29 مارس,2024

ذرية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

اطبع المقالة اطبع المقالة

عندما يطرح الحديث حول الإمام صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء) تتبادر إلى الأذهان مجموعة من الأسئلة، حول موضوعات مختلفة ترتبط بشخصيته المباركة، ولعل من أبرز الأسئلة ما يرتبط حول حياته الشخصية، خصوصاً وأننا قد لا نجد كثير حديث حول هذا الموضوع.

ولهذا يتبادر إلى الذهن سؤال عما إذا كان(بأبي وأمي) قد اقترن بامرأة أو لا، ومع كونه متـزوجاً، فهل أعقب أو بعدُ لم يعقب؟

وربما يتصور البعض أن الحديث حول الجانب الشخصي في سيرته العطرة، ليس كثير فائدة، لأن اللازم هو التركيز على الأبعاد التي تزيد من علاقتنا وارتباطنا به من ناحية، وكيفية تحقق الاستعداد من قبلنا ليوم ظهوره المرتجى، وما هي الشروط التي لابد من تحقيقها حتى يتحقق الظهور الموعود، وأمور أخرى.

ونحن لا نمانع في أن الموضوعات التي ترتبط بشخصيته المباركة ليست على مستوى واحد من حيث الأهمية، إلا أن ذلك لا يستوجب إغفال موضوعات أخرى، فعلى سبيل المثال، موضوع زواجه، ووجود الذرية والعقب له(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وإن لم يكن من حيث الأهمية بمستوى غيره من الموضوعات، إلا أن ذلك لا ينفي وجود الأهمية فيه، خصوصاً وأن هناك نصوصاً قد تُفهم بصورة خاطئة توجب الوقوع في محاذير يلزم عدم الوقوع فيها، فضلاً عن ترتب جملة من الانحرافات العقدية عليها.

هذا ولما كان موضوع زواج صاحب الناحية المقدسة، ووجود الذرية والعقب له(عج) يتضمن أهمية، لذا سوف نجعل حديثنا حوله، وسوف نبدأ بعرض الأمر بصيغة السؤال، فيقال:

هل أن الإمام المنتظر(عج) متـزوج، أم لا، وإذا بني على أنه(ع) متزوج، فهل أن له عقباً وأولاداً، أم أنه لا عقب ولا أولاد له؟

لا يذهب عليك أن الإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن تكون بلحاظين:

الأول: أن تكون الإجابة على طبق القواعد العامة، وما تقتضيه.

الثاني: أن تكون الإجابة وفقاً لما تفيده النصوص الخاصة، لو كانت موجودة، ودلت على وجود العقب له، أم أفادت نفي وجود العقب.

مقتضى القواعد العامة:

لابد قبل أن نتعرض لما تقتضيه القواعد العامة في الإجابة عن السؤال المذكور، من تذكر حقيقة الغيبة، فقد ذُكر في كلمات الأعلام وجود احتمالين في حقيقتها:

الأول: أن يكون المقصود من الغيبة، هو خفاء الشخص، وذلك يعني أن صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء) مختفٍ بشخصه عن الأنظار، حيث لا يصل إليه أحد، ولا يتصل هو بأحد، فكأنه قد وضع في غرفة مغلقة، لا يكاد يصل أحد إليه.

ولا ريب في أن هذه الاحتمال يتنافى وجملة غير قليلة من النصوص التي تضمنت أنه(بأبي وأمي) يحضر الموسم في كل عام، ويكون يوم عاشوراء عند قبر جده الإمام الحسين(ع)، وغير ذلك. فإن ظاهره هذه النصوص أنه(صلوات الله وسلامه عليه) يكون بين الناس، وهذا يتنافى وعنصر خفاء الشخص الذي يذكره هذا الاحتمال، فلاحظ.

الثاني: أن يكون المقصود من الغيبة هو خفاء العنوان، بمعنى أنه يكون موجوداً بين الناس، إلا أنه لا يعرف بشخصه، فهو يعيش معهم وبينهم، وكأنه واحد منهم، لكنهم لا يعرفونه، فهو رجل من الرجال، الذين ينتسبون للسادة الأشراف مثلاً، أما أنه الإمام الحجة(ع)، فهم لا يعرفونه بذلك.

ووفقاً لهذا المحتمل، فليس الإمام(ع) غائباً عن الأنظار، وإنما حقيقته هي الخافية علينا، فشخصه موجود بيننا، إلا أن حقيقته ليست معروفة لدينا.

ولا يخفى أن المحتمل الثاني تساعده مجموعة كبيرة من النصوص، وكذا القصص والحكايات-على فرض القبول بها-التي تضمنت ذكر من رآه.

وعلى أي حال، لا يهمنا الآن استعراض ما يثبت صحة المحتمل الثاني، وبيان ما يضعف المحتمل الأول، فإن لذلك مجاله، بل الذي يهمنا أنه ووفقاً لكلا المحتملين الذين ذكرا في حقيقة الغيبة، هل يمكن الالتـزام بثبوت الزوجية، ومن ثم ثبوت العقبة لصاحب الناحية المقدسة، أم لا يمكن ذلك.

احتمال خفاء الشخص:

أما بناءاً على الاحتمال الأول، وهو خفاء الشخص، فلا ريب ولا إشكال في أنه لا مجال للقول بثبوت الزوجية له(ع)، ذلك لأن ثبوتها إليه يتنافى والغاية والهدف الذي حصلت الغيبة من أجله، إذ أن أحد الأهداف من وقوعها هو خفاء شخصه عن كل أحد من أجل الحفاظ عليه وحمايته، والحيلولة دون وصول الأعداء إليه.

ومن الطبيعي جداً أن زوجيته بامرأة تنافي هذا المعنى، وتوجب انكشاف أمره، ومن ثمّ انتفاء هذه الغاية التي غاب من أجلها.

اللهم إلا أن يدعى أنه سوف يتزوج بامرأة مأمونة جداً، وقد أعدت إعداداً دقيقاً جداً بحيث يمكنها حفظ سره وعدم البوح به لأحد، ولا يكون في لقائه بها خطر عليه من قريب أو بعيد، ولعل هذا من الفرد النادر الذي يمكن أن يصل إلى المعدوم.

والمتحصل أنه لو ألتـزم بثبوت المحتمل الأول في حقيقة الغيبة، لكان اللازم هو البناء على نفي الزوجية عنه بمقتضى القاعدة العامة، وبالتالي عدم ثبوت العقب والذرية له(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ولا يستلزم البناء على مثل هذه النتيجة أي استغراب أو دهشة، لأن هناك من لا زال على قيد الحياة، من أولياء الله سبحانه، ولم تثبت الزوجية لهم، فهذا نبي الله المسيح عيسى بن مريم(ع)، لم تتضمن النصوص الشريفة وجود الزوجة له، وكذا العبد الصالح الخضر(ع)، وأيضاً النبي إلياس(ع)-على القول ببقائه حياً-.

احتمال خفاء العنوان:

أما لو بني على الاحتمال الثاني، وأن حقيقة الغيبة عبارة عن خفاء العنوان وليس خفاء الشخص، فينبغي الحديث ضمن بعدين:

الأول: الزوجية، وهل أنه متـزوج أم لا.

الثاني: ثبوت الذرية والعقب.

أما بالنسبة إلى البعد الأول: فالحديث فيه تارة من حيث الإمكان، وأخرى من حيث الوقوع:

أما الحديث فيه من حيث الإمكان، فالظاهر أنه لا إشكال في ثبوت الزوجية إليه بالنظر الأولي، ذلك أنه يتواجد في الوسط الاجتماعي كبقية الأفراد، ويعيش بينهم كواحد منهم.

إلا أن ما تضمنته النصوص من أنه(ع) في عمر الأربعين، مما يعني أنه لن يظهر عليه الشيب ولن يبدو عليه الكبر، كما أن حالاته الخاصة التي يعيشها(بأبي وأمي) قد توجب تسرب التشكيك إلى ذهن هذه الزوجة، بل يحصل عندها الارتياب منه.

وقد عولج مثل هذا المانع من خلال إقدامه(عج)على طلاق المرأة، وإبعادها عن نفسه، أو قيامه بمغادرة المدينة التي كان يقطن فيها إلى مكان آخر، ويقوم بعدها بالزواج من امرأة أخرى[1].

ويصعب الالتـزام بمثل هكذا علاج، ضرورة أن إقدامه على الطلاق بعد التسليم بكونه من المباحات، يمنعه ما نعتقده من أن المعصوم(ع) لا يفعل كل مباح، كما أشير لذلك في محله. على أنه قد ثبت في الفقه أن الطلاق من المكروهات، وقد ثبت عندنا في كتب الكلام أن المعصوم(ع) لا يفعل المكروه، فكيف بالمداومة عليه، إذ أن مقتضى التقريب السابق استمراره(روحي له الفداء)على الطلاق، فلاحظ.

ولعل القائل بمثل هذا العلاج أراد أن إقدامه على طلاق المرأة لما كان لغاية أهم وأسمى وهي الحفاظ على صاحب الناحية، كان ذلك متضمناً لأمر راجح، يوجب تقديمه، ويحسن فعله من المعصوم(ع)، أما أنه يتركها ويخرج من تلك المدينة التي كان يعيش فيها، فالظاهر أن نظره انطباق حكم الغائب عليه، فيمكنها عند ذلك الطلاق المعروف بطلاق الغائب، والمفصل في كتب الفقه.

وعلى أي حال، إن النفس لا تركن لمثل هذه الإجابة عن التعليل السابق الموجب للمانعية ، خصوصاً وإذا لاحظنا أنه لا موجب للالتـزام بثبوت الزوجية له، كيف وقد عرفت منا فيما تقدم أن هناك أنبياء وأولياء لم يتـزوجوا، بل هذا نبي الله يحيى(ع) قد وصفه القرآن الكريم بكونه سيداً وحصوراً، وما ذلك إلا لأن عدم الزوجية كان أمراً راجحاً بالنسبة إليه، فتدبر.

الاستدلال باستحباب الزواج:

وأما الحديث فيه من حيث الوقوع، فلو بني على حصول الإمكان، فقد يتمسك لإثبات الزوجية له(بأبي وأمي)على أساس أن في الزواج تطبيقاً للسنة المؤكدة في الإسلام، وتنفيذاً للأوامر الكثيرة الحاثة على الزواج، والنهي عن تركه.

وبكلمة، لا خلاف في كون الزواج من المستحبات المؤكدة، وبناءاً على ما تقرر من أن المعصوم(ع) لا يترك المستحب، ولا يفعل المكروه، مهما أمكن، فلابد وأن يكون(عج) متزوجاً.

ولا يخفى أن التقريب المذكور مبني على لحاظ ما دل على استحباب الزواج للمكلف، وقد فات المستدل أن الزواج من الأحكام التي تختلف باختلاف مواردها، ذلك أنه كما يكون مستحباً، فقد يكون واجباً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون محرماً، فلو كان الزواج يوجب الإخلال بواجب من الواجبات، أو يوجب ترك حق من الحقوق الواجبة، كان محرماً.

ولا ريب في أن البناء على ثبوت الاستحباب في شأن الإمام المعصوم(ع) بعيد غايته، ذلك أنه لمن تاقت نفسه إليه، واشتاقت، وكلنا يعلم أن هناك فرقاً بيّناّ بين المعصوم وبين كافة البشر، فإن المعصوم لا يتعاطى مع هذه الأمور من شهوتي الفرج والبطن بالصورة التي يتعاطى معها بقية البشر، بل إن تعاطيه معها لما تتضمنه من عبادة وموجبَ زيادةِ قربٍ من الباري سبحانه وتعالى.

على أنه لو رفعت اليد عما قدمنا ذكره، فلا ريب في أن البناء على الاستحباب رهين عدم ترتب مفسدة على الفعل، وإلا كان الفعل محرماً، ووفقاً لما قدمنا ذكره، من أن أحد دواعي الغيبة الحفاظ عليه وعدم انكشاف أمره، وحمايته من أعدائه، يفيد ترتب مفسدة على زواجه لأنه يوجب انكشاف أمره كما ذكرنا، وعندها ينتفي ثبوت الاستحباب، ولعل هذا هو بنفسه الجاري في شأن المسيح عيسى والخضر(ع)، فإن في زواجهما منافاة للغاية التي من أجلها بقيا، فلا تغفل. على أن نبياً من الأنبياء وهو يحيى(ع) كما عرفت لم يتـزوج، بل وصف في القرآن بتركه ذلك مدحاً له، لا لشيء إلا لأن عدم الزواج كان هو الصلاح له، فلاحظ.

ثبوت العقب والذرية:

وأما بالنسبة للبعد الثاني، فوفقاً لما قدمنا من نفي الإمكان، ومن ثمّ نفي الوقوع، فلا حاجة للحديث عن هذا البعد، ضرورة أنه مترتب على وجود الزوجة، وقد عرفت في البعد الأول نفيها.

لكن لو سلمنا بثبوت الزوجية، إمكاناً ووقوعاً، فيأتي الحديث عن وجود العقب والذرية، وقد يلتـزم أنه لا محذور في ثبوت الولد له بعدما ثبتت له الزوجية، خصوصاً وأن الفرض أنه لا يكون معروفاً لهم، إذ أنه يعيش بينهم كواحد من عامة الناس من السادة الأشراف.

إلا أن في البين محذوراً يوجب التوقف في ثبوت الذرية، وهو عين ما سبق ذكره بالنسبة للزوجية، وحاصل بيانه في المقام: إن وجود الذرية يوجب تحقق الانكشاف أمامهم، وفقدان إحدى الأهداف التي وقعت الغيبة من أجلها، وهو الحفاظ على شخصه الشريف، وحياته الطاهرة، ذلك لأن الأولاد يرتبطون بأبيهم، ويتعلقون به، وما ذكر علاجاً للتخلص من الزوجة هناك لا مجال لتطبيقه في البين، فإنه لا يمكن أن يتخلص من الأبناء بطلاق ولا بمفارقة.

مضافاً إلى أن الأبناء سوف يلحظون عدم بدو التغير وظهوره على أبيهم، مع أنهم يبدأون بالشيخوخة، وحصول الهرم، وطرو الضعف، فإن ذلك موجب لحصول الريبة ولاشك منهم فيه.

ولا نتصور أن يعمد في المقام إلى إعمال قانون المعجزة، فيقال بأنه يعيش بينهم، وتجري عليه جميع الظروف الموضوعية الطبيعية التي تجري على الأفراد، فيصاب بالشيخوخة والهرم، لكنه بعد مدة يعود إلى وضعه الطبيعي. ومنشأ ذلك أن مسألة ثبوت الزوجية والذرية ليست أمراً تتوقف عليه الهداية الإلهية حتى يكون محتاجاً إلى التأيـيد بقانون المعجزة، والخرق للعادة.

وقد تحصل من كل ما تقدم، أنه لو كنا ومقتضى القواعد العامة، لبني على عدم ثبوت الزوجية، له بأبي وأمي، وعليه فلا ذرية ولا عقب، ولا أقل من الالتـزام بثبوت الزوجية له، لكنه لا مجال للقول بثبوت العقب والذرية حينئذٍ، فتدبر.

مقتضى النصوص الخاصة:

ثم إنه بعد الفراغ عن بيان حقيقة الأمر وفقاً لمقتضى القواعد، يلزم الحديث حول النصوص الخاصة، ولا يذهب عليك أنه لو تم شيء من النصوص الخاصة في الدلالة على ثبوت الزوجية من جهة، أو ثبوت العقب والذرية، من جهة أخرى، فإن ذلك يستدعي رفع اليد عن مقتضى القواعد العامة. ولهذا لابد من النظر في تلك النصوص التي يدعى دلالتها على ذلك، حتى يرى مقدار تماميتها في الدلالة على المدعى، مما يوجب رفع اليد عن مقتضى القواعد، أم لا.

هذا وقد نقل شيخنا المحدث الطبرسي(ره) في كتابه النجم الثاقب[2] جملة من النصوص للدلالة على ثبوت العقب والذرية له(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ولا ريب أنها تدل بالدلالة الالتـزامية على ثبوت الزوجية له، وتلك النصوص:

الأول: ما جاء في غيبة الشيخ(ره) بسند ينتهي إلى المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، ويقول بعضهم: قتل، ويقول بعضهم: ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولده، ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره[3].

الثاني: ما رواه شيخ الطائفة(ره) في الغيبة وجماعة بأسانيد متعددة عن يعقوب بن يوسف الضراب الأصفهاني-في حديث- أنه (ع)أرسل إليه دفتراً وكان مكتوب فيه صلوات الله على رسول الله(ص) وباقي الأئمة وعليه صلوات الله عليه، وأمره إذا أردت أن تصلي عليهم فصلي عليهم هكذا، وهو طويل في موضع منه: اللهم أعطه في نفسه، وذريته وشيعته، ورعيته، وخاصته وعامته، وعدوه وجميع أهل الدنيا ما تقرّ به عينه.

وفي آخره هكذا:

وصل على وليك، وولاة عهده، والأئمة من ولده، ومد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم ديناً ودنيا، وآخرة، إنك على كل شيء قدير[4].

الثالث: ما ذكره السيد ابن طاووس في كتابه جمال الأسبوع في الزيارة المخصوصة التي تقرأ في يوم الجمعة: صلى الله عليك وعلى آل بيتك الطيبين الطاهرين[5].

وفي موضع آخر منها: صلوات الله عليك وعلى آل بيتك هذا يوم الجمعة[6].

الرابع: حكاه صاحب البحار عن كتاب مجموع الدعوات لهارون بن موسى التلعكبري من السلام والصلاة على رسول الله(ص)، وعلى جميع الأئمة(ع) واحداً واحداً، حتى يصل إلى صاحب الناحية المقدسة، فيقول: السلام على ولاة عهده، والأئمة من ولده، اللهم صل عليهم، وبلغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وأعز نصرهم، وتمم لهم ما أسندت من أمرك، وأجعلنا لهم أعواناً، وعلى دينك أنصاراً، فإنهم معادن كلماتك، وخزائن علمك، وأركان توحيدك، ودعائم دينك، وولاة أمرك، وخلصائك من عبادك، وصفوتك من خلقك، وأوليائك وسلائل أوليائك، وصفوة أولاد أصفيائه، وبلغهم منا التحية والسلام، وأردد علينا منهم السلام، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته[7].

الخامس: ما نقله السيد ابن طاووس من دعاء يقرأ بعد زيارة صاحب الناحية المقدسة(عج)، وقد جاء فيه: اللهم أعطه في نفسه وذريته وشيعته ورعيته وخاصته وعامته وجميع أهل الدنيا ما تقر به عينه، وتسر بن نفسه[8].

السادس: قصة الجزيرة الخضراء.

السابع: ما نقله الشيخ الكفعمي في مصباحه أن زوجته(ع) هي إحدى بنات أبي لهب[9].

الثامن: ما نقله السيد ابن طاووس في كتاب عمل شهر رمضان عن ابن أبي قرة دعاءاً لابد أن يقرأ في جميع الأيام لحفظ وجود الإمام الحجة(ع)، وقد جاء في فيه: وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين[10].

التاسع: الخبر الذي رواه شيخ الطائفة بسند معتبر عن الإمام الصادق(ع)، وهو يتضمن بعض وصايا رسول الله(ص) لأمير المؤمنين(ع) في الليلة التي كانت فيها وفاته ومن فقراتها أنه قال: فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين[11].

العاشر: ما ذكره الكفعمي في مصباحه: روى يونس بن عبد الرحمن عن الرضا(ع) أنه كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر(ع) بهذا الدعاء: اللهم ادفع عن وليك…إلى آخره. وأنه ذكر في آخر: اللهم صل على ولاة عهده، والأئمة من بعده[12].

الحادي عشر: ما ورد في مزار محمد بن المشهدي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال لأبي بصير: كأني أرى نزول القائم(ع) في مسجد السهلة بأهله وعياله[13].

الثاني عشر: ما حكاه العلامة المجلسي(قده) في مجلد الصلاة من البحار في أعمال صبح يوم الجمعة عن أصل قديم من مؤلفات قدمائنا دعاءاً طويلاً يقرأ بعد صلاة الفجر، ومن فقرات الدعاء للحجة(ع): اللهم كن لوليك في خلقك ولياً وحافظاً، وقائداً وناصراً حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه منها طولاً، وتجعله وذريته فيها الأئمة الوارثين[14].

ولا يذهب عليك أن أكثر ما سطرته يراع هذا العلم خارج عن المدعى، ضرورة أن الحديث في ثبوت ذرية وعقب له(روحي لتراب حافر جواده الفداء) في زمان الغيبة الكبرى، وليس الحديث حول ثبوت مطلق العقب له(بأبي وأمي) ولو كان ذلك في عصر الظهور، وحتى يتضح المطلب بصورة أوضح وأجلى، نقول: إنه يمكننا تصنيف النصوص التي ذكرها المحدث النوري إلى طائفتين:

الأولى: النصوص التي تضمنت ذكر وجود الولد والعقب له في زمان الغيبة الكبرى، وقبل تحقق زمان الظهور.

الثانية: النصوص التي تضمنت الحديث عن ثبوت العقب والذرية له، لكنها ساكتة عن تحديد وقت وجودها، وهل أن ذلك يكون في زمان الغيبة الكبرى، أم يكون ذلك بعد ظهوره(بأبي وأمي) وملئه للأرض قسطاً وعدلاً. وهذا يعني أن النصوص مجملة من هذه الناحية، فهي لم تحدد وقت وجود الذرية والعقب، فضلاً عن حصول الزوجية، كما أنها لم تتضمن أن الزوجية كانت بعنوانه الواقعي، أم كانت وفقاً لمبدأ خفاء العنوان الذي هو حقيقة الغيبة في زمان الغيبة الكبرى، فلاحظ.

وتنحصر نصوص الطائفة الأولى في ثلاثة أخبار، وهي الخبر الأول، والخبر السادس، والخبر السابع، ولا يخفى أن الخبر السابع إنما يتضمن ثبوت الزوجية، من دون أن يتضمن إشارة من قريب أو بعيد لثبوت العقب والذرية، إلا أن يدعى أن ثبوتها حينئذٍ سوف يكون من باب اللازم الذي لا ينفك، فتأمل جيداً.

وأما بقية النصوص، فإنها بأكملها داخلة تحت الطائفة الثانية، حيث أنها لم تتضمن التصريح بوقت وزمان وجود الذرية والعقب، بل لا يبعد القول بأنها صريحة في كون ذلك بعد الظهور، والانتصار، فلاحظ.

ولا مجال في البين للجمع بين الطائفتين من خلال حمل الثانية على الأولى، بدعوى أن إحداهما مطلقة والثانية مقيدة، فيكون من صغريات حمل المطلق على المقيد. لما تقرر في محله من علم الأصول من أن حمل المطلق على المقيد فرع وجود التنافي بين الطائفتين، وهذا يعني أنه متى كانت الطائفتان مثبتين كما في المقام، فلا تحمل إحداهما على الأخرى، فلاحظ.

ثم إنه بعد التسليم بتمامية ظهور نصوص الطائفة الأولى، في ثبوت الذرية والعقب له(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، فهل يوجب ذلك رفع اليد عن مقتضى القواعد العامة والتي تقدم ذكرها، أم لا؟

إن الإجابة على هذا رهين توفر أمرين في نصوص الطائفة الثانية:

الأول: ثبوت المقتضي لهذه النصوص في الدلالة على المدعى، وهذا يتوقف على إمكانية الاستناد لها، بحيث تحرز أصالة الصدور فيها، وتكون أصالة الظهور تامة.

الثاني: فقدان المانع، فلا يكون في المقام ما يمنع من الركون والاستناد إليها، من معارض، وما شابه.

ثبوت المقتضي لنصوص الذرية:

أما بالنسبة للرواية المنقولة من كتاب الغيبة للشيخ الطوسي(ره)، وهي أول الأخبار التي حكاها المحدث النوري(قده):

فأما الأمر الأول، فإنه قد يحكم بإحراز أصالة الصدور فيها، خصوصاً لو لم يعمد إلى المناقشة في سندها نتيجة وقوع المفضل بن عمر الجعفي فيه، حيث أن الكلام فيه طويل، وقد تضمنت كلمات أكابر علماء الرجال كابن الغضائري(ره) مثلاً ضعفه.

إلا أنه يمنع من إحراز أصالة الظهور فيها، لأن استدلال المستدل بها على المدعى مبني على قوله(ع): لا يطلع على موضعه أحد من ولده، لكون التعبير المذكور ظاهر في ثبوت الذرية والعقب له في زمان الغيبة الكبرى.

وهذا الاستدلال يتوقف على ثبوت نسخة الكتاب بهذه الصيغة، إلا أننا نجد أن الشيخ النعماني(ره) قد نقل الرواية نفسها وبعين السند، وعن نفس الإمام(ع)، من دون أن تكون متضمنة لمحل الشاهد، فقد رواها عن المفضل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله(ع) قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره، إلا المولى الذي لي أمره[15].

على أن نفس شيخ الطائفة(ره) قد روى رواية قريبة المضمون جداً من الرواية المستشهد بها على المدعى عن المفضل بن عمر أيضاً، قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، حتى يقال: مات، وبعض يقول: قتل، فلا يبقى على أمره إلا نفر يسير من أصحابه، ولا يطلع أحد على موضعه وأمره ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره[16].

ولا يبعد، بل لو لم يكن هو المطمأن به اتحاد ما رواه الشيخ(ره)، إذ من المستبعد جداً أن يروي المفضل عن الإمام الصادق(ع) روايتين في نفس المضمون والمعنى، وما يتصور من التعدد من تغاير في اللفظ مرجعه إلى الراوي بعد المفضل، إذ من المطمأن إليه كون المفضل قد حدّث بالخبر المذكور، ومن ثمّ نقله الرواة عنه، ولما كان النقل بالمعنى، حصل شيء من التغير في اللفظ المحكي عن مقول الإمام(ع)، وبالتالي لا يتصور التعدد، مما يثبت كونهما رواية واحدة، فلاحظ.

وعليه، وفقاً لما استظهرناه من اتحاد مرويي شيخ الطائفة، لابد وأن يكون أحد النقلين هو المرجح على الآخر، ولما كان الخبر الذي لا يتضمن تعبير(الولد) موافقاً لما جاء في عبارة الشيخ النعماني من جهة، كان ذلك موجباً لترجحه على الخبر الآخر، فتدبر.

هذا ويساعد على الالتـزام بما ذكرنا، قرب لفظة (ولي)، ولفظة(ولد)من حيث النسخ، وبالتالي تصور التصحيف والخطأ من النساخ وارد جداً، فلاحظ.

على أنه يمكن البناء على أن الرواية التي استند لها المحدث النوري(ره)، في إثبات العقب والذرية في زمان الغيبة الكبرى، مما تعرض للتصحيح القياسي، بمعنى أن الناقلين للخبر من بعد شيخ الطائفة(ره)، والمحدثين به عن كتابه، قد عمدوا إلى تصحيحه على جملة من النصوص التي تضمنت شدة الحيطة والحذر في الغيبة، كما سيأتي، كما يمكن أن يكون ذلك نحو من أنحاء الاجتهاد من النساخ والقائم على احتمال كون المقصود من كلمة(ولي) هو(ولد)، فتدبر.

ثم إنه لو لم يقبل بشيء مما ذكرنا، فلا مناص، أنه تقع المعارضة حينئذٍ بين نسختي الخبر، وبالتالي، إما أن يعمد للترجيح، بتقديم كتاب الغيبة لشيخ الطائفة(ره)، أو بتقديم كتاب الغيبة للشيخ النعماني(قده)، وقد جرت العادة أنه في موارد التعارض بين النسخ لا يعمد لتقديم كتب شيخ الطائفة(ره)، لا نقصاً فيه(قده)، إذ هو شيخ الطائفة(ره) بلا منازع، وإنما يبرر ذلك بكونه قد اشتغل في علوم كثيرة، قد أوجبت كون أكثر مؤلفاته مسودات لم تخرج للتبيـيض، فأوجب هذا وقوع التصحيف والاجتهاد فيها، وعليه فسوف يكون الترجيح عندها لكتاب الغيبة للشيخ النعماني، في المقام، فلاحظ.

على أن هناك مانعاً آخر يمنع من ثبوت أصالة الظهور في الخبر المذكور، ومن ثمّ منع دلالته على المدعى، إذ أنه وإن سلم بكون الوارد في النص هو لفظ(ولد)، وليس لفظ(ولي)، إلا أنه لا مجال للبناء على دلالته على المدعى، ويظهر ذلك بملاحظة الدواعي التي وقعت الغيبة من أجلها، فإن مما لا ينكره أحد أنه كانت العناية الإلهية منصبة على إخفاء صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وكان هناك حرص شديد على عدم وصول الأعين إليه، وهذا هو المقصود بالتعبير المذكور، بمعنى أنه(ع) يؤكد شدة الحرص وشديد المبالغة في اخفائه، وإبعاده عن الأنظار والأعين، فيذكر أنه حتى لو كان له ولد وعقب، فإن أولاده لن يصلوا إليه. وأين هذا من دعوى ظهور النص في ثبوت العقب.

هذا ويوجد في النص المذكور أمر يلزم التوجه، ولا ينبغي الغفلة عنه، فإنه لو سلم بالقبول بدلالته، فهو ينفي اتصال أولاده به، وهذا يعني أنه لو ثبت وجود الأولاد له في عصر الغيبة الكبرى، فإنهم لا يصلون له ولا يتصلون به، فتدبر.

فتحصل إلى هنا أن المقتضي في النص المذكور غير تام، وعليه لا تصل النوبة للحديث عن وجود المانع، إلا أننا سوف نشير إليه إن شاء الله في ما يأتي استكمالاً للبحث، وتكميلاً للفائدة.

وأما الحديث عن النص السادس، وهو الذي تضمن ذكر قصة الجزيرة الخضراء برواية المازندراني، أو ما هو قريب منها برواية الأنباري، فإن الحديث عنه وإن كان يستدعي بحثاً مفصلاً لتناول هذه القصة ودراستها من جوانب عددية، إلا أننا نشير إجمالاً لما يتصور فيها بما يكون مربوطاً بمحل الكلام، فقد تضمنت هذه القصة برواية الأنباري أن محلها في البحر الأبيض المتوسط في جزر مجهولة، وقد ذكرت أنه له(بأبي وأمي) أولاداً سمتهم بأسماء:

1-طاهر بن محمد بن الحسن، وهو يحكم الجزر التي تسمى بالزاهرة.

2-قاسم بن محمد بن الحسن، ويحكم الجزر التي تسمى بالرائقة.

3-إبراهيم بن صاحب الأمر، ويحكم بلدة تسمى بالصافية.

4-عبد الرحمن بن صاحب الأمر، والبلدة التي يحكمها أسمها طلوم.

5-هاشم بن صاحب الأمر، ويحكم بلدة تسمى عناطيس.

ولم تتضمن رواية المازندراني وجود الأولاد المباشرين للمولى(روحي له الفداء)، بل كان الحديث فيها حول حفيده السادس، إذ بينهما خمسة أباء.

وأول ما يخطر إلى الذهن حول هذه القصة برواية الأنباري، تساؤل حاصله: إن نقل هذه القصة كان في القرن السادس، وهذا يعني أن عمره الشريف(عج)في ذلك الوقت كان في حدود الأربعمائة سنة، فهل أن أبنائه أيضاً يملكون هذه الخاصية الثابتة له أعني التعمير، وطول العمر، أم أن المذكورين وقت الإخبار عن هذه القصة كانوا من الأحفاد، وليسوا من الأولاد؟!

ورواية المازندراني مؤرخة في القرن السابع، فيجري فيها ما تقدم، مع ملاحظة زيادة العمر مائة عام.

على أن هذه القصة تنافي ما قدم ذكره من الاحتمالين في حقيقة الغيبة، إذ أن منافاتها لحقيقة الغيبة وفقاً للمحتمل الأول واضحة جداً، بل حتى وفقاً للمحتمل الثاني، فإن المنافاة حاصلة، فتدبر.

هذا ولو قيل، بأنه لا منافاة فيها للمحتمل الأول، إذ أنه(عج) يعيش منعزلاً عن العالم في تلك الجزر، فلا يطلع عليه أحد حتى أولاده الحاكمين لتلك الجزر، أو أحفاده. كفى في رده أن احتمال كون المقصود من الغيبة هو خفاء الشخص، احتمال باطل.

وثالثاً: إن مقتضى ما تضمنته القصة المذكورة أنه(عج) يعيش في ذلك المجتمع بعيداً عن الأنظار معتزلاً الناس، وغير متواجد بينهم، مع أن الثابت من النصوص كونه يحضر الموسم، ويكون عند قبر جده الحسين(ع) في كل ليلة جمعة، بل إن الحكايات التي ذكرها المحدث النوري(ره)، والتي تضمنت اللقاء به تنافي ما جاء في هذه القصة من العزلة، فلاحظ.

هذا كله مع التسليم بقبول هذه القصة، والالتـزام بإحراز صدورها، وأنى لقائل أن يقول بذلك، وهي غير مروية عن معصوم، ولم ترد في شيء من المصادر الحديثية المعتبرة عن أعلام الطائفة المحقة.

ثم إنه قد ذكر بعض الأعلام(قده) ملاحظات أخرى غير ما ذكرنا حول هذه القصة، وحول القصة الأخرى المشابهة لها، نشير لبعضها:

منها: إنه قد تم مسح الكرة الأرضية شبراً شبراً، ومتراً متراً، واطلع الناس على خفاياها وزواياها، ولم يجد أحد تلك المناطق، ولا اطلع على وجود تلك الجزر والمدن، فلو كانت موجودة لعرفت يقيناً، وهذا يعني عدم وجودها أصلاً.

وما ذكره المحدث النوري(ره) من أن القدرة الإلهية قد تدخلت فأخفت هذه الجزر والمدن عن الأنظار، فإن أقصى ما يثبته هو الإمكان العقلي، لكنه يفتقد إلى الدليل الكاشف عن الوقوع الخارجي.

مع أنه قد نص هو(ره) أن سفن الأعداء متى دخلت البحر الأبيض، غرقت بقدرة الله تعالى، وهذا يعني أن سفن الأعداء تصل إليها، فلو كانت مخفية عن الأنظار، فما هو الموجب لغرق تلك السفن، لأن المفروض أنها لن تطلع عليها.

ومنها: إن هاتين القصتين، قصة الأنباري، والمازندراني، تنافيان مجموعة كبيرة من الأخبار، فهي تنافي أخبار التمحيص والامتحان الإلهي، وهي تدل على قانون إلهي وقعت من أجله الغيبة الكبرى. كما تنافي الأخبار التي تضمنت أنه(روحي لتراب حافر جواده الفداء) لا يسكن منطقة واحدة. وكذا تنافي الأخبار التي تضمنت مشاهدته(بأبي وأمي) في غير هذه المدن.

ومنها: إن مضمون هاتين القصتين، هو إقامته(بأبي وأمي) لمجتمع صالح، وهذا يتنافى والنصوص التي اشتملت على أنه إذا خرج ملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً[17].

وقد تحصل مما تقدم أن قصة الجزيرة الخضراء ليست أحسن حالاً من خبر الغيبة للشيخ الطوسي، فإنها مثله في عدم تمامية المقتضي، فلا تصل النوبة للحديث عن المانع.

بقي الحديث حول الخبر السابع، وهو الذي حكاه المحدث النوري عن مصباح الكفعمي(ره)، من أن زوجته بنت أبي لهب، وهذا كما عرفت لا يتضمن ذكراً للولد والعقب إلا من باب الملازمة.

ولا يخفى أن ما ذكر مع أنه ليس نصاً مروياً عن معصوم، وإنما هو قول يحكى عن مؤلف من الأعلام(ره)، فلا يصلح أن يكون حجة أو مستنداً شرعياً في مقام الاستدلال.

ومع التنـزل عن ذلك، فإن الموجود في نسختين للمصباح أن زوجته بنت أبي الشيب، وليس بنت أبي لهب، فلاحظ.

ثم إنه لو رفعنا اليد عما تقدم، فإن القول بثبوت مثل هذه الزوجية يتوقف على وجود العقب لأبي لهب، والمذكور في الكتب التاريخية، أن عقب عبد المطلب، قد انحصر في خصوص أبي طالب(ع)، والعباس(رض)، لأن الباقيين بعده من الأبناء، هم أبو طالب(ع)، والحمزة، والعباس، والزبير، وأبو لهب.

وقد ذكر شيخنا صاحب الجواهر(قده) أنه لم يثبت الآن من ينتسب إلى الحارث وأبي لهب[18]. وقال أيضاً عند قول المحقق(ره): مستحق الخمس، وهو من ولده عبد المطلب، وهم بنو أبي طالب، والعباس، والحارث وأبي لهب،…بل لم يعرف منهم اليوم إلا المنتسب إلى الأولين، بل لم يبارك الله إلا في ذرية الأول منهما[19].

وعبارته تفيد أنه لا يوجد اليوم عقب لأبي لهب، ولو كان له بنت مثلاً، وقد تزوج بها صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، لأمكن القول ولو بالملازمة من وجود العقب إليه، لما هو المعروف من أن أبناء البنت أبناء حقيقة.

وبالجملة، ليس في أيدينا ما يفيد وجود عقب لأبي لهب، خصوصاً وأن المحكي تأريخياً أنه كان له ولدان، وقد كانا زوجين لابنتي رسول الله(ص)، أو ربيبتيه، وقد فارقاهما بأمر من أمهما، وقد هلكا ولم يعرف لهما عقب، فكيف نتصور وجود ذرية لهذا الرجل، حتى تكون له ابنة حتى يتزوج بها المولى(روحي لتراب حافر جواده الفداء).

وقد تحصل إلى هنا أيضاً أن الخبر الثالث، ليس تام المقتضي، فلا تصل النوبة فيه أيضاً إلى المانع، فتدبر.

وجود المانع من قبول نصوص الذرية:

ثم إنه بعدما عرفت من عدم توفر المقتضي في النصوص المذكورة، لا تصل النوبة للحديث عن وجود المانع من الاستناد إليها، إلا أنه ورغبة في استكمال البحث، نشير إلى ما يتصور من مانع فيها، وهو عبارة عن ما روي عن الإمام الرضا(ع) بسند صحيح عن الحسن بن علي الخزاز قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا(ع)، فقال له: أنت إمام؟ قال: نعم. فقال له: أني سمعت جدك جعفر بن محمد(ع) يقول: لا يكون الإمام إلا وله عقب.

فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟! ليس هكذا قال جعفر(ع)، إنما قال جعفر(ع): لا يكون الإمام إلا وله عقب، إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي(ع)، فإنه لا عقب له. فقال له: صدقت جعلت فداك، هكذا سمعت جدك يقول[20].

وتقريب الاستدلال به على المدعى من خلال ما اتفقت عليه كلمة أهل الحق من الشيعة الإمامية من ثبوت مبدأ الرجعة، وأن أول الراجعين هو المولى الإمام أبو عبد الله الحسين(ع)، وأنه رجعته سوف تكون بمجرد خروج القائم المنتظر المهدي(روحي لتراب حافر جواده الفداء) من عالم الدنيا، وأنه هو الذي سيلي أمره، وليس من بعده امام، ثم تبدأ الرجعة للبقية بعد ذلك، فعلى هذا يكون قوله(ع): الذي يخرج عليه الحسين بن علي(ع)، هو الإمام الحجة المهدي(روحي له الفداء)، وهو الذي عبر عنه بأنه ليس له عقب.

ومما ذكرنا يتضح ضعف التوجيه الذي أفاده المحدث النوري(قده) في كتابه النجم الثاقب، فإنه ذكر احتمالين:

الأول: أن المقصود من أنه لا عقب له، أي لا يكون أحد من أولاده إماماً، وهذا يعني أن الصحيح لا ينفي وجود العقب لصاحب الناحية المقدسة.

الثاني: أن الذي يرجع عليه الحسين بن علي(ع) ليس له ولد، ولم يحدد المقصود من الذي يرجع عليه الإمام الحسين(ع)[21].

ولا يخفى ما فيهما، فإن الأول منهما خلاف الظاهر جداً، إذ أن الذي تنفيه صحيحة الخزاز هو وجود العقب والذرية، وليس المنفي هو منصب الإمامة، كما لا يخفى، ويؤكد ما ذكرنا بل يدل عليه ما نقلته المصادر التاريخية من تأخر رزق الإمام الرضا(ع) بالولد، فإن المعروف أنه لم يرزق بالإمام الجواد(ع) إلا متأخراً، ولهذا كان ذلك سبباً داعياً للتشكيك في إمامته، فجاءه البطائني يريد نفي الإمامة بما ذكر، فلاحظ.

وأما الثاني، فإنه غير واضح، إذ لا نتصور أن شيخنا المحدث النوري(ره) يؤمن بأن الإئمة ثلاثة عشر، كيف وهو الخبير بالنصوص والعارف بأنها قد تواترت على أنهم اثني عشر إماماً، وهذا يعني أنه يسلم بدلالة الصحيح، فلا تغفل.

هذا وقد يتمسك بالوجه الثاني الذي ورد في كلام المحدث النوري، ويدعى أن المقصود بالذي يخرج عليه الإمام الحسين(ع) ليس الإمام المنتظر المهدي(عج) بل هو آخر المهديـين، الذين يكونوا من بعده، ويحكمون الأرض بعد رحلته عن عالم الدنيا.

ولا يخفى أن أول اللوازم على ما ذكر، هو البناء على كون الأئمة(ع) ثلاثة عشر إماماً، مع أنه لو سلم بروايات المهديـين فقد تضمنت نصاً صريحاً عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل اثنا عشر إماماً، فعن أبي بصير قال: قلت للصادق جعفر بن محمد(ع): يا ابن رسول الله، إني سمعت من أبيك(ع) أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً. فقال: إنما قال اثنا عشر مهدياً ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا[22].

وهذا يعني أن حمل الصحيحة على هذا المعنى خلاف الظاهر جداً، لكونها قد تضمنت التعبير بالإمام، ومعلوم عندنا حصر ذلك في المعصومين الاثني عشر(ع).

على أن اللازم الثاني للقبول بهذا التأويل هو رفع اليد عن النصوص المستفيضة التي وردت في الرجعة، وأن الذي يلي أمر الإمام الحجة المنتظر المهدي، وهو آخر المعصومين الاثني عشر، وابن الإمام الحسن العسكري(ع) المباشر هو الإمام الحسين(ع)، فلاحظ.

ثم إنه لو قيل بأن صحيحة الخزاز معارضة لما تقدم ذكره من النصوص الدالة على ثبوت الزوجية والعقب والذرية لصاحب الناحية في عصر الغيبة الكبرى، فلا إشكال في تقدم صحيحة الخزاز، لحكومتها عليها حكومة نظر، وفقاً لمسلك بعض أعاظم العصر المحققين(أطال الله في عمره الشريف)، فإن صحيحة الخزاز متأخرة صدوراً عن زمان صدور النصوص السابقة، فتكون حاكمة عليها حكومة نظر، وليس هذا من الترجيح بالأحدثية، كما فصل في البحوث الأصولية، فليطلب من هناك.

ثم إنه قد تحصل إلى هنا عدم تمامية شيء من النصوص التي استند إليها في إثبات الذرية والعقب في عصر الغيبة الكبرى، وأما بقية النصوص، فإنها ليست صريحة في الحديث عن وجود ذلك في الغيبة الكبرى، بل قد عرفت إجمالها، وبالتالي إمكانية حملها على عصر الظهور غير بعيد، خصوصاً بملاحظة الموانع التي قدم ذكرها.

ولا ينافيها ما جاء في صحيحة الخزاز من نفي العقب والذرية، فإن ذلك يمكن حمله على زمان الغيبة الكبرى، وبالتالي تكون كلتاهما قرينة على كون المنفي هو العقب في زمان الغيبة الكبرى، والمثبت هو العقب بعد الظهور ،فلاحظ.

ثم إن هذا كله فرع إحراز أصالة الصدور فيها، وهذا مما دونه خرق القتاد، فلاحظ الحديث الثاني، فإنه مضافاً لضعف سنده بضعف راويه، وعدم وجود قرينة داخلية أو خارجية توجب الوثوق به، ليس مروياً عن المعصوم(ع)، بل هو ينقل قصة أقرب إلى الحكايات والقصص، وأنه كان يحتمل أن من كانت تتعاطى معه تلك العجوز هو الرجل، أعني مولاي صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، لكنه لم يقم دليلاً أو قرينة وبرهاناً على ذلك، فتدبر.

وأوهى منه حالاً وأضعف شأناً الحديث الرابع، فقد نقله شيخنا المجلسي في كتابه من الكتاب الغروي العتيق، ولم يذكره في مصادره الحديثية المعتمدة التي أشار إليها في مقدمة كتابه، وكفى أن تعرف أنه لم يسمه باسم مؤلفه، فكيف يستند لمثل هكذا خبر.

ويزداد الأمر ضعفاً ووهناً عندم نلتفت إلى أن شيخ البحار(ره) ممن نقل نصوصاً بالوجادة، ولم ينقلها بالإجازة، وهذا خلاف ما تقرر عند الطائفة المحقة(أعلى الله كلمتها، وأنار برهانها) بل خلاف ما عليه المسلمون من وهن الرواية المنقولة بالوجادة، ومن الطبيعي أن مثل هكذا نقل مدعاة للاشتباه واللبس، ولولا مخافة الإطالة والإسهاب، وخروج البحث عما قرر له، لسطرت لك عزيزي القارئ أمثلة ونماذج من ذلك.

وكفى أن تسمع تعقيب شيخنا المجلسي(ره) على هذه الرواية، قال: اعلم أن النسخة كانت سقيمة، وكان قد محي وسقط من السلام على الرضا والجواد والهادي(ع) أشياء. ولعل المراد بولاة عهد القائم خلفائه في زمانه(ع) في أقطار الأرض، والله يعلم[23].

أفبعد هذا الكلام، يمكن الركون لمثل هكذا نص، ويستند إليه في مقام الاحتجاج، والاستدلال؟!

على أن التأمل في دلالتها بين، إذ أن النصوص التي تضمنت التعبير بالآل، يمكن حملها على المعصومين(ع)، فتأمل، وما تضمن التعبير بالذرية والعقب والأولاد، فحمله على ما بعد الظهور، كما عرفت.

[1] الغيبة الكبرى ص 62.

[2] النجم الثاقب ج 2 ص 325-330.

[3] الغيبة ص 161.

[4] الغيبة للشيخ الطوسي ص 280.

[5] جمال الأسبوع ص 41.

[6] المصدر السابق ص 42.

[7] بحار الأنوار ج 99 ص 228.

[8] جمال الأسبوع ص 306.

[9] مصباح الكفعمي ص 692.

[10] إقبال الأعمال ج 1 ص 191.

[11] الغيبة ص 150.

[12] مصباح الكفعمي ص 548 الطبعة الحجرية.

[13] المزار لابن المشهدي ص 134.

[14] بحار الأنوار ج 89 ص 340.

[15] الغيبة للنعماني ص 176.

[16] الغيبة ص 61.

[17] الغيبة الكبرى ص 76-81.

[18] جواهر الكلام ج 16 كتاب الزكاة.

[19] المصدر السابق ص 442.

[20] الغيبة للشيخ الطوسي ص 224، بحار الأنوار ج 53 ص 75 ح 77، الإيقاظ من الهجعة ص 354 ح 96.

[21] النجم الثاقب ج 2 ص 331.

[22] كمال الدين وتمام النعمة ص 358.

[23] بحار الأنوار ج 99 ص 228.