20 أبريل,2024

آثار المعاصي والذنوب

اطبع المقالة اطبع المقالة

من كلام لأمير المؤمنين(ع)في دعاء كميل قال:فأسألك أن لا يحجب عنك دعائي سوء عملي.

مدخل:

إن الذنوب التي يرتكبها الإنسان دونما التفات منه،تعود عليه بالعديد من الأمور السلبية،وتـترك الكثير من الآثار التي لو التفت الإنسان المذنب إليها لما أقدم على المعصية وارتكاب الذنب.

هذا ومن أبرز موارد الآثار السلبية للذنوب التي يرتكبها الإنسان،كونها عوائق وعقبات تحبس الدعاء،فالدعاء الذي يعبر عنه بالقرآن الصاعد في مقابل القرآن النازل من الله تعالى،تحبسه طائفة من العوائق والعقبات تحول دون صعوده إلى الله تعالى،وهذا ما أشار له أمير المؤمنين(ع)بقوله:اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء.

وقوله(ع):فاسئلك أن لا يحجب عنك دعائي سوء عملي.

دور الذنوب في حجب الإنسان عن الله:

للذنوب في حياة الإنسان دوران:

الأول:أنها تقوم بحجب الإنسان عن الله تعالى،وتقطعه عنه عز وجل،فلا يتمكن الإنسان من الإقبال على الله والتوجه إليه،ولا يتمكن من الدعاء،فإن الدعاء من الإقبال على الله تعالى.

ومتى حجبت الذنوب صاحبها عن الله فقد حجبته عن الدعاء أيضاً.

الثاني:إن الذنوب تقوم بحجب الدعاء ومنعه من الصعود إلى الله تعالى،لأن الدعاء إذا صعد إلى الله تـتم الإجابة من عند الله،فليس في ساحة الله تعالى عجز أو شح إذا صعد دعاء العبد،وإنما العجز في الدعاء عن الصعود إلى الله تعالى،وهذا الذي يعبر عنه في المصطلح الحوزوي،بوجود المانع،حيث أن المقتضي للإجابة من عند الله تعالى موجود،لكن لوجود المانع،وهو عدم صعود الدعاء ووصوله إلى ساحة القدس الإلهية،فلا تـتحقق الإجابة.

إذن فالذنوب قد تحبس الإنسان عن الدعاء،وقد تحبس الدعاء عن الصعود إلى الله.

وهذا يعني أن لها تأثيرين،فتارة تكون مانعة للإنسان من التوجه لله تعالى،فتسلبه توفيق الدعاء والتضرع إلى الباري سبحانه،وتارة أخرى،يتحصل للإنسان الدعاء،والتوجه لله تعالى،لكنه يحرم الإجابة،ذلك لكونه قد تلوث بكادورات تحيل بينه وبين وصول صوته إلى الحضرة الإلهية التي تخول له الإجابة.

الذنوب تؤدي إلى انغلاق القلوب:

لقد أكدت النصوص الإسلامية على أن من أهم عوامل انغلاق القلوب وانقطاعها عن الله سبحانه وتعالى اثنان:

الأول:الإعراض عن آيات الله وتكذيبها،قال تعالى:- (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات)[1].

والتكذيب بآيات الله في هذه الآية الكريمة سبب الصمم والاستقرار في الظلمات في حياة الناس.

وقال سبحانه:- (وإذا تـتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً)[2].

ونلاحظ في هذه الآية العلاقة المتبادلة بين الإعراض عن آيات الله والاستكبار عنها والوقر في الآذان.

الثاني:ارتكاب الذنوب والمعاصي،قال تعالى:- (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)[3].

ووضوح الآية لا يخفى في أن الذنوب التي يكسبها الإنسان تـتحول إلى رين وصدأ على القلوب،تغلق القلب وتقطعه عن الله سبحانه.

بالذنوب تنـتكس القلوب:

إن الإنسان ليمارس الذنب حتى ينقطع قلبه عن الله،فإذا انقطع قلبه عن الله انـتكس القلب،فكان أعلاه أسفله،وأسفله أعلاه،وفقد كل خصائصه.

فعن أبي عبد الله الصادق(ع):كان أبي يقول:ما من شيء أفسد للقلب من خطيئـته،إن القلب ليواقع الخطيئة،فلا تزال به حتى تغلب عليه،فيصير أعلاه أسفله[4].

وعنه(ع)قال:إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء،فإن تاب انمحت،وإن زاد زادت،حتى تغلب على قلبه،فلا يفلح بعدها أبداً[5].

بالذنوب يفقد الإنسان حلاوة الذكر:

إن لذكر الله حلاوة في القلوب المؤمنة،ليس فوقها حلاوة،فإذا انتكس القلب فقد هذه الحلاوة،ولم يعد يتذوق حلاوة الذكر،كالمريض الذي تنـتكس سلامته فيفقد شهية الطيـبات،لا لأن الطيـبات فقدت طيـبها،ولكن لأن المريض فقد الشهية إليها،كذلك القلوب إذا انـتكست فقدت حلاوة ذكر الله،ولم يعد لذكر الله تعالى لديها حلاوة وجاذبـية.

في الحديث:إن الله أوحى إلى داود أن أدنى ما أنا صانع بعبد غير عامل بعلمه من سبعين عقوبة باطنية أن انزع من قلبه حلاوة ذكري[6].

وجاء رجل إلى أمير المؤمنين(ع)فقال:يا أمير المؤمنين،إني قد حرمت الصلاة بالليل.

فقال(ع):أنت رجل قد قيدتك ذنوبك[7].

وعن الإمام الصادق(ع):إن الرجل يذنب الذنب،فيحرم صلاة الليل،وإن العمل السيئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم[8].

الذنوب التي تحبس الدعاء:

إذن انقطاع القلب عن الله سبحانه له من المردودات المباشرة للذنوب،وإذا انقطع القلب عن الله فلا يأخذ ولا يعطي.

فالدعاء مما يرفعه الإنسان إلى الله،ولذلك هو القرآن الصاعد كما قلنا فيما تقدم،فإذا انقطع الإنسان عن القرآن النازل انقطع بالضرورة عن القرآن الصاعد،فيحبس عن الدعاء،ولا يتوفق له،وحتى إذا ألحت عليه الضرورات ودعا الله تعالى حبس الله تعالى دعاءه عن الصعود،ولم يجد الاستجابة.

جاء عن أمير المؤمنين(ع):المعصية تمنع الإجابة.

وسأل رجل علياً(ع)عن قوله تعالى:- (ادعوني استجب لكم):ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا؟

قال(ع):فأي دعاء يستجاب لكم،وقد سددتم أبوابه وطرقه،فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم،وأخلصوا سرائركم،واؤمروا بالمعروف،وانهوا عن المنكر،فيستجيب الله دعاءكم[9].

وعن علي بن الحسين(ع):والذنوب التي ترد الدعاء،وتظلم الهواء عقوق الوالدين[10].

وجاء في رواية أخرى:والذنوب التي ترد الدعاء:سوء النية،وخبث السريرة،والنفاق،وترك التصديق بالإجابة،وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها،وترك التقرب إلى الله عز وجل بالبر والصدقة،واستعمال البذاء والفحش في القول[11].

وعن أبي جعفر الباقر(ع):إن العبد يسأل الله الحاجة،فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب،فيذنب العبد ذنباً،فيقول الله تبارك وتعالى للملك:لا تقض حاجته،واحرمه إياها،فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني[12].

آثار الذنوب على انعقاد النطفة:

ينبغي للرجل والمرأة أن يجتنبا الذنوب والمعاصي في ليلة المواقعة وساعة الاتصال الجنسي،بل عليهما أن يحتاطا لذلك قبل العملية الجنسية وبعدها،فلو حصلت العملية وانعقدت النطفة والزوجان في حالة معصية أو ذنب،لنـتج عن ذلك آثار سلبية على الطفل،ولأدى هذا الأمر إلى التأثير على الوضع السلوكي والنفسي للأولاد،لا لذنب سوى ما ارتكبه الوالدان من معاصٍ وذنوب قبل المواقعة أو بعدها مباشرة.

آثار الذنوب المقترفة ليلة الزواج على الطفل:

وتـتركز الآثار وتكتسب صفة التأثير المباشر وتـتركز آثارها السلبية على الطفل إذا ارتكبت في ليالي العرس والزفاف،أو قبل انعقاد النطفة،فذنب واحد في مثل هذه الحالات قد يقود الطفل إلى مستقبل شقي،وبعكسه فإن حسنة واحدة كإقامة وليمة في إطار الشروط الإسلامية تقود بيد الطفل إلى المستقبل السعيد.

قصة زواج ابن يحيى البرمكي:

هذا ولنرى كيف أن الذنوب والمفاسد تـترك أثرها على الزواج،بقراءة هذه القصة التي ينقلها لنا التاريخ:

قال أحدهم،كنت تاجراً في الكوفة،خسرت في تجارتي فلم استطع المكوث في المدينة،فرحلت بمشقة وصعوبة إلى بغداد أحمل معي زوجتي وأولادي،وضعتهم في خربة،وبدأت أتجول في شوارع المدينة بحثاً عن طعام لهم،رأيت بغداد على غير عادتها من الحركة والنشاط والزينة،فسألت:ما الخبر؟

قيل لي:إنه يوم زواج ابن يحيى البرمكي.

ورأيت الناس تـتوجه أفواجاً صوب منـزل يحيى،فحشرت نفسي معهم،وعندما وصلت لم أجد على الباب لا حاجب ولا بواب،دخلت كغيري وجلست،وكانت مظاهر العرس باذخة،فهناك الغناء والرقص والضرب على الطبول،الشباب يخـتلطون بالفتيات والنساء بالرجال،وكل المظاهر والزينة تدل على الأموال الطائلة التي صرفت،والتي هدرت من بيت مال المسلمين.

ثم أعلن منادٍ أن هناك جوائز وعطايا ستوزع على الحاضرين بعد عقد القرآن،جلست انتظر مع الجالسين،فكان نصيـبي سنداً لتملك مزرعة وبستان كبير في الشام.

لم أفرح بورقة التملك لأني ظننت أنها ستؤخذ مني عندما أغادر منـزل يحيى البرمكي،ولكن كانت المفاجأة العظيمة عندما خرجت ولم يعترضني أحد،أو يطلب مني إرجاع ورقة تملك البستان الشامي!

أخذت زوجتي وأولادي وغادرت بغداد إلى الشام على عجل،أصبحت صاحب بستان ومزرعة كبيرة،وبدأت حالتي المادية بالتحسن والنمو مرة أخرى.

ورغبت يوماً أن أذهب إلى الحمام،فخلي لي بشكل كامل،طلبت من صاحبه أن يهيئ لي من يغسل جسمي جيداً.

جلست،فبعث لي بشاب،لاحظت آثار النجابة والعزة بادية عليه،تعجبت كيف يكون مثل هذا الشاب مجرد دلاك للأجسام في حمام عام!

جلست وبدأ هو في عمله،تذكرت والشاب يغسل جسمي قصة خسارتي والفقر الذي علاني في الكوفة،ثم ذهابي إلى بغداد وقصة زواج ابن يحيى البرمكي وما آل إليه مصيري في مزرعة الشام،وكنت عندما سكنت في الشام قد كتبت إلى الوزير يحيى أبياتاً من الشعر أمتدح فيها زواج ولده،وخطرت في بالي الأبيات وأنا جالس يغسلني الشاب،فأخذت أرددها بصوت مسموع مع نفسي.

بينما كنت أردد الأبيات،لاحظت أن يدي الشاب ارتختا عن غسل جسمي،ثم سقط إلى الأرض مغشياً عليه،رشوا وجهه بالماء فأفاق وعاد إليه وعيه،قلت لصاحب الحمام:طلبت منك رجلاً قوياً لغسل جسمي،فلماذا أتيتني بهذا الشاب الضعيف.

أخبرني صاحب الحمام بأن هذا الشاب من خيرة الذين يشتغلون عنده،ولم يصب بحالة الإغماء قبل هذه المرة أبداً.

عندما أفاق الشاب وعاد إلى وعيه وحالته الطبيعية،بدأت أحادثه لعرف ماذا أصابه،فعلمت أن إغماءه كان من سماعه لأبيات الشعر التي أنشدتها،ألححت عليه لكي أعرف العلاقة بين إغمائه وبين قراءتي للأبيات،فرفض الكلام في ذلك،وعندما ألححت عليه أكثر قال لي:فيمن قلت هذه الأبيات؟

أجبت:لابن الوزير يحيى البرمكي بمناسبة زواجه.

قال الشاب:أعلم أني أنا ابن يحيى البرمكي الذي قلت فيه أبياتك،وقد آل مصيري إلى ما ترى.

إن الذي يهمنا من القصة أن ما أرتكب من محرمات وذنوب،وما بذخ من أموال حرام في زواج ابن الوزير يحيى البرمكي تحول إلى وبال على الزوجين،ثم عمّ آل البرمكي جميعاً.

فالمقصود من نقل هذه القصة هو التأمل في المآل والمصير الذي آل له أصحاب زواج رافقته المعاصي والذنوب وصرف المال الحرام،فانقطع أهله واندثر نسلهم،ولم يـبق لهم أثر،ومن بقي منهم مات بعد أن ذاق ألوان الذل والهوان والاستجداء والأعمال الشاقة الصعبة.

ولنـتأمل زواج الطاهرة الصديقة الزهراء فاطمة روحي فداها،وكيف أثمر هذا الزواج للبشرية عامة وللمسلمين خاصة أئمة أهل البيت(ع)وذرية صالحة لم تزل يعم خيرها وعطاؤها إلى قيام الساعة.

وحينما نبحث في جذور هذه الوقائع من زاوية التفسير القرآني المدعم بالأحاديث الشريفة،نرى أنها تعود إلى حقيقة واحدة هي:

العلاقة بالله سبحانه وقوة الارتباط به،والعمل بأوامره والانتهاء عن نواهيه.

فالزهراء(ع)كانت ترتبط بالله بوثاق محكم،وكانت حياتها قائمة على التقوى،وقام زواجها المبارك على الطاعة والالتزام والبعد عن المعاصي والعصمة عن الشبهات والذنوب،ثم تصدقت في ليلة زفافها بثوب عرسها،وكسبت بذلك قلوب الناس،أثمر زواجها كل العطاء والخير لها ولزوجها ونسلها المبارك.

بعكس لو قامت مراسم العرس على أساس المعصية متمثلة بمظاهر الاختلاط بين الرجال والنساء،أو ما تقوم به النساء من تبرج وإظهار لزينـتهن،وما يحرم منهن أمام العريس،وما شابه ذلك،دون مراعاة لشروط الحشمة الشرعية.

وكذا كون وليمة العرس من مال لا يخلو عن شبهة شرعية،ككونه قد أخذ من الربا،أو تعلق به الحق الشرعي،أو ما شابه ذلك.

هذا ولا يتوقف الأثر لهذا الذنب في تلك الليلة عند حدود انقطاع النسل،إذ لو كان كذلك لكانت المأساة أخف،لكن المأساة عندما يثمر هذا الزواج ثمرته المرة،ويرفد المجتمع بأولاد غير صالحين يتحول وجودهم إلى عوامل هدم وتخريب في البنية الاجتماعية،فضلاً عما يُلحقه انحراف الفتيات عن جادة الصواب من وبال وضرر على سمعة عوائلهن ومحيطهن الأسري.

خاتمة:

وقد خلصنا من كل ما تقدم إلى أن للذنوب آثارها الوخيمة المظلمة على حياة الإنسان بشكل عام،ثم تـتركز هذه الآثار في ليالي الزفاف والأعراس وساعة انعقاد النطفة،لتظهر آثارها السلبية السيئة كالمايكروب الجرثومي على مصير الزوجين وأطفالهما.

لذلك ينبغي اجتناب الذنوب والمعاصي خصوصاً في ليالي الزفاف ولحظة انعقاد النطفة،وأن تكون بيوت الزوجية قلاعاً للطاعة والعبادة،لتـتجلى آثارها إيجابياً على مستقبل الأولاد خصوصاً والمجتمع عموماً.

————————————————–

[1] سورة الأنعام الآية رقم 39.

[2] سورة لقمان الآية رقم 7.

[3] سورة المطففين الآية رقم 14.

[4] بحار الأنوار ج 73 ص 412.

[5] بحار الأنوار ج 73 ص 327.

[6] دار السلام للشيخ النوري ج 3 ص 200.

[7] علل الشرائع ج 2 ص 51.

[8] أصول الكافي ج 2 ص 272.

[9] بحار الأنوار ج 93 ص 367.

[10] معاني الأخبار ص 270.

[11] معاني الأخبار ص 271.

[12] أصول الكافي ج 2 ص 373.