25 أبريل,2024

طاعة الوالدين(3)

اطبع المقالة اطبع المقالة

النصوص الشريفة:

لم أجد في ما تأملت من النصوص وتتبعت[1] ما يدل على وجوب طاعتهما، ولعل القارئ يظفر بما لم أظفر به، نعم هناك نص نقله شيخنا الكليني(ره) في أصول كافيه، يدل على ذلك، وهو ما رواه محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إن رجلاً أتى النبي(ص) فقال: يا رسول الله، أوصني، فقال: لا تشرك بالله شيئاً وإن حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالإيمان، ووالديك فأطعهما وبرهما حيـين كانا أو ميـتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل، فإن ذلك من الإيمان[2]. فقد تضمن الأمر بلزوم طاعتهما، فلاحظ قوله(ص): ووالديك فأطعهما، وقد قرر في الأصول أن الأمر ظاهر في الوجوب، فيثبت المطلوب.

وقد يمنع من الاستناد إليه وجود خالد بن نافع البجلي فيه، فإنه وإن استفيد من ذكر شيخ الطائفة إياه في الرجال أنه من الأمامية، إلا أنه مجهول الحال. نعم استظهر القهبائي اتحاد من ذكره الشيخ(ره) مع من ذكره النجاشي، ولو تم ما ذكر للزم الحكم بوثاقته، لنص النجاشي على وثاقة من ذكره، فلاحظ.

كما أن راويها المباشر، مشترك بين غير واحد، ومع البناء على ما ذكره بعض الأعاظم(ره) من أن المقصود به الذهلي، فالظاهر أن طريق توثيقه منحصر بوقوعه في أسانيد كتاب كامل الزيارات، ومع عدم البناء على تمامية هذه الكبرى، فسوف تكون النتيجة عدم وجود توثيق له، وبالتالي يحكم بضعف الرواية كما لا يخفى.

هذا ومضافاً إلى ما فيه من مشكلة سندية، قد يمنع من الاستناد إليه منافاته لكثير من أحاديث التقية، فإن التعبير الوارد فيه بقوله(ص): لا تشرك بالله شيئاً وإن حرقت بالنار وعذبت، ينافي ذلك. وهذا يوجب رفع اليد عنه لكونه مشتملاً على ما لا يمكن الالتـزام به، فتدبر.

على أنه يمكن أن يدعى أن ظهوره في الحكم الأخلاقي أوضح من ظهوره في الحكم الشرعي. أو يلتـزم بأنه ناظر إلى حرمة العقوق وليس ناظراً إلى وجوب الطاعة، بحيث يكون المستفاد منه عدم العمد إلى إيذائهما، بترك ما ينهيان عنه، فلا يكون دالاً على وجوب الطاعة، وإنما يدل على حرمة العقوق، فتأمل.

وأما بقية النصوص فلا يستفاد منها أكثر من لزوم الإحسان إليهما، والدعوة إلى برهما، بحسن المعاشرة والمعاملة بالمعروف والمصاحبة بالحسنى، فلاحظ صحيح أبي ولاد الحناط المتقدم، عند الحديث عن بيان المقصود من الإحسان. ؟ قال: الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله عز وجل[3].

وعن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله(ع): ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيـين وميتين، يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله عز وجل ببره وصلته خيراً كثيراً[4].

وقد تضمنت النصوص عرضاً للآثار المترتبة على بر الوالدين، فقد ورد أن النظرة الرحيمة من الولد البار إلى أبويه تعدل حجة مبرورة، فعن رسول الله(ص) أنه قال: ما من ولد بار نظر إلى أبويه برحمة إلا كان له بكل نظرة حجة مبرورة. فقالوا: يا رسول الله وإن نظر في كل يوم مائة نظرة. قال(ص): نعم، الله أكبر وأطيب[5].

وجاء في بعضها أن رضى الوالدين أحد الأسباب الموجبة لتحقق الرضى الإلهي، فقد ورد عن رسول الله(ص) أنه قال: رضى الله مع رضى الوالدين، وسخط الله مع سخط الوالدين[6].

كما تضمنت النصوص أن البار قريب من درجة الأنبياء في الجنة، بحيث لا يفصل بينه وبينهم إلا درجة واحدة، قال(ص): بين الأنبياء والبار درجة، وبين العاق والفراعنة دركة[7].
وفي بعض النصوص أن هناك ملكين لا وظيفة لهما إلا الدعاء للبارين بالوالدين، فعن رسول الله(ص) إن لله ملكين يناجي أحدهما الآخر، ويقول: اللهم احفظ البارين بعصمتك، والآخر يقول: اللهم أهلك العاقين بغضبك[8].

كما أنه أحد الأسباب الرئيسة في طول العمل، وزيادة المال وكثرة الجاه والثروة، وبكل ذلك جاءت النصوص الشريفة، فلاحظ.

[1] من الطبيعي جداً أن الاستقراء ناقص وليس تاماً، فإن ما قمت به من الفحص لا يعدوا ما وقع تحت يدي من المصادر، فلاحظ.
[2] أصول الكافي ج 2 ح 2 ص 158.
[3] أصول الكافي ج 2 ح 4 من باب بر الوالدين.
[4] المصدر السابق ح 7.
[5] بحار الأنوار ج ص
[6] المصدر السابق
[7] مستدرك الوسائل ج ص ح
[8] المصدر السابق