20 أبريل,2024

مصرف الخمس

اطبع المقالة اطبع المقالة

من المسائل التي يكثر الحديث عنها بين الأخوة المؤمنين دائماً مسألة استثمار الحق الشرعي المسمى بالخمس، وكيفية تفعيله ومحاولة الاستفادة منه بصورة عملية، بل يصرّ البعض على أن هذا البعد المالي والاقتصادي بعد لم يعمد إلى تفعليه والاستفادة منه بصورة عملية حسنة، لأنه ينبغي أن يستثمر من خلال إقامة جملة من المشاريع التنموية، والأعمال الخيرية، وينبغي أن يكون له دور أكثر ريادية في هذا الجانب، حتى يستشعر الناس مدى أهمية هذا الأمر ومقدار الفائدة المرجوة منه، وهكذا. ومن ثمّ يبرر إحجام الكثير عن دفع الحقوق الشرعية بسبب ذلك.

كما أن مما يعترض به في هذا المجال، إخراج الحقوق الشرعية وإيصالها للمرجعية، أو للجهات المرتبطة بها، سواء في النجف الأشرف، أم في قم المقدسة، أم في غيرهما، ذلك لأن كثيراً من المؤمنين، يطالب بعدم إخراج الحق الشرعي من المنطقة، ولزوم صرفه بأكمله فيها، وأنه لا ينبغي أن يخرج منه ولا قرش واحد، لأن أموالنا لابد وأن تصرف عندنا، إذ نحن أولى بها من أي أحد آخر.

هذه الخلجات التي تجيش في نفوس الكثير من شبابنا الخير، مما قد يوجب وقوع البعض منهم في جملة من المحاذير الشرعية، ذلك لكلامهم في أمور قد لا تناسب والجانب الشرعي، بل قد تتنافى وإياه، فضلاً عن أن جملة منها تكون أحاديث ناجمة عن عدم إحاطة ومعرفة بما بين المتصدين لقبض الحقوق الشرعية، وبين جهاز المرجعية من تنسيق وترتيب. عليه سوف نسلط الضوء للإجابة على مثل هذه التساؤلات بمقدار ما يتسنى لنا المجال فيه، سائلين من الله سبحانه وتعالى التوفيق لذلك.

تمهيد:

الخمس حق مالي أوجبه الباري سبحانه وتعالى على الإنسان في ماله وفق شروط وضوابط مقررة في محله من الرسائل الفقهية.

وعادة ما يقع الحديث عنه في ناحيتين:

الأولى: فيما يتعلق به الخمس، وتذكر في البين سبعة موارد يجب الخمس فيها.

الثانية: مصرف الخمس، ويكون الحديث عادة فيها في الموارد التي يصرف الحق الشرعي المأخوذ فيها.

وكلا الناحيتين، تستفادان من القرآن الكريم، يقول تعالى:- (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فريضة من الله)[1]. فإن الغنيمة التي وردت في الآية الشريفة تشير للناحية الأولى على تفصيل ليس هذا محل الحديث عنه، وأما الناحية الثانية، وهي مصرف الخمس فاستفادته من الآية واضحة جداً، إذ قررت الآية المباركة ستة موارد هي مورد صرف الحق الشرعي، وتلك الموارد هي:

1-سهم الله سبحانه وتعالى.

2-سهم الرسول محمد(ص).

3-سهم ذوي القربى، وهو الإمام المعصوم(ع).

4-سهم اليتامى.

5-سهم المساكين.

6-سهم ابن السبيل.

هذا وقد ثبت في محله من البحوث الفقهية أن سهم الله سبحانه وتعالى، لرسوله محمد(ص)، وبعد رحلة رسول الله(ص) من عالم الدنيا، فإن سهمه يكون للإمام المعصوم(ع)، وأما السهام الثلاثة الباقية، فقد ثبت بالدليل المقرر في محله اختصاصها بخصوص الهاشميـين، وهو المعبر عنهم بالسادة، لأنه نوع تعويض لهم عن الزكاة التي جعلت لعامة الناس.

وعلى هذا فسوف يكون الخمس منقسماً وفقاً للآية الشريفة إلى قسمين:

الأول: وهو قسم الإمام(ع).

الثاني: وهو قسم السادة الفقراء.

وهذا الانقسام للخمس هو الذي عليه مشهور فقهائنا، رحم الله الماضين، وأطال في أعمار

الباقين.

الخمس كله للإمام:

وفي مقابل الرأي المشهور الذي ذكرناه، يتبنى جملة من أعلامنا، عدم انقسام الخمس إلى قسمين، وإنما هو قسم واحد، بمعنى أن الخمس كله للإمام المعصوم(ع)، عمدة ما كان يصرف هو(ع) على السادة الفقراء من بني هاشم، وهذا الرأي يستفاد من خلال الآية الشريفة، فإننا عندما نتأمل فيها نجدها فرقت بين القسمين بلام الملك، قال تعالى:- (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل)، فإن الأصناف الثلاثة الأول اشتملت على اللام، وهي تفيد الملك، بينما لم تشتمل الأصناف الثلاث الأخر عليها، وهذا كاشف عن عدم ملكيتها للحق الشرعي، وإنما تكون مصرفاً له ليس إلا.

وعلى أي حال، سواء التـزم بالرأي الأول وهو القائل بالتنصيف، أم التـزم بالرأي الثاني، وهو القائل بكون السادة الفقراء مصرفاً فقط للخمس، ما يهمنا في البين هو الحديث عن كيفية التصرف في هذا الحق المالي، وهل يمكن تفعليه واستثماره وإقامة المشاريع به، وما شابه مما يتداول على ألسنة الشباب المؤمن أم لا.

الخمس ملك للشخص أم للجهة:

ولا يخفى أن البناء على مشروعية الاستفادة من الخمس، سواء بصرفه أم بإقامة المشاريع التنموية والاستثمارية به، إنما يكون بعد معرفة مالكه، ومسوغ التصرف فيه، وقد عرفنا في مطلع البحث أن الخمس إما أن يقسم إلى قسمين، أو يكون قسماً واحداً.

فلو بني على القول المقابل لمقالة المشهور، كان للحديث في الدعوى المذكورة مجال، بخلافه لو بني على مقال المشهور، لأنه بناءً على قولهم من تقسيم الخمس إلى قسمين، يكون أحدهما للإمام(ع)، والثاني للسادة الفقراء، فلا ريب أن الحديث في تفعيل الخمس وإدخاله في المشاريع التنموية سوف يكون منحصراً في خصوص القسم الأول دون الثاني، ذلك لأن الفرض كون القسم الثاني من الخمس ملكاً للسادة الفقراء، وهذا يعني أنه لا يسوغ لأحد التصرف فيه إلا بعد إحراز رضاهم، ولا أقل إحراز من هم مصرف له، ومن الطبيعي أن يكون في تحصيل الرضا نوع مشقة وحرج، ولو في الجملة.

وسواء بنينا على القول المشهور في تقسيم الخمس، أم بنينا على القول الآخر، ينبغي قبل الحديث عن ما يدور في أذهان جملة من المؤمنين، تنقيح مطلب علمي مهم جداً وهو مورد بحث بين أصحابنا، مفاده أن الخمس، وأعني به خصوص سهم الإمام(ع) بناءً على الرأيـين هل هو ملك شخصي للمعصوم(ع)، أم أنه ملك للمنصب، أعني منصب الإمامة.

ويترتب على ذلك أنه في زمن الغيـبة وفقاً للمحتملين، فهل يمكن للفقيه أن يتصرف فيه كيفما يشاء، أم أن تصرف الفقيه فيه سوف يكون منحصراً في خصوص ما يحرز به رضاه(روحي له الفداء)، لكل واحد من هذين المحتملين، قائل من أصحابنا(ره).

ومن الطبيعي أنه وفقاً لانتخاب الفقيه أحد الرأيـين سوف يترتب على ذلك جملة كبيرة من الآثار، فمثلاً لو كان الفقيه بانياً على أن الحق ملك للمنصب، وليس ملكاً شخصياً، فمن الطبيعي أنه وفي عصر الغيـبة المظلمة، يمكنه أن يتصرف فيه وفق ما يراه صالحاً للصرف، من دون أن يعتبر موافقة ما يصرف فيه لرضا المولى(روحي له الفداء).

وعلى العكس تماماً لو كان البناء على المحتمل الثاني، فلا ريب أن تصرف الفقيه في أي شيء من الحق الشرعي لن يكون مطلق العنان، بل لابد من تقيـيده بلزوم إحرازه كون المصروف من الحق محققاً لرضاه(روحي له الفداء).

وعلى أي حال، عندما نعود لفتاوى أكثر أصحابنا، ونتأمل في كلماتهم، نجدهم يقولون بالمحتمل الثاني، وأن الحق الشرعي ملك شخصي للإمام(ع).

وبناءً على هذا سوف يكون تصرف الفقيه فيما بين يديه من الحق الشرعي محدوداً بما يكون مورداً لرضا المولى(روحي له الفداء)، ومن الطبيعي أن هذا يستوجب منه احتياطاً وتدقيقاً وتؤدة قبل الإقدام على صرف شيء من المال في مورد ما.

ولعل هذا يبرر لنا ما جاء في كلمات الفقهاء من بيان لمصرف الحق الشرعي من خلال تعداد أجلى المصاديق وأوضحها، ولنشر لكلمة لواحد من أعلامنا وهو المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الحكيم(دامت أيام بركاته)، قال:

لا يجوز صرف النصف الراجع للإمام في عصر غيـبته إلا في مورد يحرز رضاه بصرفه فيه، للعلم باهتمامه صلوات الله عليه بمقتضى منصبه الرفيع وولايته العامة ورعايته للدين وأبوته على المؤمنين وكفالته لهم، ونحن نحرز ذلك في موردين:

الأول: خدمة الدين الحنيف برفع دعائمه وإقامة شعائره والحفاظ على حرماته، ودفع عادية المعتدين عليه وردّ كيد الظالمين عنه وترويج الشرع الشريف، ونشر أحكامه.

ومن أهم مصاديق ذلك خدمة أهل العلم المخلصين الصحيحين المهتمين بأداء وظيفتهم، الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية وتحقيق حقائقها، والباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين، وإرشاد الضالين، ونصح المؤمنين، ووعظهم وإصلاح ذات بينهم، ونحو ذلك مما يرجع إلى تقوية دينهم وتكميل نفوسهم، وتقريبهم من ربهم، فإنهم من أحسن مصارف هذا الحق، ولهم أن يأخذوا منه ما يكفيهم، ويحفظ لهم عزتهم، وكرامتهم، ويستغنون به عن غيرهم، ليتفرغوا لأداء واجبهم، والقيام بوظيفتهم، بعيداً عن التوسع والجمع، والسرف، والترف.

وأما من تزيى بزيهم، وانتسب لهم من دون أن يؤدي خدمة أو يقوم بواجب، فلا يستحق من هذا الحق شيئاً، ولو أخذ منه كان سارقاً، وأولى بذلك من اتخذ من زيه ونسبته لهم سلماً للدنيا المحرمة، لا يهمه من أين أتته، وأي طريق يركبه إليها، فصار أداة للشيطان، وسبباً لطمس الحقائق وتضليل الغافلين، وتحريف أحكام الشرع المبين، أعاذنا الله تعالى من ذلك، وكفانا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأعاننا على أنفسنا بما يعين الصالحين على أنفسهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الثاني: دفع ضروريات المؤمنين المتدينين، ومدّ يد العون إليهم، وإغاثة لهفتهم، وتنفيس كربتهم، فإنهم عيال صاحب هذا الحق صلوات الله عليه، اللازمون له الذين يجب عليه نفقتهم، وكشف ضرهم، والذين يحزنه حزنهم، ويؤلمه ألمهم، لأنه الأب الرؤوف، والوالد العطوف، ففي تفريج كربتهم، وإغاثة لهفتهم، تفريج لكربته، وأداء لوظيفته في غيـبته، وتحقيق لرغبته في محنته.

واللازم وراء هذين المصرفين شدة الاهتمام بإحراز رضاه(ع)، وبذل الوسع في ذلك بملاحظة المرجحات والأولويات بعيداً عن الأغراض الشخصية، والمغانم الفردية، فإن الحق حقه، والمال ماله، وكل من قدّم مصلحته على مصلحة الحق خائن له صلوات الله عليه، ولمنصبه الرفيع مهما كان مقام ذلك الشخص، وإن خدعته نفسه بالأماني الكاذبة، والأوهام الباطلة[2].

تحليل كلام السيد الحكيم:

وقد أوضح(أطال الله في عمره الشريف) أن المصرف الذي يحرز من خلاله رضى المولى صاحب الزمان(عجل الله فرجه الشريف)موردان، كما يستفاد ذلك من تعبيره بكلمة: ونحن نحرز ذلك…الخ…، والموردان هما:

الأول: نشر تعاليم الإسلام، وترسيخها، بما يوفر حماية للدين، وللوطن الإسلامي من الأعداء، ومن الطبيعي أن هذا يشمل تمويل مراكز التعليم والدعوة والتبليغ، وإعداد العلماء، والمبلغين، وإنشاء الجامعات والمعاهد الدينية، وطباعة الكتب، وما شابه ذلك. وتشمل تقوية الكيان الإسلامي، وسيادته واستقلاله، وإقامة شريعة العدل فيه.

كما أنها تشمل الدفاع عن بلدان المسلمين، ومنجزاتهم في حالات الحرب، والسلم وفقاً لما يقرره أهل الخبرة في تلك الموارد.

الثاني: صرفه في المشاريع الحيوية للمسلمين، من مدارس ومستشفيات، ومعاهد علمية، ومشاريع اقتصادية.

ولكن هذا كله مرهون بشرط وهو الضرورة وحاجة الناس إلى ذلك، وهذا يعني أنه لو تصدى أحد للقيام بذلك، ولو في الجملة، فإنه لا يعدّ الحق الشرعي مصرفاً لها، كما لعله في بلادنا، فإنه من المشكل جداً العمد إلى صرف الحق الشرعي في هكذا موارد، لانتفاء الشرط المعتبر.

كما يـبذل أيضاً في مساعدة الفقراء والمحتاجين، والمؤسسات التي ترعى شؤونهم كالجمعيات الخيرية، وما شابه ذلك.

وقفة مع مطالبي التفعيل:

هذا ونحن عندما نتأمل في ما ذكره هذا المرجع الكبير، وهو ما يوافقه عليه أعلامنا المعاصرون، نجد أنه يطبق خارجاً، على أرض الواقع، وهذا يعني أننا لسنا بحاجة إلى العمد لاستثمار للحق الشرعي، وذلك لسببين:

أولاً: مخالفة هذه العملية الاستثمارية في ظاهرها للفتوى الشرعية.

ثانياً: إن الداعي للاستثمار إنما هو العمد إلى تفعيل الاستفادة من الحق الشرعي، وذلك من خلال صرفه على الفقراء، والمحتاجين، وبذله في موارده المقررة، ولا يختلف اثنان في تحقق ذلك خارجاً، إذ أن هذا من الأمور الملموسة والواقعية التي لا تحتاج إلى مزيد تأمل لتلحظ.

وعليه، فلا معنى، بل ولا موجب لمثل هذه الدعاوى، فهي مضافاً لخلوها من الإحاطة بالبعد الفقهي للمسألة، بعيدة أيضاً عن الواقع الخارجي، لأنه ما تدعو له يطبق فعلاً خارجاً، فلاحظ.

وبعبارة أخرى، إن أحد الدعاوي للمطالبة باستثمار الحقوق الشرعية، هي إحساس المؤمنين بفعالية الحقوق الشرعية، وذلك من خلال صرفها في جملة من المشاريع الحيوية، وكإنشاء المدارس والمستشفيات، والمرافق العلمية، والصرف على الفقراء والمحتاجين، ومساعدة العزاب الفقراء للزواج، ودفع ديون المعوزين، وما شابه ذلك.

وهذا الذي ذكر كله ينفذ فعلاً دونما حاجة منا إلى تعطيل الحقوق الشرعية وتجميدها واستثمارها، لأن الحقوق الشرعية يعمد إلى صرفها في هكذا مجالات، خصوصاً وأنها بنفسها تعدّ مؤسسة محصلة للمال، لأن المؤمنين لا يمتنعون من أداء ما تشتغل بهم ذممهم. نعم لا ينشئ بها مشاريع كالمدارس والمستشفيات، لما عرفت فيما تقدم من أن عمل ذلك معلق على الضرورة، وليس مجتمعنا مما يحتاج إلى ذلك.

على أن جملة من فقهائنا العظام، يحتاط احتياطاً استحبابياً على حصر صرف حق الإمام قدر المستطاع في خصوص السادة الفقراء(أعزهم الله)، وهذا يستوجب ضيق دائرة الصرف كما لا يخفى، ويحدّ من قابلية التصرف كما هو واضح.

إخراج الحقوق الشرعية:

ومما يعدّ أحد الإشكالات على المتصدين لقبض الحقوق الشرعية، عملية إخراج الحقوق من المنطقة ورفعها لمقام المرجعية، والدعوى التي تطرح أننا أولى بحقوقنا الشرعية، ولا ينبغي أن يخرج منها قرش واحد، فلماذا تأخذ أموالنا إلى الخارج، لماذا لا تصرف كلها هاهنا في بلدنا، ويستفيد منها الناس والمؤمنون.

وهذه الأطروحة في مبدأها حسنة، إذا كانت منسجمة مع القواعد الفقهية، ولا يختلف عليها أحد.

لكن غاب عن القائلين بهذه المقولة، أن المتصدين لقبض الحقوق الشرعية إنما هو وكلاء عن مقام المرجعية، وهذا يعني أن هناك تنسيقاً بين الطرفين، بين مقام المرجعية من جهة، وبين الوكلاء العامدين لقبض الحقوق من جهة أخرى، ومن الطبيعي أن واحدة من مفردات التنسيق، هو مقدار الإجازة المعطاة للوكيل، ذلك أن المرجع عندما يقيم وكيلاً عنه في قبض الحقوق لا يطلق له العنان ليتصرف كيفما شاء وبنحو مطلق، بل يوجد تنسيق مسبق بينهما يحدد له جملة من الأمور، فيحدد له مثلاً مقدار الصرف، فيعطى الوكيل تارة التصرف في ثلث السهم المبارك للإمام(ع)، أو في النصف، أو في أزيد، وهذا يعني أن الوكيل ليس له حق التصرف في أكثر من ذلك، ولذا فيما زاد عن المقدار المحدد له التصرف فيه، عليه أن يرفعه للمرجعية، ولو لم يفعل ذلك كان خائناً ومخالفاً لمقتضى الوكالة.

وكذا يحدد له من قبل المرجعية مقدار المصالحة، وصلاحيته للمداورة من عدمها، بل ربما لا يعطى الوكيل حق الصرف، وإنما ينحصر دوره في خصوص القبض.

ومن الطبيعي أن جميع هذه الأمور تخضع كما قلنا لضوابط يراها المرجع وفقاً للمنهج المؤسسي المعمول به داخل جهازه.

وبناءً على هذا يتضح أن ما ينادى به من عدم القبول بإخراج شيء من الحقوق خارج المنطقة يخالف التنسيق المقرر للوكيل من قبل موكله وهو المرجع، بل لو وافق المتصدي لقبض الحق الشرعي هذه المقالات كان مخالفاً لمقتضى التوكيل، وعدّ عندها خائناً، مسلوب الأمانة.

نعم كون المرجعية قد حددت دائرة التصرف بمقدار من الحق الشرعي لا تعني أنها تقف عند ذلك، بل يمكن للوكيل مخاطبة مقام المرجعية، والمطالبة بتوسيع الصلاحيات، وتوسعة دائرة التصرف.

البحث عن بدائل:

اتضح من خلال ما تقدم ضيق دائرة التصرف في الحق الشرعي من جهة، لوجود جملة من القيود في ذلك، مضافاً إلى قيامه بالمطلوب منه، وهو في نفس الوقت قد لا يكفي لتحقيق الطموح بتقديم خدمات أكثر مما هو مقدم اليوم، وهذا يدعونا للتفكير في بدائل، بحيث نعطى عندها سعة في دائرة التصرف من جهة، ومن جهة أخرى توسعة عملية الصرف من جهة أخرى.

وهناك بدائل كثيرة يمكن للمؤمنين التفكير في إيجادها خارجاً، والاتكاء عليها، نشير لبعض منها:

الوقف المشترك:

ونقصد بذلك أن يشترك جملة من الشباب المؤمن في عملية إيقاف شيء ما على جهة معينة، ولنفرض على مرضى الفشل الكلوي، أو على مرض سرطان الدم مثلاً، ومن الطبيعي أنه قد لا يتسنى لكثير من الشباب أن يعمدوا إلى إيجاد هذا الموقوف مستقلين، خصوصاً مع الأزمات المالية المتجددة، لكن لو اشترك جملة من الشباب في ذلك، وكانت هناك مساهمة متعددة الأطراف، أمكن إيجاد هذا الموقوف، ولو بعد مدة من الزمن.

ويمكن للواقفين أن يوسعوا دائرة الموقوف، فلا يحصروا أمره في خصوص الأمثلة التي ذكرنا، فيمكنهم أن يجعلوا مصرفه مطلق الأعمال الخيرية، وأعمال البر، وهذا يعطيهم سعة في التصرف، فيمكن صرفه مضافاً للأمثلة التي ذكرناها، أيضاً في تزويج العزاب، ومساعدة الفقراء، وكفالة الأيتام، وهكذا.

المساهمة في المشاريع الخيرية:

ونقصد بذلك تفعيل البعد الثقافي في مجتمعنا تجاه المشاريع الخيرية والمساهمة فيها، إذ لا يزال مجتمعنا يملك حالة من الإحجام والتوقف عن المساهمة الجادة والفعلية في المشاريع الخيرية، وهذا يكشف عن نقص في الثقافة المعرفية في هذا المجال، لذا ينبغي على المسئولين والمعتنين بهذا الشأن، العمد إلى رفع المستوى المعرفي في هذا المجال، والحث للمجتمع على تلبية هذه المسألة والمشاركة الفعالة فيها.

وينبغي للقائمين على هذه المشاريع توسعة دائرة المساهمة في أعمال الخير فلا تكون منحصرة فيما اعتاد الناس عليه، بل ينبغي السعي إلى أوسع من ذلك، لتشمل تبني البعثات العلمية للشباب المؤمن، وكفالة الطلاب داخل بلدنا، وهكذا.

إيجاد مشاريع خاصة:

وهذا يتم من خلال تكوين لجان تتخصص في أحد المشاريع، مثلاً لجنة تعليمية تكون أهدافها منحصرة في البعد التعليمي، وبالتالي التفكير الحثيث والجاد في الوصول إلى تحقيق الطموح في هذا الجانب، ومساعدة كل محتاج مادياً ومعنوياً، وكيفية السعي لتحصيل المال، سواء من خلال الاشتراكات الشهرية، أم من خلالا التبرعات، أم من خلال الكفالات، وهكذا.

——————————————————————————–

[1] سورة الأنفال الآية رقم 41.

[2] منهاج الصالحين ج 1 مسألة رقم 82 من كتاب الخمس.