- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

ذكورية الشريعة(2)

ذكورية الشريعة(2)

 

وكيف ما كان، لابد من ملاحظة النصوص التي تمسك بها القائلون بأطروحة ذكورية الشريعة، وملاحظة مدى دلالتها على الدعوى المذكورة من عدمه.

ويمكن تصنيف النصوص المستند إليها إلى صنفين:

الأول: الآيات القرآنية والتي تمس أصحاب الدعوى بظاهرها للدلالة عليها.

الثاني: النصوص الروائية الواردة عن النبي الأكرم محمد، وأهل بيته(ع).

 

وقبل العمد إلى مناقشة أدلة أصحاب الأطروحة المذكورة، نشير إلى ما تضمنته المصادر الإسلامية حول المرأة، وإن شئت، فقل: عرض المرأة في الأطروحة الإسلامية، لنرى أنها تتوافق والدعوى المذكورة، أم أنها تشير إلى خلاف ذلك تماماً، وبالتالي لو ظهر أن الأطروحة الإسلامية على خلاف ما يقرره أصحاب الدعوى المذكورة، يلزم عرض ما تمسك به أصحاب الأطروحة محل البحث، وملاحظة مدى تمامية دلالتها على المطلوب كما عرفت، وكيف يمكن معالجة الموقف لو كانت تامة كما يدعى.

 

المرأة في القرآن:

إن المراجع للآيات القرآنية الشريفة يقف على مدى الاحترام والتقدير الصادر من الباري سبحانه وتعالى للمرأة، وأنه تعالى قد ساوى بينها وبين الرجل في موارد متعددة، فلم يثبت له أفضلية أو تقديماً عليها، ويمكن تصنيف الآيات الشريفة حسب موضوعاتها:

 

1-المساواة في الإنسانية:

فلا فرق في هذه الصفة والبعد، فكل ما يعطاه الرجل وفقاً لإنسانيته يكون ثابتاً للمرأة أيضاً لذات السبب، قال تعالى:- (أيحسب الإنسان أن يترك سدى* ألم يك نطفة من مني يمنى) ، فإن لفظة الإنسان الواردة في الآية الشريفة شاملة للرجل والمرأة على حد سواء دون فرق بينهما.

 

وقال تعالى:- (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً* إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً) ، والمقصود من الإنسان هو الشامل للذكر والأنثى، لأنهما متحدان في كيفية الخلق.

وقال سبحانه:- (فلينظر الإنسان مما خلق* خلق من ماء دافق* يخرج من بين الصلب والترائب).

 

ومن الواضح أن مقتضى الآيات الشريفة الدالة على مساواة المرأة للرجل في الإنسانية، أن تكون جميع ملكات الإنسانية المودعة من قبل الله سبحانه موجودة في كليهما، ولا تختص بالرجل دون المرأة.

كما أن جميع الخطابات التي وجهت بلسان الإنسان والناس شاملة لها كشمولها للرجل، لأن المفهومين عامان يشملان الجنس البشري المتضمن للذكر والأنثى. نعم لو كانت هناك قرينة دالة على الاختصاص بالذكر مثلاً، فسوف يبنى على عدم الشمول إليها، وهذا يجري في شأن المرأة أيضاً، فلو دلت قرينة على اختصاص الخطاب بها كان ذلك موجباً لرفع اليد عن العموم أو الإطلاق المستفاد من الخطاب القرآني، والبناء على اختصاصه بها.

 

2-الكفاءة في ملكة الهداية:

لقد خلق الله تعالى الإنسان وأودع في جبلته القابلية للهداية فهي أمر فطري قد عجن مع طينته منذ البداية، ولا فرق في وجود هذه الملكة عند الرجل والمرأة، فكما أودعها الباري سبحانه وتعالى في الرجل، فقد أودعها في المرأة أيضاً، قال تعالى:- (ونفس وما سواها* فألهما فجورها وتقواها)، فإن التعبير بالنفس شامل لكليهما، ولا يختص بالذكر دون الأنثى، ويساعد على ذلك استعمال لفظة النفس في العديد من الآيات في ما يشمل مطلق الوجود الإنساني، قال سبحانه:- (كل نفس ذائقة الموت)، إذ لا ريب في عدم اختصاص التعبير المذكور بالرجل، بل هو شامل للمرأة أيضاً، لأنها ليست مخلدة، وسوف تفارق الحياة وتخرج من عالم الدنيا، بل يمكن الاستشهاد أيضاً بقوله تعالى:- (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) ، بناءاً على دلالتها على الوحدة النوعية، وليست الوحدة الشخصية.

وقال تعالى:- (وهديناه النجدين) ، فإن المقصود به الإنسان الذي علم طريق المعرفة من خلال الفطرة المودعة فيه، ومن غير الاستعانة بالأنبياء والمرسلين(ع)، وهو شامل للرجل والمرأة.

 

3-القابلية للتعليم:

إن الظاهر من الآيات القرآنية التي تحدثت عن التعليم وأهميته الشمول للمرأة كالرجل، فهي مخاطبة بها أيضاً، قال تعالى:- (الرحمن* علم القرآن* خلق الإنسان* علمه البيان) ، وقد عرفت في ما تقدم، أن مفهوم الإنسان من المفاهيم العامة الشاملة للذكر والأنثى، وهذا يعني أن التعليم المشار إليه في الآية شامل للمرأة أيضاً كشموله للرجل على حد سواء ومن دون فرق بينهما.

وقال تعالى:- (اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم) ، فالتعليم الصادر منه سبحانه وتعالى للعنصرين الرجل والمرأة معاً، وليس لأحدهما الذي هو الرجل دون المرأة.

 

4-كرامة المرأة:

لا تختص عملية التكريم التي منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان بخصوص الرجل دون المرأة، بل هي شاملة للمرأة أيضاً كشمولها للرجل، يقول عز من قائل:- (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهن من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) ، فإن العناوين التي تضمنتها الآية المباركة تشترك فيها المرأة مع الرجل، فهي مشمولة للتكريم، وليس التكريم مختصاً به، كما أنها ممن قد حمل في البر والبحر، وأيضاً هي من الذين رزقوا الطيبات، ومن الذين قد فضلوا على كثير من الخلق.

 

5-حمل الأمانة الإلهية:

وكما أن الرجل مشمول بحمل الأمانة الإلهية، فإن المرأة أيضاً مشمولة بذلك، يقول تعالى:- (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً) ، وقد عرفت في ما تقدم، شمولية مفهوم الإنسان للرجل والمرأة على حد سواء دونما اختصاص لأحدهما به دون الآخر.

 

6-المشاركة في الأجر والثواب:

لقد دلت جملة من الآيات الشريفة على المساواة بين الرجل والمرأة في الأجر والثواب، فكما أن الرجل يستحق ذلك على ما يعمله من عمل صالح، كذلك المرأة، قال سبحانه:- (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيـينه حياة طيبة) ، وقال تعالى:- (ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة) ، وقال عز من قائل:- (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) ، وأيضاً:- (والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً).

 

ويندرج في الدلالة على المطلوب أيضاً جميع الآيات القرآنية والتي جاءت بلسان الذين آمنوا، فإنها شاملة لها مثل قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) ، وقوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساء عسى أن يكن خيراً منهن).

 

العناية بالمرأة في القرآن الكريم:

ولم ينحصر اهتمام القرآن الكريم بالمرأة في خصوص التركيز على مساواتها للرجل في أمور عديدة، بل وجه الاهتمام إليها والعناية بها، وحفظ حقوقها في مجالات متعددة نشير لبعضها:

 

1-كرامتها وحقوقها المالية:

قال تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن). وقد ذكر دلالتها على أمرين:

أحدهما: إن المرأة ليست كبقية الأمور التي يتركها الميت، تنتقل لوارثه، بل هي إنسان له كيان واحترام وتقدير، وهذا يعني أن ما كان معمولاً به في الجاهلية ممنوع.

ثانيهما: ليس من حق الرجل أن يضيق على زوجته حتى تفتدي نفسها منه بدفعها ما أعطاها من صداق وهدايا وما شابه ذلك.

 

وعلى أي حال، فإن دلالة الآية الشريفة واضحة على حفظ كرامة المرأة ورعاية حقوقها المالية.

ومثل ذلك قوله تعالى:- (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً). لدلالتها على نهي الزوج أن يسترد شيئاً مما أعطاه لزوجته متى عزم على فراقها وطلاقها مما قد أعطاها إياه ولو كان ما أعطاه إياه كثيراً.

 

2-مراعاة الجوانب العاطفية:

عندما يكون للزوج أكثر من زوجة فليس من حقه أن يسئ لإحداهن بتفضيل الأخرى عليها علناً لما في ذلك من الإيذاء النفسي والعاطفي، قال تعالى:- (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) ، ومجرد كون تحكم الإنسان في مشاعره وعواطفه ليس بيده، لا يسوغ له ابراز ذلك خارجاً، بل عليه مراعاة مشاعر كلتا الزوجتين، وليس له أن يهمل إحداهن ويجعلها معلقة، لا هي زوجة، ولا مطلقة، بحيث لا يعاملها معاملة الزوجة فينفق عليها ويؤدي بقية حقوقها، أو هي مطلقة فتمضي إلى حال سبيلها.

 

3-مراعاة المكانة الاجتماعية:

فإن لكل إنسان موقعاً ومكانة في مجتمعه، لابد أن تراعى وتلحظ، وهذا ما أكده القرآن الكريم في تحديد سكن الزوجة بسكنى الزوج ما دام مناسباً لشأنها ومكانتها الاجتماعية عندما يطلقها، قال تعالى:- (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضارهن لتضيقوا عليهن).

 

4-استقلالها في تحديد مصيرها:

للمرأة القابلية على تحديد مصيرها في بعض الحالات، فليس لأحد أن يفرض عليها شيئاً ليست راضية به، ولا قانعة بفعله، ومن ذلك الاستمرار في زوجيتها مع الزوج، فلس له أن يعضلها ويمنعها من ممارسة حياتها بإجبارها على العيش معه دون رضاها، يقول سبحانه:- (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا). فقد كان معروفاً في الجاهلية أن الرجل يطلق زوجته وقبل انتهاء عدتها يراجعها من الإضرار بها ليمنعها الزواج من رجل غره ويجبرها على البقاء معه.

ومثل ذلك قوله تعالى:- (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف).

 

5-المنع من اتهامها دون دليل:

كما كفل الدين الإسلامي للرجل الحماية أن توجه له التهم دون دليل وبرهان، كذلك كفل ذلك للمرأة أيضاً، قال سبحانه:- (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً). .

وقال تعالى:- (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم).

 

6-رجاحة عقل المرأة:

وكما أن الرجل يملك القدرة والقابلية على التفكير فيشير على من حوله عندما يستشار بما فيه الخير والصلاح، كذلك المرأة تملك القدرة على ذلك، بحيث أنها لو استشيرت من قبل أي أحد، فإنه يمكنها أن تعطيه ما فيه صلاحه ونفعه وفائدته، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:- (قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) ، وقد أخذ نبي الله شعيب(ع) بمشورتها وطلب من نبي الله موسى(ع) البقاء معه والعمل عنده مقابل تزويجه ابنته.

وقال تعالى:- (فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما) ، لدلالتها على المشورة بين الزوجين، وأخذ الرجل بمشورة المرأة.

 

وهذا المعنى قد حكاه القرآن الكريم أيضاً عن بلقيس ملكة سبأ، عندما استشارت قومها في شأن نبي الله سليمان(ع)، ثم عرضت رأياً ولقي القبول منهم، قال سبحانه:- (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) ، وبسبب مشورتها هدي قومها فأسلمت وأسلموا معها، وهذا يكشف عن رجاحة في العقل وقوة في الإدراك والتفكير.

وكذا أيضاً في قصة نبي الله موسى(ع)، عندما عرضت آسيا(رض) على فرعون أن يبقيه ولا يقتله لعله يكون لهم ولداً، وقد قبل قولها وعمل على وفق مشورتها.

 

بل يمكن استفادة هذا المعنى أيضاً من خلال القاعدة العامة التي يعرضها القرآن الكريم، بأن المدار في الأخذ بكل قول حسن ورأي حسن، دون ملاحظة قائله رجلاً كان أم امرأة، يقول تعالى:- (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).

 

نساء في القرآن الكريم:

وكما عرض القرآن الكريم نماذج لرجال صالحين، وآخرين خسروا أنفسهم فخسروا الدنيا والآخرة، عرض أيضاً نساء كذلك، وهذا يدل على أن المرأة لا تختلف حالاً وشأناً عن الرجل، فكما أنه يمكن أن يصبح عبداً صالحاً كذلك يمكن أن يحيد عن الجادة القويمة، كذلك الحال بالنسبة إلى المرأة، فإنها قد تكون امرأة صالحة، وقد تحيد عن الجادة والطريق القويم.

 

نساء صالحات في القرآن الكريم:

فمن النساء الصالحات اللاتي عرضن في القرآن الكريم:

1-آسيا بنت مزاحم.

2-مريم الصالحة.

3-زوجة عمران.

4-بلقيس الحكيمة.

5-سارة بشارة الملائكة.

6-ابنة شعيب(ع).

7-أم نبي الله موسى(ع).

8-أخت نبي الله موسى(ع).

 

نساء طالحات في القرآن الكريم:

ومن النساء الغير صالحات اللاتي ذكرهن القرآن الكريم:

زوجتا نبيي الله نوح ولوط(ع).

 

ثم إنه بعد الفراغ من عرض الرؤية القرآنية للمرأة، نعمد لعرض ما تمسك به القائلون بذكورية الشريعة، وقد عرفت أنهما صنفان من الأدلة، آيات قرآنية، ونصوص معصومية.