20 أبريل,2024

مفطرية قصد القطع أو القاطع

اطبع المقالة اطبع المقالة

عرف الصوم بأنه الامتناع عن الإتيان بالمفطرات المذكورة في الرسائل العملية للفقهاء، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس قاصداً بذلك امتثال أمر الله سبحانه وتعالى، ومتقرباً إليه.
من هنا لو أخل المكلف بهذا العمل، إما من خلال الإخلال بالامتناع، فأقدم على الإتيان بواحد من المفطرات المذكورة، أو أنه أخل بالقصد والنية بحيث عزم على فعل المفطر وإن لم يفعله فاقتصر على العزم فقط، فهل يلزم من ذلك الإخلال بالصوم، ومن ثمّ البناء على عدم تحقق التكليف منه أم لا؟…

يمكن أن تذكر ثلاث صور للمسألة:

الأولى: أن يعزم على عدم الاستمرار في الصوم، فيصمم على سلب صفة الصوم عن نفسه، بحيث لو تسنى له أن يفعل أحد المفطرات لما امتنع عن ذلك.

الثانية: أن يفعل أحد المفطرات المعلومة.

الثالثة: أن ينوي نفس المفطر كالأكل وما شابه، لأن مراده مثلاً سدّ جوعه، وليس مراده قطع الصوم حتى لو كان ملتفتاً إلى أن فعله ذلك، أعني الأكل يستلزم قطعه.

في الصورتين الأوليتين، يسمى المقصود بالنسبة للصائم هو القطع، بينما يعبر عن ما جاء في الصورة الثالثة القاطع، ولذا تارة يقال: قصد القطع، وأخرى يقال: قصد القاطع.

وفقاً لما ذكرنا يمكننا تعريف القطع بأنه: رفع اليد عن عما تلبس به من الصوم، بمعنى أن ينوي عدم الإمساك عن المفطرات من دون أن يقصد تناول المفطر.

وأما القاطع، فيمكن تعريفه بأنه: عن قصد فعل أحد المفطرات ولو لم يتحقق منه فعلها في الخارج.

وعلى هذا فلابد من كون حكم نية القطع أو القاطع حكم نية الإفطار لتكون منافية للصوم المعتبر فيه الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فعندها بفوات ذلك يتحقق البطلان لعدم تحقق الشرط هذا بناءاً على تمامية الدليل على ذلك. أما لو لم يتم الدليل على ذلك فإن حدوث أحدهما-نية القطع أو القاطع-غير مؤثر في صحة الصوم بمعنى أنه لا موجب للبطلان.

هذا وقد بنى السيد صاحب العروة(قده) على أنه لا فرق في المفطرية بين نية القطع ونية القاطع، قال(قده): لو نوى القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعين بطل صومه سواءاً نواهما من حينه أو فيما يأتي.

وقد وافقه على ذلك جملة من الأعلام المحشين على متن العروة.
لكن بعض الأعيان(قده) التـزم بالتفصيل بين نية القطع فيحكم فيه بالبطلان، وبين نية القاطع فيحكم فيه بالصحة[1].

والإنصاف أن هذا التفصيل وجيه من جانب، وهو أن المنافي للصوم هو خصوص نية القطع لأن الصوم عبارة عن الإمساك القربي، وبنية القطع لا يكون الصائم صائماً بالفعل لعدم تحقق قصد الصوم منه. بخلافه لو نوى نية القاطع فإنه يكون ممسكاً فعلاً ولم يرفع اليد عن صومه بوجه إلا إذا أتى بمفطر فلا يترتب عليه أي شيء من الكفارات على النية المحضة إلا إذا تعقب ذلك استعمال المفطر خارجاً فما لم يأكل مثلاً لا شيء عليه حتى يأكل لترتب الكفارة على عنوان المفطر لا على نية الإفطار.

إلا أن التحقيق أنه لما كان الكلام في نية الصوم القربي الذي هو عبارة عن نية الإمساك الخاص المحدود بين طلوع الفجر وغروب الشمس فلا ريب في أن نية القطع والقاطع منافية لذلك فلا يمكن أن تجتمع نية القطع أو القاطع مع نية الإمساك فلا يتحقق القصد إلى الصوم الصحيح.

وكيف كان فالمسألة ذات قولين:

الأول: وهو الحكم ببطلان الصوم حتى لو رجع وجدد النية وهذا هو خيرة المرتضى في رسائله وأبي الصلاح والعلامة في بعض كتبه والشهيدين والمحقق الثاني[2].

الثاني: الحكم بالصحة متى ما تحقق منه التجديد، وهو مختار الشيخ في المبسوط والخلاف والمحقق في الشرائع والعلامة في بعض كتبه[3]، بل عن المدارك أنه المشهور بين الأصحاب[4]. وفي الجواهر: التحقيق حصول البطلان بنية القطع التي هي بمعنى إنشاء رفع اليد عما تلبس به من الصوم على نحو إنشاء الدخول فيه ضرورة خلو الزمان المزبور عن النية فيقع باطلاً وأما نية القطع بمعنى العزم على ما يحصل به ذلك وكذلك نية القاطع فقد يقوى عدم البطلان[5].

هذا ولما كانت المسألة من المسائل الأصلية، فلنشر لبعض كلمات الأصحاب:
قال المرتضى وفقاً لما حكاه العلامة(ره) في المختلف: كنت أمليت قديماً مسألة أتصور فيها: إن من عزم في نهار شهر رمضان على أكل وشرب وجماع يفسد بهذا العزم صومه، ونصرت ذلك بغاية التمكن، وقويته ثم رجعت عنه في كتاب الصوم من المصباح، وأفتيت فيه بأن العازم على شيء مما ذكرناه في نهار شهر رمضان بعد تقدم نيته وانعقاد صومه لا يفطر به، قال: وهو الصحيح الذي يقتضيه الأصول، وهو مذهب جميع الفقهاء.

هذا وحاصل دليله(ره) على ما ذكره: أن الصوم قد انعقد بحصول النية في ابتدائه، وإنما يفسد بحصول ما ينافي الصوم من أكل أو شرب أو جماع، ومجرد العزم على فعل ما ينافي الصوم، لا ينافي الصوم، بمعنى أن العزم على فعل المنافي لا يحقق المنافاة.

ثم إنه(ره) اعترض على ذلك: بأن عزيمة الأكل والشرب، وإن لم تكن منافية للصوم، إلا أنها تنافي نية الصوم التي لابد منها فيه، إذ أنا نعلم ضرورة منافاة عزيمة الأكل لعزيمة الكف عن الأكل، أو توطين النفس على الكف.

وأجاب عنه: أن النية إذا وقعت في ابتداء الصوم استمر حكمها في باقي اليوم وإن لم تكن مقارنة لجميع أجزائه وأثرت فيه بطوله، وعندنا أن هذه النية زيادة على تلك، مؤثرة في كون جميع أيام الشهر صوماً، وإن لم تكن مقارنة للجميع[6].

قال الشيخ(ره) في الخلاف ما حاصله: إذا نوى في أثناء النهار أنه قد ترك الصوم، أو عزم على أن يفعل ما ينافي الصوم لم يبطل صومه، وكذلك الصلاة، وإنما يبطلان بفعل ما ينافيهما، وبه قال أبو حنيفة، وقال أبو حامد الإسفرائيني: يـبطلان، دليلنا: أن نواقض الصوم والصلاة قد نص عليها[7].

أقول: كلامه(ره) واضح في التفصيل بين نية القطع والقاطع، وأن مجرد نية القاطع لا توجب البطلان، ما لم يتحقق وجوده خارجاً.

هذا وقد أستدل على عدم مبطلية نية القطع أو القاطع للصوم بوجوه:

1-التمسك باستصحاب الصحة فإن صيامه كان قبل النية محكوم بالصحة فيشك بعدها فيحكم بالصحة.
أقول: إن هذا يبتني على ثبوت هيئة اتصالية للصوم التي يعبر عنها بالصورة الصومية كما في الصلاة، ولكن لما لم يقم دليل على اعتبار ذلك فالأقوى هو عدم جريان الاستصحاب.

2-التمسك بأصالة البراءة عن مانعية الخلاف.
وبعبارة أخرى، إن الرجوع للدليل الفقاهتي رهين فقدان الدليل الاجتهادي، فما لم يفقد، لن تصل النوبة إليه، وفقاً لمقتضى الطولية، فلاحظ.
وفيه: إن الرجوع للأصل بعد فقد الدليل اللفظي على اعتبار استدامة النية ومع وجوده فلا مرجع لها أصلاً.

3-ما جاء عن الشيخ الأعظم (قده) من أن المراد من النية المعتبرة، إما هي الصورة المخطرة المقترنة في بعض العبادات والمتقدمة بزمان خاص في بعضها الأخر فالمفروض حصولها فيما نحن فيه. أما لو كانت عبارة عن الداعي إلى العمل فاعتبارها مختص بما إذا أمكن استناد العمل بمجموعه إلى النية، فالعمل الذي لا يمكن فيه ذلك كالصوم لا يفسد لأجل خلوه جزءاً فجزءاً عن النية فيثبت صحته بالإطلاقات.

ودعوى بدلية استمرار النية حكماً عن النية الحقيقة في وجوب تلبس كل جزء به بحاجة إلى بينة.
وفيه: إن المراد من النية المعتبرة هي خصوص النية الموجبة لصيرورة العمل اختيارياً ومضافاً إلى المولى كما قد قرر ذلك في محله، مما يعني أن استدامتها إلى أخر العمل في جميع العبادات بما فيها الصوم استدامة حقيقة لا حكمية وقد أقيم الدليل على ذلك في محله، فلا حاجة للإعادة. والحاصل إن قصد الخلاف موجب للبطلان.

4-ما جاء عن الشهيد (قده) من أن نية الخلاف إنما تنافي النية ولا تنافي حكمها الثابت بالانعقاد الذي لا ينافيه النوم وهو أشد منافاة من نية المنافي ولا يجب تجديد النية في كل أزمنة الصوم إجماعاً فلا تتحقق المنافاة.

وفيه:-إن هذا الذي أفاده (ره) في محله بالنسبة إلى النية التي بمعنى الإخطار فلا ينافيها، إلا أنه ينافي النية بمعناها المعتبر في صيرورة العمل اختياريا ومضافاً إلى المولى الذي لا ينافيه النوم كما قد قرر ذلك في فصل النية، فلاحظ.

5-إن مقتضى حصر المفطرات في أمور ليس من ضمنها الإخلال بالنية هو الحكم بعدم قاطعيتها.
وفيه: إن هذه النصوص متعرضة لبيان التروك المعتبرة في صحة الصوم وليست متعرضة لكون ذلك بقصد ونية وعدمه. وبعبارة أخرى إن مفاد هذه النصوص هو الإشارة لجزء العلة المعتبرة في صحة الصوم لا أنها تمام العلة.

6-إن المفطر إما هو خصوص نية القطع أو القاطع أو الأكل والشرب مثلاً فإنه إن كانت هي المفطرة كان الأكل والشرب ليس من المفطرات وإن كان المفطر هما فلا يستند الإفطار إليها فيكون ذكرها لغوياً.

وفيه: إن مقتضى استمرار النية واستدامتها هو الالتزام بتحققها في جميع الآنات ومجرد قطع ذلك كافٍ في نفي تحقق العلاقة القربية بين الصائم وبين المولى مما يمنع من إضافته له تعالى فلا يتحقق الشرط المعتبر في الصحة.

ثم إن الاستمرار المعتبر تحققه في النية على نحوين:

الأول: أن يكون ناوياً في كل آن من الآنات على الصوم من طلوع الفجر إلى الغروب.
الثاني: أن ينوي في كل آن صوم ذلك الآن ولم يقصد خلافه وهكذا في تمام الآنات.
قد يقال بأن مقتضى الأصل هو الثاني إلا أن المستفاد من كلمات الأصحاب و مقتضى كونه عملاً واحداً له وحدة اعتبارية يتعلق بها القصد والإرادة هو الأول فتكون حينئذٍ نية القطع أو القاطع منافية للاستمرار بخلافه على النحو الثاني.
وبهذا يمكن أن يوجه مراد من قال بعدم منافاة ذلك للاستمرار والله العالم بحقائق الأمور.

[1] تحرير الوسيلة كتاب الصوم بحث النية في ذيل المسألة 8.
[2] رسائل المرتضى ج  ص  .الكافي ص  .جامع المقاصد ج  ص
[3] المبسوط ج ص  .الخلاف ج2 ص  المسألة  .الشرائع ج1 ص
[4] مدارك الأحكام ج6 ص
[5] جواهر الكلام ج ص
[6] المختلف ج 3 ص 391.
[7] الخلاف ج 2 ص 222 المسألة 89.