20 أبريل,2024

حول عبارة وردت في دعاء الصباح للأمير (ع)

اطبع المقالة اطبع المقالة

س: ورد في دعاء الصباح للأمير (ع): كلا وحياضك مترعة في ضنك المحول – الوغول- تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي؟…

ج: (كلا وحياضك مترعة) يا ربي إن حياضك مملوءة بالعفو والرحمة، والمغفرة في الوقت الذي يجابه الإنسان بالجدب، والجفاف من كل مكان فتسد الأبواب في وجهه.(وبابك مفتوح للطلب والوغول) إن أبواب رحمتك يا ألهي مفتوحة لكل أحد في كل وقت، فلا حاجب ولا بواب، ولا مانع ولا دافع، وهو مع ذلك أقرب إلى عبادة من حبل الوريد، وليست موصدة في وجه من قصدك، ونزل بساحتك.(تخرج الحي من الميت، وتخرج الميت من الحي) هذا المعنى توجد له إشارة في القرآن الكريم، قال تعالى:- ( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحي الأرض بعد موتها). ( سورة يونس الآية رقم 31).

ولقد انقسم المفسرون في تفسير هذه الآية إلى قسمين:

1- من فسر الحياة والموت في هذه الآية بالموت والحياة المعنويـين.

2-من فسر الموت والحياة بالموت والحياة الحسيـين.

أما الموت والحياة المعنويان، فيمثل لهما بخروج العالم من الجاهل والمؤمن من الكافر، وهو المراد من خروج الحي من الميت، وأما إذا انعكس الأمر حيث يخرج الميت من الحي فهو كما لو خرج الجاهل من العالم أو الكافر من المؤمن.

ومع المثالين، العلم والجهل، يقول من يقرب وجهة نظره عندما يرى أن العلم حياة والجهل موت معنويان، أن رقي الأمم وازدهار المجتمع يتوقف على العلم هو الذي يرقى بالأمم إلى الأوج وبه تـتقوم الحضارة وتزدهر الحياة، وتدب الحركة، ويموت الخمول، ويعيش الإنسان سعيداً.

والأمة التي تحتضن العلماء من جميع الأصناف هي الأمة التي تكون نفسها، وتفرض وجودها على بقية الأمم المتخلفة في مجال إنعاش الحياة ورقيها.

أما الجهل فعلى العكس من ذلك إذا حل في قوم جعلهم متخلفين يتفشى فيهم المرض، وتقتلهم البطالة، وتسير بهم عجلة الحياة ببطء ويكتب لهؤلاء أن يعيشوا في بؤس، وشقاء لا يرون من الحياة إلا وجهها الكئيب المظلم.

ولقد ورد عن أمير المؤمنين(ع) لكميل ابن زياد: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق- إلى أن قال- يا كميل هلك خزان الأموال، وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة.

إذاً فالعلم حياة، والجهل موت، والعلم حي، والجاهل ميت، وسبحان من يخرج العالم من الجاهل وبالعكس.

وهكذا الحال، لو قارنا بين الإيمان والكفر، ومن ثم بين المؤمن والكافر.

فالكفر في الحقيقة انقطاع عن الحياة التي يريدها الله سبحانه لعباده، تلك الحياة التي يريد الشارع المقدس أن يعيشها الإنسان المثالي عبر قوانينه التي سنها للبشر ليؤمن لهم سعادتهم، وخيرهم في الدنيا والآخرة.

وعندما يحل الكفر بقلب يجلله بظلمة تمنعه عن التمتع بتلك الومضات النورية التي تفتح له الأفاق ليتصل بالله فـتنكشف له حقائق الحياة وما فيها من أحداث.

فالكفر من هذا المنظار هو الموت للكافر لأنه بعد عن الله، ورحمته، وقدسه، وانقطاع لتلك الصلة الودية بين العبد وربه، وبانقطاع هذه الصلة يـبقى الكافر يتصل بالمجتمع، وبالأفراد من خلال المفاهيم المالية، وعبر ما يتصل بهذه الحياة من إطارها المادي، وما تفرضه عليه المادة من تعاليم لا تمت إلى الله بصلة لذلك فهو ميت، وهذه النفس هي التي تستحق أن يكتب لها الموت، وإن كانت تـتمتع بنعمة الوجود، والعيش على هذه الأرض.

وأما الأيمان، فهو نور ينقدح في قلب المؤمن ينير له الطريق ليرى على ضوئه قدرة ربه في مخلوقاته وقوانينه ومعطياته.

لذلك فإن المؤمن يتصل بالمجتمع عبر صلته بالله سبحانه وتعالى، وعبر تعاليمه الإنسانية فهو حي لأنه يعيش المجتمع من خلال رحاب الله، وقدسه، وهذه هي النفس التي تستحق أن توصف بالحياة، ولذلك قال تعالى:- ( يخرج الحي من الميت)، ولتلك النفس الكافرة قال عز من قائل:- ( ويخرج الميت من الحي)، هذا خلاصة ما يقوله القائلون بأن الموت والحياة في الآية وفي الدعاء الشريف الموت والحياة المعنويان.

أما القائلون بأنهما الحسيان، فإنهم يمثلون لذلك بالإنسان والحيوان والنبات.

أما في الإنسان، فيمثلون له بالنطفة، وهي المادة المنوية، فإنها مصداق للآية الشريفة بشقيها ببيان أن هذه النطفة الميتة في مبدئها حيث تكون مبدأ الإنسان في هذه الحياة، فيصدق قوله تعالى:- ( يخرج الحي من الميت)، ومن أنها هي تخرج من إنسان حي فيصدق قوله سبحانه( ويخرج الميت من الحي).

وأما في مطلق الحيوان، فيمثلون له بخروج الفرخ من البيضة، فهو خروج للحي من الميت، وللميت من الحي، بخروج البيضة نفسها من الدجاجة مثلاً.

وأما في النبات، فيمثلون لخروج الحي من الميت، بخروج النخلة من الميت وهي النواة، ولخروج الميت من الحي بخروج النواة من النخلة.

هذا والمشهور بين أكثر المفسرين هو القول أنهما حسيان وليسا معنويـين. ويمكن تأكيد ذلك:

أولاً: إن سياق الآيات القرآنية، يدور حول بيان عظمة الله وقدرته في هذا الكون سمائه وأرضه.

وليس في الموت والحياة المعنويـين، ما يوازي ذلك من العظمة، من عملية الموت والحياة الحقيقيـين عند الإنسان والحيوان وغيرهما من الأجسام النامية.

ثانياً: إن استعمال القرآن الكريم لهذين اللفظين في آياته الشريفة دائماً بمعناهما الحسي، فحملهما في هذا المورد على خلاف ذلك يحتاج إلى قرينة تشير إلى ذلك، وهي مفقودة.

ثالثاً: إن الكفر والجهل والعلم والإيمان، من الأمور التي تـتبع شقاوة الإنسان وتوفيقه.