19 أبريل,2024

ثقافة الحقوق

اطبع المقالة اطبع المقالة

يتفق العقل والعقلاء على ثبوت حقوق لكل موجود حي على وجه البسيطة، كما يتفقان على ذكر جملة من الحقوق الثابتة للإنسان.

ولم تختلف الشريعة السمحاء-إجمالاً-معهما في ثبوت جملة من تلك الحقوق له. ويظهر ذلك بالمراجعة للنصوص الدينية، سواء منها الآيات القرآنية المباركة، أم النصوص المعصومية. نعم هناك اختلاف بينهما في فلسفة الحقوق، ذلك أن الرؤية الموجودة في الأطروحة الوضعية المقتبسة من الحكم العقلي، أو العقلائي، تنظر للحقوق من زاوية، لا تتفق والنظرة التي ينظر إليها الإسلام، ولسنا بصدد الحديث عن هذا الأمر، فإنه يحتاج وقفة خاصة يتم فيها استعراض النظريات التي تذكر في هذا المجال، ومن ثم العمد إلى مناقشتها ليتضح صحة الأطروحة الإسلامية، نأمل أن نوفق إلى ذلك إن شاء الله تعالى.

ووفقاً لثبوت حقوق للإنسان، فإن ذلك يستدعي أن يعمد إلى المطالبة بها، ويسعى للحصول عليها، بل سوف يبحث عن كيفية نيلها لو لم تكن متحصلة له. وهذا هو ما يقتضيه الطبعي البشري الكاشف عن كون ذلك أمراً فطرياً، بل يمكن القول أيضاً أن المطالبة بالحقوق، والعمد إلى تحصيلها، لو لم يبن على فطريته، فلا ريب في حكم العقل بلزوم ذلك، وحسن تحصيلها، وقبح التخلي عنها، فضلاً عن عدم تركها التنازل عنها. بل الظاهر أن من قصر في تحصيل حقوقه وحصوله عليها يكون محلاً لملامة العقلاء، وذمهم، بسبب فعله الذي فعل، حتى ربما يكون منبوذاً بينهم، وينظرون إليه نظرة قصور، وتقصير.

ولا ريب في أن هكذا أمر سوف يوجب الحديث عن سبل الحصول على هذه الحقوق، وكيف يمكن التعاطي معها حتى يتسنى لصاحبها أن ينالها، ولا يخفى أن هذا يستدعي أن يملك الإنسان معرفة ودراية بتلك الحقوق حتى يمكنه المطالبة بها، وهذا يستوجب الإحاطة بالحقوق أولاً، ومن ثم يكون الحديث عن كيفية التعاطي معها حتى يتسنى لصاحبها تحصيلها، وأخيراً كيف يمكنه أن يحصل عليها، وما هي السبل التي يمكن سلوكها في ذلك.

بعض الحقوق الإنسانية:

أشرنا قبل قليل أن الشريعة المقدسة تضمنت تعداد جملة من الحقوق الثابتة للإنسان، وفقاً لما جاء في نصوصها الشريفة متمثلة في آياتها المباركة، وروايتها الكريمة، كما يجد ذلك كل من يرجع إليها.

ومن تلك الحقوق التي تستفاد من النص الديني:

حق الحياة:

وقد أشير إليه في قوله تعالى:- (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً)[1]، وقد ورد على لسان أمير المؤمنين(ع) التحذير من إزهاق النفس، وقتلها من دون مسوغ يوجب ذلك، قال(ع): إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدنى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها[2].

ولا يفرق الإسلام في ثبوت هذا الحق للإنسان بين أبيض ولا أسود، ولا بين كبير أو صغير، أو فقير وغني، فإن الجميع في ذلك سواسية، ويتجلى ثبوت هذا الحق بصورة واضحة عندما نجد فقهائنا يفتون بعدم جواز عمليات الإجهاض، فبمجرد أن تنعقد النطفة، وحتى قبل ولوج الروح، فإنه لا يجوز الإقدام على إسقاط الجنين.

حق المساواة:

فيتساوى جميع الناس من دون فرق بين الرجل والمرأة والصغير والكبير، والحقير والوجيه، والأبيض والأسود، وفقاً لما تضمنته آيات القرآن، إذ يقول سبحانه:- (إنما المؤمنون أخوة)[3]، فإن التعبير القرآني بالأخوّة يشير إلى مساواة بين جميع الأفراد، فإنه لا ريب في تساوي أولاد الرجل الواحد في الحقوق، لأن مقتضى بنوتهم له يستوجب ثبوت أخوة بينهم، فيثبت أن لا فرق بينهم، وهذا المعنى ما أشير إليه في الآية الشريفة، فإن مقتضى الأخوة الإيمانية تستدعي تساوياً بينهم في الحقوق. نعم لا ريب في ثبوت تفاضل حتى بين الأخوة، لكن لخصوص من امتلك الامتياز الموجب لثبوت ذلك التفاضل، قال تعالى:- (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)[4]، فالميزان للتفاضل في الإسلام هو التقوى، وبمقدار ما يملك الإنسان تقوى أكثر يكون صاحب امتياز أكبر من غيره.

هذا وقد يتصور البعض أن الإسلام إنما يجعل حق المساواة مختصاً بمن كان منتمياً لمبادئه ورؤاه الدينية، ومتعبداً بها، إلا أن النصوص الشريفة تشير إلى خلاف ذلك، فإن المستفاد منها أن المساواة كما يمكن أن تكون بين أتباع الملة الدينية الواحدة، هي معتبرة أيضاً بلحاظ الإنسانية، فهذا أمير المؤمنين(ع) عندما يعهد عهده الشريف إلى صاحبه الجليل مالك الأشتر(رض) عند توليته أرض مصر، يشير إليه إلى لزوم المساواة بين الناس، وأن اعتبارها إما أن يكون بلحاظ الدين، أو يكون بلحاظ الإنسانية، يقول(ع): فإنهم صنفان، إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق[5].

سبل المساواة:

هذا ولا يخفى على أحد أن المساواة عنوان عام تنطوي تحته جملة من المصاديق، بحيث أنها تبرز من خلالها، ولسنا بصدد استعراض جميع تلك المصاديق، إلا أنه يمكننا أن نذكر مصداقاً واحداً يصلح إلى جمع أغلبها، وهو المساواة في الوطنية، فإن المعيار في تحقق الانتماء إلى وطن أن يكون الإنسان قد ولد على أرضه، وتنفس هوائه، وشرب من مائه، وافترش أرضه، وأظلته سمائه، فإن هذا يوجب له استحقاق الانتماء لذلك الوطن، ومن الطبيعي أن المنتمين لكل وطن من الأوطان لهم حقوق لابد وأن يتساوون فيها، إذ أن وحدة الوطن بينهم سبب إلى تساويهم في الحقوق الثابتة لكل من انتمى لذلك الوطن، ولهذا يشتركون في كل من:

1-الفرص التعليمية.
2-الفرص الخدماتية.
3-الفرص المهنية والوظيفية.
4-الحقوق المادية والمنح والعطايا.

ولا ينحصر الأمر في خصوص ما ذكر، فإن القارئ يمكنه أن يتعرف على مصاديق عديدة يشترك فيها المواطنون بعضهم مع بعض، وبالتالي يكونون سواسية فيها.

حق الحرية:

ولا يخفى على أحد أن الحرية عنوان واسع تحته جملة من المصاديق، وعندما نتحدث عن ثبوت هذا الحق، فلا ريب أننا نعني ثبوته بكل مصاديقه وأفراده، ولنشر إلى بعض تلك المصاديق:

منها: حرية المعتقد:

فإنه لا يختلف أثنان في أن الإسلام قد دعى إلى حرية العقيدة، كما يلحظ ذلك في قوله تعالى:- (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)[6]، وكذا من خلال قوله تعالى:- (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)[7]، وقوله عز من قائل:- (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً)[8].

ولا يتصور أحد أن الإسلام يصادر حرية العقيدة، من خلال محاربته للعقائد الأخرى كعبادة الأوثان، أو من خلال محاربته للملحدين، أو حكمه على من استبدل الإسلام بدين آخر بأنه مرتد يستحق القتل في بعض الموارد، فإن ذلك مدفوع، وليس هذا محل التعرض إليه.

ومنها: الحرية الفكرية:

فالإسلام لا يقيد الفكر، ولا يعمد إلى التحجير عليه، بل إن الرجوع للآيات الشريفة كفيلة بأن تشرف القارئ على أنه قد احترم الفكر أيما احترام، وقد دعى إلى الحرية الفكرية كما يظهر ذلك جلياً في ذمه لمن اتبعوا آبائهم مقلدين إياهم تقليداً أعمى، كما يظهر ذلك أيضاً من خلال العديد من آياته الشريفة التي تضمنت الدعوة إلى التدبر، والنظر في الآفاق والأنفس، وإعمال العقل، ومخاطبته، مضافاً إلى أن النصوص الشريفة قد تضمنت أن الله سبحانه وتعالى إنما يثيب ويعاقب به، وهذا يؤكد على الحرية الفكرية، لأنه يشير إلى وجود حرية الانتخاب والاختيار، كما هو واضح.

نعم مع أن الإسلام قد أبرز هذه الحرية، إلا أن ما ينبغي الالتفات إليه أن لهذا الحرية قيوداً لابد من مراعاتها، وهي اعتبار ألا تكون هذه الحرية وسيلة من الوسائل المؤدية للإضرار بالهدف، ولا نعني بالهدف هدفاً خاصاً كما قد يتصور، وإنما نقصد من ذلك الأهداف العقلائية التي يتفق عليها، وتكون محط قبول من الجميع، أو تكون محط اعتبار عند أهل الانتماء والدين الواحد. وعليه فلابد وأن تكون هناك حدوداً ومراعاة حتى في مجال الاستخدام والاستفادة من هذا المصداق من مصاديق الحرية.

ومنها: حرية التعبير عن الآراء والمتبنيات:

ونعني به ما يصدر عن الإنسان من خلال قلمه أو لسانه، أو فعله، ويكون كاشفاً عما يعتقد، أو يتبنى، ولا يختلف الحال في هذا المصداق عن سابقيه، ضرورة أن الإسلام كما دعى لهما، فقد وردت دعوته إليه أيضاً، نعم كما أن المصداقين السابقين لهما جملة من القيود، لهذا أيضاً قيود لابد من مراعاتها:

1-الجانب الأخلاقي، فإن هناك قيوداً أخلاقية تظهر في البين، تقضي ألا يسئ أحد لأحد بدعوى حرية التعبير عن الرأي، أو يجترأ عليه، فضلاً عن أن يهينه أو يؤذيه، ولعل من ذلك عدم إفشاء الأسرار، وإظهار بعض الخصوصيات ذات الارتباط ببعض الأفراد.

2-الجانب العقدي، فلا يحق لأحد أن يتعدى على معتقدات الآخرين بدعوى حرية التعبير عن الرأي، فضلاً عن أن يكون مظهراً لما هو مخالف لما هو مشترك معهم فيه، كالمسلم مثلاً، ليس له أن يظهر خلاف ما يعتقده المسلمون بدعوى أن هذا من حرية التعبير عن الرأي، فلاحظ. فكيف لو عمد فرد إلى تكفير فئة غير قليلة من المسلمين، يشهدون ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً(ص) عبده ورسوله، ويصلون إلى القبلة التي يصلي لها المسلمون، ويقرأن القرآن الذي يقرأون، ويمارسون جميع الطقوس التي يمارسونها.

3-الجانب الاجتماعي، فليس لأحد أن يسئ إلى كيان اجتماعي، أو يسلمه إلى من لا ينبغي تسليمه إليه، فضلاً عن أن يتخاذل عن نصرته وإعزازه، وحمايته.

حق الكرامة:

وقد أشار له القرآن الكريم، وأكد عليه من خلال قوله تعالى:- ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)[9]. ولا يهمنا ما وقع بين المفسرين من اختلاف في تحديد المقصود من التكريم الوارد في الآية الشريفة، بل الذي يهمنا أنها قد نصت على أن هناك تكريماً لهذا المخلوق، يوجب له حقاً وهو حقا  لكرامة الذي أعطاه الله تعالى إياه.

هذا ويمكن للقارئ العزيز أن يجد في الآيات القرآنية الشريفة، وكذا في النصوص المعصومية مصاديق أخرى للحقوق، إلا أنه لما لم يكن البناء على استقرائها جميعاً، فإننا نكتفي بما قدمنا ذكره.

التعاطي مع الحقوق لتحصيلها:

ثم إنه بعد الإحاطة بأن للإنسان حقوقاً ينبغي أن يتعرف الإنسان عليها كي يتسنى له الوصول إليها وتحصيلها، ومن الطبيعي جداً أن ذلك يتوقف على امتلاك الإنسان الثقافة بأمرين:
الأول: الإحاطة والمعرفة بالحقوق التي له.
الثاني: السبل والوسائل التي يمكنه أن يسلكها في سبيل المطالبة بها وتحصليها.

ولا ريب في أن وجود الأمر الأول ضروري، ذلك لأنه ما لم يكن الإنسان محيطاً بحقوقه، فإنه يترتب على ذلك أمران:

أولهما: ضياعها بالنسبة إليه، فلا ينال شيئاً منها، فمثلاً حق التربية الثابتة للطفل على أبيه، فلأن الطفل أثناء فترة صباه وصغره لا يكون محيطاً بحقه على أبيه في التربية، وأن ذلك من الواجبات الشرعية التي يلزم الأب بأدائها إليه، وتقصيره فيها يوجب استحقاقه العقاب الإلهي، فضلاً عن النقمة الاجتماعية، فيفوت هذا الحق على الطفل، ويكون شخصاً غير قويم الخلق، ولا التربية، ومنشأ ذلك هو عدم درايته بهذا الحق، ليطالب به. إذ لا ريب أنه لو كان الطفل محيطاً بثبوت هذا الحق، لكان مطالباً به من أبيه منذ البداية وما كان ليرضى أن يكون شخصاً نشازاً في الوسط الاجتماعي بسبب ضياع حقه الثابت له، إلا أنه وكما قلنا، لأنه لا يملك المعرفة والدراية بذلك بسبب فقدانه القابلية لذلك يفوت عليه هذا الحق.
وكذلك الإنسان، فإنه ما لم يكن عارفاً بحقوقه التي له، سوف يكون ذلك سبباً لضياعها عليه، وفقدانه إياه.

ثانيهما: مطالبته بما ليس له، أو لا يكون من حقوقه. فإن الإنسان سوف يصرف جهوداً ويهدر طاقات، ويضيع أوقاتاً في ما لا ينبغي أن تصرف فيه، وذلك لأنه يسعى وراء أمر ليس له فيه من شيء، وهو مثل الرجل الذي دخل دكان صاحبه لكي يدافع عن أموال صاحب الدكان، فسال دمه، وتعرض لضب مبرح مثلاً، من دون أن تكون له من فائدة إلا ما لحقه من الأذى والضرر، لأن الأموال خاصة صاحب الدكان، وليس لها فيها شيء.

وبالجملة، لابد وأن يكون الإنسان محيطاً بالحقوق التي له حتى يتسنى له المطالبة بها، فما لم يكن كذلك، لن يتمكن من تحصيلها، وهذا يعني أن الوصول إليها والحصول عليها فرع معرفتها والإحاطة بها، ولذا يتأكد لزوم بث ثقافة الحقوق بين كافة الأفراد، منذ أن يكون الإنسان صغيراً طفلاً، فيعلم أن التعليم إنما هو حق له، يتحصل عليه لأنه من حقوقه، وكذا حق العلاج، ليس متفضلاً به عليه من أحد، بل هو من حقوقه الثابتة له، وهكذا.

ومن الأمور الدخيلة في ثقافة الحقوق، الجهة المقصودة بنيل الحقوق منها، إذ يخلط الكثيرون بين الجهات، فلا يملكون تحديداً للجهة المعنية، فربما يقصد المسجد مثلاً ظناً منه أنه الجهة التي تقدم المعونات المالية، أو يقصد الحوزة ظناً منه ،أنها المصدر الذي يقدم الحقوق السياسية، مع أن المسجد لم يجعل مركزاً لتوزيع الأموال وتقديم المساعدات المالية، والحوزة وإن كانت تملك أطروحة سياسية، إلا أنها ليس الجهة المعنية بصورة أساسية للمطالبة بتلك الحقوق، وهكذا.

والحاصل، كما يلزم أن يتعرف الإنسان الحقوق الثابتة له حتى يتمكن من نيلها كي لا تضيع منه، لابد وأن يتعرف على الجهة المسؤولة عن توفير ذلك الحق، حتى يتمكن من مطالبتها به، ومسائلتها عن التقصير في إعطائه إياه.

سبل المطالبة بالحقوق:

ثم إنه بعدما يمتلك الإنسان الثقافة بالحقوق، ويملك الدراية والإحاطة بها، يأتي الدور الذي يتأخذ للوصول إليها وتحصيلها، وهنا أشير إلى أن هناك منهجين يتخذان عادة:

الأول: المنهج العقلائي.
الثاني: ما يكون مرفوضاً عند العقلاء، وأهل الحكمة.

ولا يخفى أن المنهج الثاني هو الذي لا يكون مشتملاً على مراعاة المصالح العامة، ويكون غالباً ناتجاً من خلال الانفعال الشخصي، والحركة المتعجلة التي لا تنطلق من رؤية وتأني، ولهذا يكون له أبعاد سلبية عديدة، بل يترك العديد من الآثار السلبية التي تجر على المجتمع ويلات وويلات.

ومن الطبيعي أن مثل هكذا منهج، لن يتوفر له الوصول إلى الحقوق، بل إنه سوف يترك أبعاداً سلبية أكثر من أن يكون مصدراً لتحصيل الحقوق الضائعة.  على أن أغلب المتخذين لهذا المنهج وسيلة وأسلوباً قد لا يملكون معرفة ولا ثقافة حتى بالحقوق التي لهم، ولهذا نجدهم يطالبون بما ليس لهم، أو يناشدون بأسلوب خاطئ، فضلاً عن أنهم قد لا يقصدون الجهة المعنية التي ينبغي أن تكون المعنية بالحق المطالب به.

وهذا بخلاف المنهج العقلائي الذي يكون منطلقاً من خلال مراعاة المصلحة العامة، وتغليبها على كل مصلحة شخصية، ويكون متحركاً عن رؤية ودراية فلا يقدم على أمر من الأمور إلا وقد أقام له دراسة كاملة تضمنت الإحاطة بالنتائج الإيجابية المترتبة عليه، والأبعاد السلبية التي سوف يتركها الإقدام عليه.

ومن ثم يعمد إلى الموازنة كي ما يتخذ القرار في الإقدام من عدمه، تغليباً لجانب المصلحة على جانب المفسدة.

كما أنه يتخذ الأسلوب الأنجع والأمثل في المطالبة، إذ أنه يكون على دراية بالجهة التي ينبغي أن تقصد، وكيف يلزم أن يكون التعامل والتعاطي معها، وفقاً لمعطيات تملكها تلك الجهة، وبروتوكولات تلزم بها.
نعم هذا لا يعني أن المطالبة بالحقوق لا توجب أن يقدم الإنسان قرابين وضحايا، ويخسر مكتسبات، لكن المنطق العقلي يقضي أن يتحصل الإنسان على كافة حقوقه، من دون أن يخسر شيئاً، ولو كانت هناك خسائر، فليكن ذلك من خلال الخروج بأقلها قدر المستطاع.

خاتمة:

ويجدر أن نشير في نهاية المطاف إلى أن نيل الحقوق، والحصول عليها، فضلاً عن امتلاك الثقافة بها، لا يكون من خلال التنظير وإلقاء الخطب المنبرية، أو العمد إلى التوجيه من الأعلى، بل إن ذلك يحتاج إلى عمل ميداني، وممارسة فعلية للدور القيادي، والذي يتمثل بمعايشة الناس في كل ما يحتاجون ورفع مستوى ثقافتهم بما لهم، لا أن يكون الإنسان بعيداً عنهم، ولا يدري بما يحتاجون وماذا يريدون، ومجرد الإحاطة بالعناوين العامة من الحقوق قد لا تفي بتحقيق الغرض، كما هو واضح لكل أحد.
وبالجملة، نحتاج إلى تأسيس لجان عاملة، تقوم بدور مؤسسي يمكن من خلالها نشر ثقافة الحقوق في الوسط الاجتماعي من جهة، والعمد إلى تحصيلها ونيلها من جهة أخرى.

 

[1] سورة المائدة الآية رقم 32.
[2] نهج البلاغة.
[3] سورة الحجرات الآية رقم 10.
[4] سورة الحجرات الآية رقم 13.
[5] نهج البلاغة.
[6] سورة البقرة الآية رقم 256.
[7] سورة الكهف الآية رقم 29.
[8] سورة الإنسان الآية رقم 3.
[9] سورة الإسراء الآية رقم 70.