19 أبريل,2024

الاستثمار الروحي لشهر رمضان

اطبع المقالة اطبع المقالة

نحن على أبواب شهر رمضان المبارك، ومن الطبيعي أن يكون كل منا قد وضع له برنامجاً خاصاً به، بل برامجاً فيه، فهناك البرنامج الغذائي، وهناك البرنامج الترويحي الترفيهي، وغير ذلك. لكن هل فكر أحد منا في وضع برنامجه الروحي في هذا الشهر الشريف، هل فكر أحد منا في علاقته مع الباري سبحانه وتعالى، وكيف يقويها، أو يجددها، أو يعيدها إلى نصابها الطبيعي؟ هل فكر أحد منا كيف يسمو بهذه العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، هل تساءل أحدنا عن الوسائل التي يتقوم بها البرنامج الروحي، ويحتاج إليها؟ هذا ما نود أن نعرض له في هذه العجالة، وبصورة سريعة جداً، لأننا جميعاً نرغب في الاستفادة من شهر رمضان روحياً، لكننا ربما نحتاج أن نتعرف على الطريق والوسيلة التي يمكننا من خلالها، وبواسطتها تحقيق ذلك.

وسائل تحصيل النشاط الروحي في رمضان:

لا ريب أن هناك عدة وسائل يمكن للإنسان المؤمن أن يعتمد عليها، حتى يحصل على النشاط الروحي في أيام شهر رمضان المبارك، إلا أننا سوف نقصر الحديث على ثلاثة أمور، وهي:

1-إصلاح النفس.
2-مراعاة آداب الصيام.
3-التركيز على المستحبات.

إصلاح النفس:

وهذا هو أول ما ينبغي تحقيقه لمن يسعى لتحصيل النشاط الروحي خلال الرحلة الملكوتية أيام شهر رمضان المبارك، فكل من أراد ذلك يتوجب عليه أن يصلح نفسه، خصوصاً مع الالتفات إلى أنها تتعرض طيلة العام إلى تلويث بسبب ما يصدر عنها من ذنوب، توجب حصول الحجب لها عن بارئها سبحانه، وكلنا يعلم أن لتلك الذنوب الصادرة من الإنسان جملة من الآثار الوضعية، ومن الطبيعي أنه كلما ازدادت ذنوب الإنسان أوجب ذلك تراكم الصدأ على نفسه، حتى يتكلس قلبه، ولا يبقى للإيمان والطهارة فيه محل، بل يكون منـزلاً للرجس والشرك.

هذا ويتحقق إصلاح النفس من خلال أمرين:

أحدهما: التوبة.
ثانيهما: إصلاح الطعام.

التـوبة:

ويقصد منها رجوع العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، بعدما ابتعد عنه، مع ندمه على فعله له، وعزمه على عدم المعاودة إليه.

ولا يخفى أن التوبة بهذا المعنى إنما تحدّ من عملية ابتعاد العبد عن ربه، لا أنها توجب له قرباً منه، وهذا يعني أنه يحتاج بعد تحقيقها إلى إيجاد مقومات القرب، كالطاعة مثلاً. نعم ربما يقال أن التوبة بنفسها طاعة مقربة لله سبحانه وتعالى، وماحية لأثر الذنب من النفس، فتوجب المغفرة، وهو غير بعيد.

وعلى أي حال، إن التعريف الذي قدمنا ذكره للتوبة يفيد أنها متقومة بأمور ثلاثة، لا تتحقق خارجاً من دونها:

الأول: الندم على فعل الذنب.
الثاني: ترك التلبس به.
الثالث: العزم على عدم العود إليه.

الندم على فعل الذنب:

ولا نحتاج بياناً وإيضاحاً لحقيقة الندم وبيان مفهومه، خصوصاً وأنه من المفاهيم العرفية، فهو الأسف، وهذا يعني أن الندم على الذنب، يعني الأسف على صدور الذنب، فيدرك المذنب من خلال هذه الومضة قبح ما صدر منه من فعل وعمل، ويتحرك للإقلاع عنه، فتكون أولى خطواته في طريق العودة لله سبحانه.

ويستفاد من النصوص أن الندم بنفسه توبة، فقد جاء عن النبي الأكرم محمد(ص) قوله: الندامة توبة[1]. وكذا ورد  عن أبي جعفر(ع) أنه قال: كفى بالندم توبة[2]. ومقتضى هذه النصوص أنه يكتفى بتحقق التوبة خارجاً بالندم فقط فلا يحتاج إلى المقومين الآخرين، وهذا يعني أنها تتقوم بهذا الأمر فقط دونهما، فكل من ندم فقد تاب، وغفر له.

وهذا المعنى وإن كان صريح النصوص، إلا أن الكلام في اللوازم المصاحبة للندم، والتي يتقوم وجوده بوجودها بمعنى أنه لا يتصور أن يكون الفرد نادماً على الفعل مع كونه متلبساً به، أو كونه عازماً على المعاودة إليه، وهذا يعني أنه لا يتصور تحقق الندم خارجاً دونما جزم بترك التلبس بالذنب، وعزم على عدم العودة إليه، ولعل هذا المعنى يشير له قول أمير المؤمنين(ع): إن الندم على الشر يدعو إلى تركه[3].

ترك التلبس بالذنب:

وهذا أيضاً كسابقه من حيث وضوح مفهومه فلا يحتاج بياناً وإيضاحاً، نعم ما ينبغي الإشارة إليه أن الذنوب متفاوتة فيما بينها من حيث تحقق عنوان التلبس بها، فليست الذنوب على حد سواء، إذ بعضها ينتفي التلبس عنها بمجرد الندم على إيجادها خارجاً، والعزم على عدم المعاودة إليها، بينما يوجد قسم آخر لا يكتفى فيه بذلك، وذلك لأنه لا ينتفي التبس عنها إلا من خلال إيجاد عسكها تماماً،  وهذا يعني أن بعض الذنوب لا يوجد لها امتداد في الزمان، الماضي والحال والاستقبال، بينما قسم آخر يوجد لها امتداد في الزمان، فتكون مستمرة في الحال والاستقبال بعدما كانت موجودة في الماضي، ومن القسم الثاني، عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وظلم الآخرين، وغصب أموالهم، فلا يتحقق الندم في واحد منها إلا بترك التلبس، فعاق والديه، لا يتحقق ندمه من ذنبه إلا ببرهما، وإلا كان متلبساً بالذنب، وقاطع رحمه لا ينتفي عنه التلبس بالذنب إلا بصلته لهم، وإلا كان قاطعاً للرحم، وهذا ظلم الآخرين، وغصب أموالهم، لا يكون تاركاً التلبس بالذنب إلا إذا أرجع حقوق الآخرين لهم، ورفع الظلم عنهم.

العزم على عدم العودة إلى الذنب:

والمقصود من العزم الإرادة، وهذا يعني أن تكون عند التائب إرادة على عدم العودة للذنب مرة أخرى، ولا يفرق بين كون الذنب الذي يريد عدم العودة إليه فعلاً محرماً، تركاً لواجب، وكما قلنا سابقاً بأن الندم على الذنب لا يتحقق إلا مع وجود العزم على عدم العودة إليه مرة ثانية، وهذا يعني أنه لا يتصور تحققه من دون هذا اللازم كما ذكرنا. وقد أشار إلى مدخلية هذا المقوم أمير المؤمنين(ع) عندما سمع رجلاً بحضرته يقول: أستغفر الله، فقال(ع): ثكلتك أمك، أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليـين، وهو اسم واقع على ستة معان:
أولها: الندم على ما مضى، والثاني: العزم على ترك العود إليه أبداً،

والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حتى تلقى الله عز وجل أملس ليس عليك تبعة، والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم، وينشأ بينهما لحم جديد، والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله[4].

التوبة النصوح:

وهذا المعنى الذي ذكرناه للتوبة بمقوماته الثلاثة يسمى بالتوبة النصوح، وهو الذي أشير إليه في قوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً)[5]، وقد فسر أبو عبد الله الصادق(ع) التوبة النصوح في الآية الشريفة عندما سأله أبو بصير عن معناها بهذا المعنى، حيث قال(ع): هو الذنب الذي لا يعود فيه أبداً، قال أبو بصير: قلت وأينا لم يعد؟ فقال(ع) يا أبا محمد، إن الله يحب من عباده المفتتن[6].

ومن الواضح أن مقصوده(ع) من قوله: الذنب الذي لا يعود فيه أبداً، يعني عدم صدور الذنب من التائب بعد توبته، فضلاً عن عزمه على عدم صدوره، ويشهد لهذا الاستظهار تعقيب أبي بصير على كلامه(ع)، إذ قال له: وأينا لم يعد، وقد كان جوابه(ع) إيضاحاً وبياناً أكثر للمقام.

وهذا الأمر يوجب استفهاماً حاصله: أنه وفقاً لما ذكر لا فرق بين التوبة النصوح وغيرها، ضرورة أن التوبة النصوح يقع فيها العود للذنب، وغير النصوح أيضاً، فعلاما إذا وقع هذا التميـيز للتوبة بكونها نصوحاً دون التوبة الأخرى مثلاً.

وجوابه، إن المستفاد من النصوص أن هناك امتيازاً للتوبة النصوح دون مطلق التوبة مفاده أن التوبة النصوح هي التي لا تتكرر فيها المعصية، بمعنى متى حصلت التوبة من العبد لم تقع المعصية منه بعدها، فقد سأل أبو الصباح الكناني أبا عبد الله الصادق(ع) عن قول الله عز وجل:- (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً)، قال: يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود إليه[7]. وقد أكد(ع) هذا المعنى أيضاً من خلال بيانه إلى مساواة باطن الرجل لظاهره، من دون فرق بينهما، قال(ع): التوبة النصوح أن يكون باطن الرجل، كظاهره وأفضل[8].

ثم إن التوبة قد تكون مقبولة، وقد لا تقبل، وهذا يعني أنها لا تقبل من كل أحد، فليس كل من تاب قبلت توبته، ولسنا بصدد الحديث عن هذا الجانب، لأننا أساساً لا نود الحديث بصورة مفصلة عن التوبة، وإنما كان الحديث عنها بمقدار ما يرتبط بمقامنا، فلاحظ.

إصلاح الطعام:

لا يخفى على أحد ما للأطعمة من آثار وضعية على المتناول لها، فكم من لقمة كانت سبباً رئيساً في عدم توفيق آكلها لصلاة الليل، ولاستجابة الدعاء، أو حرمته من الاستغفار، فضلاً عن لذة المناجاة، وكم كان الطعام المتناول سبيلاً لسيطرة الشيطان على الإنسان وهيمنته عليه، وإتباعه له وانقياده.

وإذا كان للطعام هذا التأثير على النفس البشرية، فلكي تتمكن من الوصول لمعارج الكمال، والصعود في مدارج الملكوت، لابد من أن يزال هذا الحاجب، ويرفع هذا العائق والمانع، ومن الواضح أن الطريق لذلك لن يكون إلا من خلال إصلاح الطعام، بأن يكون الطعام المتناول من الحلال الطيب، إذ أن الأطعمة لا تخلو عن أحد ثلاثة، فإنها إما أن تكون من الحرام الخالص، أو تكون من الحلال الخالص، أو تكون من المشتبه، فلو كانت من الحرام الخالص، فإنها تمثل أحد الحجب والموانع المانعة من وصول الإنسان لغايته، ونيله رغبته في الارتباط بربه، وهذا بخلاف ما لو كانت من الحلال الخالص الطيب، فإنها لا تمثل أدنى حاجب أو حاجز أصلاً.

نعم الكلام في ما لو كانت من المشتبه، وأبرز صوره ما لو كان الطعام حلالاً ظاهراً لكنه كان من الحرام واقعاً، فهنا هل يكون له أثر تكويني ووضعي على النفس الإنسانية، وبالتالي يمثل حاجباً وحاجزاً لها، فتحرم وتمنع، أم لا؟ الصحيح أن الآثار الوضعية أمور تكوينية، وهي لا تقبل التخصيص ولا التخصص، وهذا يعني أنه وإن كان حلال ظاهراً لكنه لما كان حراماً واقعاً، فذلك يوجب ترتب الأثر الوضعي على الإنسان.

وقد تضمنت النصوص أن تمام الصوم بكون الطعام من الحلال الطيب، فقد جاء عن رسول الله(ص) أنه قال: كلوا الحلال يتم لكم صومكم[9].
هذا والشواهد على ما ذكرنا من مانعية الطعام للتوفيق للارتباط بالله سبحانه وتعالى كثيرة، يجدها المتتبع في سير الأولياء والصالحين، وتذكر بأساليب مختلفة ومتعددة، ولولا مخافة الإطالة لعمدنا لذكر بعضها، إلا أننا على ثقة أن القارئ قدير على الحصول على عدد غير قدير منها.

آداب الصيام:

ولا يقل هذا الأمر عن مسألة إصلاح النفس من حيث الأهمية، وذلك لأن الغالب على  الصائمين اقتصارهم على إيجاد الصوم الفقهي خارجاً، ويغفلون عن تحقيق الصوم الحقيقي، المطلوب والمقصود للشارع المقدس، ونعني بالصوم الفقهي الصوم الذي يذكره الفقهاء في رسائلهم العملية، وهو يعني الكف عن إيجاد المفطرات المذكورة فيها من طلوع الفجر إلى دخول الليل، مع قصد نية التقرب لله سبحانه وتعالى، فلا يدخل فيه الاجتناب عن بقية المحرمات الأخرى، من غيبة، أو نميمة، أو كذب، أو سباب، أو فعل ما يكرهه الله سبحانه وتعالى.

ومن المعلوم أن ذمة المكلف تفرغ بإيجاده هذا الصوم خارجاً، فلا يكون مخالفاً للأمر الإلهي، وبالتالي لا يكون مستحقاً للعقوبة من الله سبحانه.
إلا أن الكلام هل أن هذا الصوم الأجوف، والبعيد كل البعد عن التربية الروحية، هو الصوم المطلوب للشارع المقدس، أم أن هناك نحواً آخر من الصوم يطلبه الشارع؟

الصحيح أن الشارع المقدس يطلب الصوم العرفاني، وحاصله أن يصوم المكلف عن كل شيء ما عدا الله سبحانه وتعالى، فلا يرى فعله أي فعل إلا بلحاظ رضى الله عز وجل، فهو يتناول طعام الإفطار، أو طعام السحور، لا لأجل أن يشبع جوعته، وإنما غايته من ذلك هو التقوي بما يأكله من طعام على العبادة، لكي يكون مع الله سبحانه وتعالى.
وربما قيل: أنى لكل واحد منا الوصول لمثل هذه المرتبة، فإنه لا يصل إليها إلا خصوص الصديقين.

قلنا: إن لم يتسن لنا الوصول إلى هكذا مرتبة، فلم نبلغ صوم العرفاء، فلا أقل من أن نصوم صوم الأخلاقيـين، ونقصد بصوم الأخلاقيـين، أن نعمد إلى ترك المحرمات غير الموجبة للمفطرية، مضافاً إلى ترك المفطرات الفقهية، وهذا ما نود أن نشير إليه، وهو ما عبر عنه بآداب الصيام، فإن الصوم لا يعني مجرد الكف عن المفطرات المعلوم، وإنما الصوم يعني صيام الجوارح كلها عن كل ما حرم الله، فأي فائدة أن يصوم الفم أو الفرج عما يصام عنه، إلا اليد، أو العين أو اللسان ما صام شيء منها عما يلزم الصيام عنه، فلم يكف اللسان عن الكذب، أو الغيبة، أو الشباب والشتم، وهذه اليد وسيلة للبطش والإيذاء، وهكذا.

وعلى أي حال، فلنشر لبعض الآداب التي ينبغي مراعاتها أثناء الصيام، وهي:

1-الورع عن محارم الله سبحانه وتعالى، وقد نص النبي الأكرم(ص) على أنه أفضل الأعمال في شهر رمضان، فقد سأله أمير المؤمنين(ع) عن أفضل الأعمال في هذا الشهر، فقال(ص): يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله[10]. وعن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: الصيام اجتناب المحارم، كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب[11].

2-الاجتناب عن الغيبة، وقد عدت النصوص المباركة الغيبة من المفطرات، ولا يقصد من ذلك المفطر الفقهي الموجب لبطلان الصوم، وإنما يقصد من ذلك عدم كمال الصوم، فعن النبي(ص) أنه قال: إذا اغتاب الصائم أفطر، وجاء في وصيته(ص) لأمير المؤمنين(ع) قوله: يا علي، احذر الغيبة والنميمة، فإن الغيبة تفطر، والنميمة توجب عذاب القبر[12]. ويدل على ما ذكرناه من أن المقصود من مفطرية الغيبة فقدان الصوم للكمال، وليس المقصود منه المانعية الفقهية، ما جاء عنه(ص) أنه قال: من اغتاب مسلماً في شهر رمضان، لم يؤجر على صيامه[13].

3-الاجتناب عن السب، وقد أشير إلى نفيه لكمال الصوم في النصوص، فعن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: سمع رسول الله(ص) امرأة تساب جارية لها وهي صائمة، فدعا رسول الله(ص) بطعام فقال لها: كلي، فقالت: أنا صائمة يا رسول الله! فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟! إن الصوم ليس من الطعام والشراب، وإنما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول يفطر الصائم. ما أقل الصوام، وأكثر الجواع[14]. وما جاء في ذيل الحديث النبوي يشير إلى أن الناس جائعون وليسوا صائمين، لأن الصوم المطلوب ليس مجرد الصيام الفقهي، وإنما نظر الشارع إلى الصوم التربوي، وهو كما عرفت ما لم يكن الصوم العرفاني فلا أقل من كونه الصوم الأخلاقي، فلا تغفل.

4-الاجتناب عن الكذب، وقد عدت النصوص الكذب من المفطرات، ومن الواضح أنه ليس المقصود من ذلك الكذب المنصوص على مفطريته في الرسائل العملية، وإنما يقصد بذلك مطلق عنوان الكذب، فقد جاء عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: إن الكذبة ليفطر الصيام، والنظرة بعد النظرة، والظلم كله، قليله وكثيره[15].

5-الاجتناب عن كل ما يكرهه الله، فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع)-في حديث-أنه قال: إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده، إنما للصوم شرط يحتاج أن يحفظ حتى يتم الصوم، وهو الصمت الداخل، أما تسمع ما قالت مريم بنت عمران:- (إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً)، يعني صمتاً.

 فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا، ولا تماروا، ولا تكذبوا، ولا تباشروا، ولا تخالفوا، ولا تغاضبوا، ولا تسابوا، ولا تشاتموا، ولا تفاتروا، ولا تجادلوا، ولا تنادوا، ولا تظلموا، ولا تسافهوا، ولا تضاجروا، ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة.-إلى أن قال-واجتنبوا قول الزور، والكذب والفري والخصومة، وظن السوء، والغيبة والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة، منتظرين لأيامكم، منتظرين لما وعدكم الله، متزودين للقاء الله، وعليكم السكينة والوقار، والخشوع والخضوع وذل العبد الخائف من مولاه….قد طهرتم القلوب من العيوب، وتقدست سرائركم من الخبث، ونظفت الجسم من القاذورات، وتبرأت إلى الله من عداه، وواليت الله في صومك بالصمت من جميع الجهات مما قد نهاك الله عنه في السر والعلانية، وخشيت الله حق خشيته في سرك وعلانيتك، ووهبت نفسك لله في أيام صومك، وفرّغت قلبك له، ووهبت نفسك له فيما أمرك ودعاك إليه. فإذا فعلت ذلك فأنت صائم لله بحقيقة صومه، صانع لما أمرك، وكلما نقصت منها شيئاً فيما بينت لك فقد نقص من صومك بمقدار ذلك[16].

التركيز على المستحبات:

ولنختم الكلام بذكر بجملة من المستحبات التي ينبغي للصائم أن يعملها طيلة أيام شهر رمضان المبارك، كي ما يتسنى له أن يستفيد روحياً من شهر رمضان المبارك:
منها: التطوع بخصلة من خصال الخير، فقد جاء عن رسول الله(ص)، أنه قال: من تطوع بخصلة من خصال الخير في شهر رمضان كان كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله عز وجل، ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة من فرائض الله تعالى فيما سواه من الشهور[17].

ومنها: تفطير الصائمين، والنصوص المشيرة لأجر من فطر صائماً في هذا الشهر، بل وفي غيره من الشهور مستفيضة، بل لو قيل بتواترها لم يكن في ذلك ضير، فقد ورد عن رسول الله(ص) أنه قال: من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً.
ومنها: كثرة الإنفاق  فيه، فقد جاء عن رسول الله(ص) أنه قال: ما من نفقة إلا ويسأل العبد عنها، إلا النفقة في شهر رمضان صلة للعباد، وكان كفارة لذنوبهم، ومن تصدق في شهر رمضان بصدقة مثقال ذرة فما فوقها، إذاً كان أثقل عند الله عز وجل من جبال الأرض ذهباً تصدق بها في غير رمضان[18].

ومنها: كثرة تلاوة القرآن، والنصوص في هذا المضمار كثيرة، لا تحتاج ذكراً ولا بياناً.
ومنها: كثرة الاستغفار، فقد ورد عن الإمام الرضا(ع) قوله: من كان تائباً من ذنب فليتب إلى الله تبارك وتعالى، منه في شهر رمضان، فإنه شهر التوبة والإنابة، وشهر المغفرة والرحمة، وما من ليلة من لياليه إلا ولله نبارك وتعالى فيها عتقاء من النار كلهم قد استوجبوا بذنوبهم النار[19].

ومنها: كثرة الصلاة، فعن الإمام الصادق(ع) قال: شهر رمضان لا يشبهه شيء من الشهور، له حق وحرمة، أكثر من الصلاة ما استطعت[20].
 
 
 

[1] من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 343.
[2] الخصال ج 1 ص 11.
[3] أصول الكافي ص 500.
[4] وسائل الشيعة ج 11 ص 361.
[5] سورة التحريم الآية رقم 8.
[6] أصول الكافي ص 502.
[7] أصول الكافي ص 502.
[8] وسائل الشيعة ج 11 ص 357.
[9] إرشاد القلوب للديلمي.
[10] بحار الأنوار ج 96 ح 25 ص 358.
[11] المصدر السابق ح 21 ص 294.
[12] بحار الأنوار ج 77 ح 6 ص 67.
[13] بحار الأنوار ج 75 ح 53 ص 258.
[14] بحار الأنوار ج 96 ح 16 ص 293.
[15] بحار الأنوار ج 97 ص 352.
[16] بحار الأنوار ج 96 ح 16 ص 292.
[17] المقنعة ص 341.
[18] بحار الأنوار ج 96 ح 9 ص 345.
[19] فضائل الأشهر الثلاثة ص 106.
[20] الكافي ج 2 ح 5 ص 619.