثلاثة: يوم القائم، ويوم الموت، ويوم القيامة.

ومنها: خبر مثنى الحناط، الوارد في الخصال، قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: أيام الله: يوم يقوم القائم، ويوم الكرة، ويوم القيامة.

 

ويؤيد ذلك ما جاء في الزيارة الجامعة: وحجج الله على أهل الدنيا، والآخرة والأولى. وتقريب الاستدلال بما ذكر، أنه قد جعل يوم ظهوره(روحي لتراب حافر جواه الفداء)، في سياق يوم القيامة، ولم يجعله في سياق يوم الدنيا، وهذا يعني أن سنخه من سنخ أيام القيامة، وليس الدنيا، والقرينة على ذلك وقوعه قسيماً ليوم القيامة، فيكون من سنخه ومشتركاً معه في الصفات، بل بتعبير العلامة الطباطبائي(ره): الاتحاد بحسب الحقيقة والاختلاف في المراتب[2] [2].

 

نعم قد يمنع من الاستناد للخبر الثاني، كون راويه مشتركاً بين ثلاثة أشخاص، وهم:

1-المثنى بن راشد.

2-المثنى بن عبد السلام.

3-المثنى ابن الوليد.

 

مناقشة النظرية:

وقد انطلق أصحاب النظرية المذكورة من أمرين، وهما الآية الشريفة، وهي قوله تعالى:- (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور)[3] [3]، على أن العام الذي سوف يظهر فيه(روحي له الفداء)، ليس من الدنيا، ولا من القيامة. والروايات التي وردت في تفسير الآية الشريفة.

أما الآية المباركة، فإن ذيلها يشير إلى يوم القيامة، لكن صدرها يمكن تطبيقه على العذاب الدنيوي أيضاً، فإن الشواهد التاريخية والقرآنية تؤيد وقوع مثل هذا العذاب في الدنيا، كإمكانية وقوعه في الآخرة، وهذه الأدلة تندرج ضمن مجموعتين:

الأولى: الآيات التي يكون العذاب الدنيوي هو المقصود فيها من انتظار العذاب:

 

منها: قوله تعالى:- (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلت من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين)، فإن مفادها أن قل لهم يا محمد(ص)، أن مصيرهم هو مصير من سبقهم فانتظروا اليوم الذي سننهي فيه حياتكم.

ومنها: قوله تعالى:- (فكذبون فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم)

ومنها: قوله تعالى:- (فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلاً).

الثانية: الآيات التي تشير إلى قصد العذاب الأخروي من انتظار العذاب سواء كان بصيغة الانتظار أم بدونه، لكن في مساقه:

منها: قوله تعالى:- (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنـزيلاً الملك يومئذٍ الحق للرحمان وكان يوماً على الكافرين عسيراً).

 

وأما الروايات، فإن تمامية دلالتها تعتمد على تفسير الغيبة بأنها حالة برزخية، وهو غير تام، لأن كثيراً من حالات النشأة الدنيوية ليست مرئية كما هو الحال في البدن الأصلي للإنسان والطينة الأصلية له، هذا أولاً.

ثانياً: إن المستفاد من بعض النصوص أن الكرة أخص من الرجعة، والظاهر أنها الرجوع الذي يتضمن حروباً ومواجهات وقتالاً بحسب المعنى اللغوي، ويساعد على ذلك ما جاء في زيارته (بأبي هو وأومي) في السرداب: ووفقني يا رب للقيام بطاعته….فإن توفيتني قبل ذلك فاجعلني ممن يكر في رجعته ويملّك في دولته.

 

نعم لو ثبت أن المقصود من الكرة هي الرجعة، كما فهمه السيد العلامة(ره)، كان التقريب حسناً، لكن قد عرفت منعه.

والحاصل، إن ما ذكر لا يصمد دليلاً لرفع اليد عن ظاهر النصوص، وأن عالم الظهور المرتبط بالناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، هو هذا العالم الذي نعيش فيه، ويساعد على ذلك ما ورد في مسألة الرجعة للمعصومين(ع) من بعده، بل قبل ارتحاله عن عالم الدنيا، كما يظهر من بعضها.

 

بداية الظهور:

وبعد الفراغ عن تحديد عالم ظهوره(عج)، يبقى كيفية معرفته(روحي فداه) بحلول وقت الظهور، ومع أن هذا وقت لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ما يعني أنه يحتاج عند حلول وقته إلى أن يخبر الإمام الحجة(عج)، بذلك ليقوم بأداء وظيفته، ومهمته، فيكون بحاجة إما إلى علامة تدل على ذلك، أو أن يصله خبر ولو عن طريق التحديث، وهذا ما تضمنته النصوص، فقد اشتملت على استعراض مجموعة من العلامات التي يستكشف منها حلول وقت الظهور المقدس، وقد جاء في بعضها أنه(بأبي وأمي) يتم تحديثه بحلول الزمان وحصول الوقت المعلوم، وكيف ما كان، نشير لبعض تلك العلامات التي تضمنتها النصوص:

 

منها: أن له علماً إذا حان الوقت المعلوم انتشر ذلك العلم بنفسه، وخاطبه بالخروج بأمر الله تعالى.

ومنها: أن له سيفاً مغمد إذا حان وقت الخروج اقتلع ذلك السيف من غمده، وأمره عن الله سبحانه بالخروج.

ومنها: أنه(عج) يرى جبرئيل (ع) ويأمره بالخروج بأمر الله تعالى.

ومنها: أنه يحصل له العلم بتحقق وقت الخروج من خلال النكت في قلبه بذلك.

ومنها: ما تضمنته بعض النصوص من أن الدار التي يسكنها في زمن الغيبة معلق فيها قميص الإمام الحسين(ع)، الذي استشهد فيه، وعليه دمه الشريف الذي سال منه على أرض كربلاء، وهو جاف فإذا سال هذا الدم وتقاطر من القميص، فقد حان وقت الخروج.

 

 

 

[1] [4] سورة البقرة الآية رقم

[2] [5] الميزان في تفسير القرآن ج ص

[3] [6]