28 مارس,2024

النجاسات

اطبع المقالة اطبع المقالة

ينبغي لنا قبل الحديث عن كيفية التطهير من النجاسة،أن نتعرف على بعض الأعيان النجسة التي نحتاجها إلى معرفة كيفية التطهير منها،ولهذا نذكر مقدمة،تحتوي على ذلك:

من النجاسات:

ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية مجموعة من الأعيان النجسة،يصطلح عليها بالنجاسات،وهي عديدة،لكننا نقتصر هنا على بعض منها،لكونها تدخل في دائرة ابتلاء المرأة،فنقصر الحديث على خصوص:

1-البول.

2-الغائط.

3-الدم.

4-المني.

البول والغائط:

إنما يكون البول والغائط نجسين،إذا توفرت الشروط التالية:

الأول:أن يكونا من حيوان له نفس سائلة،ونعني بالنفس السائلة،العروق التي يشخب منها الدم عند الذبح،مقابل ما يسيح دمه ويجري جرياً من دون شخب.

الثاني:أن يكونا من حيوان غير مأكول اللحم،إما لكونه من البداية يحرم أكل لحمه كالأسد والهر،أو لعارض سبّب عدم جواز أكل لحمه لكونه جلالاً مثلاً،أي يتغذى على عذرة الإنسان،كما يحصل ذلك في بعض الدجاج،أو لكونه قد وطئ من قبل الإنسان،أو لأن هذا الحيوان قد شرب من لبن الخنـزير،حتى اشتد ونمى.

الثالث:أن يكون من غير الطيور.

فمن فقد واحداً من هذه الشروط،لا يحكم بنجاسة بوله وغائطه،فالحيوانات التي يحل أكل لحمها،أهلية كانت كالغنم،أو برية كالغزال،يحكم بطهارة بولها وغائطها،والطيور بجميع أنواعها أهلية كانت،أم برية،من السباع المفترسة أو من غيرها،يحكم بطهارة فضلاتها،وكذا يحكم بطهارة فضلات الأسماك والتماسيح والأفاعي وسائر الزواحف والحشرات،مما ليس له نفس سائلة.

الدم:

يشترط للحكم بنجاسة الدم،أن يكون مما له نفس سائلة،فيشمل دم جميع الحيوانات والإنسان،ما عدا الأسماك والحشرات،مثل الأفعى والجراد والذباب والنحل.

هذا وقد ذكر بعض أهل الخبرة أن الفأر له نفس سائلة،فهو ممن يشخب دمه،فيكون دمه نجساً.

الدم في البيضة:

الدم الذي يكون في البيضة نجس،لكنه إذا لم يكن متصلاً بالأجزاء التي يسري إليها،فيمكن أن ينـتزع الدم الموجود،ويحكم بطهارة الباقي.

الدم تحت الجلد:

الدم المتجمد تحت الجلد لا يؤثر على طهارة ظاهر البشرة،إلا إذا انخرق الجلد وظهر ما تحته من دم فإنه يحكم بنجاسته ويتعامل معه على هذا الأساس.

المني:

ويشترط للحكم بنجاسته،أن يكون من الحيوان الذي له نفس سائلة،فإذا صدر من حيوان لا نفس سائلة له،فلا يحكم عندها بنجاسته.

أما الإفرازات التي يفرزها العضو التناسلي للمرأة،فإنها محكومة بالطهارة،ما عدا البول،بل حتى الإفرازات التي تخرج من دبر المرأة أيضاً محكومة بالطهارة،ما عدا الغائط.

التطهير من النجاسة:

ونعني به إزالة النجاسات التي طرأت على البدن،أو اللباس،أو الفرش،من خلال هذه العملية.

ويتحقق التطهير بعدة أمور،ذكرها الفقهاء في رسائلهم العملية،لكننا نقتصر على ذكر أبرزها،وهو الماء.

المـاء:

وهو أهم المطهرات،وأسهلها وأفضلها في إزالة النجاسة،وأشملها استيعاباً لشتى المتنجسات،وله أحكام كثيرة،يتعلق بعضها بالماء نفسه،بغض النظر عن التطهير به وعدمه،وبعضها الآخر يتعلق بكيفية التطهير به.

من هنا نوقع الحديث عنه في نقطتين:

الأولى:في أنواع المياه وأحكامها:

وسيكون حديثنا هنا بنحو من الاختصار،وبالإمكان للاستزادة المراجعة للرسائل العملية الموسعة للفقهاء.

الماء:هو كل جسم،فيشمل الماء بمعناه الكيميائي المصطلح غير المضاف إليه شيء أبداً،ويعبر عنه الفقهاء بـ(الماء المطلق)،كما يشمل الماء الذي أضيف له عنصر آخر،كالسكر مثلاً،ويشمل أيضاً كل سائل يخـتلف في حقيقته عن الماء،مثل ماء الورد والنفط،وجميع ذلك يصطلح عليه الفقهاء بـ(الماء المضاف).

الماء المطلق:

والذي يهمنا في هذا البحث،هو الماء المطلق،لأن الماء المضاف،وإن كان طاهراً في نفسه فيجوز شربه ويجوز الطبخ به،لكنه لا ينفع في عملية التطهير وإزالة النجاسة،عن البدن،أو عن اللباس،أو الفرش.

وقد عرفنا مما تقدم أن الماء المطلق:هو الماء الصرف النقي غير المختلط بعنصر آخر،وذلك مثل مياه الأنهار والآبار.

ولا ينافي إطلاقه اختلاطه ببعض الرواسب والأكدار التي تسبب بياضاً أو احمراراً أو خضرة في لون الماء.

نعم لو كانت كثيفة بحيث صار الماء طيناً أو وحلاً أو صار مشبعاً بعصارة الحشيش بنحو خرج به عن الإطلاق،حكم عندها بعدم كونه مطلقاً.

ومن أفراد الماء المطلق،ماء البحر رغم ملوحته ومهما كانت نسبة الملوحة فيه.

المطلق قليل وكثير:

ويختلف الماء المطلق من حيث الكمية،فقد يكون كثيراً،كما يمكن أن يكون قليلاً،فالماء القليل:هو الذي ينقطع عن النبع،أو المجرى،أو مساقط المطر،أو يكون وزنه أقل من ثلاثمائة وسبعة وسبعين كيلو غراماً،فيكون وزنه أقل من الكر.

وحكم الماء القليل أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره،وهو يتنجس بمجرد ملاقاته لعين النجاسة،أو بملاقاته للمتنجس بها مهما كان مقدارها صغيراً،وذلك بالشروط التي توجب الانفعال والتنجس.

فمتى لاقى أحد الأعيان النجسة كالبول أو الدم مثلاً،فإنه يتنجس مباشرة،وكذلك لو لاقى أحد الأعيان المتنجسة،كما لو لاقى الماء المتنجس أو الحليب المتنجس،فإنه يتنجس.

أما الماء الكثير:فيراد به،أحد أنواع ثلاثة:ماء المطر،والماء الجاري،والماء الراكد الذي يـبلغ وزنه ثلاثمائة وسبعة وسبعون كيلو غراماً فصاعداً،مثل ماء البرك والأحواض والخزانات التي تجعل في أعلى المنازل،أو تحت الأرض،وغير ذلك.

وهذه الأنواع الثلاثة،يقال لها أنها معتصمة،أي لا تنفعل بمجرد ملاقاة الأعيان النجسة،أو المتنجسة،نعم لو تغير لونها بلون النجاسة أو طعمها أو رائحتها،حكمنا عندها بتنجسها،وهذه الأنواع الثلاثة،طاهرة في نفسها ومطهرة لغيرها.

ثم إن الذي يهمنا من هذه الأنواع الثلاثة،هو النوع الثالث،لكونه اليوم هو المورد للتطهير به.

التطهير
من النجاسة

النقطة الثانية:كيفية التطهير بالماء:

عرفنا أن الماء الذي يستخدم في إزالة النجاسة،تارة يكون قليلاً،وتارة يكون كثيراً،ولابد للتطهير به من توفر مجموعة من الشروط:

شروط التطهير:

1-إزالة عين النجاسة،إذا كان أثر النجاسة موجوداً على الشيء الذي تنجس بها،كمثل أثر الدم أو الغائط،أو المني،أو الطين المتنجس،أو اللبن المتنجس،ونحو ذلك.

وتعتبر عملية إزالة عين النجاسة مقدمة ضرورية لحصول التطهير،لأنه لا معنى للتطهير ولا تحقق له إلا بعد إزالة أثر النجاسة وعينها من الأساس.

نعم يكفي في إزالة عين النجاسة،إزالة جرمها المخصوص الظاهر،من دون ضرورة لإزالة اللون أو الرائحة،وإن كانت إزالتهما أفضل وأكمل في الطهارة،فيكفي في إزالة الغائط،أن يزال جرمه،حتى لو كانت رائحته أو شيئاً من لونه باقياً.

هذا ولا يشترط أن تكون إزالة عين النجاسة بالماء،بل يجوز إزالتها بكل شيء يؤدي الغرض،فيجوز إزالتها مثلاً بالورق،أو بالحجر،أو بالمسح على الأرض،أو بالأخشاب.

ثم إذا أراد المكلف أن يزيل النجاسة بالماء،فلا يجب عليه أن يفصل غسلة الإزالة عن غسلة التطهير،بل يمكنه أن يصب الماء على الشيء المتنجس ولنفرض أنه ثوب،حتى تزول عين النجاسة عنه،ويستمر في الصب قليلاً بعد إزالة عين النجاسة،ليحصل به التطهير.

ويكفيه قيامه بهذه العملية دون أن يحتاج إلى القيام بغسلتين،غسلة لإزالة النجاسة،فيقطع الماء،ثم يغسل غسلة ثانية لتطهير الشيء المتنجس،والذي فرضنا أنه الثوب.

نعم الأحسن أن يقوم بالتطهير من خلال غسلتين،فيغسل أولاً،ثم يقطع الماء،ثم يعود للغسل مرة ثانية،خصوصاً إذا كان الثوب مثلاً متنجساً بالبول.

2-التعدد،ويراد منه صب الماء أكثر من مرة،وهو واجب عند تنجس بعض الأشياء ببعض الأعيان النجسة، كالبول،وكالأواني،ويتحقق التعدد بالصب،ثم قطع الماء،ثم معاودة الصب مرة ثانية،ليصدق عليه أنه غسل أكثر من مرة.

فلا يكفي أن يغسل المكان بكمية كبيرة من الماء دفعة واحدة بما يقدر بثلاث أو سبع غسلات،من دون أن يكون هناك فصل بين الغسلة والأخرى.

هذا وتعتبر الغسلة التي تزال بها عين النجاسة من عدد الغسلات،فمثلاً الإناء المتنجس بالدم،يجب غسله بالماء القليل ثلاث مرات،فالغسلة التي يزال فيها أثر الدم عن الإناء تحسب الغسلة الأولى،ثم يغسله بعد ذلك مرتين،ليطهر،وهكذا.

3-بقاء الماء على إطلاقه عند التطهير به،فإذا تغير الماء المعتصم الذي في الطشت مثلاً لحظة وضع الثوب المتنجس مثلاً الذي غسل من قبل بالصابون فيه،لم يطهر بذلك إذا تحول الماء عن الإطلاق إلى الإضافة،نتجة اختلاطه بالصابون،فلابد من تغيـير ذلك الماء مرة بعد مرة حتى يتم وضع الثوب المتنجس في ماء نقي ليطهر.

نعم لو كان تغير الماء بالصابون بعدما نفذ الماء في الثوب واستولى عليه،ثم تغير بالصابون،فإنه يحكم حينئذٍ بتحقق التطهير.

هذا وينبغي الالتفات إلى أن الشيء الذي يعتبر في تطهيره تعدد الغسل،تحتسب الغسلة التي تغير فيها الماء من العدد،ولذا لا يضر حينئذٍ تغيرها في الغسلات الأولى،بل يكفي أن يكون الماء نقياً في الغسلة الأخيرة.

4-صب الماء القليل وإزالته عن الشيء المتنجس،فإن وضع المتنجس فيه تنجس الماء ولم يطهر المتنجس،فيجب جعل الماء على المتنجس لا جعل المتنجس في الماء.

نعم هذا يخـتص بالماء القليل،فلا يشترط ذلك في الماء الكثير،لأنه معتصم كما عرفنا،فيصح وضع المتنجس فيه ويطهر ويـبقى الماء طاهراً إذا لم يتغير بالنجاسة،كما ذكرنا فيما مضى.

5-تحرك ماء الغُسالة وانتقاله عن الموضع المتنجس،فإن كان التطهير بالماء القليل وكان الواجب غسل المتنجس مرة واحدة كفي في تحقق الانتقال مجرد ابتعاد الماء عن الموضع المتنجس وجريانه بنفسه أو بدفعه باليد أو بآلة كالممسحة أو بالتنشيف بقطعة قماش.

وحينئذٍ لا تـتنجس الآلة ولا قطعة القماش بذلك لأن ماء الغسالة محكوم بالطهارة في مثل هذه الحالة.

ومثل ذلك إذا كان الشيء الذي يراد تطهيره يعتبر فيه التعدد،فإنه يحكم بذلك في الغسلة الأخيرة.

أما في غير الغسلة الأخيرة فإن الغسالة وإن كانت نجسة لكنها لا تـنجس المواضع الطاهرة التي تجري عليها،كما أنها لو دفعت بآلة أو جففت بثوب لا تـنجس الآلة أو الثوب،والسبب في ذلك أن ماء الغسالة يعتبر متنجساً ثانياً،فلا ينجس ما يلاقيه.

هذا كله إذا كان التطهير بالماء القليل،أما لو كان التطهير بالماء الكثير من خلال الصب على الموضع المتنجس،فإنه في صورة الاكتفاء بالغسل مرة واحدة لا يجب انتقال ماء الغسالة عن الموضع المتنجس،وكذا في الغسلة الأخيرة وإن كان يعتبر في تحقق التطهير تعدد الغسل.

أما في غير الغسلة الأخيرة في صورة اعتبار التعدد،فحكم الغسالات حكم الماء القليل في لزوم توفر ذلك الشرط.

وحيث يجب تحريك ماء الغسالة ونقلها عن الموضع المتنجس فإنه لا يضر بقاء القليل من الماء مما جرت العادة ببقائه.

تطهير الثوب:

كان ما قدمناه من الكلام في تطهير غير الثوب،أما بالنسبة إلى تطهيره هو فإنه إذا كان التطهير بالماء القليل،فلابد من العصر أو الدك من أجل إخراج ماء الغسالة،وتوضيح ذلك:

يجب في تطهير الثوب أو الفراش ونحوه من جميع النجاسات -بعد إزالة عين النجاسة بالماء أو بغيره-غسله مرة واحدة،بغسلة منفصلة أو متصلة،بغسلة التطهير إذا كانت الإزالة لا تتحقق إلا بالماء.

ولا فرق في ذلك بين الماء القليل والكثير،ولا بين البول وغيره،ولا بين بول الرضيع وغيره،نعم الأحسن والأحوط استحباباً أن يفصل في التطهير من البول بين غسلة إزالة النجاسة وغسلة التطهير،سواء كان ذلك في الثوب أم في غيره.

ولا يعتبر في تطهير الثوب عصره،ولا دلك ما لا يقبل العصر كالفراش عند تطهيره إلا إذا نفذت النجاسة فيه،وكان تطهيره بالماء القليل كما في حالة تنجسه بالبول أو الدم،أو الماء القليل المتنجس أو نحو ذلك.

أما إذا لم تنفذ النجاسة فيه،بل لامست سطح الثوب أو الفراش فلا يجب عصره ولا دلكه حتى عند نفوذ النجاسة فيه،إلا في صورة بقاء عين النجاسة وإزالتها بالماء فإنه يجب عصره حينئذٍ من غسلة الإزالة هذه.

العصر أو الدلك:

لا يوجد عندنا كيفية خاصة للعصر أو الدلك،فيجزي في العصر الاعتماد على سرعة الدوران في الغسالات الكهربائية لشفط الماء من الثوب،كذلك يكفي في الدلك وضع شيء ثقيل على الفراش أو السجاد وتركه كذلك حتى يخرج منه ماء الغسالة.

وبالجملة المراد تحقق مفهومهما،وهو معنى عرفي لا يحتاج إلى إيضاح،فكل ما صدق عليه بنظر العرف أنه يحقق عنوان العصر أو الدلك،كان ذلك كافياً لتحققه.

التطهير بالغسالة الحديثة:

يتحقق التطهير بالغسالة الأتوماتيكية الحديثة،حتى مع فرض تلوث جوانب الحوض بعصارة الغسيل المتنجس،لأن الحوض يطهر تبعاً لطهارة الثوب الموجود فيها ما دام الماء الطاهر يصيب تلك الأماكن المتنجسة.

نعم هنا لابد من الالتفات إلى أنه إذا كان في الثوب أثر لمساحيق التنظيف المتنجسة،فإن كانت هذه المواد من قبيل أجزاء الصابون ونفذ فيها الماء قبل أن يتغير بلونها أو رائحتها أو طعمها،فقد طهر باطنها،أما لو كانت من المائعات التي لها جرم معين كالشامبو مثلاً،فإنه لابد من تطهير موضعها ما لم يكن الأثر من قبيل اللون.

ولذا الأفضل حين إرادة التطهير بالغسالة الأوتوماتيكية،أن تجري عملية التطهير للملابس قبل أن يوضع معها شيء من مساحيق التنظيف،ثم بعد ذلك توضع المساحيق لإكمال غسل الثياب.

تطهير الفرش:

يعتبر في تحقق التطهير للفرش،من غسله مرتين إذا كان التطهير بالماء القليل،سواء كان ذلك من البول أم من غيره،أما لو كان التطهير بالماء الكثير فيكفي في تحقق تطهيره غسله بالماء مرة واحدة،نعم لابد من فصل الغسالة.