19 مارس,2024

تأملات في الخطبة الشعبانية (2) - شهر الله

اطبع المقالة اطبع المقالة

تأملات في الخطبة الشعبانية (2) – شهر الله

روى الشيخ الصدوق(ره)عن الإمام الرضا(ع) عن آبائه(ع) عن أمير المؤمنين(ع) قال: إن رسول الله(ص) خطبنا ذات يوم، فقال: أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات[1].

بعدما تحدثنا حول الخطاب الموجه من النبي(ص) للناس، وعرفنا أن المقصود منه المجتمع البشري جميعاً، وأنه ليس خاصاً بالمجتمع الإسلامي، وهو بهذا يوجه دعوة للمجتمع البشري بلزوم مراعاة حرمة هذا الشهر الشريف، يقع حديثنا في توصيفه(ص) لشهر رمضان المبارك بأنه شهر الله.

أسماء شهر رمضان:

قبل الحديث عن هذا الوصف الصادر منه(ص)، نشير إلى أن المستفاد من النصوص الشريفة أن لشهر رمضان المبارك مجموعة من الأسماء، فقد سمي بشهر الله، وشهر الله الأكبر، وشهر ضيافة الله، وشهر نزول القرآن، وشهر تلاوة القرآن، وشهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام، وشهر العتق، وشهر الصبر، وشهر المواساة، وشهر البركة، وشهر المغفرة، وشهر الرحمة، وشهر التوبة، وشهر الإبانة، وشهر الاستغفار، وشهر الدعاء، وشهر الطاعة، وشهر العبادة وغير ذلك من الأسماء.

والمتحصل من خلال هذه الأسماء التي ذكرناها، والتي لم نذكرها هو الإشارة إلى عظمة هذا الشهر الشريف، وما له من دور فعال وعظيم على العنصر البشري.

شهر الله:

ومع تعدد الأسماء لهذا الشهر المبارك، إلا أننا نجد أن النبي محمد(ص) يخص من بين تلك الأسماء تسميته بـ(شهر الله)، ولم تنحصر تسميته بهذا الاسم في خصوص هذه الرواية، بل هناك نصوص أخرى تضمنت الإشارة إلى ذلك أيضاً، فقد روى أبو عبد الله الصادق(ع) عن رسول الله(ص) أنه قال: شعبان شهري، وشهر رمضان شهر الله[2].

وعن عائشة أنها قالت: قال رسول الله(ص): شهر رمضان شهر الله، وشهر شعبان شهري، شعبان المطهر، ورمضان المكفر[3].

وعن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: قال رسول الله(ص): شهر رمضان شهر الله، وهو ربيع الفقراء[4].

وعن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: شهر رمضان شهر الله، وشعبان شهر رسول الله(ص)، ورجب شهري[5].

ولا يخفى على أحد أن جميع ما يوجد في صفحة الوجود منسوب لله سبحانه وتعالى، وهذا يعني أنه لا معنى لتخصيص موجود دون آخر بنسبته لله عز وجل دون البقية، فلماذا إذن خص رسول الله(ص)، وكذا الإمامان أمير المؤمنين(ع)، وحفيده الإمام الصادق(ع) هذا الشهر المبارك دون بقية الشهور بنسبته لله سبحانه وتعالى؟…

في مقام بيان الموجب لهذه الإضافة، يمكن ذكر وجهين:

الأول: أن يكون الموجب لذلك هو الإشارة لمزيد من الاختصاص والعناية بالمضاف إلى المضاف إليه، بمعنى أن لشهر رمضان عناية خاصة عند الباري سبحانه وتعالى، ولأجل ذلك أضافه إليه، ومثل هذا يقولنه في قوله تعالى:- (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي)، حيث أن إضافة العباد إليه سبحانه وتعالى مع أن الجميع مخلوقون له، إشارة إلى مزيد الاختصاص والعناية بهم عنده سبحانه، وهذا مثل ما ورد في شأن بعض الأنبياء وتوصيفهم ببعض الصفات المشتركة بينهم وبين بقية الأنبياء، مثلاً وصف آدم(ع) بأنه صفوة الله، ووصف نوح(ع) بأنه نبي الله.

وقد يدل على هذا المعنى، الحديث القدسي المشهور والمعروف بين الفريقين، وهو: إن الصوم لي وأنا أجزي عليه.

الثاني: أن يكون الموجب للإضافة هو كون رمضان اسماً من أسماء الله سبحانه وتعالى، وذلك لما روي عن الإمام أبي جعفر الباقر(ع) أنه قال: لا تقولوا: هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، وهو عز وجل لا يجئ ولا يذهب، وإنما يجئ ويذهب الزائل، ولكن قولوا: شهر رمضان.

إلا أن هذا الوجه لا يمكن القبول به، وذلك:

أولاً: إن جملة من النصوص المذكورة والتي تضمنت النص على أن رمضان اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، ضعيفة من الناحية السندية، وهذا مانع من الاستناد إليها.

ثانياً: إن النصوص التي تعرضت لتعداد أسمائه سبحانه وتعالى، قد خلت من الإشارة إلى هذا الاسم على أنه من أسمائه، وقد ثبت في محله أن أسمائه سبحانه وتعالى توقيفية، فلا مجال للزيادة فيها.

ثالثاً: إن المتابع للنصوص الصادرة عن النبي محمد(ص)، وأهل بيته الطاهرين(ع) يجد أنهم(ع) قد عبروا عن الشهر الشريف باسمه مجرداً، فقال: رمضان، دون أن تصدّر كلماتهم بكلمة: شهر.

——————————————————————————–

[1] فضائل الأشهر الثلاثة ص 61، أمالي الصدوق ص 149، عيون أخبار الرضا ج1، الإقبال ص 26، بحار الأنوار ج 96 ص 356.

[2] أمالي الصدوق ص 71.

[3] كنـز العمال ج 8 ص 466.

[4] فضائل الأشهر الثلاثة.

[5] مصباح المتهجد ص 797.