28 مارس,2024

الجفاف الروحي (7)

اطبع المقالة اطبع المقالة

المعطي الثالث: الانضباط والاستقامة

لا ريب في أنه من خلال ذكر الله تعالى، تستقيم أفكار الإنسان، فيأخذ بالتفكير كما يريد الله سبحانه وتعالى، لا كما يريد الشيطان، ولا كما يريد السلطان، ولا كما يريد الهوى في داخل الإنسان، ولا كما يريد الناس، ومن هنا يكون الفكر مستقيماً، فيكون فكراً لا يداهن، لا يساوم، لا ينحرف.

ومن خلال ذكر الله سبحانه تستقيم عواطف الإنسان، فيحب ويـبغض كما يريد الله، فيرضى ويغضب كما يريد، ويوالي ويعادي كما يريد سبحانه، فتكون انفعالاته كلها واقعة كما يريد الله تعالى، مما يجعل عواطفه مستقيمة.

وتستقيم حركة الإنسان أيضاً من خلال ذكر الله سبحانه وتعالى، فيتحرك كما يريد الله تعالى في كل مواقع الحركة، المواقع الاجتماعية، الاقتصادية، وفي جميع مجالات الحياة.

كيف يصنع الذكر حالة الانضباط والاستقامة:

إذا كانت للذكر هذه الآثار على النفس الإنسانية، فكيف يمكن أن نحصل على هذه الآثار، بحيث يكون للذكر هذا التأثير؟…

ونجيب عن ذلك فنقول:

أولاً: إن الإكثار من ذكر الله سبحانه، يفتح قلب الإنسان على حب الله تعالى، وهذا الحب له أثُره الفاعل في استقامة السلوك وانضباطه، فكلما تعمق حب الله في قلبه كان ذلك سبباً قوياً من أسباب الطاعة والالـتزام. وذلك لأن حب الله تعالى يفرض الاستقامة في الأفكار، وفي العواطف، وفي كل الممارسات العملية.

ثانياً: إن الإكثار من ذكر الله تعالى، يملأ قلب الإنسان بالخوف والرجاء، ومن أهم صفات المؤمنين أنهم يعيشون حالة الخوف والرجاء. قال تعالى:- ( تـتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون)[o1] .

وقال سبحانه:- ( أمن هو قانت ءآناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه)[o2] .

ويقول عز من قائل:- (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)[o3] .

وورد في الحديث: لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو[o4] .

وفي بعض وصايا أمير المؤمنين(ع): لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل، ويرجي التوبة بطول الأمل[o5] .

ولا يخفى أن ذكر الله الدائم يصنع الخوف والخشية في قلب الإنسان، ويملأ نفسه بالشوق والطمع والرجاء، ومن خلال الخوف والرجاء تستقيم أفكاره، وعواطفه وأعماله.

ثالثاً: إن الإكثار من ذكر الله تعالى، يجعل الذاكر يعيش الحياء من الله، من خلال استشعار التأثم بفعل المعاصي والذنوب والمخالفات أمام رقابة الله تعالى وحضوره، قال تعالى:-

( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)[o6] ، فالحياء من الله سبحانه طريق لصون حياة البشر من كل ألوان الزيغ والانحراف وممارسة الذنوب والمخالفات.

رابعاً: إن أحد الطرق الرئيسية لإزالة القساوة عن القلب، هي الإكثار من ذكر الله تعالى، كما أن الإكثار منه سبيل لإزالة الغشاوة والظلمة، وكلما رقت القلوب وصفت من الشوائب والتلوثات، وطهرت من الأمراض والأدران، كان الإنسان أكثر استعداداً للاقتراب من الله تعالى، ومن المعلوم أن الاقتراب من الله يعني الطاعة والالتـزام والاستقامة.

خامساً: إن الإكثار من ذكر الله تعالى، يجعل المكلفين يعيشون حالة من الرقابة الإلهية الدائمة، وبمقدار ما يكون استشعار هذه الرقابة قوياً، وصادقاً تـتحصن مواقع الفكر والعاطفة والحركة في حياتنا.

حياة الإنسان وما يحف بها:

ولا يخفى على أحد أن حياة الإنسان محفوفة بالشهوات والمخاطر، ومعرضة لغوايات الشيطان، ووسائل الغواية تحاصر الإنسان في كل مكان، وخاصة في هذا العصر، فما أحوج الإنسان إلى أن يحصن نفسه بذكر الله تعالى.

ومن هنا أوجه حديثي إلى الأحبة الشباب، لأنهم معرضون لإرهاصات خطيرة، سياسات الإفساد والتميـيع والإلهاء والتغريب، فإنها تستهدف في الدرجة الأولى شباب الأمة، وتحاول أن تسرقهم وتبعدهم عن خط الله، خط الطاعة والاستقامة والالتـزام.

لأنه من المعلوم أن وسائل الإعلام الفاسد، وبرامج الثقافة الفاسدة، ومشروعات التدمير الأخلاقي موجهة وبالدرجة الأولى لإفساد الجيل الشبابي، وتغريـبهم، وسلخهم عن هويتهم الإسلامية، والقضاء على أصالتهم الإيمانية، ومصادرة قيمهم الروحية، وبالتالي تـتحطم المناعة الداخلية للأمة من خلال المذخور الأقوى من طاقاتها وهم الشباب.

فالشاب اليوم محاصر بوسائل الغواية والفساد، إذ نجد برامج الانحراف والإباحة في كل موقع من مواقع الحياة، وفي كل مواقع حضوره ووجوده، ففي ظل هذا الحصار الخطير ، كم يكون هذا الشاب المتدين والملتـزم بتعاليم دينه الحنيف والمحافظ على قيمه وأصالته، والثابت على عقيدته في مواجهة كل هذه التحديات والإغراءات والمساومات، كم يكون هذا الشاب عظيماً عند الباري سبحانه وتعالى، فهنيئاً لأحبتنا من الجيل الشبابي فتياناً وفتيات، الصامدين الثابتين على دينهم، رغم ما يواجهونه من الإرهاصات الصعبة.

فهذه الشابة المؤمنة، المحافظة على سترها الشرعي، وحجابها الإسلامي في وسط الأجواء الخانقة والخاوية من القيم الأخلاقية والدينية التي تحارب الستر والعفاف والأمة الإسلامية، كم هي عظيمة عند الله سبحانه وتعالى.

وذاك الشاب الذي يحافظ على صلب إيمانه والتـزامه في وسط التحديات الصعبة، والمحاصرات القاسية، وفي ظل التيارات الإنحرافية، الفكرية والعقدية، والأخلاقية، كم هو عظيم عند الله سبحانه وتعالى.

وقد ورد في بعض الأحاديث الواردة عن المعصوم(ع): إن الله يحب الشاب يغدو ويروح في طاعة الله.

لماذا التركيـز على الشباب:

قد يتساءل البعض، عن سبب توجيه الحملة الإعلامية المضادة من قبل القوى الاستكبارية والمنحرفة عن الدين القويم إلى خصوص الجيل الطليعي من الشباب، دون بقية الأفراد المجتمع، إذ لا يخفى على أحد تكون المجتمع من الأفراد أخر غير الشباب؟…

وعند الإجابة، نشير إلى أن الشباب في كل مجتمع يمثل النواة الأساسية والأمل المستقبلي لكل مجتمع وأمة، فمتى حسن حاله واستقام، كان ذلك سبباً لاستقامة الأمة.

كما أن الشباب معرض للإنزلاقات والانحرافات ومعرّض لحبائل الشيطان، وغوايات وإغراءات الشيطان.

ولذا نحن أيضاً نوجه ندائنا للشباب، لكونهم الأمل الذي تحيى بواسطته الأمم، وترقى مدارج الكمال والتقدم، فنقول لهم:

أيها الأحبة، كونوا القابضين على دينكم، والمجاهدين من أجل شريعة الله تعالى، لتكونوا المعنيـين بالحديث المروي عن النبي الأكرم محمد(ص)، عندما ذكر أناساً يأتون في آخر الزمان وأثنى عليهم كثيراً.

فسئل من هؤلاء يا رسول الله؟…

فأجاب: أنهم أناس يأتون في زمان قد انحرف الناس فيه عن الدين، فيقبضون على دينهم ويجاهدون من أجل شريعتي.

إن كل واحد من شبابنا يمكنه أن يكون من هؤلاء الذين مدحهم النبي(ص) وأثنى عليهم كثيراً، لكنه لا يصل لتلك المنـزلة إلا بعد أن يتمسك بدينه في زحمة المواجهات التي تحاول أن تصادر هذا الدين، ولا ينال هذه الرتبة السامية إلا حينما يعطي كل وجوده لخدمة الإسلام والدفاع عن قيم الشريعة الغراء، ومبادئ الدين، وحينما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحارب الباطل والفساد والانحراف.

الانضمام لجيش الإمام صاحب الزمان:

إننا حينما نطل على الواقع الخارجي، نجد أن أعداء الإسلام اليوم قد استنفروا كل قواهم، وجندوا كل إمكاناتهم لمحاربة الإسلام، ولمواجهة قيمه، فنحن بحاجة إلى أن نستنفر كل ما نملك من قوى وإمكانات في مواجهة قوى الباطل ومبادئ الضلال.

ولذا نحن نهيب بالشباب وندعوهم لكي يكونوا بمستوى هذه المعركة، وأن يوظفوا كل طاقاتهم الفكرية والنفسية والعملية في هذه المعركة الخطيرة، وأن يعدّوا أنفسهم ليكونوا جنوداً في جيش الإمام المنـتظر(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، خصوصاً وأنه قد ورد في بعض النصوص، أن أكثر أنصار الإمام الحجة(عج) من الشباب[o7] .

لكن أي شباب هم الذين يتكون منهم جيش الإمام المنـتظر(عج)، هل هم الشباب الذي لا يملك أدنى معرفة ودراية بأمور دينه، وتعاليم شريعته، أو هم الشباب الذين لا يملكون القدرة والوعي والسمو الخلقي، والعلاقة الوطيدة مع الله سبحانه، أو هم غير ذلك.

لا ريب في أن الشباب الذين يمثلون الكثرة في عناصر جيش المولى(روحي فداه) هم الشباب الأخيار الصلحاء الذين أعدّوا أنفسهم في أعلى درجات الإعداد الإيماني، والثقافي، والروحي، والأخلاقي، والرسالي، والجهادي، ويؤكد هذا المعنى ما ورد في بعض النصوص من وصف أنصار المولى(روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) أنهم: رهبان بالليل، فرسان بالنهار. وفي بعضها: يتعشقون الشهادة، وجاء في ثالث: رجال كأنهم زبر الحديد[o8] .

ولهذا نحن اليوم بحاجة إلى شباب يحملون إيماناً صلباً قوياً، يملكون درجات عالية من الروحانية، والتقوى، والصلاح، والذوبان في الله سبحانه، ليكونوا بمستوى الاستعداد والتهيؤ لمعركة الإسلام الكبرى في ظل قيادة المولى(روحي لتراب مقدمه الفداء) التي ستواجه القوى الكافرة في كل الأرض، والقوى الضالة في كل العالم.

ولذا فكل من يطمح أن ينال الشرف، بأن يكون فرداً من عناصر جيش الإمام الحجة المنـتظر(روحي له الفداء) عليه أن يعمد إلى إعداد نفسه إعداداً حقيقياً على كل المستويات الإيمانية والروحية الفكرية، وغير ذلك.

————————————————–

[o1]سورة السجدة الآية رقم 16.

[o2]سورة الزمر الآية رقم 9.

[o3]سورة الانفال الآية رقم 2.

[o4]الكافي ج 2 ص 71.

[o5]نهج البلاغة الحكمة رقم 50.

[o6]سورة غافر الآية رقم 19.

[o7]منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ص 489.

[o8]بحار الأنوار ج 52 ص 307-308، ح 82.