28 مارس,2024

اشتراط وحدة الأفق في ثبوت الهلال(1)

اطبع المقالة اطبع المقالة

لا إشكال في أنه إذا ثبت الهلال في بلد فإنه يثبت في البلد الذي يكون متحداً معه في الأفق. كما أنه لا إشكال أيضاً في أنه متى ثبت الهلال في البلاد الشرقية ثبت في البلاد الغربية بطريق أولى.

إنما الكلام والإشكال في أنه لو ثبت الهلال في بلد هل يثبت في البلدان التي لا تتحد معه أفقاً أو لا؟ بمعنى أنه يشترط كون البلد الثاني الذي لم ير فيه الهلال متحداً مع البلد الذي رؤي فيه في الأفق أو أنه لا يشترط ذلك فمتى رؤى الهلال في بلد ثبت لجميع البلدان التي تشترك معه في الليل حتى وإن كانت آفاقها مختلفة. ولا يذهب عليك أن الحديث ما لم يكن البلد الذي رؤي فيه الهلال شرقياً للبلد الذي يراد إثبات الهلال فيه.

والمعروف بين أصحابنا بل هو مشهورهم القول باشتراط اتحاد الأفق بين البلدين بلد الرؤية والبلد الذي سيثبت فيه الهلال.

وقال آخرون بغير ذلك فمتى ثبت الهلال في بلد ثبت في كل البلدان.

تحديد المراد من وحدة الأفق:

وينبغي قبل كل شيء معرفة المراد من وحدة الأفق فنقول:

هو اتحاد مشارق البلدان ومغاربها أو تقاربها جداً في ذلك. أما البلدان التي تختلف في المشارق والمغارب ولا تتقارب تكون مختلفة في الأفق.

ثم إنه لما كانت المسألة معنونة في كلمات الأصحاب لا بأس بنقل بعضها:

قال الشيخ في المبسوط: ويجب العمل بالرؤية لأن ذلك يختلف بحسب اختلاف المطالع والعروض ومتى لم ير الهلال في البلد ورؤي خارج البلد على ما بيناه وجب العمل به إذا كانت البلدان التي رؤي فيها الهلال متقاربة بحيث لو كانت السماء مضحية والموانع مرتفعة لرؤي في ذلك البلد أيضاً لاتفاق عروضها وتقاربها مثل بغداد وواسط والكوفة وتكريت والموصل فأما إذا بعدت البلاد مثل بغداد وخراسان وبغداد ومصر فإن لكل بلد حكم نفسه ولا يجب على أهل بلد العمل بما رآه أهل البلد الآخر[1].

أقول: أختار قول المشهور فما لم تكن البلدان متحدة الأفاق لا يثبت الهلال إلا في خصوص ما رؤي فيها دون غيرها.

وقال في الشرائع: وإذا رؤي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصوم على ساكنيها أجمع دون المتباعد كالعراق وخراسان بل يلزم حيث رؤي[2].

وعلق على ذلك في الجواهر: بلا خلاف ولا إشكال…. دون البلاد المتباعدة ونحوهما مما علم فيه اختلاف المطالع أو احتمل فلا يجب الصوم ولا القضاء… لكنه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون إما لعدم كروية الأرض بل هي مسطحة فلا تختلف المطالع حينئذٍ وإما لكونه قدراً يسيراً لا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى علو السماء وربما يومئ إلى ذلك… [3].

وقال في التذكرة: إذا رأى الهلال أهل بلد ولم يره أهل بلد آخر فإن تقاربت البلدان كبغداد والكوفة كان حكمهما واحداً يجب الصوم عليهما معاً وكذا الإفطار وإن تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق فلكل بلد حكم نفسه قال الشيخ وهو المعتمد وبه قال أبو حنيفة وهو قول بعض الشافعية ومذهب القاسم وسالم واسحاق لما رواه كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهل عليّ رمضان فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبدالله بن عباس وذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ قلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا هكذا أمرنا رسول الله .

ولأن البلدان المتباعدة تختلف في الرؤية بإختلاف المطالع والأرض كرة فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر لأن حدبة الأرض مانعة من رؤيته وقد رصد ذلك أهل المعرفة وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لمن جد في السير نحو المشرق وبالعكس.

وقال بعض الشافعية: حكم البلاد كلها واحد متى رؤي الهلال في بلد وحكم بأنه أو الشهر كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض سواء تباعدت البلاد أول تقاربت اختلفت مطالعها أولا. وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد وبعض علمائنا لأنه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية وفي الباقي بالشهادة فيجب صومه لقوله تعالى ) فمن شهد منكم الشهر فليصمه(.. ولأن الأرض مسطحة فإذا رؤي في بعض البلاد عرفنا أنه المانع في غيره شيء عارض لأن الهلال ليس بمحل الرؤية[4].

وقال في المنتهى: إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس سواء تباعدت البلاد أو تقاربت واستدل عليه بأنه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد بالرؤية وفي الباقي بالشهادة فيجب صومه وبأن البينة العادلة شهدت بالهلال فيجب الصوم كما تقاربت البلاد وبأنه شهد برؤيته من يقبل قوله فيجب القضاء لو فات للأخبار الكثيرة الدالة عليه…

ولو قالوا إن البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الأرض.

قلنا: إن المعمور منها قدر يسير وهو الربع ولا اعتداد به عند السماء وبالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه لكرية الأرض لم يتساو حكمهما أو بدون ذلك فالتساوي هو الحق[5].

وقال فخر المحققين : ومبنى هذه المسألة على أن الأرض هل هي كروية أو مسطحة والأقرب الأول لأن الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية وكذا في الغروب فكل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي ساعة واحدة وإنما عرفنا ذلك بأرصاد الكسوفات القمرية حيث ابتدأت في ساعات أقل من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية فعرفنا أن غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا وغروبها في المساكن الغربية بعد غروبها في بلدنا ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد ولأن السائر على خط من خطوط نصف النهار على الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس[6].

وجاء في المدارك تعقيباً على كلام المحقق فيما سبق نقله من كلامه: المراد انه إذا رؤي الهلال في إحدى البلاد المتقاربة وهي التي لم تختلف مطالعها ولم يرفي الباقي وجب الصوم على جميع من في تلك البلاد بخلاف المتباعدة وهي ما علم اختلاف مطالعها فإن الصوم يلزم من رأى دون من لم ير.

ثم إنه استجود ما أختاره العلامة في المنتهى من كون البلاد كلها متحدة الآفاق فمتى ثبت في بلد ثبت في كل البلدان وإن اختلفت في المطالع[7].

وأعلم أن من القائلين بخلاف المشهور صاحب الحدائق والمحقق النراقي وصاحب الجواهر والسيد أبو تراب الخونساري وهو مختار بعض الأعاظم وشيخنا التبريزي (قده) ومال له بعض الأساطين .

وكيف كان المتبع هو الدليل لملاحظة أي القولين هو الصحيح في المقام فنقول ومنه تعالى نستمد التوفيق:

استدل القائلون بخلاف قول المشهور بوجهين: عقلي ونقلي.

أما الوجه العقلي فيمكن تقريبه بأحد وجوه:

الأول: وقد استدل به العلامة(ره) في كتابه التذكرة، وهو يقوم على المنع عن كروية الأرض، والبناء على كونها مسطحة، بحيث أنه إذا رؤى الهلال في بعض البلاد كان ذلك موجباً لرؤيته في البلدان الأخرى[8].

ومن الواضح جداً قيام الدليل المذكور على اتحاد البلدان في المغارب والمطالع، بمقتضى الالتـزام بكون الأرض مسطحة، غير كروية. وهذا هو المستفاد من كلامه(ره) في كتابه المنتهى، فقد ذكر أن ضوء القمر ينعكس على جميع الآفاق في آن واحد، لأن الأرض مسطحة، فلا تختلف المطالع[9].

وقد شيد هذا الاستدلال الشيخ صاحب الحدائق(ره)، فقد ذكر أن ما ورد في كلمات الأصحاب(رض)، من طلوع الهلال في بعض البلدان دون بعضها الآخر، مبني على ما ألتـزموا به من كروية الأرض، وهو ممنوع، خصوصاً وأن لازمه أن يختلف اليوم الواحد في بلدين، فيكون يوم الخميس في بلد يوم الجمعة في بلد آخر، وهذا مما ترده الأخبار المستفيضة في مواضع متعددة، إذ أن المستفاد منها على وجه لا يزاحمه الريب والشك أن كل يوم من أيام الأسبوع، وكل شهر من شهور السنة، أزمنة معينة معلومة نفس أمرية. وقد استشهد لذلك بأمرين:

الأول: النصوص التي وردت في فضل يوم الجمعة، وما يعمل فيه، وما ينبغي من احترام له، وكيف أنه سيد الأيام والأعياد، وأن من مات فيه فقد مات شهيداً.

الثاني: ما ورد في أيام الأعياد من الأعمال والفضل، كالذي ورد في يوم الغدير ونحوه من الأيام الشريفة، وما ورد في شهر رمضان المبارك من الفضل والأعمال، والاحترام ونحو ذلك.

فإن ذلك كله ظاهر في كونها أزمان معينة نفس أمرية، مع أن مقتضى بنائهم على كروية الأرض كونها اعتبارية، باعتبار قوم دون آخرين.

ثم عاد وذكر لازماً على مقالة القائلين بالكروية، وهي ترتبط بملاحظة النصوص التي وردت في زوال الشمس، وما يعمل بالشمس في وصولها إلى دائرة نصف النهار، وما ورد في ذلك من الأعمال، فإن مقتضى القول بكروية الأرض يكون ذلك من طلوع الشمس إلى غروبها، لا اختصاص به بزمان معين، لأن دائرة نصف النهار بالنسبة إلى كل قوم غيرها بالنسبة إلى آخرين. وقد تحصل مما تقدم، بطلان القول بكروية الأدلة، وفقاً للأدلة السمعية والأخبار النبوية[10].

ولم يختلف حال صاحب الجواهر(ره) عن حال صاحب الحدائق، في إنكار كروية الأرض، والقول بتسطيحها، كما جاء ذلك في مبحث القبلة من كتابه، على أساس أن ما استند إليه في القول بالكروية لا يثمر ظناً، فضلاً عن القطع، وقد جعل دليله على المنع من ذلك أمران:

الأول: بناء الفقهاء على القول بتسطيح الأرض، ونفي كرويتها، ما يجعلهم مخالفين للقائلين بالكروية.

الثاني: ما يستفاد من ظاهر بعض الآيات، مثل قوله تعالى:- (الذي جعل لكم الأرض فراشاً)[11]، وقوله تعالى:- (ألم نجعل الأرض مهاداً)[12]، وقال عز من قائل:- (وإلى الأرض كيف سطحت)[13].

وقد أرجع بعض الأعلام(قده) بعد تضعيفه هذا القول، إلى قلة الاطلاع على العلوم الطبيعية والرياضية, ودعى لحذف مثل هذه الكلمات من كتب الفقه[14].

والإنصاف، ضعف الدليل المعتمد عليه هذا التقريب، ضرورة أن كروية الأرض أصبحت اليوم من الأمور البديهية جداً التي لا مجال لإنكارها، ويشهد لذلك أمور:

منها: ما أثبتته الصور الجوية الملتقطة للأرض.

ومنها: إمكانية إحراز ذلك بملاحظة الاختلاف الحاصل في البلدان في الليل والنهار، ذلك أنك قد تكون في بلد وقته نهاراً، وتتصل بشخص في بلد آخر يكون الوقت عنده ليلاً.

ومنها: حركة الانتقال الحاصلة من نقطة إلى نقطة أخرى مقابلة لها، فإن المنتقل من نقطة من جهة ما، يعود إليها من الجهة المقابلة، وما هذا إلا لكرويتها، فتدبر.

هذا وقد استدل بعض الأعاظم(ره) على كروية الأرض بالآيات الشريفة، وبالنصوص المعصومية، فمن الآيات قوله تعالى:- (فلا أقسم برب المشارق والمغارب)[15]، فإن مقتضى تعدد مطالع الشمس ومغاربها، فيه إشارة إلى كروية الأرض، فإن طلوع الشمس على أي جزء من أجزاء الكرة الأرضية يلازم غروبها عن جزء آخر، فيكون تعدد المشارق والمغارب واضحاً.

ومن النصوص ما روي عن الإمام الصادق(ع) قال: صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر، وكنت أنا أصلي المغرب إذا غربت الشمس، وأصلي الفجر إذا استبان لي الفجر، فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع، فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنا، وهي طالعة على قوم آخرين بعد. فقلت: إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا، وعلى اولئك أن يصلوا إذا غربت الشمس عنهم[16]. فقد استدل الرجل على مراده باختلاف المشرق والمغرب الناشئ عن استدارة الأرض، ولك ينفي الإمام(ع) ما قاله من حيث كروية الأرض، وإنما عمد إلى تنبيهه إلى وظيفته الفعلية. وغير ذلك من النصوص، والأدعية المروية عن المعصومين(ع)[17].

على أن الاستدلال لنفي كرويتها بالآيات التي ذكرت، أو بالنصوص التي أشير إليها ممنوع، ولو مخافة الإطالة، لذكرنا ما يجاب به عنها، لكن يمكن للقارئ العزيز ملاحظة كتب التفسير مثلاً بالنسبة للآيات المباركة.

الثاني: ما ذكره العلامة(ره) في كتابه المنتهى، وحاصله: من المعلوم أن انعكاس ضوء القمر على جميع الآفاق في آن واحد، وذلك لكون اليابسة المسكونة من الأرض لا تشكل إلا ربع الكرة الأرضية، وهذا يوجب عدم اختلاف المطالع لكونه قدراً يسيراً لا يعتد به بالنسبة إلى علو السماء[18].

وبمثل قوله(قده) قال صاحب الجواهر(ره): لكنه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون، لكونه قدراً يسيراً لا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى علو السماء[19].

وتمامية هذا الوجه تعتمد على مقدمتين:

الأولى: نفي كروية الأرض، والبناء على كونها مسطحة. وقد عرفت ما فيها.

الثانية: ملازمة قلة المساحة المسكونة من الأرض، لعدم وجود التفاوت بينها في المشارق والمغارب.

وهو كما ترى، ضرورة، أن المناطق المسكونة وإن كانت قليلة، إلا أن ذلك لا ينفي أن تكون وسيعة في حد نفسها، ومع البناء على كروية الأرض كما عرفت، يلزم من ذلك تعدد المشارق والمغارب، فتدبر.

الثالث: ما جاء في أحد قولي الفاضل النراقي في المستند ومفاده:

يفترض كون مبدأ الشهر هو بالرؤية على أن يأخذ طبيعيها وصرف وجودها في أي بقعة تكون مبدأ للشهر في كل البقاع فالإضافة إلى الأرض في هذا القول مأخوذة في حقيقة الشهر خلافاً للتقريب الأول إلا أن الإضافة والنسبة على نحو صرف الوجود لا الاستغراق والتعدد واختلاف المبدأ.

فيسلم أن الرؤية تختلف من بقعة إلى أخرى وأن انعكاسات القمر متباينة، غاية الأمر أنه إذا انعكس ضوء القمر في مصر مثلاً وتحققت الرؤية فبداية الشهر تكون من هذه البقعة وما دام هذه البقعة تشترك مع بقاع كثيرة في النصف المظلم من الكرة الأرضية فيثبت بداية الشهر لجميع هذا النصف المظلم إذ أن الليلة الواحدة لا تتبعض فبداية الشهر الجديد ليس مبدأه من بلد الرؤية وإنما من الليلة التي يرى فيها[20].

الرابع: ما ذكره بعض الأعاظم وهو يحوي مقدمات:

الأولى: لا ريب في وجود حالات مختلفة للقمر في دورته الطبيعية طوال الشهر يمر بها من بدايته حتى نهايته، وهي:

1-المحاق: وتكون هذه الحالة في آخر الشهر عندما تكون المسافة بين القمر والشمس أقل من 12 درجة وتستمر إلى أن تصبح بمقدار 12 درجة، أو أكثر، وتطول هذه الحالة إلى أربعين ساعة تقريبا، وثمانية وأربعين دقيقة، وهذا يكون عندما يقع القمر بين الشمس والأرض، فيكون الثلاثة على خط واحد تقريباً، وهي التي يعبر عنها بـ(قران النيرين)، ويكون النصف المظلم من القمر مواجهاً للأرض، والمستنير منه مواجهاً للشمس، لكنه لا يكون قابلاً للرؤية لأهل الأرض.

2-الهلال: وتكون هذه الحالة عندما يبدأ القمر بالتحرك فيخرج عن حالة التوسط التقريبي بين الشمس والأرض، فيرى جزءاً منه من الجانب المستنير، وحافته الذي يسمى الهلال، وقد أخذ تسميته بالهلال من الاستهلال الذي يكون للصبي عند الولادة من الصياح، فكذلك إذا ظهر الهلال ارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل، وهكذا.

ويعتبر ظهوره بداية الحركة الدورية للقمر حول الأرض، ويسمى بـ(الحركة الاقترانية)، لأن بدايتها تقدر من حين اقتران القمر بالأرض والشمس وتوسطه بينهما. وقد سميت هذه الحالة بالهلال.

ويظهر الهلال في أول الشهر عند غروب الشمس ويرى فوق الأف الغربي بقليل، ثم يختفي تحت الأفق الغربي، وبسبب عدم وضوحه، تكون رؤيته صعبة.

3-التربيع الأول: ويقصد منه زيادة القسم المستنير من الهلال حتى يصل إلى الربع، ويكون ذلك في الليلة السابعة من الشهر.

4-البدر: ويكون عندما يتزايد الجزء المستنير حتى يرى في الليلة الرابعة عشر نصف القمر تماماً، وتكون الأرض في هذه الحالة بينه وبين الشمس.

5-التربيع الثاني: ويكون عندما يأخذ الجزء المستنير بالنقصان حتى يرى في الليلة الحادية والعشرين ربعه.

ويستمر بعد ذلك نقصان السطح المستنير شيئاً فسيئاً حتى لا يرى منه إلا الهلال، ثم يعود ذلك إلى الحالة التي لا يرى منه شيئاً، ويدخل في مرحلة المحاق من جديد، وهكذا.

الثانية: إنه لا مدخلية للأرض في حدوث الحالات المختلفة التي يمر بها القمر خلال الشهر الواحد في دورته الطبيعية، لأنها تحدث من كيفية نسبة القمر إلى الشمس بلحاظ موضع الناظر من دون ملاحظة الكرة الأرضية أصلاً، فإن خلو الكون من الكرة الأرضية، لا يمنع من تحقق القمر خارجاً بحالاته السابقة لكل من كان ناظراً إليه ولو من الفضاء.

الثالثة: إن هناك فرقاً بين خروج القمر من حالة المحاق إلى الهلال، وبين طلوع الشمس على الأرض، فإن خروج القمر من حالة المحاق ليس له إلا فرد واحد، يتساوى فيه جميع الكون، ولا يتعدد بتعدد البقاع، بخلاف طلوع الشمس، فإنه يتعدد بتعدد البقاع المختلفة، ما يوجب أن يكون لكل بقعة من الأرض طلوعاً خاصاً بها. والسر في عدم تعدد خروجه كونه كما عرفت في المقدمة السابقة لا يرتبط بالأرض أساساً، فتدبر.

وبناء على ما تقدم، فإن خروج القمر من حالة المحاق إلى حالة الهلال، لا يتفاوت فيه جزء من الكرة الأرضية عن جزء آخر، بل يتساوى فيه جميع أجزائها، وبقاعها، فمتى خرج في أي بقعة منها كان ذلك موجباً لخروجه لكافة البقاع الأخرى، وإن كانت مختلفة في المشارق والمغارب. نعم قد لا يرى الهلال في بعض بقاع الأرض، لا لعدم خروج الهلال من محالة المحاق، وإنما لوجود مانع خارجي كشعاع الشمس، أو حيلولة بقاع الأرض، أو ما شاكل ذلك[21].

وقريب من هذا المعنى، ذكر(ره) في تقرير بحثه، قال: وهذا بخلاف الهلال فإنه إنما يتولد ويتكون من كيفية نسبة القمر إلى الشمس من دون مدخل لوجود الكرة الأرضية في ذلك بوجه بحيث لو فرضنا خلو الفضاء عنها رأساً لكان القمر متشكلاً بشتى أشكاله من هلاله إلى بدره وبالعكس كما نشاهده الآن[22].

ولا يذهب عليك أن نكتة الاستدلال، بل عمدة الدليل في دعوى وجود الفرق بين خروج الهلال في بداية دورته الطبيعية وطلوع الشمس على الآفاق، وما بقي لا دخالة له في المدعى، كما لا يخفى. على أساس أن خروج الهلال أمر وجداني واقعي لا يختلف بلد فيه عن آخر، لكون العلاقة بينه وبين الشمس من دون مدخلية للأرض في ذلك.

ومن هنا يظهر: أن ذهاب المشهور إلى اعتبار اتحاد البلدان في الأفق مبني على تخيل أن ارتباط خروج القمر عن تحت الشعاع ببقاع الأرض كارتباط طلوع الشمس وغروبها بها إلا أنه لا صلة ـ كما عرفت ـ لخروج القمر عنه ببقعة معينة دون أخرى فإن حاله مع وجود الكرة الأرضية وعدمها سواء[23].

——————————————————————

[1] المبسوط ج 1 ص 268.
[2] شرائع الإسلام ج 1 ص
[3] جواهر الكلام ج 6 ص 200.
[4] تذكرة الفقهاء ج 6 ص 122.
[5] المنتهى ج 2 ص 592.
[6] إيضاح الفوائد ج 1 ص 252.
[7] مدارك الأحكام ج 6 ص 171.
[8] تذكرة الفقهاء ج 6 ص 123-124.
[9] منتهى المطلب ج 2 ص .الحدائق ج ص .جواهر الكلام ج 6 ص
[10] الحدائق الناضرة ج 13 ص 266-267.
[11] سورة البقرة الآية رقم 22.
[12] سورة النبأ الآية رقم 6.
[13] سورة الغاشية الآية رقم 20.
[14] مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى ج 8 ص 394.
[15] سورة المعارج الآية رقم 40.
[16] وسائل الشيعة ب 16 من أبواب المواقيت ح 4.
[17] البيان في تفسير القرآن ص 75-76.
[18] منتهى المطلب ج 9 ص 255.
[19] جواهر الكلام ج 16 ص 361.
20] مستند الشيعة ج 10 ص 421.
[21] منهاج الصالحين ج 1 ص 284.
[22] مستند العروة ج 2 ص 117.
[23] منهاج الصالحين ج 1 ص 284.