29 مارس,2024

الإشكالات على آية المباهلة

اطبع المقالة اطبع المقالة

[align=center][/align]تقدم منا تقريب دلالة الآية الشريفة على إمامة أمير المؤمنين(ع)حيث عرضنا
وجهين في بيان ذلك،وقد وصل بنا المقام إلى الحديث حول الإشكالات التي تطرح
على دلالة الآية على المدعى،وكنا قد ابتدأنا بإشكال ذكره صاحب تفسير
المنار،من أن المصادر التي تعرضت لبيان سبب النـزول كلها مصادر شيعية،وقد تأثر
بها بعض علماء أهل السنة فنقلوه.
وقد أجبنا عن ذلك من خلال نقل أسماء الرواة الذين نصوا على أن المراد بآية
المباهلة هم خصوص أصحاب الكساء الخمسة المعروفين،ثم ذكرنا أسماء الراوة له
من كبار أئمة الحديث والتفسير،وختمنا بذكر بعض المصادر الحديثية التي نقلت
الحديث.
الإشكالات على دلالة الآية:
ومن الإشكالات على دلالتها على المدعى:ما ذكره الفخر الرازي،وهو إشكال لا
يتعلق بمسألة الإمامة،وإنما يشكك في كونها نازلة في أهل البيت(ع)وهو
بالتالي يمنع عن دلالتها على الإمامة،بطريق آخر،بل يمكن القول بأنه يمنع عن
دلالتها على الإمامة لتشكيكه في أن المراد من النفس هو علي(ع)،وكيف كان فحاصل
إشكاله:
كيف يمكن أن نعتبر أن القصد من(أبناءنا)هو الحسن والحسين(ع)مع أن أبناء
جمع ولا تطلق على الإثنين؟…
وكذلك(نساءنا)جمع،فكيف تطلق على سيدة الإسلام فاطمة عليها السلام
وحدها؟…وإذا كان القصد من(أنفسنا)علياً(ع)وحده فلماذا جاء بصيغة الجمع؟…
الجواب:تقدم منا في بيان تفسير الآية الإجابة على هذا الإشكال،ولكن
تأكيداً لعدم وروده نجيب عنه:
إن إطلاق صيغة الجمع على المفرد أو المثنى في القرآن الكريم ليس أمراً
جديداً فهو كثير الورود في القرآن،وفي غيره أيضاً من الأدب العربي،بل حتى غير
العربي أيضاً،فمن ذلك مثلاً أنه إذا وضع قانون،أو أعدت اتفاقية،فإنه
تستعمل صيغة الجمع على وجه العموم،فيقال في الاتفاقية مثلاً:إن المسؤولين عن
تنفيذها هم الموقعون عليها وأبناؤهم،في الوقت الذي يمكن أن يكون لأحد
الأطراف ولد واحد أو اثنين،فلا يكون أي تعارض مع تنظيم الاتفاقية بصيغة
الجمع،وذلك لأن هناك مرحلتين،مرحلة الاتفاق،ومرحلة التنفيذ،ففي المرحلة الأولى قد
تأتي الألفاظ بصيغة الجمع لكي تنطبق على جميع الحالات،لكن في مرحلة
التنفيذ قد تنحصر الحالة في فرد واحد،وهذا لا يتنافى مع عمومية المسألة.
وتطبيق هذا على موردنا أن يقال:كان على رسول الله(ص)بموجب اتفاقه مع مسيحي
نجران،أن يدعو للمباهلة جميع أبنائه وخاصة نسائه وجميع من كانوا بمثابة
نفسه،إلا أن مصداق الاتفاق لم ينطبق إلا على ابنين وامرأة ورجل.
هذا ويوجد في القرآن الكريم مواضع متعددة ترد فيها العبارة بصيغة
الجمع،إلا أن مصداقها لا ينطبق إلا على فرد واحد،مثلاً نقرأ قوله تعالى:- (الذين
قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) ،إذ أن المقصود من(الناس)في
الآية هو نعيم بن مسعود،حسب قول فريق من المفسرين،لأن هذا كان قد أخذ
أموالاً من أبي سفيان في مقابل إخافة المسلمين من قوة المشركين.
ونقرأ أيضاً قوله تعالى:- (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير
ونحن أغنياء) ،فهنا المقصود بـ(الذين)في الآية على رأي كثير من المفسرين هو
حي بن أخطب،أو فنحاص.
هذا وقد يكون إطلاق الجمع على المفرد من باب التكريم،كما جاء عن إبراهيم
في قوله تعالى:- (إن إبراهيم كان أمة قانتاً) ،حيث أطلقت كلمة(أمة)وهي اسم
جمع على مفرد.
ثم لعل قصد المتكلم في التعبير عن البنت بالنساء يعود للاحتشام من التصريح
بابنـته.
ومنها:إن إحضار رسول الله(ص)من أحضرهم إنما كان على سبيل الأنموذج،لأن
جميع الأمة-من غير اختصاص بأحد-تعتقد بأن الله واحد لا شريك له،وأن عيسى بن
مريم(ع)عبده ورسوله،في مقابل النصارى الذين لا يعتقدون خلاف ذلك،فكانت
المقابلة بين دعويـين بلا فرق بين رجال كل طرف وأبنائهم ونسائهم فإن الجميع في
ذلك سواء،فلا يكون لمن أحضره الرسول(ص)فضل على غيره.
وجوابه:أولا:إن الأمر لو كان كذلك لكان في إحضار رجل واحد أو امرأة
واحدة،وغيرهما الكفاية،ولم يحتج إلى إحضار رجل وامرأة وابنين،إلا أن فيهم سراً
إلهياً لم يكن في غيرهم،ولذلك أحضرهم،وهذا يكشف عن ثبوت فضل لهم.
ثانياً:إن الدعوة في عيسى بن مريم كانت قائمة بالرسول الكريم محمد(ص)كما
يستفاد من الآيات السابقة،وأما سائر الأمة الذين اتبعوه فلم يكن للنصارى
الذين وفدوا على رسول الله(ص)بهم ارتباط ونسبة،فيكون إتيان رسول الله(ص)لأهل
بيته ليس إلا أنهم كانوا مشتركين معه في الدعوة والدعاء..
وهذا يعني أن الآية تدل على أن مع رسول الله(ص)شركاء في الدعوة والدعاء
والصدق،وهذا يثبت أفضلية وشيئاً إضافياً لمن حضر على غيرهم.
ومنها:إن عمدة ما تدل عليه الآية الشريفة أن رسول الله(ص)أحضر أهل بيته
لكونه واثقاً بالسلامة والعافية واستجابة دعائه،فلا دلالة لها على أنهم
كانوا شركاء في الدعوة،كما لا دلالة فيها على أنهم أفضل من غيرهم.
والجواب:إن الآية الشريفة بمجموعها تدل على أن كل طرف من طرفي الدعوة في
المباهلة شركاء في الدعوة،وهي إما صادقة أو كاذبة،ويؤكد هذا المعنى بشكل
أوضح طلب النبي(ص)من أهل بيته التأمين على دعائه.
ومنها:إن التسليم بكونهم شركاء مع رسول الله(ص)في الدعوة يستلزم أن يكونوا
شركاء معه في النبوة،لأن الدعوة التي كانت مختصة به،إنما كانت لأن الله
أوحى إليه.
وجوابه:بأنه لا يوجد ملازمة بين كونهم شركاء معه في الدعوة ولزوم كونهم
أنبياء،إذ أن الدعوة أمر آخر غير النبوة،بل هي من شؤونها ولوازمها.
ومنها:إن الآية الشريفة تأمر الرسول(ص)أن يدعو المحاجين والمجادلين في
عيسى من أهل الكتاب إلى الاجتماع رجالاً ونساءاً وأطفالاً،ويـبتهلوا إلى الله
تعالى بأن يلعن الكاذب،ولا تدل الآية الشريفة على اجتماع الفريقين في مكان
واحد،بحيث يشتمل على النساء والأولاد والأنفس،مع أن الآية المباركة نزلت
في النصارى ولم يكن معهم نساؤهم ولا أولادهم.
والجواب:بأن ما ذكر خلاف ظاهر الآية الشريفة،فإنها تدل على دعوة رسول
الله(ص)إلى اجتماع المتخاصمين والمجادلين من الفريقين إلى المباهلة مع الأولاد
والنساء والأنفس،فكأنه قد جمع أهل بيته مع وفد النصارى الموجودين حين
الابتهال،وأما أن النصارى لم يكن معهم الأولاد والنساء فهذا مطلب آخر.
وقد عرفت في تفسير الآية أن المفهوم شيء والمصداق شيء آخر،ونـتيجة الخلط
بين الأمرين تولد هذا الإشكال.
ومنها:إن عمدة التمسك بدلالة الآية يعود لكلمة(أنفسنا)وهذا لا يجدي
المستدل شيئاً،وذلك لأن المراد من النفس في الآية من يتصل بالقرابة
والقومية،ويشهد لذلك قوله تعالى:- (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) ،وقوله تعالى:-
(ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) ،وقوله تعالى:- (هؤلاء تقتلون أنفسكم) .
والجواب:إن إطلاق النفس باعتبار رابطة القرابة والقومية صحيح،لكن هذا
الاستعمال في الآية الشريفة بعيد،فإن جعل الأنفس مقابل الأقرباء مثل النساء
والأبناء،لا يراد منها إلا المعنى الحقيقي الواقعي،والإدعائي
التنـزيلي،ونظير ذلك في القرآن كثير،قال تعالى:- (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم
القيامة) ،وقوله تعالى:- (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) .
ومنها:إن المراد من النفس في الآية هو القريب،وقد عبر عن علي(ع)بالنفس لما
كان له(ع)اتصال بالنبي(ص)في النسب والمصاهرة واتحاد في الدين.
وجوابه:إن التنظير لو كان في القرابة فقط،لما كان في علي(ع)خصوصية تقدمه
على غيره،فإن العباس عم الرسول وأولاده وبني هاشم كانوا من قرابته(ص)ومن
المسلمين والمهاجرين،فاختيار علي بالخصوص يكشف عن خصوصية لعلي(ع)وهي ما تقدم
دلالة الآية الشريفة عليها.
ومنها:إنه لو كانت الآية الشريفة دالة على المساواة بين علي(ع)وبين
النبي(ص)لزم كون علي(ع)نبياً،وأنه أفضل من الأنبياء والمرسلين(ع).
والجواب:بمنع الملازمة بين المساواة بين علي والنبي،وأنه نفس رسول
الله(ص)وبين مشاركته في النبوة،وقد تقدم الجواب عن مثل هذا فيما مضى من أجوبة
فلاحظ.
وأما أفضلية أمير المؤمنين(ع)على الأنبياء والمرسلين فهي ثابتة وتستفاد من
عدة أدلة،كقوله تعالى:- (إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا
ينال عهدي الظالمين) ،وغير ذلك من الأدلة.
هذه هي الشبه التي ذكرها ابن تيمية في كتابه منهاج السنة وذكرها غيره من
أبناء العامة أيضاً،لمنع دلالة الآية الشريفة على أفضلية أمير
المؤمنين(ع)على غيره وبالتالي ثبوت إمامته،وقد عرفت أنه لم ينهض إشكال منها،فالصحيح هو
ما عليه الشيعة الإمامية من تمامية دلالة الآية على إمامة أمير
المؤمنين(ع).