29 مارس,2024

من يجب أمره ونهيه

اطبع المقالة اطبع المقالة

س:ما هي الأمور التي لابد من أن تتوفر في التارك للمعروف والفاعل للمنكر لكي يجب أمره ونهيه؟…

ج:الأمور التي لابد من توفرها هي:

1-العلم بأن ما تركه من المعروف وأن ما فعله من المنكر،فلو كان جاهلاً بالحكم وجاهلاً بالموضوع سقط وجوب أمره ونهيه،إلا إذا كان ما يريد الإقدام عليه من الأمور التي لا يرضى الله سبحانه بوقوعها مطلقاً،كالإفساد في الأرض وقتل النفس المحترمة،فإنه يجب ردعه عنها حينئذٍ،ولو كان معذوراً فيها.

س:المكلف المقصر في ترك التعلم،هل يعدّ تاركاً للمعروف فيجب أمره؟…

ج:إذا كان المكلف مقصراً في ترك التعلم،عدّ تاركاً للمعروف ووجب أمره بالتعلم.

2-أن لا يكون معذوراً في فعل المنكر وترك الواجب،وذلك كما في حالات الضرورة،أو في حالات الاعتقاد بأن ما يفعله ليس حراماً وما يتركه ليس واجباً،لكون ذلك رأي مرجعه الذي يقلده.

ومع العلم بكون المكلف معذوراً في ذلك يسقط وجوب الأمر والنهي،إلا أن يكون ما يريد الإقدام عليه من الأمور التي لا يرضى الله بوقوعها مطلقاً،ولو من الجاهل والغافل،كالإفساد في الأرض وقتل النفس المحترمة،فإنه يجب ردعه عنها حينئذٍ ولو كان معذوراً فيها غير مأثوم عليها.

س:ما هو وظيفة الآمر والناهي تجاه فاعل المنكر؟…

ج:يجب على الآمر والناهي الجري على ما هو ظاهر حال فاعل المنكر وتارك المعروف وأمره ونهيه حتى يتبين له كونه معذوراً بالمخالفة،فلا يكفي ولا يعتد بظن أو احتمال كونه معذوراً فيها،وإذا أمكن أن يسأله كان ذلك أولى.

3-يشترط بعض الفقهاء في وجوب الأمر والنهي أن يكون العاصي متلبساً بالمعصية فعلاً،أو ممن علم إصراره عليها،وصدورها منه مراراً،وقال آخرون بكفاية إحراز عزم الفاعل على ترك المعروف أو فعل المنكر للمرة الأولى أو عزمه على تكرر ذلك منه في وجوب أمره أو نهيه،من دون ضرورة بكونه يمارس المعصية فعلاً،أو لكونه قد ظهر منه الإصرار على الاستمرار فيها بعد ممارستها،فحيث يكون توجيه الأمر والنهي إليه مقبولاً عند العقلاء يصير واجباً ولو لم يكن متلبساً بالمخالفة فعلاً أو مصراً على الاستمرار فيها بعد التلبس بها.

س:إذا فعل المكلف المعصية،لكنه قد ظهر منه الارتداع عنها،وعدم الرغبة في تكرارها،هل يبقى وجوب أمره ونهيه؟…

ج:إذا فعل الشخص معصية،ثم ظهر منه الارتداع عنها وعدم الرغبة في تكرارها لم يجب أمره ونهيه حينئذٍ،بل يكفي احتمال ارتداعه عنها في سقوط الوجوب.

س:من فعل معصية،وظهر منه الارتداع عنها،لكنه تهاون في التوبة،هل يجب أمره ونهيه؟…

ج:نعم،إذا تهاون في التوبة وجب أمره بها.

4-احتمال تأثير الأمر والنهي بالفاعل،والمراد به التأثير ولو كان ذلك في المستقبل،أو بانضمامه إلى الأوامر أو النواهي الصادرة من الآخرين،أو بكونه سبباً في إثارة التفكير لديه مما قد يؤدي إلى تأثره العملي به أو نحو ذلك.

وليس المراد التأثير الغيري،بل هو في مقابل القطع بأن الشخص الفاعل لا يبالي بالأمر والنهي ولا يتأثر بهما.

ولابد من التدقيق في ذلك لأن بعض الناس ربما يستعجلون بالقطع بالسلب انطلاقاً من حالة نفسية لا شعورية في حب الراحة والبعد عن المسؤولية.

فإذا قطع بعدم تأثير الأمر أو النهي بهذا الفاعل وعدم اهتمامه بالطاعة وإصراره على الاستمرار في المعصية،لم يجب أمره أو نهيه.

هذا ولابد من دراسة واقع العاصي وظروفه وابتداع الوسائل التي تؤثر فيه،واختيار الشخص والزمان والمكان بالنحو الذي يكفل التأثير فيه.

ولا يخفى أن التأثير يختلف شدة وضعفاً باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة،فقد يتأثر الشاب بكلام من هو في سنه أكثر من تأثره بكلام أبيه أو الأكبر منه سناً أو العالم الديني.

وقد يكون التأثير في سهرة جماعية أكثر منه في خطاب انفرادي،أو يكون التأثير في شهر رمضان أو مجالس عاشوراء،أو في نزهة برية أو بواسطة فيلم أو مسرحية أو إذاعة،أو غير ذلك.

وحينئذٍ فلابد من اختيار ما نعلم تأثيره في العاصي من فنون القول وأساليبه وأزمنته وأمكنته وأشخاصه.

هذا ولا يجوز استعمال أية لهجة عنيفة في القول إذا أمكن تحقيق النتائج الإيجابية بالأقل منها.

س:إذا سقط وجوب الأمر والنهي،فهل يعني ذلك عدم جوازهما؟…

ج:ليس الأمر كذلك،بل يجوز الأمر والنهي من باب التذكير بالله سبحانه بأسلوب هادئ ولطيف وموعظة حسنة.

نعم لو كان في ذلك إهانة وإيذاء للمأمور أو المنهي فإنه يحكم حينئذٍٍ بالحرمة.

مراتب الأمر والنهي:

س:كيف يمكن للمكلف أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟…

ج:يمكن للمكلف القيام بذلك من خلال أساليب ثلاثة:

الأول:الإنكار بالقلب:وهو أن يأتي بعمل يظهر به انـزعاجه وكراهته للمعصية،وذلك بمثل الإعراض عنه،وترك الكلام معه،وعدم مصافحته والسلام عليه ونحو ذلك من الأمور التي تدل على كراهة ما وقع منه.

س:هل تعدّ المقاطعة والهجران من وسائل الأمر والنهي؟…

ج:نعم،تعدان كذلك،فيمكن استخدامهما في الردع عن المنكر،وحينئذٍ يجوز المضي فيهما حتى لو استلزما ترك الواجب في بعض الأحيان،ونوضح ذلك أكثر من خلال الأمثلة التالية:

1-إذا كان رد السلام على العاصي مشجعاً له على الاستمرار في المعصية،أو معطلاً لفرصة التأثير،فيجوز في حال المقاطعة ترك رد السلام عليه،وإلا لم يجز ذلك.

2-يجوز ترك صلة الأرحام مع إبقاء الصلة من حيث المبدأ،بأمور هامشية لا تضر بفاعلية المقاطعة.

3-يجوز للزوجة أن تمنع نفسها جنسياً عن زوجها العاصي إذا كان المنكر الذي يمارسه والمعروف الذي يتركه من الأهمية بحيث يترك تأثيراً سلبياً كثيراً على واقع الشخص،أو المجتمع وكان الامتناع من قبلها من الأساليب المؤثرة في التـزامه بالمعروف وتركه للمنكر.

س:هل هناك قاعدة تحكم هذه الإستـثـناءات؟…

ج:القاعدة التي تحكم هذه الإستـثـناءات،أنه كلما كان المنكر الذي يمارس أو المعروف الذي يترك أهم وأكبر في سلبياته ومفسدته،وتوقف دفعه على ارتكاب ما هو دونه في الأهمية،جاز دفع الأعظم مفسدة بالأقل مفسدة،تطبيقاً لقاعدة التـزاحم.

نعم لما كان المكلف غير قادر على تشخيص مراتب الأهمية في كثير من الموارد،فلا غنى له عن الرجوع إلى الفقيه.

الثاني:الإنكار باللسان:وهو الأمر والنهي بالكلمة بالنحو المناسب والمؤثر.

س:هل يشترط في الإنكار باللسان،أن يكون الخطاب موجهاً بصيغة الأمر والنهي؟…

ج:لا يشترط ذلك،إلا أن يكون هو الأسلوب الأنجع في التأثير،فيصح الخطاب بصيغة البيان والتوضيح وشرح الأهداف،وبصيغة الموعظة والتخويف من العقاب والترغيب في الثواب.

الثالث الإنكار باليد:والمراد به إيذاؤه وإيلامه بالضرب الذي تستخدم فيه اليد عادة.

س:هل يلجأ لليد مباشرة؟…

ج:لابد من ملاحظة أمور ليلجأ إلى الضرب:

1-أنه لا يلجأ إلى ذلك إلا بعد فشل سائر الأساليب،أو العلم بعدم تأثيرها ولو لم يستخدمها.

2-إن الحد الأعلى للضرب ما دون الكسر والجرح،فإن توقف الردع على الكسر أو الجرح أو القتل وجب كونه بإذن الإمام المعصوم(ع)أو نائبه الخاص.

س:هل يمكن أن يقال بشموله للنائب العام،فينطبق ذلك على الفقهاء أيضاً؟…

ج:قال بعض العلماء بشموله لهم أيضاً،وقال آخرون بأنه يختص بخصوص المعصوم(ع)أو نائبه الخاص،فلا يشمل النائب العام.

3-يجب الترتب في مراتب الضرب من أدناها خفة إلى أقصاها شدة،وهذا معناه ضرورة تشخيص الحالة ودراساتها بجوانبها المختلفة وتحصيل الاطمئنان بمناسبة هذه المرتبة من الضرب لهذا النوع من المنكر،أو لخصوص فاعل معين للمنكر،أو لخصوص زمان معين أو مكان.

أحكام الأمر والنهي:

س:هل يجب الترتيب بين مراتب الأمر والنهي الثلاث؟…

ج:لا يجب الترتيب بين الإنكار بالقلب وبين باللسان،بل يختار الآمر أو الناهي ما يحتمل التأثير منهما،أما الإنكار باليد فلا يجوز اللجوء إليه إلا بعد استنفاد جميع الوسائل الأخرى كما بيناه فيما مضى.

س:ما هو المعيار في جميع هذه المراتب؟…

ج:المعيار في جميع هذه المراتب،هو حث العاصي على التوبة والطاعة بأقل قدر من الإهانة والإيذاء،لأن الأصل هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.

س:هل تبتني على علاقة الأبوة أو الزوجية حقوقاً استثنائية للأب أو الزوج في الآمر والنهي على الطرف الآخر؟…

ج:لا،لا يترتب ذلك،بل هم محكمون في الأمر والنهي مع من يتعلق بهم بنفس الأحكام العامة للأمر والنهي من دون خصوصية لهم فيها،عدا حالات نادرة لا تدخل تحت عنوان الأمر والنهي،وإن أفادت فائدته:

1-الوالد في تأديب ولده،فإنه خارج عما نحن فيه،والملحوظ فيه حالة ما قبل البلوغ التي لا يكون الولد فيها مكلفاً أصلاً،وحيث يضطر الوالد إلى ضربه تأديباً فإن له حدوداً أخرى غير ما هو للضرب في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لذا فإن الواجب على الوالد بعد بلوغ أولاده التـزام أحكام الأمر والنهي في علاقته معهم،مثله في ذلك مثل أمره أو نهيه لغير أولاده من سائر الناس.

2-الواجب على الزوج تجاه زوجته أن يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر كما يأمر غيرها من الناس،وإن كان بإمكانه استخدام بعض الوسائل الذكية الضاغطة بحرية أكثر.

س:لقد ورد في الآية الشريفة جواز ضربها،وهو يغاير ما ذكر؟…

ج:ما جاء في الآية الشريفة من جواز ضربها ليس مغايراً لما ذكرناه،لأن جواز ضربها بعد نشوزها لا يخرج عن الأسس العامة،لأحكام الأمر والنهي،لذا فإنه لا يجوز ضربها إلا بعد الموعظة والهجر.

ثم إن للنشوز أحكاماً خاصة وتفاصيل قد تميزه عن مراتب الأمر والنهي،إذ هو حالة خاصة أوكل الإسلام أمر علاجها للزوج ضمن إطار خاص.

3-ليس للأخ سلطة خاصة على أخته،ولا يجوز له في علاقته بها أن يتجاوز الحدود المرسومة لعلاقة عامة الناس ببعضهم البعض.

نعم هذا لا ينفي بقاء مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو متوجه لكافة الناس.

4-ليس للأب أو الأخ أو الزوج أن يستحل شتم ولده أو أخته أو زوجته بهدف التربية أو الأمر بالمعروف،فإنه أمر غير جائز بالأصل لا في حق القريب ولا في حق الغريب.

نعم إذا كان الإغلاظ في القول بهذا الحد مؤثراً في الارتداع جاز استخدامه إذا كانت المعصية المنهي عنها أهم وأعظم مفسدة.

5-إذا توقف أمر الوالد بالمعروف من قبل الولد على الإغلاظ في القول أو الضرب أو الحبس أو نحو ذلك،جاز أو وجب القيام به،لأن ذلك من مصاديق البر بهما.

نعم ينبغي التدقيق في دراسة الوسائل من الناحية الواقعية،فلا يتسرع في ذلك،ولا يقدم على التصرفات السلبية قبل اقتناعه بها بطريقة شرعية حتى لا يختلط عليه مورد البر بمورد العقوق.

الأمر بالمعروف للأسرة:

ذكروا أن أخص من يجب أمره بالمعروف ونهيـيه عن المنكر وهدايته لطريق الله سبحانه،هو الأهل والأسرة كالزوجة والذرية ذكوراً وإناثاً،فإن الأب يكون مسؤولاً عن حسن تربيتهم وتوجيههم سواء في أصول العقائد أو الفروع كالصلاة وغيرها.

وإذا فسد هؤلاء أو انحرفوا عن جادة الاستقامة،كانت مسئوليتهم عليه،إذا كان قد أهمل أو قصر أو قلل أهمية الهداية أو العمل على تركيزها فيهم،فضلاً عما هو أكثر من ذلك،كما لو علمهم طريق الضلال وهداهم لأساليب الشر،والعياذ بالله.