- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

القرض الاستثماري مع الزيادة(5)

القرض الاستثماري مع الزيادة(5)

 

الثاني: النصوص:

ويمكن تصنيف النصوص الدالة على الحرمة إلى أنواع ثلاثة:

الأول: ما يدل على الحرمة مطلقاً من دون تفصيل بين نوعي الربا، فيشمل الربا المعاوضي، والقرضي على حد سواء.

الثاني: ما يكون دالاً على الربا المعاوضي، وحرمته.

الثالث: ما يدل على حرمة الربا القرضي.

ولن نشير لشيء من نصوص النوع الثاني لخروجه عن حريم البحث، وسوف نقتصر على ذكر النوعين الأول والثالث.

أما النوع الأول، فقد دلت على ذلك مجموعة من النصوص وردت بألسنة مختلفة، وقد وصفت بأنها متواترة، وهي على طوائف:

الأولى: ما دل على أن الربا أشدّ حرمة من الزنا بالمحارم:

منها: صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله(ع) قال: درهم ربا عند الله أشدّ من سبعين زنية كلها بذات محرم[1] [1].

ومنها: صحيح أبي بصير قال: درهم ربا أشدّ عند الله من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل عمة وخالة[2] [2].

ومنها: صحيح سعيد بن يسار قال: قال أبو عبد الله(ع): درهم واحد ربا أعظم من عشرين زنية كلها بذات محرم[3] [3].

ومنها: صحيح جميل عن أبي عبد الله(ع) قال: درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت الله الحرام[4] [4].

ولا إشكال في دلالة هذه النصوص على حرمة الربا، بل على شدة حرمته، وأنه أشدّ من حرمة الزنا بالمحارم.

إن قلت: إن من المكن جداً أن يكون المقصود من أشدية حرمة الربا في هذه النصوص من حرمة الزنا بالمحارم، إنما هو سبيل المجاز، وليس على نحو الحقيقة، ويساعد على ذلك أمران:

الأول: أنه لم يشرع حد، بل ولا كفارة على آخذ الربا ومعطيه، بخلاف الزاني.

الثاني: وجود الاختلاف بين النصوص في مقدار شدة حرمة الربا، فقد تضمن بعضها أنه أشدّ من سبعين زنية، وفي آخر أنه أشد من أربعين زنية، وفي ثالث أنه أشد من ثلاثين، وفي رابع أنه أشد من عشريين، فلو كان الربا أشد عقاباً وأغلظ تحريماً من الزنا حقيقة لبُين له أيضاً حد كحد الزاني، ولما اختلف المقدار في تحديد أشديته.

قلت: بأن الأمرين المذكورين لا يصلحان لحمل الأشدية التي تضمنتها النصوص على المجازية، لأنه يجاب عن أولهما، بأنه لم يقم دليل على لزوم ثبوت الحدّ لكل حرام كان أشد عقاباً وأغلظ تحريماً مما ثبت فيه الحد، لوضوح عدم ثبوت حد ولا كفارة في كثير من الكبائر، مثل الفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم ظلماً، وعقوق الوالدين، واليأس من روح الله، والأمن من مكره، والغيبة، والافتراء، وغير ذلك من الكبائر، مع ثبوت الحد في بعض الصغائر والكفارة في كثير منها.

مع أنه يمكن التمسك للبناء على ثبوت الحد على آكل الربا، فقد دلت بعض النصوص على أنه يقتل في بعض الصور، وقد أفتى بمضمونها جملة من كبار علماء الطائفة، كالمفيد، وابن إدريس(ره).

ويجاب عن الثاني، بأن اختلاف النصوص في بيان شدة حرمة الربا يمكن أن يكون بحسب اختلاف الأشخاص والأحوال، والأزمان، وسائر ما له دخل في ذلك من الخصوصيات الأخر، كما ورد في بعض نصوص المقام من أن الربا ذو أبواب وأحوال بعضها أهون وأيسر من بعضها الآخر.

بقي في المقام نكتة، وهي وجه مقايسة الربا بالزنا بالمحارم، ولا سيما في بيت الله الحرام، والظاهر أن وجه التنـزيل إما هو وضوح قبح الزنا بالمحارم في بيت الله وظهور شناعته، أو شدة حرمته، وغلظة مبغوضيته عند الشارع، فيبين بهذا التنـزيل أن الربا مثل الزنا في ذلك، بل أوضح قبحاً وأشدّ بغضاً عند الشارع.

ويمكن أن يكون وجه ذلك هو تأثير أكل المال الحرام المأخوذ بالربا في ذهاب الحياء والإيمان، وإيجاد الجرأة على الطغيان والمعصية، وإيراث الميل النفساني الشديد إلى الفواحش والزنا حتى بالمحارم.

ولا يخفى تمامية النصوص على حرمة الربا، إنما الكلام في ثبوت إطلاق لها للدلالة على حرمة مطلق الربا، سواء كان الربا المعاوضي، أم كان الربا القرضي، والظاهر عدم ثبوت إطلاق لها في ذلك، لما عرفت أن دلالتها على خصوص الحرمة، وبيان أشدية الربا على الزنا، فتأمل.

الطائفة الثانية: ما دل على كفر مستحله واستحقاقه القتل والحد:

منها: موثق ابن بكير، قال: بلغ أبا عبد الله(ع) عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللباء، فقال(ع): لئن أمكنني الله منه لأضربن عنقه[5] [5]. ودلالة الموثق على حرمة أكل الربا جلية واضحة. نعم هل يستفاد من قوله(ع): لئن أمكنني الله، استحقاق آكل الربا للقتل، وأنه حكم مولوي تشريعي، أو هو حكم ولوي؟ احتمالان.

ومنها: معتبر أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع) قال: قلت: آكل الربا بعد البينة؟ قال(ع): يؤدب، فإن عاد أدب، فإن عاد قتل[6] [6].

وهي وإن كانت ضعيفة بوقوع أبي جميلة في طريق الشيخ الطوسي(ره)، إلا أن الصدوق(ره) رواها بسنده عن سماعة، وهو كالتالي: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى العامري، عنه، وهو طريق معتبر.

ومنها: خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه(ع) أنه أُتي بآكل الربا فاستتابه فتاب، ثم خلى سبيله، ثم قال(ع): يستتاب آكل الربا كما يستتاب من الشرك[7] [7].

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله(ع) قال: لو أن رجلاً دخل في الإسلام وأقرّ به، ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام، لم أقم عليه الحد إذا كان جاهلاً، إلا أن تقوم عليه البينة أنه قرأ السورة التي فيها الزنا والخمر وأكل الربا، وإذا جهل ذلك أعلمته وأخبرته، فإن ركبه بعد ذلك جلدته وأقمت عليه الحد[8] [8].

ومنها: صحيح محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر(ع) رجلاً دعوناه إلى جملة الإسلام فأقر به، ثم شرب الخمر وزنى وأكل الربا ولم يتبين له شيء من الحلال والحرام، أقيم عليه الحد إذا جهله؟ قال(ع): لا، إلا أن تقوم عليه بينة أنه قد كان أقرّ بتحريمها[9] [9]. ويحتمل أن يكون المقصود من الحد في هذين النصين هو القتل بقرينة النصوص الأولى التي تقدمت أنه يقتل، ويحتمل أن يكون المقصود منه حد شرب الخمر والزنا، لأنه وارد في سياقهما.

والظاهر بعدُ الثاني، لأنه ليس فيه ما يشير إلى اتحاد الحد، وإنما أقصى ما يظهر من النصوص ذكره في عدادهما كجملة من المحرمات والموبقات، ما يوجب تعين الاحتمال الأول، فتأمل.

والمستفاد من هذه الطائفة، قتل مستحل آكل الربا، وتعزير آكله من غير استحلال إذا كان عالماً بالحكم، فيؤدب حتى يتوب، وإن عاد قتل في المرة الثالثة.

وللفقهاء أقوال ثلاثة في قتل آكل الربا نشير إليها إجمالاً، وتفصيل ذلك في محله:

الأول: ما أختاره الصدوق، والقاضي ابن البراج(ره)، من الالتـزام بعدم قتل آكل الربا إلا إذا عاد إلى ذلك في المرة الثالثة، نعم يؤدب على قيامه بأكله ويعزر مرتين، من دون فرق بين كونه مستحلاً لذلك أم لا.

الثاني: ما يظهر من المفيد، وهو صريح الشيخ في النهاية، وابن إدريس في السرائر، من البناء على قتل آكل الربا إذا كان مستحلاً لذلك في المرة الأولى، وأما غير المستحل له، فإنه يعزر مرتين ويقتل في الثالثة.

الثالث: ما يظهر من ابن سعيد في الجامع، وصاحب الجواهر(ره)، من الإلتـزام بالتفصيل بين الاستحلال والأكل، فيستحق القتل بالاستحلال، وأما لو لم يكن مستحلاً له، فيعزر.

الطائفة الثالثة: ما دل على أن أكل الربا يوجب امتلاء بطن آكله من النار، وعدم قبول أعماله، واستحقاقه بذلك لعنة الله وملائكته:

منها: ما رواه الصدوق(ره) في كتابه عقاب الأعمال، بسنده عن النبي(ص) أنه قال-في حديث-: ومن أكل الربا ملأ الله بطنه من نار جهنم بقدر ما أكل، وإن اكتسب منه مالاً لم يقبل الله منه شيئاً من عمله، ولم يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده منه قيراط واحد[10] [10].

ومنها: ما جاء في التفسير المنسوب إلى علي بن إبراهيم، بسند صحيح عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص) لما أسري بي إلى السماء رأيت قوماً يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس[11] [11].

الطائفة الرابعة: ما دل على أن ظهور الربا في المجتمع ينذر بهلاك أهله:

منها: ما رواه في مجمع البيان عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا أراد الله بقرية هلاكاً ظهر فيها الربا[12] [12].

ومنها: ما وري عن رسول الله(ص) أنه قال: إذا ظهر الزنا والربا في قرية أُذن في هلاكها. وقال: إذا أكلت أمتي الربا كانت الزلزلة والخسف[13] [13].

الطائفة الخامسة: ما تضمنت أن السحت هو الربا:

منها: ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه، قال: قال أبو جعفر(ع): السحت الربا[14] [14].

ومنها: ما رواه عمار بن مروان، عن أبي جعفر(ع)-في حديث- قال: والسحت أنواع كثيرة، منها: أجور الفواجر، وثمن الخمر، والنبيذ، والمسكر، والربا بعد البينة[15] [15].

ومنها: ما ورد في كتاب فقه الرضا: اعلم يرحمك الله أن الربا حرام سحت من الكبائر[16] [16].

ولا ريب في دلالة النصوص المتقدمة على حرمة الربا بكافة أنواعه سواء كان رباً معاوضياً، أم كان رباً قرضياً، وسواء كان القرض استهلاكياً، أم كان استثمارياً إنتاجياً، لإطلاقها الموجب لشمول الجميع، وليس في البين ما يمنع من ذلك. ولا يضر ضعف أسناد بعضها، لأن في البقية من النصوص المعتبرة كفاية.

وأما النوع الثالث، فيدل على ذلك جملة من النصوص:

منها: صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله(ع) قال: سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين ديناراً ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً، قال: لا يصلح إذا كان قرضاً يجرّ شيئاً فلا يصلح[17] [17]. ودلالته على المطلوب من حرمة الربا القرضي واضحة، وهي مطلقة فتشمل القرض الاستهلاكي كما تشمل القرض الانتاجي الاستثماري.

ومنها: خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(ع) قال: وسألته عن رجل أعطى رجلاً مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر؟ قال: هذا الربا المحض[18] [18].

ومنها: خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن(ع): سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضاً فيعطيه الشيء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه، قال: لا بأس بذلك ما لم يكن شرطاً[19] [19]. فإن مقتضى المفهوم المستفاد من الذيل وجود البأس فيه لو كان شرطاً فتكون دالة على المطلوب. نعم هي ضعيفة السند بوجود موسى بن سعدان.

ومنها: صحيح محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً ويعطيه الرهن إما خادماً وإما آنية وإما ثياباً فيحتاج إلى شيء من منفعته فيستأذن فيه فيأذن له، قال: إذا طابت نفسه فلا بأس. قلت: إن من عندنا يروون أن كل قرض يجر منفعة فهو فاسد، فقال: أوليس خير القرض ما جرّ منفعة[20] [20]. ودلالتها على المدعى من خلال تقيـيده(ع) جواز أخذ المنفعة بطيب نفس المعطي، فلو لم تطب نفسه لم يجز أخذها ودخل عندها في الربا القرضي.

ومنها: صحيح محمد بن قيس، عن أبي جعفر(ع) قال: من أقرض رجلاً ورِقاً فلا يشترط إلا مثلها، فإن جوزي أجود منها فليقبل، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورِقه[21] [21].

ومنها: خبر خالد بن الحجاج، قال: سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً قضانيها مائة وزناً؟ قال: لا بأس ما لم يشترط، قال: قال: جاء الربا من قبل الشروط، إنما يفسده الشروط[22] [22].

ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله(ع) قال: سألته عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثم يعطي سوداً وزناً وقد عرف أنها أثقل مما أخذ، وتطيب نفسه أن يجعل له فضلها؟ فقال: لا بأس به إّا لم يكن فيه شرط، ولو وهبها له كلها صلح[23] [23].

ومنها: صحيحه الآخر، عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا أقرضت الدراهم ثم أتاك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط[24] [24]. فإن مقتضى مفهوم الشرط البناء على وجود البأس حال وجود الشرط الموجب للبناء على فساد المعاملة.

 

 

[1] [25] وسائل الشيعة ج 18 ب 1 من أبواب الربا ح 1 ص 117.

[2] [26] المصدر السابق ح 5 ص 118.

[3] [27] المصدر السابق ح 6 ص 119.

[4] [28] المصدر السابق ح 19 ص 123.

[5] [29] وسائل الشيعة ب 2 من أبواب الربا ح 1 ص 125.

[6] [30] من لا يحضره الفقيه ج 4 ص ح

[7] [31] وسائل الشيعة ج 28 ب 7 من أبواب الحدود والتعزيرات ح 4 ص 371.

[8] [32] المصدر السابق ب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح 1 ص 32.

[9] [33] المصدر السابق ب 14 من أبواب مقدمات الحدود ح 2 ص 32.

[10] [34] وسائل الشيعة ج 18 ب1 من أبواب الربا ح 15 ص 122.

[11] [35] تفسير القمي ج 1 ص 93. وسائل الشيعة ج 18 ب 1 من أبواب الربا ح 16 ص 122.

[12] [36] مجمع البيان ج 1 ص 39.

[13] [37] مستدرك الوسائل ج 13 ب 1 من أبواب الربا ح 11 و ح 20 ص 332-333.

[14] [38] وسائل الشيعة ج 18 ب 1 من أبواب الربا ح 20 ص 123.

[15] [39] وسائل الشيعة ج 17 ب 5 من أبواب ما يكتسب به ح 1 ص 92.

[16] [40] مستدرك الوسائل ج 13 ب 1 من أبواب الربا ح 7 ص 331.

[17] [41] وسائل الشيعة ج 18 ب 19 من أبواب الدين والقرض ح 9 ص 356.

[18] [42] المصدر السابق ح 18 ص 359.

[19] [43] المصدر السابق ح 3 ص 354.

[20] [44] المصدر السابق ح 4 ص 354.

[21] [45] وسائل الشيعة ج 18 ب 19 من أبواب الدين والقرض ح 11 ص 357.

[22] [46] وسائل الشيعة ج 18 ب 12 من أبواب الربا ح 1 ص 190.

[23] [47] المصدر السابق ح 2 ص 191.

[24] [48] المصدر السابق ح 3.