19 أبريل,2024

ما هي الفائدة من إمام غائب لا يزيح باطلاً ولا يثبت حقاً؟

اطبع المقالة اطبع المقالة

س:مرت علينا ذكرى ولادة منقذ البشرية وأملها المنشود،ولكن يتبادر إلى الأذهان دائماً عند مرور ذكرى ولادته الشريفة،سؤال مؤداه:ما هي الفائدة من إمام غائب،لا يزيح باطلاً،ولا يثبت حقاً؟…

ج:توجد مجموعة من الفوائد المختلفة للأمة الإسلامية من وجود الإمام الغائب،ونحن نبدأ بما ذكرته النصوص الشريفة،حينما وجه هذا السؤال للمعصوم(ع)،فأجاب بأنه كالشمس وراء السحب،قال(ص):أي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينـتفعون به ويستضيؤن بنور ولايته في غيـبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب.

وحتى نفهم الجواب،علينا أن نتعرف دور الشمس بشكل عام عندما تكون محتجبة خلف السحاب،حيث أن للشمس نوعين من النور،نور عيان،ونور خفي،ويمكن التعبير عنه باشعاع غير مستقيم.

في الإشعاع المستقيم يمكن رؤية أشعة الشمس بوضوح،مهما يكن سمك الهواء المحيط بالأرض،حيث يكون بمثابة الزجاج السميك،زجاج مخيف من حدة إشعاع الشمس ليكون محتملاً،كما يصفي نور الشمس ويبطل الإشعاع المميت،ومع ذلك لا يمنع إشعاع الشمس المستقيم،ولكن في الإشعاع غير المستقيم يكون السحاب كالزجاج المعتم الذي يحول دون الإشعاع المستقيم للشمس.

قد يتفق أحياناً أن يدخل الإنسان غرفة مضاءة بمصابيح ذات زجاج معتم،فنرى الغرفة مضيئة،ولكننا لا نرى الشعاع الأصلي والمستقيم.

من ناحية أخرى يلعب ضوء الشمس دوراً مهماً في دنيا الحياة والموجودات،فالضوء والحرارة المنبعثة من الشمس في كل مكان هما الطاقة الوحيدة التي تبعث الحياة في الإنسان والحيوان والنبات.

إن نمو الموجودات الحية،التغذية والتناسل،الحس والحركة،سقي الأراضي الموات،تلاطم الأمواج،حركة الرياح،تساقط حبات المطر التي تبعث الحياة،تساقط الثلوج،إلى غير ذلك،كل ذلك بصورة مباشرة مرتبط بنور الشمس،وبدونه يصيـبها جميعاً الموت،وهذا الموضوع لا يحتاج إلى برهان،إذ يمكن إدراكه بقليل من التأمل.

وهنا نشير إلى الكثير من هذه الآثار موجودة في النور غير المباشر للشمس،بل من النور الذي يأتي من وراء السحاب،فمثلاً البلدان التي تكون مغطاة بالسحاب لعدة أشهر في السنة،ولا ترى الشمس تكون الحرارة موجودة،وكذلك نمو الأعشاب والأشجار،وانتاج الطاقة الضرورية للحياة،ونضج الأثمار والفواكة،وتفتح الأزهار والبراعم.

وعليه فإن إشعاع الشمس من خلف السحاب يحتوي على قسم مهم من بركات الشمس،وليس فقط قسماً من الآثار التي تحتاج إلى الإشعاع المباشر،مثلاً نحن نعلم أن أشعة الشمس لها أثر حياتي خاص على جلد وبقية أجهزة جسم الإنسان والموجودات الحية،ولهذا السبب في البدان التي تفتقر إلى أشعة الشمس نرى الكثير من الناس يخرجون في الأيام الشمسية ليأخذوا حمام شمس،فيعرضون أجسامهم العارية أمام الأشعة التي تبعث الحياة فتمتص اجسامهم ذرات النور.

ولأشعة الشمس،بالإضافة إلى الضوء والحرارة،أثر خاص لوجود الأشعة فوق البنفسجية التي تقتل الميكروبات وتطهر البيئة،وهذا ما لا يمكن حصوله في حالة وجود الإشعاع المعتم غير المباشر.

والنـتيجة التي نصل إليها:أنه رغم أن طبقات السحاب تمنع بعض آثار الشمس،إلا أن قسماً مهماً منها يـبقى موجوداً.

هذا هو حال المشبه به،وهو الشمس،ونعود للمشبه وهو المولى أرواحنا لتراب مقدمه الفداء،فنقول:

إن الأشعة المعنوية لوجود الإمام(عج)في حالة غيابه خلف السحاب فهو ذو آثار واضحة،ويمكننا أن نذكر بعض الآثار:

1-صيانة التعاليم الإلهية:

فإن صدر الإمام(عج)وروحه السامية يمثل صندوقاً لحفظ التعاليم الإلهية التي تحتوي على جميع المميزات السماوية والأصالة الأولى بهذه التعاليم،لكي لا تبطل الدلائل الإلهية والآيات الواضحة لله سبحانه وتعالى.

2-إعداد مجموعة من المنـتظرين الواعين:

فليست علاقة الإمام بالناس في زمن الغيبة مقطوعة بالمرة،بل إن المستفاد من بعض النصوص أن هناك مجموعة من الناس هم أكثر استعداداً،تمتليء أفكارهم بالعشق الإلهي،وقلوبهم بالإيمان ومنـتهى الإخلاص لتحقيق اهداف اصلاح العالم على الإرتباط به(عج).

فالإمام يجول بين الناس ينـتخب القلوب المتهيئة والأشخاص الذين لهم الإستعداد،مع اختلاف الإستعدادات واللياقات يوفقون لإدراك هذه السعادة.

3-النفوذ الروحي واللاإرادي:

إننا نعلم أن للشمس سلسلة من الأشعة المرئية يتركب منها الألوان السبعة المعروفة،وأشعة غير مرئية تسمى فوق البنفسجية،كذلك القائد السماوي الكبير،نبياً كان أم إماماً،فبالإضافة إلى التربية التشريعية التي تأتي عن طريق الحديث والتصرفات والتعليم والتربية العادية،له نوع من التربية الروحية التي تعمل عن طريق النفوذ المعنوي في القلوب والأفكار،ويمكننا أن نسميها بالتربية التكوينية.

وهناك الكثير من القصص التي ينقلها التاريخ عن جمع من المنحرفين،تغيرت مسيرة حياتهم بمجرد اتصال بسيط بتلك الشخصيات الطاهرة.

وهذا الأثر حاصل للوجود المبارك للإمام(عج)خلف سحاب الغيـبة،فالشعاع القوي لشخصه المبارك ينفذ ويؤثر بجذبته الخاصة في القلوب المستعدة القريـبة والبعيدة،ويـبدأ بتربيتهم وتكاملهم ليصنع منهم الإنسان الأكمل.

4-إن ذلك يدعو كل مؤمن إلى أن يكون على حالة من الإستقامة على الشريعة والتقيد بأوامرها ونواهيها،والإبتعاد عن ظلم الآخرين،أو غصب حقوقهم،وذلك لأن ظهور الإمام المهدي الذي سيكون مفاجئاً يعني قيام دولته وهي التي ينـتصف فيها للمظلوم من الظالم،ويـبسط فيها العدل ويمحى الظلم من صفحة الوجود.

5-إن الإحساس بوجود الإمام وحياته يستدعي أن يكون كل مؤمن في حالة طوارئ مستمرة من حيث التهيؤ للإنضمام إلى جيش الإمام المهدي والإستعداد العالي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الإمام الكاملة وبسط سلطته على الأرض لإقامة شرع الله تعالى.

وهذا الشعور يخلق عند المؤمنين حالة من التآزر والتعاون ورص الصفوف والإنسجام،لأنهم سيكونون جنداً للإمام(عج).

6-إن الإحساس بوجوده(عج)يحفز المؤمن بالنهوض بمسؤوليته،خاصة في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،فتكون الأمة بذلك متحصنة متحفزة.

إذ لا يمكن تقيد أنصار الإمام المهدي(ع)بالإنتظار فحسب دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استعداداً لبناء دولة الإسلام الكبرى وتهيئة قواعدها حتى ظهور الإمام المهدي(ع).