- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

تفسير علي بن إبراهيم(2)

عدم إحراز نسبة الديـباجة للقمي:

وأما الأمر الثاني: فبناءاً على ما تقدم من نفي ثبوت نسبة التفسير إلى علي بن إبراهيم، ولا أقل من كونه مشتركاً، فلا يمكننا الجزم بكون الشهادة الواردة في مقدمة الكتاب صادرة من علي بن إبراهيم حتى تكون دالة على المدعى.

هذا والمحتملات في كاتب الديـباجة ثلاثة:

الأول: أن يكون الكاتب لها هو أبو الجارود، زياد بن المنذر، إذ قد عرفت أن بعض مشايخنا(حفظه الله) يـبني على أن القسم الثاني من الكتاب، هو كتاب تفسيره، بل قد عرفت منا في الأمر الأول، ثبوت جزء من الكتاب يتضمن تفسيره.

الثاني: أن تكون الديـباجة صادرة من علي بن إبراهيم القمي، وهو الذي كتبها مقدمة للتفسير، ولا أقل أنه كتبها لكتاب تفسيره، الذي صار القسم الأول من الكتاب المجموع من التفسيرين.

الثالث: أن الديـباجة لجامع الكتاب، وهو أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر(ع)، أو لابن العتايقي الحلي، الذي عرفت أنه عمد إلى اختصار كتاب تفسير القمي، وتصرف فيه.

ولا يخفى أن الاستناد لدلالة العبارة على المدعى المحكي عمن ذكرنا في الأمر تتوقف على ثبوت الأمر الثاني من المحتملات الثلاثة دون الأمرين الآخرين.

والظاهر أنه لا مجال لإثبات ذلك، ضرورة أنه لا يوجد في البين ما يوجب ترجح أحد المحتملات الثلاثة المذكورة على الآخرين، ومعه لا يمكن البناء على ثبوت النسبة لواحد من الثلاثة، فلاحظ.

والعجب من بعض مشايخنا(دام علاه)أنه مع تنبهه لكون الكتاب مشتركاً، وأنه ليس خصوص كتاب تفسير علي بن إبراهيم القمي، بل هو كتاب مجموع من تفسيرين، ولمؤلفين أحدهما علي بن إبراهيم، والآخر هو أبو الجارود، إلا أنه بنى على تمامية الشهادة، وجه العجب:

إنه وبعد ثبوت كون التفسير مشتركاً بين شخصين فيحتمل أن هذه الشهادة من مؤلف التفسير الأول كما يحتمل أن هذه الشهادة صادرة من مؤلف التفسير الثاني وترجيح أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح. وليس في البين قرينة صارفة للموضوع في أحد الاحتمالين دون الآخر.

نعم ربما يعتذر له(حفظه الله)بأن شهادة أبي الجارود بوثاقة جميع من وقع في أسناد كتابه سالبة بانتفاء الموضوع، ضرورة أن الرواة الذين يروي عنهم أبو الجارود منحصرين في خصوص المعصوم(ع)، فلا معنى لأن يشهد بوثاقته، وهذا بخلافه في علي بن إبراهيم، فكون الموضوع في شأن أبي الجارود سالبة بانتفاء الموضوع، قرينة صارفة لتعين المحتمل في خصوص القمي، فلاحظ.

وبعبارة أخرى، لا وجه لأن يشهد أبو الجارود بوثاقة من ورد في تفسيره بتخصيص الشهادة بمشايخه أو بجميع رواته، لأنه يروي الكتاب عن الإمام الباقر (ع)، فيكون في البين انصراف إلى خصوص مؤلف التفسير الثاني، فيكون الترجيح له وليس هذا ترجيحاً بلا مرجح.

هذا ويـبقى في البين احتمال ثالث وهو: أن تكون المقدمة صادرة من جامع الكتاب وراويه وهو أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر (ع)، الذي لم يذكر في كتب الرجال بل هو مجهول، نعم له ذكر في كتب الأنساب فراجع.

وعليه فلا يمكن عندها الحكم بوثاقة من وقع في أسانيد التفسير ولو في القسم الأول، وذلك لعدم إحراز أن الديـباجة الموجودة في مقدمة الكتاب صادرة من علي بن إبراهيم القمي_على فرض ثبوت نسبة الكتاب له_وبه تعرف ضعف ما عن بعض مشايخنا(دام مجده) للقول بوثاقتهم بناءاً على هذه الشهادة[1].

فتحصل أن الوارد في الديـباجة لم يثبت كونه لعلي بن إبراهيم، ولا أقل من الشك فلا يمكن الاعتماد عليها.

نفي دلالة الشهادة على المدعى:

الأمر الثالث: قد أتضح حاله والكلام فيه مما سبق في الأمرين الأول والثاني ولكن جرياً مع الأعلام، ورغبة في استكمال الفائدة، لأنه بما يأتي من يلتـزم بثبوت النسبة، ويقيم الدليل على أن الكتاب المطبوع والمتداول اليوم بأيدينا هو كتاب تفسير القمي، وأن الديباحة الواردة في مطلع الكناب صادرة عنه، فسوف نحتاج عندها إلى دراسة العبارة التي ذكرناها في مطلع البحث ومدى دلالتها على المدعى، وكيف ما كان:

إن المحتمل في الشهادة أحد أمرين:

الأول: أن تكون الشهادة واردة لتوثيق جميع من ورد في أسانيد الكتاب كما أدعى ذلك صاحب الوسائل ووافقه بعض الأعاظم، وشيخنا التبريزي(قده)، وبعض مشايخنا(أطال الله بقائه)في خصوص القسم الأول من التفسير.

الثاني: أن تكون الشهادة واردة لأجل توثيق المشايخ المباشرين لعلي بن إبراهيم. وهذا القول أشار له بعض الأعاظم(قده) كما تقدم فيما نقلناه من كلامه.

والفرق بين القولين، أنه وفقاً للاحتمال الثاني سوف ينحصر التوثيق على خصوص مشائخ القمي، وهذا يستدعي قلة عدد الموثقين بالشهادة، وهذا بخلافه وفقاً للاحتمال الأول، فإنه سوف يلتـزم بوثاقة جميع من وقع في أسناد الكتاب.

أما القول الأول فلا يمكن المساعدة عليه بوجه:

أولا: لما تقدم من التأمل في صدور الشهادة من علي بن إبراهيم.

ثانياً: إن العطف الوارد في الشهادة لا يخلو عن أحد أمرين على سبيل مانعة الخلو:

الأول: أن يكون للمغايرة.

الثاني: أن يكون للتفسير والتوضيح.

أما على الأول: فيلزم منه عدم دخول المشايخ في الشهادة فلا يشملهم التوثيق ويكون عندها من الأمور العجيبة حيث أن ديدن التلاميذ هو محاولة توثيق مشايخهم وهذا أمر وجداني بل قد أدعي أن بعض القدماء لا يروي إلا عن ثقة.

وما قد يقال: بأنهم لما كانوا مشايخ إجازة فلا حاجة لتوثيقهم.

مدفوع: بما ذكرناه في محله من عدم كفاية شيخوخة الإجازة للتوثيق.

وأما على التفسير الثاني: فيلزم أن تكون الشهادة مختصة بخصوص المشايخ فلا تدل على توثيق جميع من ورد في الكتاب ولو كان خصوص من وقع في القسم الأول.

والعجب من بعض مشايخنا(دام ظله)حكمه هنا بكون الشهادة للجميع وتخصيصه الشهادة في كامل الزيارات بخصوص المشايخ[2].

وجه العجب: قد ذكر(حفظه الله)أن الوجه في تخصيص شهادة ابن قولويه بخصوص مشايخه هو صون كلامه(قده) عن الإخبار بخلاف الواقع لاشتمال كتابه على مجموعة من الضعفاء وبعض أمهات المؤمنين وهكذا.

والتفسير أيضاً في قسمه الأول قد أشتمل على ذلك فلم لم يصن كلام القمي هنا عن الإخبار بخلاف الواقع.

ومما ذكرنا يظهر المنع من قبول الاحتمال الثاني.

هذا ويقوى في النفس بناءاً على صدور الشهادة من علي بن إبراهيم القول بالإجمال فيها لتردد المعنى بين ما ذكرنا وإن كان الجزم به يحتاج مزيداً من التأمل فتأمل جيداً.

خاتمة:

هذا ولنختم الحديث بالإشارة إلى ما ذكر من طريق، سواء لكتاب علي بن إبراهيم القمي، أم لكتاب تفسير أبي الجارود، فنقول:

أما بالنسبة لكتاب تفسير القمي، فقد ذكر شيخ الطائفة له طريقين في كتابه الفهرست:

الأول: أخبرنا جماعة عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي الطبري عن علي بن إبراهيم.

الثاني: أخبرنا بذلك الشيخ المفيد(قده) عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه ومحمد بن الحسن وحمزة بن محمد العلوي ومحمد بن علي ماجيلويه عن علي بن إبراهيم[3].

أقول: طريق الشيخ للكتاب طريق صحيح.

هذا في خصوص القسم الوارد فيه تفسير علي بن إبراهيم. وأما القسم الآخر الذي هو تفسير أبي الجارود فله طريق آخر. قال الشيخ(قده) :

أخبرنا بالتفسير أحمد بن عبدون عن أبي بكر الدوري عن ابن عقدة عن أبي عبد الله جعفر بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد ابن علي بن أبي طالب المحمدي عن كثير بن عياش القطان-وكان ضعيفاً وخرج أيام أبي السرايا معه فأصابته جراحة-عن زياد بن المنذر أبي الجارود[4].

ولا يخفى ضعف هذا الطريق لاشتماله على عدة مجاهيل، مضافاً إلى أن الراوي المباشر له ضعيف فلاحظ.

——————————————————————————–

[1] أصول علم الرجال ص165.

[2] نفس المصدر السابق.

[3] الفهرست رقم 303 0ص152.

[4] نفس المصدر رقم 303 ص131.