29 مارس,2024

نفي السهو(2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

ملاحظة النصوص:

ثم إنه بعد الفراغ عن وضع الأسس التي يلزم أن يكون التعاطي مع النصوص على وفقها، حان وقت التعرض للنصوص المستند إليها في ثبوت الدعوى، وقد عرفت كما أشرنا في مطلع الحديث إلى أنها صنفان، ما يتضمن نسبة السهو للنبي الأكرم(ص)، وما أحتوى أنه(ص) قد نام عن صلاة الصبح.

نصوص السهو:

أما بالنسبة للصنف الأول، وهو نصوص السهو، فإنها طائفتان:

الأولى: ما تضمنت صدور السهو من النبي(ص) لاشتمالها على عبارة السهو.

الثانية: ما لم تتضمن التعبير بكلمة السهو، إلا أنه يمكن القول بأن مفادها الإشارة إلى هذا.

ويبدو حصر نصوص الطائفة الأولى في نصين:

أحدهما: ما رواه شيخنا الكليني(ره) مسنداً عن سماعة بن مهران، قال: قال أبو عبد الله(ع): من حفظ سهوه فأتمه، فليس عليه سجدتا السهو، فإن رسول الله(ص) صلى بالناس الظهر ركعتين، ثم سها فسلم، فقال له ذو الشمالين: يا رسول الله(ص)، أنزل في الصلاة شيء؟ فقال: وما ذاك؟ قال: إنما صليت ركعتين، فقال رسول الله(ص): أتقولون مثل قوله؟ قالوا: نعم، فقام(ص) فأتم بهم الصلاة، وسجد بهم سجدتي السهو[1]. ودلالتها على المدعى واضحة، فقد نصت على وقوع السهو منه(ص) في صلاة الظهر بإنقاصه عدد ركعاتها من أربع إلى اثنتين. كما أنها تضمنت أموراً أخرى:

1- أنه(ص) لم يستأنف الصلاة مع صدور الكلام منه مع المصلين عمداً في سؤالهم عن صدق مقالة ذي الشمالين.

2-عدم حكمه بفساد صلاة ذي الشمالين، مع أنه قد صدر منه الكلام عمداً قبل تمامية الصلاة.

3-أنها قد تضمنت أن العلاج لما وقع فيه النبي(ص) هو الاتيان بسجدتي السهو، وأنه يمكن إتيانها جماعة.

ولا يذهب عليك، أن صلاحية الخبر المذكور للاستناد تعتمد على توفر الأصالات الثلاث المشار إليها في ما سبق، والظاهر بدواً إحراز أصالة الظهور، لكن يبقى الكلام في توفر أصالتي الصدور والجهة، وهذا يعني أنه لابد وأن يكون الأمران المعتبرين في إحراز أصالة الصدور متوفرين، وهما:

الأول: أن يكون الواقعون في سند الرواية كلهم من الثقات الإمامية، وهذا غير محرز في البين، فإن راوي الخبر هو سماعة بن مهران، والمعروف بين علماء الرجال، أنه منحرف عقدياً لكونه من الواقفة، وهذا يمنع من الركون لمروياته في هذا المورد، لما سمعت في القواعد التأسيسية، فلاحظ.

ولا يختلف حال عثمان بن عيسى الواقع في سند الخبر عن حال سماعة، من حيث الانحراف العقائدي، المانع من القبول برواياته في مثل المقام، فتدبر.

الثاني: عدم مخالفة متن الخبر للقواعد العقلية، والقواعد الشرعية، وهذا ما لا يتوفر في البين، لما سيأتي عند ذكر ما يمنع من القبول من هذه النصوص، فأنتظر.

وأما بالنسبة لأصالة الجهة، فإن مقتضى انتفاء الأمر الأول المعتبر توفره في أصالة الصدور، موجب للتشكيك في إحراز أصالة الجهة، إذ يبقى احتمال صدوره تقية وارداً، وبنسبة غير قليلة، وما كان هذا حاله، يصعب الركون إليه، فلاحظ.

ثانيهما: ما رواه شيخنا الطوسي(ره) مسنداً عن أبي بكر الحضرمي، قال: صليت بأصحابي المغرب، فلما أن صليت ركعتين، سلمت، فقال بعضهم إنما صليت ركعتين، فأعدت فأخبرت أبا عبد الله(ع)، فقال: لعلك أعدت فقلت: نعم، فضحك ثم قال: إنما كان يجزيك أن تقوم وتركع ركعة إن رسول الله(ص) سها فسلم في ركعتين ثم ذكر حديث ذي الشمالين، فقال: ثم قام فأضاف إليها ركعتين[2].

ولا يختلف حال هذا الخبر عن سابقه في نسبة صدور السهو من رسول الله(ص) صراحة، كما هو واضح. كما أن الملاحظات التي عرضت في الخبر السابق جارية في البين، عدا تصحيح الصلاة بالإتيان بسجدتي السهو جماعة.

هذا وقد يتوقف في كون ذيل الخبر، أعني قوله: ثم ذكر حديث ذي الشمالين…إلى آخره، من كلام الراوي، أم من كلامه(ع)، والظاهر أن البحث في ذلك ليس ذو أهمية، ضرورة أنه لو بني على عدم كونه كلاماً للمعصوم(ع)، وأنه كلام الراوي، فإن ذلك لا يغير شيئاً في الاستدلال، لأن التمسك إنما هو بقوله(ع): سها فسلم في ركعتين، فلاحظ.

وكما كان الاستناد للخبر الأول، متوقفاً على توفر أصالتي الصدور والجهة، بعد توفر أصالة الظهور بدوا، فإن ذلك يجري في البين أيضاً، وعليه، فإن هناك ما يمنع عن إحراز أصالة الصدور بشقيها، لأن السند قد اشتمل على سيف بن عميرة، وهو واقفي المذهب، كما أنه قد اختلف فيه من حيث التوثيق والتضعيف، ومن كان هذا حاله، لا يركن لمروياته العقدية، فتدبر.

كما أن المتن يفتقر إلى الموافقة للقواعد العقلية والشرعية، كما سيتضح إن شاء الله، وبالتالي فقدان أصالة الصدور، موجبة لعدم الجزم بتوفر أصالة الجهة، ما يعني احتمال الصدور تقية يبقى وارداً، فلاحظ.

هذا ومما ينبغي التوجه إليه، أن هذا الخبر ذكره شيخنا الطوسي(ره) في مورد حل المعارضة المتصورة بينه وبين النصوص الأخرى، فإنه أساساً بصدد الحديث حول قول الشيخ المفيد(ره): ومن سهى في فريضة الغداة أو المغرب أعاد[3]. وأخذ في الاستدلال على كلامه(ره)، ثم قال: وأما ما رواه، وذكر خبر أبي بكر الحضرمي المتقدم، في الاستدلال على كلامه(ره)، ثم تعرض لعلاج المعارضة المتصورة بينه وبين الأخبار الأخرى المتضمنة لبطلان الصلاة، وهذا يؤكد ما ذكرناه في المقدمات التأسيسية، من أن ذكر الشيخ(ره) لهذه الأخبار لا يعني تبنيه إياها، وإنما رغبة منه(قده)في علاج ما يظهر منها من معارضة لبعض النصوص المعتمدة عند الطائفة، الكاشف عن كونها أخباراً شاذة، فلاحظ.

نعم هناك رواية تحصر نفي السهو في خصوص الذات المقدسة، إلا أنها لا تثبت وقوعه من النبي الأكرم(ص)، فلاحظ ما رواه الشيخ الصدوق(ره) في كتابه عيون أخبار الرضا، بسند ينتهي إلى أبي الصلت الهروي، قال: قلت للرضا(ع): يا ابن رسول الله، إن في سواد الكوفة قوماً يزعمون أن النبي(ص) لم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا لعنهم الله، إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو[4].

ومن المعلوم أن البحث في وقوع السهو من النبي(ص) خارجاً، كما هو واضح. ومع التنـزل والقبول بالخبر المذكور، فإنه يعاني خللاً سندياً بوقوع تميم بن عبد الله فيه، وهو ضعيف، كما أن أباه مجهول، وكذلك أحمد بن علي الأنصاري مثله، على أنه يكفي للمنع من الاستناد للخبر المذكور، الانحراف العقدي للهروي راوي الخبر، لعدم إحراز إماميته، بل الظاهر أنه من العامة، مضافاً للتوقف في وثاقته. نعم لو بني على ما أحتمله بعض أساطين العصر من المحققين(أطال الله في بقائه)، من أن تسمية الكتاب، تشير إلى البناء على اعتبار كل ما وقع فيه، لكونه منتخباً ومختاراً، لم يكن للخدشة السندية مجال، ويبقى بعد ذلك الحديث في الأمر الآخر، فتأمل.

وأما الطائفة الثانية: وهي التي اشتملت على الإشارة إلى السهو، دون التصريح بها:

فمنها: ما رواه شيخنا الكليني مسنداً عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: صلى رسول الله(ص)، ثم سلم في ركعتين، فسأله من خلفه: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: إنما صليت ركعتين، فقال: أكذلك يا ذا اليدين؟-وكان يدعى ذا الشمالين-فقال: نعم، فبنى على صلاته، فأتم الصلاة أربعاً، وقال: إن الله هو الذي أنساه رحمة للأمة، ألا ترى لو أن رجلاً صنع هذا لعيّرَ، وقيل: ما تقبل صلاتك، فمن دخل عليه اليوم ذاك، قال: قد سن رسول الله(ص)، وصارت أسوة وسجد سجدتين، لمكان الكلام[5]. ولم يتضمن الخبر التعبير بكلمة السهو، إلا أنه تضمن أنه(ص) قد أنقص في صلاته، فصلى الظهر ركعتين عوضاً عن الأربع. كما أنه لا يختلف الحال في هذا الخبر عن سابقيه من حيث الملاحظات الماضية، فإنها تجري فيها أيضاً، نعم ليس واضحاً أن سجود السهو في البين كان جماعة. كما أنه تضمن شيئاً زائداً لم يرد في الخبرين السابقين، وهو الإشارة إلى أن ما وقع عليه إنساء من الله تعالى، وليس نسياناً طبيعياً، فلا يكون ما وقع فيه هو الذي يقع على كافة البشر، وكأنه بهذا يود الإشارة إلى وجود فرق بين كون الإنساء منه تعالى، وبين كونه نسياناً عادياً، وقد علل وقوع النسيان عليه من الباري تعالى بحاجة الأمة إلى ذلك، ما يشير إلى أنه من موارد الرحمة الإلهية بأمة النبي(ص)، فلاحظ.

وقد تضمن سند الخبر سعيد الأعرج، وهو ممن لم يوثق ما يعني انتفاء الأمر الأول مما يؤخذ في توفر أصالة الصدور، على أنه قد يتوقف في كونه إمامياً، لأن النجاشي(قده) لم يذكره في فهرسته الذي أعدّه لمؤلفات أصحابنا، وهذا يشير إلى التوقف في كونه كذلك.

ومحاولة الإمام الخوئي(ره) في الحكم باتحاده مع سعيد بن عبد الرحمن، على أساس أنهما لو كانا اثنين لذكرهما النجاشي وكذا الشيخ، واقتصار كل واحد منهما على واحد دليل الاتحاد، ويساعد على ذلك اتحاد راوي كتاب الرجلين[6]، غير تامة، كما يفصل في البحوث التخصصية، فليطلب من هناك.

كما أن المعروف أن أحمد بن محمد بن عيسى الواقع في سندها لا يروي عن علي بن النعمان عادة من دون واسطة، بل العادة أن تكون روايته عنه بواسطة علي بن حديد، وهو موضع خلاف بين الأعلام، ومنهم من حكم بضعفه جداً. وهذا يعني أنه لو وجدت رواية لأحمد بن محمد عن علي بن النعمان دون واسطة، فإن احتمال الإرسال يكون فيها وارداً كما في مقامنا، إذ أن روايته عنه بدون واسطة من الندرة بمكان، فتأمل.

ولا ينحصر فقدان أصالة الصدور، بعدم توفر الأمر الأول المعتبر فيها، بل حتى الأمر الثاني غير متوفر أيضاً. وسوف يكون انتفاء أصالة الصدور طريقاً موجباً للتوقف في توفر أصالة الجهة، فتدبر.

ومنها: ما رواه شيخ الطائفة(ره) مسنداً عن الحسن بن صدقة، قال: قلت لأبي الحسن الأول(ع): أسلّم رسول الله(ص) في الركعتين الأولتين؟ فقال: نعم. قلت: وحاله حاله؟ قال: إنما أراد الله عز وجل أن يفقههم[7].

ولا يختلف حال هذا الخبر عن سابقه في عدم اشتماله على التعبير بلفظة السهو، إلا أنه تضمن أنه(ص) قد سلم على الثانية، ما يعني حصول نقصان في صلاته، ومن الواضح جداً أن هذا النقصان لم يكن عمدياً، الكاشف عن كونه سهوياً، فتثبت الدعوى. وقد كان هذا المعنى مورد تعجب عند الراوي، لأن المتصور بين المسلمين أن الرسول(ص) لا يمكن أن يصدر السهو والغفلة منه. وأجابه الإمام(ع)، بأن الصادر منه ليس حالة طبيعية، وإنما كان ذلك بأمر من الله تعالى لغرض ومصلحة تتمثل في تفقيه الأمة.

والحاصل، إن المستفاد من الخبر، أن السهو لا يصدر منه إلا إذا كانت هناك مصلحة توجب ذلك.

ويعاني سند هذه الرواية من مشاكل ثلاث:

أحدها: وجود منصور بن العباس، المفتقد للتوثيق في المصادر الرجالية، مضافاً إلى وصفه بأنه مضطرب الأمر، ولعل هذا يشير إلى انحراف عقدي، فتأمل.

ثانيها: وقوع عمرو بن سعيد فيه، وهو فاسد المذهب لأنه من الفطحية، ورواية مثل هكذا رواية من هؤلاء عن الإمام الكاظم(ع)، لعل الغاية منها التشكيك في إمامته، بإبراز أنه(ع) ينسب للنبي(ص) ما ينافي المسلمات الثابتة بين المسلمين، فلاحظ.

ثالثها: الحسن بن صدقة، فقد أشار الحر العاملي(ره) في رسالته التنبيه بالمعلوم[8] إلى كونه غير معلوم الحال. بل ربما ظهر من العلامة(ره) التوقف في كونه إمامياً، فلاحظ.

وهل أن التبرير الذي تضمنه الخبر ينفي عنه المخالفة لما دل على المسلمات الاسلامية، بل يدخله في دائرة التبليغ للشرع الشريف، على أساس أن ما وقع منه(ص) لم يكن حالة طبيعية، بل كان أمراً سماوياً، فلا يكون مخالفاً للقاعدة العقلية، والقاعدة الشرعية؟

إن القبول بذلك يتوقف على أنه هل يبقى ثقة للمتلقين في هذا النبي(ص) بعد علمهم بأنه تصدر منه بعض الأخطاء والسهو ولو بأمر من الله تعالى، أم أنهم سيترددون في كل ما يصدر عنه، بأنه يحتمل أن يكون هذا الفعل الصادر ليس تشريعاً معتمداً، وإنما من التشريع التعليمي التوضيحي لكي يتفقه الناس؟

إن أحرزنا وجود القدرة عند الناس على التفريق، والتفكيك بين الحالتين، بحيث يتمكنون من البناء على أن هذا صادر تشريعاً وهذا تفقيهاً، يمكن القول بعدم المنافاة في الخبر المذكور لحكم العقل القطعي، وبالتالي لن يكون مخالفاً للقاعدة العقلية، وإلا حكم بكونه مخالفاً للقاعدتين، العقلية والشرعية، كما سيتضح، فلاحظ.

ومع انتفاء أصالة الصدور، وعدم توفرها، سوف ينسحب ذلك أيضاً على أصالة الجهة، كيف وقد عرفت أن وجود عمرو بن سعيد في السند، وكون المروي عنه هو الإمام الكاظم(ع)، يقوي نسبة احتمال الكذب والوضع، وليس التقية، بالبيان السابق، فتأمل جيداً.

ومنها: ما رواه الشيخ(ره) مسنداً عن جميل قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن رجل صلى ركعتين، ثم قام، قال: يستقبل. قلت: فما يروي الناس؟ فذكر له حديث ذي الشمالين. فقال: إن رسول الله(ص) لم يبرح من مكانه، ولو برح استقبل[9].

وقد يخدش في سند هذا النص، على أساس أن طريق الشيخ الطوسي للحسين بن سعيد الأهوازي، قد تضمن ابن أبي جيد القمي، وطريق توثيقه منحصر في القبول بكبرى وثاقة جميع مشائخ النجاشي، المقرر في البحوث الرجالية عدم تماميتها، خلافاً للإمام الخوئي(ره) وشيخنا التبريزي(ره)، وبعض أساتذتنا(حفظه الله)، كما أنه تضمن الحسين بن الحسن بن أبان، وهو لم يرد له توثيق في المصادر الرجالية.

ولا يعالج ذلك بوجود طريق آخر للشيخ(ره)، فإنه وإن خلا من ابن أبي جيد، إلا أنه لم يخلو من الحسين بن الحسن، ما يعني بقاء المشكلة.

إلا أن الذي يهون الخطب أن للشيخ(ره) طريقاً ثالثاً إلى جميع كتب وروايات الحسين بن سعيد وجميع رواته من الثقات، فتدبر.

والحاصل، إن الأمر الأول الذي يلزم توفره في أصالة الصدور متوفر في هذا النص، فلاحظ. إلا أن الأمر يبقى في ملاحظة الأمر الثاني، والظاهر انتفائه، ويظهر ذلك بملاحظة التالي:

لقد تضمن النص جواباً من الإمام(ع) بأن من صلى ركعتين وسلم، حكم ببطلان وصلاته ولزوم إعادتها. فما كان من الراوي إلا أن ذكر ما يرويه الناس، ويقصد به عادة فقهاء العامة، من حديث ذي الشمالين، وقد كان جوابه(ع) بمثابة التفصيل بين من قام من مكانه، فقد بطلت صلاته، وبين من لم يقم فلا يحكم ببطلانها.

ولا يخفى أن هذا يعني تراجعاً من الإمام(ع) عما أجاب به في البداية من البناء على الفساد مطلقاً، وهذا يوحي بأن الكلام الصادر منه(ع) كان تقية وليس مراداً جدياً خصوصاً وأن الروي قد عارض مقولته بما يرويه الناس، فلاحظ.

وبالجملة، إن من المحتمل جداً أن هذا النص قد صدر تقية، ولا أقل ما جاء في ذيله مما يكون مربوطاً بمحل الكلام، وهذا يعني عدم إحراز أصالة الجهة في هذا النص، فلاحظ.

ومنها: ما رواه أيضاً مسنداً عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن رجل صلى ركعتين ثم قام فذهب في حاجته، قال: يستقبل الصلاة، فقلت: ما بال رسول الله(ص) لم يستقبل حين صلى ركعتين؟ فقال: إن رسول الله(ص) لم ينفتل من موضعه[10].

وقد تضمن السند رواية الحسين بن سعيد عن فضالة مباشرة، وقد ذكر النجاشي، أنه لم يلقه، وإنما كانت روايته عنه بواسطة أخيه الحسن بن سعيد، وهذا يعني أن النص المذكور، إما أن يكون مرسلاً، لما عرفت من عدم رواية الحسين عن فضالة بدون واسطة، أو أن فيه سقطاً. ومع البناء على وجود السقط فيه، فلابد وأن يحرز وثاقة الحسن بن سعيد، وهي غير متحققة، فإنه لم يوثق في كتب الرجال. نعم تضمنت عبارة الشيخ(ره) في ترجمته التعبير بكلمة(ثقة)، لكنه أختلف في عودها له لكونه صاحب الترجمة، أو لأخيه الحسين، لأنه أقرب إليها. ومع التسليم بعودها إليه، والبناء على وثاقته، فإن ذلك لا يكفي لعلاج مشكلة السند، فإنه يتضمن أيضاً سماعة، وهو منحرف عقدياً، كما لا يخفى.

ولا يختلف الحديث في هذا النص عن الحديث في مروية جميل، من حيث احتمال التقية فيه، وأنه ليس مراداً جدياً للإمام(ع)، فتدبر.

ومنها: ما رواه(ره) مسنداً عن زيد بن علي عن آبائه، عن علي(ع)، قال: صلى بنا رسول الله(ص) الظهر خمس ركعات، ثم انفتل، فقال له بعض القوم: يا رسول الله، هل زيد في الصلاة شيء؟ فقال: وما ذاك؟ قال: صليت بنا خمس ركعات، قال: فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سلم وكان يقول: هما المرغمتان[11].

وقد اختلف النص محل البحث عن سابقيه في أنه تضمن حصول الزيادة، بينما كان ما تقدم يتضمن ذكر النقيصة، كما أنه تضمن أن إصلاح الصلاة التي تزاد فيها ركعة كاملة، يكون بالإتيان بسجدتي السهو فقط.

ويعاني سند هذا الخبر من مشاكل عديدة، فإن طريق الشيخ(ره) إلى سعد بن عبد الله الأشعري يشتمل على محمد بن قولويه، وهو ممن لم يوثق، كما أنه يتضمن الحسين بن علوان الكلبي، وهو مضافاً إلى عدم إحراز عدالته، فإنه لم يوثق، ومحاولة الإمام الخوئي(ره) في إثبات ذلك غير ناهضة. كما أن أحد رواته عمرو بن خالد، وهو من رؤوس الزيدية، وإيراد مثل هذا الخبر يصب في مصلحتهم، لموافقته لبدعتهم المتضمنة لنفي العصمة المطلقة عن الأنبياء والأوصياء(ع).

وأما متنه فيكفي أن يتوجه إلى اشتماله على مخالفة بعض الضرورات الفقهية التي قام عليها الإجماع، مثل كفاية سجدتي السهو لإصلاح الصلاة التي تضمنت زيادة ركعة. مضافاً إلى منافاته لحكم العقلي القطعي، الكاشف عن منافاته للقاعدة العقلية.

هذا ولشيخ الطائفة(ره) كلام جميل جداً يكشف عن حال هذا الخبر، وحقيقته، ذكره بعد نقله إياه، قال(قده): هذا خبر شاذ لا يعمل عليه، لأنا قد بينّا أن من زاد في الصلاة وعلم ذلك يجب عليه استئناف الصلاة، وإذا شك في الزيادة فإنه يسجد السجدتين المرغمتين، ويجوز أن يكون(ع) إنما فعل ذلك لأن قول واحد له لم يكن مما يقطع به، وبجوز أن يكون غلطاً منه، وإنما سجد السجدتين احتياطاً[12]. فقد وصف الخبر أولاً بكونه شاذاً، ولا يخفى على أهل المعرفة والدراية، ماذا يعني توصيف خبر من الأخبار ورميه بالشذوذ، فلاحظ. ثم إنه أشار إلى نكتة مفادها أنه ليس محرزاً أن الصادر منه(ص) تعويل على قول القائل، خصوصاً وأنه قول فرد، وهو لا يوجب العلم والقطع، مضافاً إلى احتمال خطأ هذا القائل في مقالته، وبالتالي لا يعول عليه، وهذا يعني أن الشيخ(ره) يشير إلى نفي وقوع السهو وصدوره من النبي(ص)، نعم اتيانه بالسجدتين من باب الاحتياط.

ونحن وإن كنا نقبل ما أفاده شيخ الطائفة(ره)، إلا أن ما ذكره في آخر كلامه، من إتيان النبي(ص) بسجدتي السهو احتياط، مما لا مجال له عندنا، فتدبر.

ومنها: ما رواه الشيخ(ره) مسنداً عن زيد الشحام أبي أسامة، قال: سألته عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات، قال: إن استيقن أنه صلى خمساً أو ستاً فليعد، وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس، ثم ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد، وإن هو استيقن أنه صلى ركعتين أو ثلاثاً ثم انصرف فتكلم فلم يعلم أنه لم يتم الصلاة قائماً، عليه أن يتم الصلاة ما بقي منها، فإن نبي الله(ص) صلى بالناس ركعتين، ثم نسي حتى انصرف فقال له ذو الشمالين: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ فقال: أيها الناس أصدق ذو الشمالين؟ فقالوا: نعم لم تصل إلا ركعتين، فقام فأتم ما بقي من صلاته[13].

ولا يخفى أن دلالتها على المدعى من خلال تضمنها التعبير بلفظة النسيان، وأن المقصود منه الغفلة، والسهو، وليس المقصود منه الترك بالاختيار والإرادة، كما هو واضح.

نعم يصعب البناء على قبول هذا الخبر، وذلك لأن سنده اشتمل على المفضل بن صالح المعروف بأبي جميلة، وقد نص على ضعفه كل من ابن الغضائري، والنجاشي، وأهمله آخرون، والتضعيف المذكور مانع من التعويل على كبرى مشائخ الثقات المذكورة في كلام الشيخ(ره)، فلاحظ. كما أن متنه تضمن ما يخالف الضرورة الفقهية، فضلاً عن مخالفته لحكم العقل القطعي الموجب لعدم إحراز أصالة الصدور، ووجود أبي جميلة مضافاً لما ذكرنا، يوجب التوقف في إحراز أصالة الجهة، فتدبر.

ثم إنه بعد هذه الجولة المطولة في النصوص التي تضمنت نسبة السهو للنبي(ص)، يخلص منها إلى ملاحظات:

منها: إن بين النصوص المذكورة اختلافاً من حيث المضمون، فإن بعضها اشتمل على التعبير بوقوع السهو منه(ص)، بينما جاء في بعضها الآخر التعبير بحصول النسيان عنده، ولا ريب في وجود فرق بين الموردين، فلاحظ.

ومنها: الاختلاف بينها في الفعل الذي صدر منه(ص) سهواً، وأنه النقيصة، أو أنه الزيادة.

ومنها: ندرة نصوص السهو، وانحصارها كما عرفت في خصوص خبرين فقط، نعم هناك نصوص غير قليلة تضمنت الإشارة إليه، فلاحظ.

ومنها: قد عرفت من خلال العرض، أن أغلب هذه النصوص، مصدرها كتاب التهذيب لشيخ الطائفة(ره)، وهو متأخر من حيث التأليف عن العلمين الكليني، والصدوق(ره)، ولا يذهب عليك أن المصادر المعتمدة في تأليفه كانت بمرأى ومسمع من العلمين المذكورين، وأنهما قد اعتمدا بعضاً منها، وأعرضا عن البقية، وهذا يعني أن للعلمين كلاماً إما في النصوص، أو ربما حتى في المصادر التي اعتمدها الشيخ(ره)، وركن إلى نقل هذه النصوص منها، فتأمل جيداً.

[1] الكافي ج 6 كتاب الصلاة باب من تكلم في صلاته أو انصرف قبل أن يتمها ح 1 ص 269.

[2] التهذيب ج 2 في أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة ص 180 ح 25.

[3] التهذيب ج 2 ص 178.

[4] عيون أخبار الرضا(ع) ج 1 ص 219.

[5] الكافي باب من تكلم في صلاته أو انصرف قبل أن يتمها ج 6 ح 6 ص 274.

[6] معجم رجال الحديث ج 9 ص 127.

[7] التهذيب ج 2 في أحكام السهو ح 20.

[8] التنبيه بالمعلوم ص 64.

[9] التهذيب ج 2 في أحكام السهو ح 22 ص 345.

[10] التهذيب ج 2 في أحكام السهو ح 23 ص 346.

[11] التهذيب ج 2 في أحكام السهو ح 37 ص 350.

[12] التهذيب ج 2 ص 350.

[13] التهذيب ج 2 في أحكام السهو ح 49 ص 352.