16 أبريل,2024

الإنسان ومسؤوليته في مجتمعه

اطبع المقالة اطبع المقالة

هناك طائفة من الآيات الشريفة تسند مسؤولية الأعمال السيئة إلى الأفراد جميعاً، مع أن الفاعل لفعل المعصية واحد أو اثنان، والمهم أنه ليس الجميع، وخير شاهد على ما نقول قضية عقر ناقة نبي الله صالح(ع)، حيث أن القائم بعملية العقر هو خصوص قدار بن قديرة، مع أن الله تعالى قد نسب الجرم والمسؤولية للجميع، قال تعالى:- (فكذبوه فعقرها) .

ولأجل هذا عمهم العذاب جميعاً، قال سبحانه:- (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها).

ومن الواضح أن منشأ شمول العقاب لهم مع ما عرفت من أن المنفذ لتلك العملية هو شخص واحد، ربما أعانه بعض الأفراد، يعود لرضاهم بالعمل الذي قام به قدّار.

وفي مقابل هذا النوع من الآيات الشريفة، نجد نموذجاً آخر من الآيات يشير إلى أن كل فرد مسؤول عن خصوص ما يصدر منه من عمل، فلا علاقة له بأعمال الآخرين، قال تعالى:- (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً)، وقال أيضاً:- (كل نفس بما كسبت رهينة).

بل نجد تصريحاً أبعد من هذا المضمون، حينما يشير عز من قائل، إلى أنه لا ينبغي أن يحاسب الفرد بجرم لم يقم به، قال تعالى:- (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، فالإنسان عليه وزر ما فعل ويتحمل كامل المسؤولية في ذلك، فما معنى تحمله وزر فعل غيره.

ومن الواضح أن ما قد يتصور من وجود تنافٍ بين هذين النموذجين من الآيات المباركة، في غير محله، إذ أن الآيات من النموذج الأول، تشير إلى اشتراك الأفراد مع الفاعل في عمله، ذلك لأنهم قد رضوا بما فعل من وما قام به من عمل.

ولا يخفى على أحد أن هذا يعدُّ نوع تشجيع للفرد على الإقدام على عمله الذي فعله مرة أخرى، لأنه قد وجد من يرضى بفعله ولم ينكر عليه عمله.

ومن الطبيعي أن تتوجه المسؤولية إليه في ذلك، فإن أي موقف يتخذه صاحبه اتجاه أي أمر آخر إن لم يكن فيه إدانة وإنكار فيما إذا كان الفعل الصادر عملاً إجرامياً فهو شريك مع فاعله، فكما يقول أمير المؤمنين(ع):إنما يجمع الناس الرضا والسخط.

وربما يكون عليه الوزر مثل ما على إشاعة الفساد والبغي، وباعث على إيجاد أجواء مهيأة لتقبل كل ما هو منكر، فيكون الذنب حينئذٍ ذنب المجتمع بأسره، وبالتالي يستحقون الذل والهوان، فمصيرهم أشبه بما تسنه هذه القاعدة: إن من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

مسؤولية الفرد تجاه مجتمعه:

وهذا يعني أن هناك مسؤولية ملقاة على الفرد لمحاربة مثل هذه القضايا التي تنتشر في مجتمعه من خلال ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال مراحله التي ذكرها فقهاؤنا الأعلام في كتبهم الفقهية.

ولا ينبغي أن نبقى نعيش حالة من الإتكالية بإلقاء هذه المسؤولية من قبلِ كل واحد منا على الفرد الآخر، فإن ذلك لن يخرجنا عن دائرتها، ولن يرفعها عنا، بل هي باقية في أعناقنا، ما دام لم يقم بأدائها أحد.

والأنكى من ذلك أن نعيش حالة اللامبالاة، وهي الأصعب، فكلٌ لا يهمه أن حلقت لحية جاره، وهو لا يعلم أن الموسى ستصل إلى لحيته اليوم أو غداً.

فيعتقد البعض أن الدمار والانحراف ما دام مختصاً بأفرادٍ بعيدين عنه، فلا علاقة له بذلك، ولذا يعيش حياة اللامبالاة.

وكأنه قد ضن أن أفراد أسرته يعيشون في مجتمعٍ معزولين عن هؤلاء الأفراد، بحيث لا تكون لهم بهم خلطة من قريب أو بعيد.

الإنكار بالقلب:

ولذا متى تمت ممارسة المسؤولية الدينية من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم تجدِ، فلابد من اللجوء إلى استخدام أضعف الإيمان، وهو الإنكار بالقلب.

وكثيرون هم الذين يعتقدون أن الإنكار بالقلب، يقتصر على أن يرفض الإنسان ذلك داخل قلبه، ويغفلون عن معرفة حقيقته.

إن الإنكار بالقلب لا يقتصر على خصوص ذلك، بل الإنكار بالقلب يعني، أن يأتي الإنسان بعمل يظهر انـزعاجه وكراهته للمعصية، وذلك بمثل الإعراض عنه، وترك الكلام معه، وعدم مصافحته والسلام عليه، ونحو ذلك من الأمور التي تدل على كراهة ما وقع منه.

المقاطعة والهجران:

ومن تلك الأمور التي تحقق الإنكار بالقلب أيضاً، المقاطعة والهجران، فإنها من الوسائل التي يمكن استخدامها في الردع عن المنكر، فيجوز حينها ترك رد السلام عليه إذا كان مشجعاً له على الاستمرار، أو معطلاً لفرصة التأثير.

كما يجوز ترك صلة الأرحام مع إبقائها من حيث المبدأ، بأمور هامشية تضر بفاعلية المقاطعة من الجهات الحيوية.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لأداء واجبنا، من خلال قيام كل منا بمسؤوليته الملاقاة على عاتقه تجاه مجتمعه، آمين رب العالمين.