28 مارس,2024

لا تنقض السنة الفريضة

اطبع المقالة اطبع المقالة

تتكون الصلاة من عدة أجزاء وشرائط، وأجزائها منقسمة إلى قسمين:

الأول: ويسمى الأركان، وهو الذي تبطل الصلاة بزيادته أو نقيصته عمداً أو سهواً، إلا في تكبيرة الإحرام والركوع.

الثاني: وهو الواجبات، ويختلف عن القسم الأول، بأن الصلاة تبطل بزيادته أو نقيصته عمداً، أما لو لم تكن النقيصة أو الزيادة عمدية، فإن ذلك لا يوجب بطلان الصلاة.

وهذا المعنى الي ذكرناه من بطلان الصلاة في الأركان بالبيان الذي ذكرناه، وفي الواجبات، يعود إلى تطبيق قاعدة فقهية دلت على هذا المعنى، حيث أفادت بطلان الصلاة بالنسبة للأركان، وعدم بطلانها بالنسبة للواجبات، وتلك القاعدة تسمى بقاعدة(لا تعاد) كما يسميها المشهور، لكن السيد السيستاني(دامت أيام بركاته) يسميها (لا تنقض السنة الفريضة)، وكلتا التسميتين قد استفيدتا من خلال الرواية التي تضمنت بيان هذا الأمر، فقد روى زرارة في الصحيح عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، ثم قال(ع): القراءة سنة، والتشهد سنة، والتكبير سنة، ولا تنقض السنة الفريضة[1].

فالمشهور، أخذوا التسمية من صدر الرواية، وهي قوله(ع): لا تعاد، بينما أخذ السيد السيستاني(حفظه الله ورعاه) التسمية من ذيل الصحيحة، وهي قوله(ع): ولا تنقض السنة الفريضة.

وينبغي أن يعلم أن هذا الخلاف بين سماحة السيد(دامت أيام بركاته) وبين المشهور ليست مجرد خلاف لفظي، بحيث يظن أن هذا أنتخب التسمية من الذيل، وهؤلاء انتخبوا التسمية من الصدر وانتهى الأمر، بل الأمر أبعد من ذلك، إذ يترتب على هذا الإنتخاب للتسمية ثمرة عملية كبيرة، ضرورة أن القاعدة وفقاً لتسمية سماحة السيد(دامت أيام بركاته) تترتب عليها ثمرات أوسع مما هي عند المشهور، بحيث يكون مجال تطبيقها أوسع منه على رأي المشهور، ولعلنا نشير إلى ذلك في البحوث القادمة إن شاء الله تعالى.

معنى القاعدة:

هذا ونحتاج أن نتعرف على معنى القاعدة، المسماة عند المشهور بقاعدة لا تعاد، فنقول:

قد عرفت قبل قليل أن الصلاة مكونة من مجموعة أجزاء وشرائط، فلو ترك المكلف واحداً من أجزاء الصلاة، فإن القاعدة تقرر أن الجزء المتروك إذا كان من الأركان كالركوع والسجود، أو كان من شرطاً كالطهور أو القبلة أو الوقت، فإنه يحكم ببطلان صلاته مطلقاً، سواء أكان عالماً بالحكم وتعمد الإقدام على مخالفته، أم كان جاهلاً بالحكم، وأقدم عليه جهلاً منه به.

ومن خلال بيان معنى القاعدة يتضح أن الإخلال بشرط من شروط الصلاة لا يوجب بطلانها مطلقاً، إلا إذا كان الشرط المخل به هو خصوص أحد أمور ثلاثة:

1-الطهور، ونعني بالطهور خصوص الطهارة الحدثية، أعني الحدث الأصغر أو الأكبر، وهما ما يوجب الوضوء أو الغسل.

2-الوقت.

3-القبلة.

نعم هناك من أركان الصلاة أيضاً تكبيرة الإحرام، وهي وإن لم تذكر في القاعدة ومقتضى ذلك أن الإخلال بها لا يوجب بطلان الصلاة، لكن لوجود دليل خاص دل على أن الإخلال بها موجب لبطلان القاعدة، فإننا نلتـزم حينئذٍ بالبطلان، وهذا يسمى بالتخصيص.

ولكي يتضح معنى القاعدة أكثر أشير إلى هذا المثال:

لو أن المصلي أثناء صلاته نسي أن يقرأ الفاتحة والسورة، ولم يتذكر ذلك إلا بعد أن دخل في الركوع، فهل يحكم ببطلان صلاته لكونه ترك جزءاً واجباً من الصلاة أم لا؟…

في مقام الجواب، نقول: بأن المذكور لما كان تركه للفاتحة والسورة نسياناً، فإن قاعدة لا تعاد تقضي بصحة صلاته، لأن المتروك ليس واحداً من الأمور الخمسة التي يوجب ترك واحد منها بطلان الصلاة مطلقاً.

ولو أن شخصاً نسي الركوع حتى دخل في السجدة الثانية من الركعة، فما هو حكم صلاته، هل يحكم عليها بالفساد، أم أنه يمكن تصحيحها؟…

لما كان المتروك في هذا الفرض هو ركن من أركان الصلاة، وهو أحد الأمور الخمسة التي ورد ذكرها في الصحيحة، فلا إشكال في أنه يحكم ببطلان صلاته، حتى لو كان تركه للركوع جهلاً بالحكم، أم نسياناً، أم عمداً.

من تشمله القاعدة:

بعدما تعرفنا على معنى القاعدة، نحتاج الآن أن نعرف من هو الذي يمكنه أن يستفيد من القاعدة، فهل أن كل أحد يمكنه ذلك، حتى لو كان متعمداً في الإخلال بالصلاة، نقصاناً أو زيادة، أم أنها تختص بخصوص الناسي، فلا تشمل العامد، ولا الجاهل، أم أنها تشمل الجاهل، وعلى فرض شمولها للجاهل فهل هي شاملة للجاهل بقسميه، أعني الجاهل القاصر والمقصر، أم لا؟…هناك احتمالات، وأقوال تبنى كل واحد منها بعض أعلام الطائفة
(ره)، نشير إليها بصورة موجزة، ثم نتعرض ما عليه أعلامنا اليوم:

الأول: وهو الالتـزام بأن القاعدة مختصة بالناسي، بمعنى أن القاعدة الذي يمكن له أن يستفيد منها هو خصوص الناسي، فلو نسي المصلي القراءة حتى ركع، لم يحكم ببطلان صلاته، لجريان القاعدة.

أما بالنسبة للجاهل، وكذا العامد، فإنهم لا يمكنهم الاستفادة من القاعدة، فإما أن يكون هناك ما يمكن الاعتماد عليه لتصحيح صلاتهم، وإلا حكمنا ببطلانها، وقد اختار هذا القول الميرزا المحقق النائيني(قده).

الثاني: الالتـزام بأن القاعدة شاملة للناسي والجاهل القاصر، دون الجاهل المقصر، وعليه فلن تكون القاعدة شاملة للعامد، كما أنها لن تشمل الجاهل المقصر، وقد أختار هذا القول سيدنا الخوئي(قده)، وأستاذنا الشيخ التبريزي(دامت أيام بركاته).

الثالث: ما يستفاد من فتاوى سيدنا السيستاني(أطال الله في عمره الشريف) وهو شمول القاعدة مضافاً لرأي السيد الخوئي(ره) إلى بعض حالات الجاهل المقصر أيضاً.

والحاصل، إن ما هو محل اتفاق بين الأعلام، هو عدم شمول القاعدة للعامد، إلا أنه يستثنى من ذلك ما إذا كان الإخلال الحاصل عنده عن عذر، وذلك كما لو أقتدى بشخص في صلاة الجماعة بناءً على أنه مستجمع لشرائط الإقتداء التي منها العدالة، فترك قراءة الفاتحة والسورة عمداً اتكالاً على أن المأموم وظيفته ترك القراءة خلف الإمام، فتبين بعد ذلك أن الإمام كان فاسقاً، فلا يصح الإقتداء به، فهل يحكم ببطلان صلاته، لكونه ترك القراءة متعمداً، أم لا؟…

في هذه الحالة لا يقال ببطلان صلاته، وذلك لأنه وإن كان تركه للقراءة متعمداً، إلا أن هذا الترك عن عذر، حيث أنه كان يعتقد عدالة الإمام، ولذا ترك القراءة.

متى تجري قاعدة لا تعاد:

هذا وبعدما تعرفنا على من الذي يمكنه الاستفادة من قاعدة لا تعاد، نحتاج أن نتعرف وقت جريانها، فهل أن زمان جريانها ينحصر بما إذا فرغ المصلي من صلاته، بحيث لا يمكنه إجرائها أثناء الصلاة، أم أنها تجري حتى أثناء الصلاة، ولنوضح ذلك أكثر بهذا المثال:

قد يلتفت المصلي إلى وجود خلل في أثناء صلاته، وهذا الالتفات على نحوين:

الأول: أن يكون التفاته إلى وجود الخلل في صلاته بعد فراغه من الصلاة، مثلاً كانت المرأة تصلي وبعد الفراغ من صلاتها تبين لها أنها لم تكن مغطية لتمام شعرها.

الثاني: أن يكون التفاته إلى وجود الخلل في صلاته أثناء الصلاة، كأن تكون المرأة في صلاتها، وفي أثناء الصلاة تلتفت إلى أن حجابها الصلاتي ليس بالصورة المطلوبة.

الصحيح أن القاعدة شاملة لكلتا الحالتين، ولا تختص بما إذا حصل الالتفات إلى وجود الخلل بعد الفراغ من الصلاة.

شمول القاعدة لحالة الزيادة كشمولها لحالة النقيصة:

قد عرفنا فيما تقدم أن القاعدة محل البحث تعالج الخلل الواقع في الصلاة، وعادة ما يتصور أن الخلل عبارة عن النقيصة، وينبغي الآن الحديث عن أن القاعدة هل تشمل الزيادة كما تشمل النقيصة أيضاً، بمعنى أنه لو حصل في الصلاة زيادة في شيء من أجزاء الصلاة غير الأركان، سهواً، أو جهلاً بالحكم، فهل يحكم بصحة الصلاة في هذه الحالة، أم يحكم ببطلانها؟…

الصحيح هو شمول القاعدة لحالة الزيادة كشمولها لحالة النقيصة، فتشمل الإخلال سواء كان من باب الزيادة، أم كان من باب النقيصة.

نعم بعض الأمور التي وردت في صحيحة زرارة، لا تقبل الزيادة، مثل الوقت والقبلة والطهور، لكن هذا لا يمنع من أن ما يشمل الزيادة وهو الركوع والسجود، يقبل الزيادة، فتشمله القاعدة.

شمول القاعدة للموانع:

هناك أمور يمنع وجودها من الحكم بصحة الصلاة، مثل لبس ما لا يصح الصلاة فيه، كلبس ما لا يؤكل لحمه، أو ما صنع من جلد الميتة، ومثل الضحك أثناء الصلاة، ومثل التأمين، أثناء الصلاة، أو التكفير، فإن جميع هذه الأمور موانع من صحة الصلاة، وينبغي أن نلتفت إلى أن القاعدة محل البحث هل يمكنها تصحيح الصلاة التي تكون مشتملة على واحد من هذه الموانع، إذا صدر سهواً، أو جهلاً بالحكم، جهلاً قصورياً، وليس تقصيرياً، أم أن القاعدة المذكورة لا مجال فيها لتصحيح مثل هذه الصلاة؟…

الصحيح أن القاعدة المذكورة، يمكن من خلالها تصحيح الصلاة المشتملة على الموانع الغير صادرة عن عمد، وإنما صدرت نسياناً وسهواً، أو صدرت جهلاً بالحكم جهلاً قصورياً.

——————————————————————————–

[1] وسائل الشيعة ب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 14.