20 أبريل,2024

أمور يجب معرفتها في الخمس

اطبع المقالة اطبع المقالة

الصرف الفعلي:

ولكن اشتـثناء هذه المؤنة مشروط بكونها قد صرفت فعلاً، وتحقق البذل من أجلها من الأرباح، فلو تبرع له متبرع بنفقته كلها أو بعضها، أو أنه قتـر على نفسه فوفر مثلاً، ربح ما يصرفه سنوياً وبقي عنده مدخراً، لم يعف من دفع خمس هذا المبلغ، لأنه وفره من مؤنته أو تبرع به عنه متبرع، بل ما دامت هذه الأرباح لم تصرف فعلاً في حاجاته فهي زائدة عن المؤنة وواجبة التخميس.

ومثل ذلك في الحكم ما كان قد أعده من مال للحج أو الزيارة، فعدل عنه لعذر أو عذل عنه عصياناً، فإن ذلك المال يعدّ زائداً ويجب تخميسه إذا بقي إلى آخر السنة دون أن يصرفه في حاجة أخرى من حاجاته.

الإسراف في النفقة لا يستثنى من المؤونة:

إذا تجاوز المكلف الحد المتعارف من أمثاله في الإنفاق على حاجاته، عدّ ما صرفه من الإسراف والتبذير، فلا يحتسب من المؤونة ولا يستثنى من الأرباح، بل يجب على المكلف تقدير ما أتلفه وصرفه من الأموال من أجل ذلك واعتباره وكأنه موجود وتخميسه.

الاستعمال شرط في الاستـثناء:

هذا وقد ظهر مما ذكرنا أن الشيء لا يكون مؤونة إلا إذا كان حاجة للمكلف في معاشه، ولا تنفك الحاجة عادة عن استعمال ذلك الشيء في تلك الحاجة، فالاستعمال هو ممارسة تلك الحاجة وفعلها خارجاً، ونقصد بالاستعمال استخدام الإنسان أمواله في مؤنته خلال السنة الواحدة، فلو كان عند المكلف مال لم يصرفه في حاجاته، أو ثوب لم يلبسه، أو بيت لم يسكنه، رغم كونه محتاجاً إليه، فإنه بعدم الاستعمال يصبح المال النقدي أو العيني فاضلاً عن مؤنته ويجب عليه تخميسه.

ويشترط في الاستعمال تحققه من قبل المالك أو من قبل أحد أفراد عائلته المحسوبين عليه والمعتبرين من شؤونه، فلا يشمل ما لو أعاره لصديقه مثلاً، أو نحو ذلك مما لا يعد استعمالاً له من قبل المالك.

نعم يستثنى من ذلك ما لو كان المكلف غير قادر على تحقيق حاجته إلا تدريجاً ، كبناء المنـزل ونحوه، فإن ما ينجزه خلال السنة من أجزاء تلك الحاجة يعتبر ضرورة للمكلف ومؤونة له رغم عدم تمكنه من استعماله في تلك الحاجة، ولكن بشرط دفع المال فعلاً لإنجاز ذلك الجزء من تلك الحاجة.

كذلك يستثنى ما يكون حاجة فعلية للمكلف، لكن وقوعها متوقف على بعض الطوارئ، كمثل الأثاث والأدوات التي تكون معدة للضيوف، فإذا مرّ العام على شرائها دون قدوم ضيف يستخدمها، لم يضر ذلك في كونها مؤنة ومستثناة من الخمس.

ومثلها كتب العلم التي يحتاجها الطالب عادة وصادف عدم احتياجه لها في تلك السنة، أو ثياب الشتاء التي اشتراها بعد الموسم فحل رأس سنـته من دون أن يلبسها، ونحو ذلك من الأمثلة والنماذج الشيء الكثير.

هذا ويمكننا أن نصيغ القاعدة في هذا الاستثناء، فنقول:

كلما كانت الحاجة بطبيعتها أوسع من دورة السنة كما في الضيوف أو كتب العلم ونحوهما، أو كلما كانت الحاجة أكبر من قدرة المكلف على تحقيقها من ربح سنة واحدة، فإن الاستعمال حينئذٍ لا يعدّ شرطاً في المؤنة المستثناة في تلك السنة.

استخدام الشيك:

من المتعارف اليوم في عصرنا استخدام الشيكات في دفع الأموال إلى مستحقيها عبر البنوك، فلو فرض أن المكلف أصدر شيكاً بمبلغ معين في مؤونـته ونحوها، وذلك على أن يقتطع من حسابه قبيل رأس سنـته، فتأخر اقتطاع المبلغ بسبب طول المدة التي تستغرقها المعاملة الخاصة بعملية الاقتطاع، فمرت السنة ولا زال المبلغ باقياً في حساب صاحبه، فإن عليه خمسه في هذه الحالة، لأن إصدار الشيك بالصرف لا يخرج المال عن ملك صاحبه إلا بعد اقتطاعه من حساب وتحويله إلى حساب المستحق.

التأخر في إخراج الخمس:

قد يجب الخمس على المكلف في أرباح سنـته ولا يدفعه فيها، وذلك إما عن عذر فيستأذن الحاكم الشرعي فيسمح له بالتأخير والدفع فيما بعد، وإما عن عصيان وتهاون، فتمر السنون ولا يخرج الحق الشرعي من ماله، ثم يتوب فيـبقى ذلك الخمس مطلوباً منه ويصير ديناً مستحقاً عليه عند الاقتدار، سواء في ذلك حالتا العذر وعدمه.

فإذا أراد وفاء ما عليه من الخمس من أرباح سنـته الثانية، أو التي بعدها فإنه لا يكون دائماً مستـثنى من الأرباح ومعفى من الخمس، بل إن له من هذه الجهة حالتين:

الأولى: أن تكون العين التي وجب الخمس فيها موجودة عنده، ولم تـتلف بعدُ، وذلك كالدار والأرض والسيارة والكتاب والنقد ونحوها من الأعيان التي تبقى عند المكلف حتى لحظة دفع الخمس المستحق عليها منذ السنة الماضية أو التي قبلها، فإن عليه حينئذٍ تخميس مقدار الخمس الذي يريد دفعه، أي ما يساوي مجموعه مقدار الربع تقريـباً، ولنوضح ذلك بمثال: إذا اشترى المكلف داراً للسكنى بخمسين ألف ريال، لكنه لم يسكن فيها، ولم يدفع خمسه وهو عشرة آلاف ريال في سنة الشراء لا من نفس العين، ولا من مال آخر ربحه في سنـته، وظلت العين عنده، فإذا ربح في سنـته الثانية مالاً وأراد دفع الخمس من الربح الحاصل في السنة الثانية، لزمه دفع العشرة، ودفع خمس هذه العشرة وهو ألفان ريال، فيكون مجموع ما يجب عليه دفعه اثني عشر ألفاً، وهو مقدار ربع الخمسين ألفاً ريال تقريـباً.

ولنذكر مثالاً آخر: ربح رجل ألف ريال، ولم يخمسها وظلت موجودة عنده إلى السنة الثانية، فربح مالاً جديداً وأراد وفاء خمس السنة الماضية من ربح هذه السنة، فإن عليه دفع مائـتين هي خمس الألف مع زيادة أربعين هي خمس المائتين.

والحاصل، يجب على المكلف في جميع فروض هذه المسألة دفع الربع تقريـباً، إلا أن يدفع الخمس من نفس العين، أو يدفع بدل خمس العين مالاً من أرباح سنة الاستحقاق المخمسة.

والسبب في ذلك أن المكلف لما ظلت العين عنده موجودة مع خمسها ومرت عليها السنة الثانية ولم يدفع منها الخمس، فإن معنى ذلك أن أرباح سنـته الثانية لم تعف من الخمس كسائر ديونه، بل عليه تخميسه أولاً ثم دفعه ديناً عما عليه من خمس تلك العين الموجودة.

الثانية: أن تكون العين التي وجب فيها الخمس قد تلفت بعد مضي سنة الربح، فيتحول الخمس إلى دين في ذمته، فإن ربح في سنـته الثانية أو التي بعدها وأدى ذلك الخمس من أرباح هذه السنة لم يكن عليه إلا دفع الخمس فقط، لا الربع، أي يدفع الخمس من دون تخميس، وليس ذلك إلا لأن ما يقابل هذا الخمس من العين قد انعدم وزال وصرف، فيعدّ حينئذٍ هذا الدين من المؤنة فيعفى من الخمس ويستـثنى من أرباح السنة التي دفع فيها. ولنوضح ذلك بمثال: اشترى رجل كتباً للاقـتناء أو للتجارة، وبعدما استحق فيها الخمس تلفت بعد رأس السنة قبل دفع الخمس، فإذا أراد دفع الخمس من ربح السنة الثانية لم يكن عليه إلا مقدار الخمس دون زيادة.

وكذا لو كان ربحه نقداً فصرفه بعد استقرار الخمس فيه، وقبل دفعه، فإنه ليس عليه إلا مقدار الخمس الذي كان عليه دفعه من ذلك المال قبل تلفه.

عدم الفرق في المستثنى بين ما يتلف وبين ما يـبقى:

لا فرق في مؤنة السنة بين ما يتلف وتذهب عينه بالاستعمال، مثل الأكل والشرب والوقود والعطور ونحوها، وبين ما تبقى عينه بالاستعمال، كالمنـزل والأثاث والآلات ونحوها، فكما يستـثنى النوع الأول من المؤونة كذلك يستـثنى النوع الثاني ما دام قد استعمله في سنة الشراء وكان محتاجاً إليه، حتى لو بقي للسنين القادمة.

فاضل المؤنة:

هذا ومما ينبغي معرفته أنه كما يجب تخميس أرباح المكلف النقدية أو العينية التي لم يصرفها في المؤنة في آخر السنة، فإنه يجب عليه تخميس ما يـبقى من المؤنة التي تذهب عينها بالاستعمال، مثل الحنطة والزيت والوقود ونحوها، وهو ما يصطلح عليه بـ(فاضل المؤنة)، لأن الذي يستـثنى من الأرباح هو ما احتاجه المكلف وصرفه في حاجته، فإن بقي شيء منها خمسه.

أما ما تبقى عينه بالاستعمال كالثياب والأثاث فإنه يعفى من الخمس ما دام موضع حاجة المكلف بمرور السنين، فإذا استغنى عنه، كالمنـزل لكونه قد ضاق عليه، فينـتقل إلى الأوسع والأنسب به، وكالحلي للمرأة عندما تستغني عنه في كبرها وشيخوختها، ونحو ذلك، فيجب فيه الخمس، لأنه يكون زائداً على المؤنة.