29 مارس,2024

الفقيه العارف (آية الله بهجت)

اطبع المقالة اطبع المقالة

خسرت الأمة الإسلامية خلال هذه الأسبوع واحداً من الشخصيات الدينية المحامية عن شريعة سيد المرسلين محمد(ص)وأحد المرجعيات الشيعية الكبرى، وهو آية الله العظمى الشيخ محمد تقي بهجت(قده)، ولا يخفى على أحد أن شيخنا المغفور له، أحد الشخصيات التي كانت تحوم حولهم شبهة الأعلمية.

ولقد تناول الحديث عنه غير واحد، ومن خلال أكثر من وسيلة خطابية، كالكتّاب، في حياته، وبعد وفاته، والمنبر حيث عقدت مجالس متعددة لروحه الطاهرة.

إلا أن الملاحظ أن أكثر ما كان الحديث يدور في تلك الموارد حول نقطة واحدة من شخصيته المباركة، إذ كان التركيز على الجانب العرفاني في شخصيته، مع أنه لم يتم التعرض فيها إلى منهج التربية السلوكية عنده(قده)، مع أن لهذا الجانب بالغ الأثر في الجانب العملي للمتلقي، كما أنه قد أغفل الجانب العلمي الفقاهتي في شخصيته المباركة، فلم يركز على كونه فقيهاً متضلعاً في علمي الفقه والأصول والرجال، فضلاً عن استعراض رؤاه ونظرياته الخاصة، وما شابه ذلك.

ورغبة منا في أداء شيء من حق هذا المرجع الديني الكبير، لا بأس أن نسلط الضوء على هذين الأمرين بمقدار ما يسعه المجال.

البعد العلمي في شخصية آية الله بهجت:

يمكن لمن أراد أن يتعرف على الإبداعات العلمية في أي شخصية من الشخصيات العلمية أن يسلك أحد طريقين:

الأول: أن يتعرف على ذلك من خلال الرجوع للشخص نفسه، فيعمد إلى مجالسته، وحضور بحوثه، أو أن يطلع على ما حررته يراعه، أو كتبه عنه طلابه.

الثاني: أن يعمد إلى دراسة السيرة الذاتية للشخص المراد التعرف على إبداعاته العلمية، فإنه يمكن أن يحصل على ذلك من خلال ملاحظة جانبين في سيرته الذاتية:

أحدهما: القدرات الذاتية الموجودة لديه، من حدة ذكاء، وقوة حافظة، واستعداد، وما شابه ذلك.

ثانيهما: تحصله على جملة من الأساتذة المبرزين، أصحاب التحقيق والتدقيق في مقام البحث العلمي، وتربية الطلبة.

وعندما نود الحديث عن البعد العلمي في شخصية آية الله بهجت، فإننا سوف نسلك الطريق الثاني، لأن الطريق الأول وإن كان متيسراً، وذلك من خلال الرجوع لجملة من المؤلفات التي خرجت من يراعه الشريف، إلا أن الطريق الثاني أشمل، فإنه يتضمن الإشارة ولو إجمالاً إلى القدرات الذاتية لسماحته، كما أنه يشير إلى أساتذته، ومكانته العلمية.

القدرات الذاتية:

وعلى أي حال، فإن المترجمين لآية الله بهجت(قده)، ذكروا أن واحدة من القدرات الذاتية التي تحلى بها(رض)، حدّة الذكاء، وقوة الحافظة، وسرعة البديهة، وقد امتازوا بهذه الأمور بين أقرانه، وقد أوجب ذلك التفات الكثيرين له، سواء أبان تواجده في بلده(فومن) ودراسته الابتدائية هناك، أم بعد تفرغه للدراسة الحوزوية، وقراءته المقدمات فيها، وحتى أبان تواجده في كربلاء المقدسة، أو في النجف الأشرف، وحتى بعد عودته إلى إيران واستقراره في حوزة قم المقدسة بجوار كريمة أهل البيت(ع).

الأساتذة الأكفاء:

وأما العنصر الثاني، فهو تحصيله على جملة من الأساتذة يعدّون من أعظم ما أنجبتهم الحوزة العلمية، سواء في النجف الأشرف، أم في قم المقدسة، فقد تحصل على جملة من الأساتذة يعدون من أبرز عناصر الدور السادس في مراحل تطور الاجتهاد[1]، وهم:

في النجف الأشرف:

1-المحقق الميرزا محمد حسين النائيني.

2-المحقق آغا ضياء الدين العراقي.

3-المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني.

4-الشيخ محمد كاظم الشيرازي.

5-السيد أبو الحسن الأصفهاني.

وفي قم المقدسة:

حضر بداية عند الحجة السيد محمد الكوه كمري، ثم لما أقام سيد الطائفة المحقق السيد حسين البروجردي(قده) فيها، حضر أبحاثه، ولازمها.

وقد ذكرت عنه أثناء حضوره أبحاث تلك الأعلام قصصاً عديدة، من حيث كثرة الإشكال، ودقة العرض، وقوة المناقشة والحجة والبرهان، فقد ذكر أنه كان أبرز المستشكلين في درس آية الله البروجردي(ره)، حتى ذاع صيته واشتهر بين طلاب الدرس، فخشي(ره) الشهرة، فتحاشى الإشكال بعد ذلك.

هذا ومن الطبيعي أن من يحضر عند هؤلاء الأساطين(ره)، وهم هم من حيث التحقيق والتدقيق والإبداع، أن يكون من المبدعين، ومن أصحاب التجديد والابتكار، فضلاً عما إذا كان متوقد الذهن حاد الذكاء، سريع البديهة قوية الحجة والبرهان.

وقد كان حضوره(رض) تحت منابر هؤلاء الأعلام حقبة من الزمن، فيكفيك أن تسمع أنه حضر تحت منبر السيد البروجري(ره) مدة تقرب من خمسة عشر سنة، أفلا يتصور فيه وهو بتلك القدرة من الذكاء، وأساتذة بتلك القدرة من التجديد أن يكون مبدعاً، وصاحب نظريات متجددة في علمي الفقه والأصول، بل وكذا في علم الرجال.

هذا وحتى يتضح ما نود أن نرمي إليه، نحتاج إلى نسلط الضوء شيئاً ما على المنهج الاستنباطي لأحد أساتذته، فإن من خلاله يتضح صحة ما ذكرنا، وسوف نجعل محور الحديث حول سيدنا البروجردي(قده).

منهج السيد البروجري الاستنباطي:

لا يختلف اثنان أن للسيد البروجردي(قده) جملة من النظريات التجديدية في علم الفقه والأصول وكذا في علم الرجال، ومن الطبيعي أن هذه النظريات تترك صدى واسعاً في نفوس تلامذته، ويكون لها أكبر الأثر عليهم، فهم ما بين من يقبل بها، ويعمد إلى تطويرها وتعميقها، وعرضها بصورة أبعد عن الإشكال، وبين من يعمد إلى مناقشتها، وبالتالي إما أن يكون مشيّداً لنظريات المشهور التي هدمها السيد البروجردي(ره)، وهذا التشيـيد بدفع ما أورده السيد(قده) عليها من إشكالات يعدّ إبداعاً وتجديداً. أو مبتكراً لشيء جديد، ولا أقل تبني نظريات أستاذه الجديدة ودعمها بشواهد وأدلة وبراهين.

بل إن هذه الروح التجديدية والتحقيق المميز من قبل الأستاذ، تدعو طلابه إلى مواصلة المسيرة، والسعي للتميز والإبداع.

ويتضح ما ذكرناه في إبداعات السيد البروجردي(ره)، ونظرياته الإبداعية بالرجوع لمنهجه في الاستنباط، فأول ما يطالعنا في منهجه(ره)، أنه كان يولي كلمات الأصحاب عناية خاصة، فيعمد إلى متابعتها، والاعتناء بها، وكان يشير إلى أن هذا يساعد على معرفة سير المسألة، ومبتدأ تاريخها، كما أنه كان يرى أنه لا مجال للاستناد إلى إطلاق نص من النصوص أو عمومه اعتماداً على الظهور البدوي للنص، كما أن المخصص والمقيد له لا ينحصر بنص آخر، بل إن للظرف الزماني الذي صدر فيه النص مدخلية أساسية في انعقاد الظهور في الإطلاق وحجية هذا الظهور، وهذا يستدعي أن تدرس الظروف الموضوعية التي صدر فيها ذلك النص، لأنها سوف تكون كفيلة بمعرفة سعة الظهور من عدمه.

كما أنه كان يرى أن لمعرفة كلمات أبناء السنة مدخلية كبرى في فهم نصوص أهل البيت(ع)، ولذا أولى تلك الكلمات أهمية خاصة، فطبع كتاب الخلاف لشيخ الطائفة(ره) لاحتوائه على كلماتهم، وكان يشير إلى أن المعصوم(ع) ربما كان في جوابه ناظراً لما كان يصدر من هؤلاء من فتاوى، مضافاً إلى أن كثيراً من رواة أئمتنا(ع) كان من قبل من المخالفين، ثم وفق لمعرفة طريق الهداية.

وهذا الذي ذكرناه من مدخلية الأمور المذكورة في معرفة الظهور للنص يتجلى من خلال المثالين اللذين نذكرهما:

الأول: كثيراً ما يتكرر على الألسن الحديث المعروف، وهو ما روي عن مولاتنا الزهراء(ع) بطريق إمامنا الحسن الزكي(ع)، أنه قال: الجار ثم الدار. ويقصد منه عند الاستشهاد به الإشارة إلى أهمية العناية بالجار، وما لهم ن منـزلة، ربما يظهر أنه مقدم على أهل الدار في قضاء حوائجهم.

إلا أن هناك احتمالاً آخر قد يكون المقصود من الحديث المذكور، وهو بيان الحذر من جار السوء عند شراء البيت، بمعنى أنه ينبغي على من أراد شراء دار أن يتوخى جيرانه، فيسأل عنهم، حذراً من أن يكون بينهم جار سوء.

ومن الطبيعي أن معرفة المقصود من النص تعود إلى مراجعة الظروف الموضوعية التي صدر فيها النص، فإن لذلك أبرز الأثر في تحديد المراد منه، وهذا ما يسمى بالقرينة المنفصلة، نعم لم يكن هذا الأمر معهوداً عند الأصوليـين ما قبل السيد البروجردي(ره)، إذ لم يعتن بهذا الأمر أحد قبله.

الثاني: ورد عن إمامنا العسكري(ع) أنه قال: علامات المؤمن خمس، وقد عدّ منها: الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وقد أفتى الفقهاء استناداً لهذا الحديث باستحباب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، في الصلوات الاخفاتية، الظهر والعصر-عدا يوم الجمعة لمن صلى ظهراً- إلا أن السيد البروجردي(ره) كان يتردد في ثبوت الاستحباب اعتماداً على الحديث المذكور، وكان يقول: إن هذا الحديث قد صدر في جو كان الفقهاء من أهل السنة يفتون بوجوب الإخفات بالبسملة في الصلوات الجهرية، الصبح والمغرب والعشاء، وجاءت هذه الرواية مقابل هذه الفتوى، ومفادها الجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية، لا أكثر، وأما الجهر بالبسملة في الصلوات الإخفاتية، يحتاج إلى دليل خاص.

كما أنه جاء دليل مفاده: يستحب لإمام الجماعة أن يجهر بالبسملة، لكن لغيره لا يصح إثبات هذا الاستحباب استناداً على هذا النص.

وأما علم الأصول، فيكفينا أن نتعرف على ما أبدعه في مبحث الشهرة الفتوائية والآثار الكبيرة جداً التي ترتبت على ذلك في مجال الاستنباط، إذ جعلها واحداً من الظنون المعتبرة التي يرجع إليها عند إعواز الدليل، كما أنه جعلها أحد المرجحات المعتمدة عند تعارض الأدلة.

وأما في علم الرجال، فكفى أن تعرف أنه إلى اليوم يعدّ فارس هذا المضمار الذي لا يشق له غبار، ولا زال تلامذته يملكون قصب السبق والتميز على غيرهم في هذا المجال، خصوصاً في طبقات الرواة[2].

وهذا الغيض من فيض إبداعات سيدنا البروجردي(ره)، والذي كان تحت منبره شيخنا المقدس آية الله بهجت(ره)، ألا يكون ذلك داعياً إلى أن يكون شيخنا المغفور له(ره) أهل إبداع وابتكار وتجديد، وهو الذي قد عرفت في مطلع الحديث ما له من قدرات ذاتية.

لا ريب أن القارئ لمؤلفاته(ره) سوف يجد العديد من الآراء التجديدية، بل الإبداعية، وأنه يتميز بها على كثيرين ممن عاصره.

المنهج التدريسي للشيخ بهجت:

واستكمالاً للحديث، لا بأس أن نشير في ختام هذا الأمر إلى منهج شيخنا المقدس(ره) في درسه، وأسلوبه في بحثه، وفقاً لما ذكره بعض تلامذته: إن للشيخ بهجت أسلوبه الخاص في التدريس، فالسائد بين العلماء والمراجع هو أن يطرحوا مسألة في بحث الخارج وينقلوا آراء الآخرين فيها، ثم يرفضوا بعض هذه الآراء ويؤيدوا البعض الآخر، وفي الختام يقبلوا أحد هذه الآراء، أو يتخذوا رأياً آخراً، ولكن الشيخ لا يعمل بهذه الطريقة، بل يطرح المسألة في بادي الأمر ثم يشرح مجرى الاستدلال في تلك المسألة، فإن كان الطالب مطلعاً على آراء العلماء ومطالعاً لنظرياتهم قبل حضوره في الدرس فإنه سيعرف صاحب الرأي الذي يطرحه الأستاذ في درسه، وسيدرك أيضاً أن الأستاذ ينتقد أي من الآراء، ويؤيد أي منها.

إذن فالمفروض على من يريد الحضور في درس الشيخ أن يطالع المباني العلمية، ويراجع أراء الآخرين، قبل حضوره[3].

وأشار واحد آخر من تلامذته إلى إحدى ميز درسه الشريف، وهي الاعتناء بالأشباه والنظائر، وهو الذي أشير إليه في كلمات السيد اليزدي(قده) في العروة أن له مدخلية في تشخيص الأعلمية، يقول تلميذه: إن الأستاذ عندما يشرع بطرح بعض المسائل أو الفروع يقوم بمقارنة موضوع البحث مع الأبحاث المشابهة الأخرى، آخذاً بنظر الاعتبار دقائق الحديث والرواية أو الآية الشريفة التي تدل على الموضوع، فالأستاذ يقوم بهذا العمل بدقة عقلية وفكرية خاصة، ثم يحصل على النتيجة في البحث والتي غالباً ما تكون نتيجة علمية جديدة، وفي الحقيقة إن المطالب التي يطرحها هي ناجمة عن عظمة فكره وسداد رأيه، اللذين اكتسبهما من الإسلام والأئمة(ع)، وهذا هو المعنى الصحيح للاجتهاد[4].

المنهج العرفاني لآية الله بهجت:

هذا وقبل الحديث عن الأمر الثاني، لا بأس بالإشارة بصورة موجزة لبيان معنى العرفان، وأقسامه، وما ذكر حول علامات الكذابين من العرفاء.

تعريف العرفان:

عرّف العرفان بأنه: طريق فناء النفس، وقد عرّف بتعريف أوسع ربما كان شارحاً لهذا التعريف، وهو: العرفان هو عبارة عن العلم بالحق سبحانه من حيث أسمائه وصفاته، ومظاهره، والعلم بأحوال المبدأ والمعاد، وحقائق العالم وكيفية رجوعها إلى الحقيقة الواحدة التي هي الذات الأحدية للحق تعالى، ومعرفة طريق السلوك والمجاهدة لتحرير النفس من علائقها وقيود جزئيتها ولاتصالها بمبدئها واتصافها بنعت الإطلاق والكلية[5].

وعلى أي حال، ربما يتصور الكثيرون أن هناك تداخلاً بين العرفان والتصوف، بل ربما عدا شيئاً واحداً فلا يفرق بينهما، ولذا قال بعضهم: أن العرفاء والمتصوفة فرقة واحدة، وليسا فرقتين، إلا أنه حينما ينظر إليهم من زاوية الجانب الثقافي يسمون باسم العرفاء، وحينما ينظر إليهم من زاوية الجانب الاجتماعي يسمون باسم المتصوفة[6].

إلا أن هناك من فرق بين المفهومين، ببيان حقيقة التصوف التي تختلف عن حقيقة العرفان، فذكر في تعريفه التصوف أنه: طريق الترقي وقوة النفس، وهذا المعنى يخالف حقيقة العرفان التي قدمناها.

ثم إنه قيل أن النسبة بين المفهومين، نسبة العموم المطلق، ذلك أن وهو بهذا التعريف يختلف عن التصوف، لأن التصوف يعرف بأنه: طريق الترقي، وقوة النفس. فكل عارف زاهد(متصوف)، ولكن ليس من الضروري أن يكون كل زاهد(متصوف)عارفاً.

وقد عدت النسبة بينهما التي أشرنا إليها واحداً من الفروق الموجبة للتفريق بين المفهومين.

ومن الفوارق أيضاً، قالوا: أن العرفان نظرية وسلوك، والتصوف ظاهرة اجتماعية لا تستبطن التنظير أو الرؤية[7].

أقسام العرفان:

وينقسم العرفان إلى قسمين، عرفان نظري، وعرفان عملي، وقد عرّف العرفان النظري بأنه الذي يتولى إعطاء رؤية كونية عن المحاور الأساسية في عالم الوجود، وهي: الله، والإنسان، والعالم.

ويستند العارف في تأسيس هذه الرؤية على المكاشفة والشهود، ولهذا فالعرفان النظري علم له موضوع ومبادئ ومسائل.

وأما العملي، فهو الذي يمثل التجربة الحقيقة للعارف، يمارسها عن طريق ترويض النفس، وتنقية القلب، وصقله بواسطة المجاهدات الروحية، فيحصل على التقوى والزهد، وعدم الاعتناء بالدنيا[8].

دعوى العرفان كذباً:

هذا وقد يتلبس بهذه المرتبة، وهي مرتبة العرفان بعض الجهلاء، فيدعون الانتساب لها، وامتلاك ما فيه من مزايا وأمور كذباً وافتراء، ولذا ينبغي علينا التميـيز بين العرفاء الكذابين والعرفاء الحقيقيـين، وذلك بملاحظة الأمور التالية:

1-ارتكاب محرمات الشريعة، فإن المنتسبين للعرفان كذباً، قد يفعلون بعض الأعمال المحرمة بعنوان أنها طريق الوصول للمعشوق والمحبوب.

ومن أمثلة ذلك ما اشتهر بين الصوفية في محافلهم من الرقص والسماع، تحصيلاً لما يسمى بالحال، أو الوجد.

2-ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعللون ذلك أن القيام بهذه المهمة الإلهية تستلزم تكدر الذهن وتمنع عن الوصول إلى المحبوب والمعشوق.

3-ارتكاب المحرمات بهدف السقوط عن أعين الناس، كي يسلم المرتكب من آفات الجاه والرياء.

4-دعوى ما يكذبه الوجدان، والعمد للاحتيال والمخادعة بما قد ينطلي على بعض السذج، ودعوى الخرافات[9].

منهج التربية السلوكية لآية الله بهجت:

ثم بعد الإحاطة الإجمالية بهذا العلم إجمالاً، لا بأس أن نسلط الضوء على منهج التربية السلوكية في سيرة هذا العارف الكبير، وينبغي أن يشار إلى أنه لم أجد في حدود ما اطلعت عليه مما كتب حول شخصيته المباركة، أو الأحاديث التي ألقيت حوله من أشار إلى ذلك، وإنما كل الذي كان يلقى عنه ويذكر جملة من القصص والحكايات التي حصلت له.

ومن الطبيعي أن هذا يصعب الحصول على منهجه السلوكي، إلا أنه يمكن التحصل على ذلك من خلال التأمل في ما نقل عنه من كرامات، وقصص، وعليه يمكن القول أن منهج التربية السلوكية عنه(قده) يتمثل في ثلاثة أمور:

الأول: معرفة الولاية.

الثاني: معرفة النفس.

الثالث: معرفة الرب.

وكل واحد من هذه الأمور الثلاثة يتقوم بأركان أربعة:

معرفة الولاية:

فأركان معرفة الولاية الأربعة هي: التولي لمحمد وآله(ع)، والتبري ببغض أعدائهم(ع)، والتوسل والزيارة.

وهذا يعني أن الولاية لمحمد وآل محمد(ع) نافعة، لكنها لا توجب الوصول لمرحلة الوصول إلا إذا كانت متضمنة البغض لأعدائهم(ع)، فما لم يكن الإنسان مبغضاً لأعدائهم، فلا ينال تلك المنازل والمراتب.

وعند الإحاطة بهذه الأركان الأربعة يتضح لنا السر في مداومته(قده) على زيارة المراقد الطاهرة للمعصومين(ع)، ولأولياء الله الصالحين، إذ كان مداوماً على زيارة الحضرة الشريفة للسيدة فاطمة المعصومة(ع) في كل يوم حتى مع شدة البرد القارس، وكذا كان يداوم زيارة الإمام الرضا(ع)، ولا ينقطع عن زيارته وإن ارتفعت درجة الحرارة. ناهيك عن توسلاته، وارتباطاته اخلاصة، سواء بمولاتي الزهراء(ع)، أم بسيد الشهداء(ع)، أم بأبي الفضل العباس(ع)، أم بالمولى صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب مقدمه الفداء).

معرفة النفس:

وأما أركان معرفة النفس فهي: المراقبة، والمجاهدة، والذكر، والتفكر. فالمراقبة: أن لا يغيب المحب لحظة واحدة عن محضر حبيبه، مع التفاته إلى نفسه دائماً. ولا يصدر منه عمل أي عمل كان إلا ويكون لله سبحانه، أكل، أو شرب، نوم أو يقظة.

والمجاهدة، فتحصل ببذل الوسع في سبيل تخلية النفي من الرذائل الأخلاقية وتحليتها بالصفات الحسنة الحميدة، لتستقيم على جادة الشريعة.

ولعل آية الله بهجت(قده) كان يقدم من خلال ذكره الدائم لله سبحانه وتعالى وعدم فتوره عنه الوسيلة المثلى للمراقبة. فضلاً عن ترك المعاصي والذنوب، صغيرها وكبيرها.

هذا وللذكر مراتب عند أهل السير والسلوك، لسنا بصدد الحديث عنها.

معرفة الرب:

وأركان معرفة الرب هي: المكاشفة، والمعاينة، والفناء، والبقاء. ولا يخفى أن هناك فرقاً بين الركنين الأولين، أعني المكاشفة والمعاينة، ليس هذا مورد الحديث عنهما.

وبالجملة، فإن قراءة متأنية لسيرة هذا العلم وما صدرت عنه من قضايا وكرامات تبين لنا بصورة جلية واضحة المنهج التربوي السلوكي الذي كان يتبعه في علاقته مع الله سبحانه وتعالى.

هذا وكان بودنا أن ننقل جملة من القضايا والكرامات التي حدثت له، لنبين انطباق ما ذكرناه في منهجه التربوي السلوكي، كما كنا نرغب عرض جملة من وصاياه وإرشاداته، إلا أنه يطول المقام بذلك، فنكتفي بما ذكرناه.

——————————————————-

[1] قسم بعضهم مراحل تطور الاجتهاد في الوسط الشيعي إلى ستة مراحل، آخرها المرحلة التي كانت في عصر الوحيد البهبهاني(ره)، واستمرت إلى يومنا هذا.

[2] مقدمة أسانيد الكافي ص 201-202.

[3] أسوة العارفين ص 50.

[4] المصدر السابق ص 50-51.

[5] نقلاً عن كتاب العرفان الشيعي ص 10.

[6] نقلاً عن كتاب تزكية النفس للسيد الحائري ص 137.

[7] العرفان الشيعي ص 69-70.

[8] العرفان الشيعي ص 16، 67.

[9] تزكية النفس ص 140-165.