18 أبريل,2024

حجية البينة (1)

اطبع المقالة اطبع المقالة

[size=6][/size]
[font=arial]لا خلاف بين الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين في حجية البينة، إنما الكلام في مدرك الحجية، فقد أستدل على حجيتها بأمور:

الأول: الإجماع من الأصحاب على اعتبارها.

أقول: إن دليلية الإجماع في كل مورد استدل به فيه تتوقف [/font]على توفر أمرين، فمتى أنتفيا بُني على عدم حجية الإجماع، وبالتالي عدم صلوحه للدليلية، وهذان الأمران هما:

أولهما: أن يكون إجماعاً قدمائياً، بمعنى أنه متحقق بين الطبقة الأولى من فقهائنا، وهم الذين عاصروا الأئمة المعصومين(ع)، وهذا يعني أن الإجماع لو كان متحققاً بين المتأخرين من الفقهاء، فلا ريب في أنه لا عبرة به، ولا أثر.

ثانيهما:أن لا يوجد في البين ما يصلح للدليلة، سواء كان ذلك نصاً روائياً مروياً عن أحد الأئمة المعصومين(ع)، أو سيرة عقلائية، أو متشرعية، أو حكم العقل، فلو وجد، كان المدار على ملاحظة ذلك الوجه المستند إليه، والنظر في مدى تماميته وإمكان الاستناد إليه للصلوح للدليلية من عدمها.

ولعمري أنه قد قيل أنه لا يوجد في الفقه مسألة يتوفر فيها الأمران المذكوران إلا مسألة واحدة وربما اثنتين.

وعلى أي حال، لو أردنا النظر في الإجماع المدعى بأيدينا، لوجدنا افتقاره بداية إلى الأمر الثاني، حيث سيأتي أن في البين وجوهاً تصلح للدليلية على إثبات حجية البينة، وبالتالي لن يصلح التمسك به.

بل للقول بفقد الأمر الأول أيضاً مجال واسع، فهذا المحقق النراقي(قده) يدعي الإجماع في المسألة إلا أنه ينسبه للمتأخرين من أصحابنا، قال(ره): عائدة: هل الأصل في شهادة العدلين وجوب القبول والعمل بمقتضاها إلا ما أخرجه الدليل أو عدمه؟… ظاهر أكثر أصحابنا، بل صريحهم سيما للمتأخرين منهم الأول، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه، وكون اعتبار قولهما ثابتاً من شريعتنا.

والمحكي عن القاضي عبد العزيز بن البراج الثاني. وأختاره بعض المتأخرين، وهو الظاهر من غير واحد من مشائخنا المعاصرين حيث قالوا: بعدم ثبوت النجاسة بقول العدلين، لعدم دليل على اعتباره عموماً.

بل هو ظاهر السيد في الذريعة، والمحقق الأول في المعارج، والثاني في الجعفرية، وصاحب الوافية، حيث حكموا بعدم ثبوت الإجتهاد بشهادتهما، لعدم دليل على اعتبارها.

وكنت على ذلك منذ أعوام كثيرة، وعليه بنيت عدم قبول شهادتهما على تنجس الطاهر، وتطهير المتنجس في تاب مستند الشيعة، وعدم قبولها على ثبوت اجتهاد المجتهد في مناهج الأحكام.

والحق هو الأول، لا لما ذكروه من ظاهر الإجماع، أو لحمل أقوال المسلمين على الصدق، أو لقبولهما في كل مورد مع تعلق النـزاع والمخاصمة فيه-كما إذا نوزع في نجاسة الماء المبيع أو تطهيره، أو في نفوذ حكم مجتهد على شخص بعد حكمه عليه، ونحو ذلك-والتعدي إلى سائر الموارد بعدم الفصل، لمنع الإجماع[1].

بل إنه يرد الإجماع المذكور، ولعل منشأ رده أن المسألة خلافية كما عرفت منذ الصدر الأول بين الفقهاء، وبالتالي لا مجال لدعوى الإجماع فيه أصلاً.

والعجب من بعض الأكابر(قده) أن يدعي امكانية كون الإجماع المدعى في المقام إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن قول المعصوم، مع ما عرفت في بيانه، قال(ره): الثالث من الوجوه: الإجماع، ولا ينبغي الاستشكال فيه لمن لاحظ كلماتهم في الموارد المتفرقة في الفقه، التي يستظهر منها المفروغية عند الجميع عن حجية البينة على الإطلاق، فإن كان هذا الإجماع مستنداً إلى رواية مسعدة ابن صدقة، كان بنفسه سبباً صالحاً للوثوق بالرواية. وإن كان مستنداً إلى استظهار الكلية من روايات القضاء، فهذا بنفسه يؤكد عرفية هذا الاستظهار وصحته، وإن كان غير مستند إلى ما تقدم فهو إجماع تعبدي، صالح لأن يكشف عن تلقي معقده بطريق معتبر فالاعتماد على الإجماع في المقام بمثل هذا البيان ليس ببعيد[2].

الثاني: ما جاء في كلمات المحقق الهمداني(قده) من التمسك بالأولوية القطعية، بتقريب: إن الشارع المقدس قد جعل البينة حجة في موارد المرافعات والمخاصمات وقدمها على ما في قبالها من الحجج كاليد وغيرها سوى الإقرار فثبوتها في ذلك المورد مع ما فيه من احتمال المعارضة والتكذيب يقتضي حجيتها فيما لم يكن مشتملاً على ذلك بطريق أولى.

وفيه: منع الأولوية، لأن اعتبار شيء في المرافعات لا يلزم منه اعتباره في غيره. بل قد يقال أن اعتباره في التنازع إنما هو من باب دفع اختلال النظام ببقاء التنازع.

الثالث: رواية مسعدة بن صدقة: والأشياء كلها على هذا حتى يتبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة[3]، وتقريـبها على المدعى:

إنها قد تضمنت أن وجود الثوب في اليد وأصالة عدم تحقق النسب أو الرضاع في المرأة والإقرار على العبودية في العبد حجة معتبرة يعمل على طبقها إلا أن يحصل علم أو تقوم البينة على خلافها. فتفيـد حجية البينة شرعاً في إثبات الموضوعات الخارجية.

أقول: ينبغي البحث فيها من جهتين: الأولى: سنداً. الثانية: دلالة.

أما السند: لقائل أن يمنع من التمسك بهذه الرواية لكونها ضعيفة سنداً، وذلك لوجود إشكالين في سندها:

الأول: رواية هارون بن مسلم عن مسعدة. حيث أن مسعدة من أصحاب الطبقة الرابعة لروايته عن الإمام الباقر (ع) بينما هارون من أصحاب الطبقة السابعة. فكيف تـتصور روايته عنه فلا ريب في كونها مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها.

وجوابه يتم من خلال الالتزام بأحد أمور:

الأول: ما ذكره بعض الأعاظم في المعجم في ترجمة هارون بن مسلم من أنه عمرّ طويلاً فعاش قريـباً من مائة وثلاثين سنة فيكون أزيد مما تقتضيه روايته عن أصحاب الصادق (ع)[4].

وهذا وإن كان ممكناً ثبوتاً إلا في ثبوته إثباتاً تأمل.

الثاني: أن يكون عدّ مسعدة من أصحاب الباقر (ع) اشتباه من قلم الشيخ أو النساخ، وهذا احتماله وارد جداً على ما قيل من كثرة اشتباهات الشيخ فتدبر.

الثالث: أن يكون مسعدة بن صدقة المعدود من أصحاب الباقر (ع) شخصاً آخر غير مسعدة الذي يروي عنه هارون بن مسلم.

وهذا يحتاج شاهداً لكي يثبت التعدد بكون مسعدة بن صدقة مشتركاً ولا شاهد عليه .

والإنصاف أن الوجوه الثلاثة لا تخلو من شيء ولعل أجودها أولها فأوسطها وأخيرها هو آخرها فتأمل جيداً.

الثاني: إن مسعدة بن صدقة الراوي لهذا الرواية لا يوجد توثيق صريح خاص له. بل عن الشيخ في رجاله أنه عامي[5]، وفي رجال الكشي أنه كان بترياً[6] ونقلهما في الخلاصة[7]. هذا وقد قال التقي المجلسي في روضة المتقين[8] بوثاقته: قال : الذي يظهر من أخباره في الكتب أنه ثقة لأن جميع ما يرويه في غاية المتانة موافق لما يرويه الثقات ولهذا عملت الطائفة بما رواه، بل لو تـتبعت وجدت أخباره أسد وأمتن من أخبار مثل جميل بن دراج وحريز بن عبد الله، مع أن الأول من أهل الإجماع، والثاني أيضاً مثله في عمل الأصحاب.

وقد عبر شيخنا الأعظم الأنصاري في الرسائل عن روايته بالموثقة مما يعني وثاقته عنده.

أقول: لا عبرة لما عن الشيخ الأعظم لأنه يرجع لما عن التقي المجلسي، أو ما سيأتي فأنتظر.

وبعبارة أخرى، ليس الصادر من الشيخ الأعظم(قده) بمثابة الوجه المستقل الذي يمكن الركون إليه في مقام إثبات وثاقة الرجل، بحيث يصلح دليلاً في إثبات ذلك، فلاحظ.

وأما ما عن التقي المجلسي فهو مبني على الحدس الناشئ من التأمل في رواياته فلا عبرة به وان قبلنا كبرى توثيق المتأخرين، إلا أن المورد ليس صغرى لها كما لا يخفى، مضافاً إلى أن حسن المضامين المرجح لرواياته على روايات جميل وحريز إنما هو بالنسبة له، وهذا قد لا يتطابق ونظر شخص آخر لو لاحظها، حيث أن الأنظار تخـتلف في بعدِ مفاد الحديث عن الكذب وعدمه. وخير شاهد ما تضمنه الكافي والفقيه من اشتمالهما على متون منكرة مما لا يعتقده أحد من علمائنا الأعلام في هذا الزمان.مع أنه قد يقال أنهما قد حكما بصحة ذلك.

وعلى هذا قد يستشكل في تمامية الاستدلال بها بعدما سقطت سنداً ولا أقل من جهة مسعدة، إلا أن يقال في تحقيق حاله بثبوت وثاقته ومن هنا نحتاج النظر في ذلك فنقول:

قد يـبنى على وثاقته من خلال أحد الطرق التالية:

الأول: أنه قد وقع في أسناد تفسير علي بن إبراهيم القمي، فبناءاً على أن النسخة الموجودة اليوم بأيدنا تمثل كتاب التفسير، وأن الوارد في الديـباجة من علي بن إبراهيم، وكانت العبارة تامة الدلالة على التوثيق لكل من وقع في أسناده، فإنه يحكم بوثاقته حينئذٍ.

وبعبارة أخرى، لابد للحكم بوثاقة مسعدة من خلال وقوعه في أسناد التفسير، من توفر أمور ثلاثة:

أولها: أن تكون النسخة الواصلة اليوم بأيدنا هي نسخة تفسير علي بن إبراهيم، وليست كتاباً مجموعاً من تفسيره وتفسير أبي الجارود، كما عليه بعض مشائخنا(دام ظله)[9]. أو أنه كتاب مجموع ألفه بعض المتأخرين زماناً عن علي بن إبراهيم، كما تساعده بعض الشواهد المذكورة في البحث الرجالي.

ثانيها: أن تكون الديـباجة الواقعة في مقدمة الكتاب، قد صدرت من علي بن إبراهيم نفسه، وليست مكتوبة بواسطة جامع الكتاب، لأنه لو كانت مكتوبة من قبل جامع الكتاب، فإن الداعي لعدم قبولها ليس أمراً مميزاً لعلي بن إبراهيم في نفسه، وإنما المشكلة تكمن في مجهولية هذا الجامع، بل حتى لو كان من ذكر اسمه في مطلع الكتاب، إلا أنه شخصية مجهولة أيضاً في الكتب الرجالية.

ثالثها: أن تكون العبارة الواردة في مقدمة الكتاب ظاهرة في المدعى، أعني وثاقة جميع من وقع في أسناد الكتاب، أما لو قلنا بأن العبارة أجنبية عن ذلك، إما لكونها ناظرة إلى وثاقة خصوص المشائخ، أو أنها ناظرة إلى بيان المنهج القدمائي كما اخترناه في الرجال، فلا ريب في عدم ثبوت الوثاقة حينئذٍ.

والحق، عدم توفر الأمور الثلاثة لكي يـبنى على وثاقة مسعدة بن صدقة، وعليه لن ينفع التمسك بهذا الطريق في مقام إثبات الوثاقة، فلاحظ.

الثاني: إثبات ذلك من خلال وقوعه في أسناد كامل الزيارات، وقد حكم ابن قولويه بوثاقة جميع من وقع في أسناد كتابه، خلافاً لما استظهره المحدث النوري صاحب الخاتمة(قده)، وبعض الأعاظم(ره) وشيخنا التبريزي(دامت أيام بركاته) وبعض مشائخنا(حفظه الله) من قصر ظهور العبارة في خصوص المشائخ المباشرين لابن قولويه[10]، وخلافاً لما عليه بعض أعيان العصر من المحققين(دامت أيام بركاته) من كون العبارة ناظرة إلى الإخبار عن كونه لا يروي عن الشذاذ من الرواة إلا بواسطة أحد الأعاظم، وأنه ليس بصدد الحديث عن إثبات جميع رواة كتابه[11].

لكن المحقق في محله، عدم تمامية هذا الظهور، بل إن المستفاد من العبارة معنى آخر، فلاحظ.

الثالث: الاستفادة من مسلك شيخنا التبريزي(دامت أيام بركاته) المعاريف، بتقريب: إن مسعدة قد روى موارد عديدة بلغت 132 مورداً، في الكتب الأربعة، وهو ممن لم يصدر في حقه ذم، كما أن رواياته مفتى على طبقها، وهو صاحب كتب، فيثبت أنه من المعاريف الذين لا يحتاجون إلى النص على وثاقتهم.

ولا يخفى حسن هذا الوجه في نفسه كما ذكرنا ذلك غير مرة، لكنه لم ينهض وجه معتبر للبناء عليه، فلا مجال لاعتماده طريقاً من طرق التوثيق.

الرابع: التمسك بكبرى وردت الإشارة إليها في كلمات المحقق الداماد(قده)، وحاصلها: إن فهرست الشيخ النجاشي(ره) قد وضع من أجل ذكر المصنفين من الشيعة، وهذا يعني أن كل من وقع فيه، فهو من الشيعة.

ومتى ورد في الكتاب شخص ولم نجد ما يشير إلى ذم فيه، أو رفض لرواياته، فإنه يحكم بحسنه، فيدخل خبره دائرة الحجية، من باب شمول أدلة الحجية والاعتبار لخبر الحسن[12].

ومن مصاديق هذه الكبرى مسعدة بن صدقة، حيث قد ذكر في كتاب النجاشي مع عدم الإشارة إلى أن له مذهباً آخر، فيثبت كونه شيعياً، وبالتالي يكون خبره من الأخبار الحسان لعدم وجود ذم في حقه.

الخامس: التمسك بما صدر عن الوحيد البهبهاني(رض) في التعليقة كما جاء المنـتهى، قال: وفي تعليقة الوحيد: قال جدي: الذي يظهر من أخباره في الكتب أنه ثقة، لأن جميع ما يرويه في غاية المتانة موافق لما يرويه الثقات، ولهذا عملت الطائفة بما رواه، بل لو تـتبعت وجدت أخباره أسدّ(أشدّ) وأمتن من أخبار جميل بن دراج وحريز بن عبد الله.

وحكاية عمل الطائفة مرت في السكوني[13].

أقول: يـبتني هذا الوجه على مقدمتين، وهما:

الأولى: نفي كون مسعدة بن صدقة إمامياً، إما بإثبات كونه عامياً، أو بإثبات انتمائه لأي فرقة أخرى من الفرق غير الشيعة الإمامية.

ولا يخفى أنه لو تم هذا الأمر لكان مانعاً من قبول الوجه الأول والوجه الرابع الذي تقدم تقريـبهما، لأنهما كانا يثبتان أن مسعدة شيعي إمامي، كما أن مقتضى القبول بالوجهين الأول والرابع، لازمه سقوط هذا الوجه عن القبول، لإنهدام إحدى مقدمتيه كما هو واضح.

الثانية: أن تكون عبارة الشيخ(ره) المذكورة في العدة، وهي التي أشار لها أبو علي الحائري(ره) بقوله: وحكاية عمل الطائفة مرت في السكوني، دالة على إثبات وثاقة كل من استجمع الشروط التي تضمنـتها، قال(قده): إذا كان الراوي مخالفاً في الاعتقاد لأصل المذهب، وروى مع ذلك عن الأئمة(ع) نظر فيما يرويه، فإن كان هناك بالطرق الموثوق ما يخالفه، وجب اطّراح خبره، وإن لم يكن هناك ما يوجب إطّراح خبره، وكان هناك ما يوافقه، وجب العمل به، وإن لم يكن من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه، ولا يعرف لهم قول فيه، وجب أيضاً العمل به، لما روي عن الصادق(ع) أنه قال: إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنا، فانظروا إلى ما رووه عن علي(ع) فاعملوا به.

ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم من العامة عن أئمتنا(ع) ولم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه[14].

أما لو قلنا كما هو الصحيح، بعدم دلالتها على ذلك، خصوصاً بملاحظة التعليل الوارد فيها كما فصلنا ذلك في ترجمة السكوني، فلن يثبت المطلوب، وبه سوف تنهدم المقدمة الثانية التي ابتنى عليها هذا الوجه أيضاً.

هذا وينبغي النظر في ما هو الصحيح بالنسبة للمقدمة الأولى، حيث يوجد احتمالان فيها:

الأول: البناء على كونه غير إمامي، وهو ينحل إلى دعويـين:

1-أن يكون عامياً، كما نص على ذلك الشيخ(ره) في الرجال.

2-أن يكون بترياً كما ورد ذلك في كتاب الكشي. فقد جاء في اختيار معرفة الرجال: محمد بن إسحاق، ومحمد بن المنكدر، وعمرو بن خالد الواسطي وعبد الملك بن جريح، والحسين بن علوان، والكلبي، هؤلاء من رجال العامة إلا أن لهم ميلاً ومحبة شديدة، وقد قيل: أن الكلبي كان مستوراً ولم يكن مخالفاً، وقيس بن الربيع بتري كانت له محبة، فأما مسعدة بن صدقة بتري، وعباد بن صهيب عامي، وثابت أبو المقدام بتري، وكثير النوا بتري، وعمرو بن جميع بتري، وحفص بن غياث عامي…الخ..[15].

أقول: البترية كما جاء في رجال الكشي: والبترية هم أصحاب كثير النوا، والحسن بن صالح بن حي، وسالم بن أبي حفصة، والحكم بن عتيـبة، وسلمة بن كهيل، وأبو المقدام ثابت الحدّاد، وهم الذين دعوا إلى ولاية علي(ع) ثم خلطوها بولاية أبي بكر وعمر ويثبتون لهما إمامتهما، وينـتقصون(يبغضون)عثمان وطلحة والزبير(وعائشة)، ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبي طالب يذهبون في ذلك إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي(ع) عند خروجه الإمامة[16].

ولا يخفى أنه بناءاً على هذا التعريف المذكور للبترية، يمكننا القول بأنهم متحدون في الجملة مع العامة، بسبب كونهم يصححون خلافة الأولين كما عرفت في تعريفهم، ولذا يمكن القول بأن من عدّهم في جملة العامة كان ناظراً إلى تصحيحهم خلافة الشيخين، أما من عدّهم في مقابل العامة، فنظره إلى أنهم يحكمون بحسب الأصل أن الخلافة لأمير المؤمنين(ع) لكنهم قالوا بخلافة الشيخين، إما لكونه(ع) قد فوض أمرها إليهما أو لغير ذلك.

وهذا يعني أن الوصفين الصادران من الكشي والشيخ(ره) لا تنافي بينهما، بل هما يرجعان إلى معنى واحد، عمدة ما كان أن كلاً منهما قد لحظ جانباً في الوصف، وإلا فهما يشيران إلى نفس المعنى فلاحظ.

وبالجملة، لولم يقبل ما ذكرناه، إلا أن القدر المتيقن من كلام العلمين كون مسعدة بن صدقة ليس إمامياً، سواءاً كان بترياً، أم كان عامياً.

الثاني: أن يكون شيعياً إمامياً، وهذا يستظهر من خلال كلمات الشيخ النجاشي(ره) ومن نص الشيخ علي بن إبراهيم القمي(ره) بناءاً على أن الوارد في الديـباجة من علي بن إبراهيم، وأن النسخة الواصلة إلينا اليوم هي كتابه التفسير.

أما الأول: وهو استظهار كونه شيعياً إمامياً من كلام النجاشي، فتقريـبه: إن ديدن النجاشي عند التعرض لترجمة شخص الإشارة إلى مذهبه إذا لم يكن شيعياً إمامياً، وقد ذكره النجاشي دونما إشارة منه إلى بيان مذهبه، فسكوته كاشف عن كونه شيعياً اثنا عشرياً[17].

ولا يخفى أن النجاشي متأخر في تأليفه عن كتابي الكشي والشيخ، فهو ناظر حين التأليف إليهما، وسكوته عن بيان حاله مع إطلاعه على ما صدر منهما، يكشف عن عدم ثبوت هذه النسبة عنده.

إن قلت: ما هو الداعي لترجيح قول النجاشي على قولي العلمين، الكشي والشيخ؟…

قلت: المعروف بين الرجاليـين أن النجاشي أضبط من العلمين المذكورين، وهذا يصلح موجباً لتقديم قوله على قوليهما[18].

بل ذُكر أن جملة من رواياته دالة على حسن عقيدته وكماله، وبعد كونه عامياً:

منها: روايته عن الصادق(ع)-في حديث شريف تفسير قوله تعالى:- ( الله ولي الذين آمنوا) الآية، أن النور آل محمد(ع) والظلمات عدوهم.

ومنها: روايته فضل محبة أمير المؤمنين(ع) وذم بغضه.

ومنها: روايته في الفضائل والتنصيص بالأئمة الإثني عشر وأسمائهم وقائمهم(ع).

ومنها: سؤاله عن مولانا الصادق(ع) أن يعلمه دعاءاً يدعو به في المهمات، فأخرج له صحيفة فيها دعاء مولانا السجاد(ع) وأمره بالاستنساخ منها، فكتبه، فما دعا به لشيء إلا قضى الله به حاجته.

ومنها: روايته عن الصادق(ع) خطبة أمير المؤمنين(ع).

ومنها: نقله خطبة الصادق(ع)، كما في دلائل الطبري.

ومنها: إكثار الثقة الجليل الحميري في قرب الإسناد في الرواية عنه[19].

وأما الثاني: فقد ذكر في مقدمة كتابه أنه لا ينقل فيه إلا عن الرواة الشيعة الإمامية، فيكون هذا شهادة منه بأنه شيعي إمامي، فيثبت المطلوب.

هذا وقد التـزم بعض الأعاظم(قده) بالاحتمال الثاني، وبنى على كونه شيعياً أمامياً، لكون الوارد في كلام الشيخ والكشي من وصفه بكونه عامياً، أو بترياً، شخصاً آخر يسمى مسعدة بن صدقة، لكنه غير هذا الذي نحن بصدده وكونه من أصحاب أبي عبد الله الصادق(ع).

وبعبارة أخرى: التـزم(ره) بتعدد مسعدة بن صدقة، وأن هناك عنوانين مسميان بهذا الاسم، أحدهما من أصحاب أبي جعفر الباقر(ع)، وهو الذي صدر في حقه التوصيف بكونه ليس إمامياً، والثاني من أصحاب أبي عبد الله(ع)، وهو المربوط بمحل حديثنا، وهو إمامي.

وقد أستدل على مدعاه بثلاثة أمور:

الأول: خلو رجال الشيخ عند حديثه عن أصحاب أبي عبد الله الصادق(ع)، كون مسعدة بن صدقة عامياً، كما أن فهرسته قد خلى من ذلك أيضاً، وكذا رجال النجاشي لم يتضمن الإشارة إلى أنه من العامة، فيثبت التعدد، وأن الموصوف بذلك شخص آخر غير هذا.

الثاني: لم يتعرض النجاشي عند ترجمته لمسعدة بن صدقة أنه من أصحاب الباقر(ع)، وإنما نص على كونه من أصحاب أبي عبد الله وأبي الحسن(ع)، وهذا يؤكد التعدد.

الثالث: إن راوية مسعدة بن صدقة هو هارون بن مسلم، وقد روى عنه سعد بن عبد الله الأشعري المتوفى في حدود سنة 300 هـ، وعبد الله بن جعفر الحميري الذي هو في طبقة سعد، وتبعد روايتهما عن أصحاب الباقر(ع) بواسطة واحدة، فيثبت أن الذي من أصحاب الباقر لم يروا عنه، وأن الذي قد رويا عنه شخص آخر[20].

وقد يجاب عنه:

فينقض على الأول: بأن المتـتبع لرجال الشيخ، وكذا الفهرست يتضح له أنه ليس من ديدن الشيخ(قده) عند التعرض لرجل من الرواة القيام بشرح حاله بشكل متكامل، بل إنه ربما ذكر الرجل في مورد وتعرض له بعد ذلك في مورد ثانٍ وأشار إلى بعض خصوصياته التي لم يشر إليها في ذلك المورد، بل ربما تعرض لشرح حال رجل دونما تعرض منه لبيان ما يتعلق به من خصوصيات.

ونقض على الثاني والثالث: بعباد بن صهيب الذي عدّه الشيخ في أصحاب الباقر(ع)، وقال عنه بأنه عامي، وعدّه مرة أخرى في أصحاب الصادق(ع) ساكتاً عن مذهبه، وقد روى عبد الله بن جعفر عن هارون بن مسلم عنه كتابه كما نص عليه النجاشي، فلم لم يلتـزم فيه(ره) بالتعدد[21].

وبمورد آخر، وهو مسعدة بن زياد فإن هارون بن مسلم راوي مسعدة بن زياد، لأن الشيخ قد عدّه من أصحاب الباقر(ع)، ومقتضى الاستبعاد الصادر منه في عدم رواية هارون بن مسلم يلزم تعدد مسعدة بن زياد، مع أنه(ره) لا يلتـزم بذلك.

كما أجيب حلاً عنهما، بما حاصله: إن الوجهين المذكورين-الثاني والثالث-يصلحان قرينة على أن هناك سهواً قد صدر من الشيخ(قده) في عدّه مسعدة بن صدقة من أصحاب الباقر(ع)، اعتماداً منه بعض الأسناد التي تضمنت تصحيفاً، دونما التفات منه(ره) لذلك، أو أنه سهو من قلم النساخ[22].

هذا وقد يجاب عن الوجه الثاني: بأن الموجود عندنا عدم حكم النجاشي(ره) بكونه من أصحاب الباقر(ع)، لا حكمه بعدم كونه كذلك، ولا يخفى مقدار الفرق بينهما.

إن قلت: إن هذا بعيد جداً، لتعاصر الشيخ والنجاشي، فمن البعيد جداً أن يكون الشيخ قد اطلع على روايات لمسعدة بن صدقة عن الباقر(ع) لم يطلع عليها النجاشي، فعندها يثبت التعدد المدعى في كلام بعض الأعاظم(قده).

قلت: إنّا لا ننكر أن الشيخ ربما كان مستنداً في عدّه مسعدة من أصحاب الباقر(ع) لنصوص، وأن النجاشي بحسب الظروف الطبيعية قد اطلع عليها لكونهما متعاصرين، ومتحدين في عدة من المشائخ، لكننا نحتمل أن تكون تلك النصوص المشارة إليها بنظر النجاشي مصحفة، مما يمنع من قبولها، ولذا لم يعتمد عليها، فتأمل.

وأما ما ذكر من وجهين على كونه إمامياً، فأما الوجه الأول، وهو ما ذكر عن النجاشي، فقد أجيب عنه: بأن سكوت النجاشي عن بيان مذهب مسعدة يعود لوضوح كونه من البترية، فهو مثل سكوته عن بيان مذهب حفص بن غياث، ووهب بن وهب أبي البختري.

ويؤيد ما ذكرنا أمران:

أولهما: ذكر الكشي إياه في عداد جمع من البترية.

ثانيهما: سكوت الذهبي وابن حجر عن الطعن عليه بالتشيع، فلو كان شيعياً لم يسكتوا عنه[23].

ويلاحظ عليه: أن الاستشهاد لإثبات أن سكوت النجاشي أعمّ من المدعى بما ورد في ترجمة حفص بن غياث، وترجمة وهب بن وهب، في غير محله، ذلك لأن الشاهد المذكور يجري فيه عين ما يجري في مسعدة بن صدقة، توضيح ذلك:

لقد ذكر النجاشي في ترجمة حفص بن غياث: بن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث بن ثعلبة بن ربيعة بن عامر بن جُشَم بن وَهْبِيْل بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن عُلَة بن خالد بن مالك بن اُدَد أبو عمر القاضي. كوفي، روى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد(ع)، وولي القضاء ببغداد الشرقية لهارون، ثم ولاه قضاء الكوفة، ومات بها سنة أربع وتسعين ومائة. له كتاب، أخبرنا عدة من أصحابنا…الخ..[24].

إذ أنه يكون مشمولاً للكبرى السابقة التي استدل بها القائل بإثبات العدالة كما لا يخفى.

إن قلت: لقد نص الشيخ(ره) على عدم كونه إمامياً، وهذا بنفسه يكفي لإثبات المدعى، مما يجعله صالحاً للإشكال.

قلت: إن هذا بنفسه يجري في حق مسعدة بن صدقة، وقد عرفت حصول المعارضة بين القولين.

وهذا بنفسه يجري بالنسبة لوهب بن وهب، حيث جاء في ترجمته في فهرست النجاشي: وهب بن وهب بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى أبو البختري. روى عن أبي عبد الله(ع)، وكان كذاباً، وله أحاديث مع الرشيد في الكذب. قال سعد: تزوج أبو عبد الله(ع) بأمه. له كتاب يرويه جماعة، أخبرنا العباس بن عمر الكِلْوَذاني قال:…الخ…[25].

فإنه لم يتعرض لبيان مذهبه، وبناءاً على تمامية الكبرى المذكورة سوف يكون مقتضى ذلك البناء على كونه إمامياً، وإن كان الوارد في كلام الشيخ(ره) البناء على خلاف ذلك، لما عرفت من أنه سوف يكون المورد حينئذٍ من موارد المعارضة.

وبالجملة، لا مجال للقبول للجواب المذكور عن المدعى كما لا يخفى، فلاحظ.

أما بالنسبة للمؤيد الأول الذي ذكره، فيمكن الجواب عنه بكونه أشبه بالمصادرة، فلا يمكن الركون حتى لجعله مؤيداً، فلاحظ. ولعل هذا هو الذي دعى المجيب أن يجعله مؤيداً دون أن يجعله دليلاً.

وأما وروده في تفسير القمي، فالإنصاف أن مقتضى القبول بكون الموجود بأيدينا اليوم هو كتاب تفسير علي بن إبراهيم، والتسليم بكون الديـباجة صادرة منه، يستلزم الحكم بكونه إمامياً، مما يعني وقوع المعارضة بين ما صدر من العلمين الكشي والشيخ، وبين علي بن إبراهيم، بل قد عرفت أن مقتضى تمامية التقريب السابق عن النجاشي تحقق المعارضة بينه وبين ما صدر من الكشي والشيخ(ره).

وقبل الحديث عن المعارضة وبيان ما يتصور من علاج أو غير ذلك، ينبغي الإشارة لما حكيناه عن بعضٍ من أن مقتضى روايات مسعدة بن صدقة، هو الحكم بكونه عدلاً، وليس عامياً أو بترياً، حيث أجيب عنها، أولاً: بأن الغالب فيها كونها ضعيفة الأسناد، مما يمنع من الركون إليها في إثبات المدعى.

ثانياً: بأن مضمونها ثابت الرواية عن بعض العامة، فلا تنفع في إثبات إماميته، لأنه يكون من العامة غير النواصب، بل هو من العامة المحبين لأهل البيت(ع)، كما قيل بذلك في حق حفص بن غياث[26].

أقول: من الروايات التي وردت الإشارة إليها في كلام المستشهد، ما جاء في بحار الأنوار، وهي ما رواه أبو علي بن شيخ الطائفة عن أبيه عن المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن أبي علي محمد بن همام عن علي بن محمد بن مسعدة بن صدقة عن جده مسعدة قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد(ع) يقول: والله لا يهلك هالك على حب علي بن أبي طالب إلا رآه في أحب المواطن إليه، ولا يهلك هالك على بغض علي بن أبي طالب إلا رآه في أبغض المواطن إليه[27].

ومن الواضح عدم دلالة هذه النص على المدعى، لأنه من المحتمل جداً أن يكون مسعدة من العامة المحبين لأمير المؤمنين(ع)، لأنه لا ملازمة بين كون الشخص من العامة، وبين بغض أمير المؤمنين(ع)، نعم ذلك ثابت في حق النواصب كما هو بيّن لكل أحد. على أنه قد سبق أن مسعدة من البترية، وقد عرفت حقيقة البترية، وهي تستدعي عدم ثبوت البغض لأمير المؤمنين(ع)، مما يعني عدم دلالة النص المزبور على المدعى. كما أنها مخدوشة سنداً بوقوع علي بن محمد بن مسعدة في سندها، فإنه مجهول الحال.

ومنها: ما رواه علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال: قيل لأبي عبد الله(ع): إن الناس يروون أن علياً قال على منبر الكوفة: أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة مني فلا تبرؤوا مني، فقال(ع): ما أكثر ما يكذب الناس على علي(ع)! ثم قال: إنما قال: إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة مني وإني لعلى دين محمد، ولم يقل: ولا تبرؤوا مني، فقال له السائل: أرأيت إن أختار القتل دون البراءة؟ فقال: والله ما ذلك عليه وما له إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالإيمان فأنزل الله عز وجل فيه:- (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، فقال له النبي(ص) عندها: يا عمار إن عادوا فعد، فقد أنزل الله عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا[28].

ولا يخفى تمامية سند هذه الرواية، لكن الظاهر عدم دلالتها على مدعى المستدل، حيث أن عمدة ما تفيده هو المنع عن البراءة من أمير المؤمنين(ع)، وهذا لا يظهر كونه من مختصات الشيعة(أعلى الله كلمتهم، وأنار برهانهم) لأن من الممكن أن لا يصدر ذلك من أبناء العامة غير النواصب، خصوصاً مع معتقد بعضهم في كونه رابع أربعة.

على أننا لو سلمنا بكونه مختصاً بالشيعة الإمامية، إلا أن مقتضى ما عرفت في بيان معنى البترية يستدعي عدم قبولهم للتبرئ من أمير المؤمنين(ع) لكونهم يعتقدون تقديمه على البقية، إلا أنه تنازل عن ذلك الأمر للأولين، أو لا أقل من كونهما تقدما عليه، وقد قبل بذلك، وهذا يعني أن المضمون المنقول في النص المزبور لا يكشف عن شيء يشير إلى كون حال مسعدة شيعياً.

لا يقال: إن التعبير بـ(الناس) الوارد في النص يشير إلى العامة، وعليه يكون الحديث كاشفاً عن ذلك.

فإنه يقال: إن هذا وإن تمّ، إلا أن عرض مسعدة للنص على المعصوم(ع) كاشف عن توقفه في قبوله، وتعبده بعد ذلك بما صدر من المعصوم، فيـبقى الحديث لا يستفاد منه المدعى، فلاحظ.

هذا وقد أشار المستشهد أو المستدل إلى روايات لمسعدة بن صدقة في المجلد الأربعين من البحار، وبمقدار ما تفحصت عاجلاً، لم أجد الروايات المشار إليها، نعم الموجود رواية لمسعدة بن زياد، كما أن هناك روايتين لمسعدة من دون نسبة لكونه ابن زياد أو كونه ابن اليسع أو كونه ابن صدقة.

هذا وتوجد روايات أخر قد تذكر للاستدلال بها على ثبوت كون مسعدة بن صدقة من الشيعة، لم يتعرض إليها المستدل، نشير إلى جملة منها:

منها: ما جاء في تفسير الكوفي عن مسعدة بن صدقة بسنده عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: إن نبينا محمداً(ص) أخذ بيدي يوم غدير خمّ، فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، فهل رأيت المؤمنون احتملوا ذلك إلا من عصمهم الله منهم؟! ألا فابشروا ثم أبشروا، فإن الله قد خصكم بما لم يخصّ به الملائكة والنبيـين والمؤمنين بما احتملتم من أمر رسول الله(ص)[29].

وبعيداً عن الخدشة السندية، لا دلالة للنص المذكور في المدعى، ضرورة أن المعنى السابق بالنسبة للبترية يساعد على نقل مسعدة لمثل هذا المضمون كما لا يخفى.

ومنها: ما جاء في قرب الإسناد بسنده عن مسعدة بن صدقة، قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه: أن إبليس عدو الله رنّ أربع رنات: يوم لُعن، ويوم أُهبط إلى الأرض، ويم بُعث النبي(ص)، ويوم الغدير[30].

ولا يخفى عدم دلالته على المدعى، لجريان الجواب المتقدم فيه، فلا حاجة للإعادة.

ومنها: ما رواه بسنده عن مسعدة بن صدقة، قال: حدثنا جعفر عن آبائه، أنه لما نزلت هذه الآية على رسول الله(ص):- (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) قام رسول الله(ص) فقال: أيها الناس! إن الله تبارك وتعالى قد فرض لي عليكم فرضاً، فهل أنتم مؤدوه-إلى أن قال-فقال أبو عبد الله: فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر: سلمان، وأبو ذر، وعمار، والمقداد بن الأسود الكندي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، ومولى لرسول الله(ص) يقال له: ثبيت، وزيد بن أرقم[31].

ربما قيل بتمامية دلالة النص المذكور على المدعى، لأن الظاهر كونه(ع) بصدد الإشارة إلى انحراف الأمة عن أهل البيت(ع) بمنعهم الخلافة عن أهلها، وهذا يشير إلى ما عبّر عنه في بعض النصوص بارتداد الناس.

والأنصاف حسن هذا الوجه، لكن المانع من قبوله ما تقدم في بيان معنى البترية، مما يمنع من قبول التقريب المذكور، فتأمل.

ومنها: ما رواه بسنده عن مسعدة بن صدقة، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن آبائه، أن النبي(ص) قال: في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وإن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدوا في دينكم وصلاتكم[32].

والأنصاف عدم دلالته على المدعى، خصوصاً بملاحظة ما ذكرنا في معنى البترية، فلاحظ.

ومنها: ما رواه بسنده عن مسعدة بن صدقة قال: قال أبو عبد الله(ع): امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وإلى أسرارنا كيف حفظهم لها عن عدونا..[33].

وقد يقال: بأن دلالتها على المدعى واضحة جداً، من خلال قوله:امتحنوا شيعتنا…الخ…، لأن الظاهر أن هذا الكلام الصادر منه(ع) يراد به توجيه شيعته، وبالتالي يكون المتحدث إليه منهم، حتى يقوم بنقل ذلك لأصحابه.

لكن الأنصاف عدم وضوح ذلك، خصوصاً بملاحظة عدة نصوص يستفاد منها كونه(ع) بصدد تمحيص المنـتسبين إليه، وليس مجرد ادعاء الانتماء إلى مذهب أهل البيت(ع) كافٍ لثبوت النسبة.

بل يحتمل قوياً عدم انعقاد ظهور للنص المذكور في المدعى أصلاً، بملاحظة الظروف الموضوعية التي صدر فيها النص، إذ الظاهر أن هذا النص يشير إلى حالة الغلو التي كانت منـتشرة في عصر الإمام الصادق(ع)، حيث قد أدعى بعضهم أن مجرد ولاية أهل البيت(ع) والبراءة من أعدائهم تكفي لإحراز رضا الله سبحانه وتعالى، ودخول الجنة، فيكون هذا الحديث ناظراً لتلك الحالة ورافضاً إياها، فتأمل.

ثم إن هذه الروايات التي نقلناها عن قرب الأسناد لا خدشة فيها من ناحية السند بناءاً على أن الواقع في السند هو هارون بن مسلم، وذلك لأن الحميري(ره) ذكر أنه يروي عن أبيه عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة.

ومنها: ما جاء في كمال الدين بسنده عن هارون بن مسلم عن سعدان عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عن آبائه، عن علي(ع)، أنه قال في خطبة له على منبر الكوفة: اللهم لابدّ لأرضك من حجة لك على خلقك، يهديهم إلى دينك، ويعلمهم علمك، لئلا تبطل حجتك، ولا يضلّ أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إما ظاهر ليس بالمطاع، أو مكتـتم مترقب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم، فإن علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون[34].

والظاهر كونه مثل غيره من النصوص المتقدمة في عدم الدلالة على المدعى، من خلال ملاحظة المعنى المذكور للبترية، وبالتالي لا مجال للتمسك به.

ولا يخفى أن الوارد في المصدر ما سبق منا نقله، ويحتمل وجود تصحيف في المقام، وأن الصحيح هو هارون بن مسلم بن سعدان، لأن المقرر في محله أن هارون بن مسلم يروي عن مسعدة من دون واسطة. وبناءاً على هذا سوف يحكم بتمامية السند.

هذا وتوجد روايات ربما تمسك بها منقولة في تفسير العياشي، لكنها لا تخلو عن ضعف سندي، بل دلالتها على المدعى ليست واضحة، بحيث يمكن الجزم بالنـتيجة المدعاة منها، ولذا أعرضنا عن ذكرها.

فتحصل عدم بعض نهوض النصوص المشار إليها من قبل المستشهد مما ذكرناه سنداً ودلالة، كما أن النصوص التي ذكرت غير ما أفاده المستشهد وإن تمّ بعضها سنداً، لكنها مخدوشة بحسب الدلالة.

هذا وقد يمنع عن التمسك بهذه النصوص التي ذكرها المستدل، ونقلنا غيرها على المدعى لغير الخدشة السندية، وعدم تمامية الدلالة، وإنما لكونها معارضة بكون روايات مسعدة يظهر منها التقية، ففي التهذيب بعدما نقل بسنده عن مسعدة بن صدقة عن جعفر، عن أبيه(ع) قال: قال علي(ع): لا وصية لوارث، ولا إقرار بدين…الخ…

قال(ره): فهذا الخبر ورد مورد التقية[35].

ومنها: ما جاء فيه عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني شيخ من ولد عدي بن حاتم، عن أبيه، عن جده عدي بن حاتم وكان مع علي(ع) في حروبه، أن علياً(ع) لم يغسّل عمار بن ياسر(ره) ولا هاشم بن عتبة-وهو المرقال-دفنهما في ثايبهما، ولم يصل عليهما.

قال محمد بن الحسن: ما تضمن هذا الخبر في آخره من أن علياً(ع) لم يصل عليهما، وهم-إلى أن قال-على أن هذا الخبر طريقه رجال العامة، وفيهم من يذهب إلى هذا المذهب، وما هذا حكمه لا يجب العمل به، لأنه يجوز أن يكون مورد التقية[36].

لكن الإنصاف عدم صلوح مثل هذه الرواية للمعارضة لتلك النصوص لو كانت تامة الدلالة والسند، لأن مجرد صدور رواية من المعصوم(ع) على التقية، لا تعني أن الراوي من المخالفين، بل من جزم بكونه منهم قد أورد عدة روايات عنهم(ع) على خلاف مذهب المخالفين، فلاحظ مرويات السكوني. نفسه.

لا يقال: إن ما ذكر صحيح في نفسه، لكننا إذا وجدنا عدة روايات لشخص موافقة لمذهب العامة، فإن ذلك يشير إلى شيء، وهو كونه منهم.

فإنه يقال: لو سلمنا بما ذكر، إلا أننا نقول بأنه لم يثبت كثرة في النقل لمرويات مسعدة الموافقة للعامة. بل الظاهر انحصار الأمر في مورد واحد، لأن المورد الثاني الذي نقلناه قد عقبه الشيخ(ره) في آخر قوله بالتالي: قوله: ولم يصل عليهما، وهم من الراوي[37]. فبناءاً على هذا لن تكون الرواية مخرجة على التقية، نعم تضمنت الخدشة في صلاحية الراوي للنقل، والحاجة إلى التأني في قبول مروياته، لعدم كونه ضابطاً.

فالأنصاف أنه بناءاً على تمامية الوجهين المذكورين للبناء على كونه إمامياً، تحصل المعارضة بين ما ذكره العلمان الجليلان الكشي والشيخ(ره)، وبين ما ذكره العلمان الجليلان النجاشي والقمي، فلابد للنظر في كيفية علاج ذلك، فنقول:

الموجود عندنا معارضة بين مقالة الكشي والنجاشي، كما عندنا معارضة بين مقالة الشيخ والنجاشي، وكلاهما معارضان لمقالة الشيخ القمي بناءاً على ما تقدم منا اعتباره ليحقق الغرض المطلوب.

وعلى أي حال، فأول ما يقع الحديث فيه، المعارضة بين مقالة الكشي ومقالة النجاشي، فنقول:

المعروف عن الفاضل الخاجوئي الالتـزام بتقدم قول الكشي على قول النجاشي، وعلل ذلك بأن الكشي لما كان أقدم زماناً، جعله ذلك أبصر بأحوال الرجال[38].

ولعل هذا المعنى أيضاً يظهر من شيخنا البهائي(قده) من خلال حكمه في ترجمة حماد بن عيسى بأن له نيفاً وسبعين سنة، وهو الموافق لمقالة الكشي، بينما اختار النجاشي أن له نيفاً وتسعين سنة، ومقتضى القواعد الطبيعية أن شيخنا البهائي قد اطلع على مقالة النجاشي، فتقديمه لمقالة الكشي خير شاهد على تقدم قوله عنده حين المعارضة بين المقالتين.

وقد يستظهر هذا المعنى أيضاً من رجال ابن داود[39]، وكذا من نقد المقال للسيد التفرشي(ره)[40]، إذ قدما رجال الكشي على رجال النجاشي في مقدمة كتابيهما عند استعراضهما لبيان الرموز، فيستكشف من ذلك تقديم مقالة الكشي على النجاشي.

وفي مقابل من ذكرنا مختارهم هناك من قال بتقديم قول النجاشي على قول الكشي، وقد ذكرت لذلك تقريـبات:

منها: أن النجاشي أضبط علماء الرجال، وهذا واضح في أنه يستلزم تقديم مقالته على مقالة غيره، ويظهر هذا التقريب من غير واحد من الأعلام، كبعض الأعاظم(قده) في موسوعته الرجالية في غير مورد من موارد التعارض فلاحظ.

ومنها: ما يستفاد من الأستربادي، حيث قدم ذكر النجاشي على كتاب الكشي عند استعراضه للرموز، بل جرى على تقديمه في تضاعيف التراجم[41].

ومنها: ما التـزم به الشيخ الكلباسي في رسائله من أن نكتة التقديم لقول النجاشي على قول الكشي، أمران:

أولهما: أن نظر المتأخر أقرب إلى الصواب.

ثانيهما: لا ريب في أن النجاشي متفطن لأغلاط الكشي، كما يظهر ذلك حين تعرض النجاشي لحال الكشي، ونصه على أن له كتاب الرجال، وفيه أغلاط كثيرة[42].

أقول: ينبغي بناء المسألة على ما هو الوجه في حجية قول الرجالي، فإننا لو بنينا الحجية فيه على ما هو المختار من أنه خبر الثقة في الموضوعات إذا أفاد وثوقاً واطمئناناً، فلا ريب في أن العقلاء في مثل هذه الموارد يـبحثون عن موجبات الوثوق، ومدى حصولها لكي يحكم بتحققه، ومن ثمّ البناء على التقديم، ومن الواضح أن هذا لن يوجب الجزم بتقديم قولٍ، بقول مطلق من القولين دائماً، بل سوف يخـتلف المورد من مقام لآخر في الجملة.

ولذا ذكرنا في محله في البحث الرجالي، أن الحق يقتضي التوقف عند حصول مثل هكذا موارد للشك في حصول الاطمئنان والوثوق، فلا مجال للحكم بأحد القولين، وتفصيله بشكل أكبر يطلب من البحث الرجالي.

وأما بالنسبة للوجوه التي ذكرت لتقديم كل واحد من القولين، فلا يخفى ما فيها من الخدشة والمناقشة.

ومنه يتضح الكلام بالنسبة للمعارضة بين قول الشيخ(ره) وبين قول النجاشي، إذ تبتني المسألة فيه أيضاً على نفس المسألة السابقة، وبالتالي يجري فيه ما تقدم أيضاً كما لا يخفى.

ومثل هذا يجري أيضاً بالنسبة للمعارضة بين مقالتي الكشي والشيخ وما جاء في التفسير، وعليه يأتي الكلام السابق الذي تقدم ذكره.

وبالجملة، مقتضى ما بنينا عليه المسألة، هو البناء على التوقف في كون مسعدة إمامياً، أو بترياً أو عامياً، فما جزم به بعضهم بعدم ثبوت المعارض لمقالة العلمين والبناء على أن مسعدة بتري، أو عامي[43]، ليس كما ينبغي فلاحظ.

السادس: ما يمكن استظهاره من عدة قرائن وخلاصتها البناء على اتحاد مسعدة بن صدقة مع مسعدة بن زياد الذي ورد في حقه توثيق من النجاشي، وبالتالي الحكم بوثاقة مسعدة بن صدقة. وقد حكم بهذا الوجه السيد البروجردي(قده) كما نسب له، وكذا بعض الأعلام(قده)[44].

توضيح ذلك:

عند المراجعة لكمات الرجاليـين وكذا لمرويات مسعدة بن صدقة ومسعدة بن زياد يتضح أنهما متحدان، وليسا متعددين، ويشهد لذلك مجموعة من الأمور:

الأول: وحدتهما من حيث اللقب، إذ أن مسعدة بن صدقة قد وصف بكونه عبسياً تارة، وأخرى بكونه عبدياً، وقد تكرر وصفه في غير واحد من الأسناد بالربعي. وأما مسعدة بن زياد فقد وصف بكونه عبدياً.

وعند المراجعة إلى كتب الأنساب، نجد أن العبدي، نسبة إلى عبد القيس في ربيعة بن نزار، ويخير المنتسب إليه بين أن ينسب فيقال له: عبدي، أو أو يقال له: عبقسي.

وأما الرَبَعي، فنسبة إلى ربيعة بن نزار، واستعماله قليل، بسبب تعدد القبائل المنتسبة إلى ربيعة بن نزار، وعلى هذا لا مانع من أن يجتمع وصفا العبدي والربعي في شخص واحد، وأنهما يشيران إلى معنى واحد، ولا يشيران إلى تعدد في المنسوب إليهما، كما لا يخفى.

وأما العبسي، فهو المنسوب إلى عبس بن بغيض من قيس عيلان، أو إلى بهثه بن سليم بن قيس عيلان أيضاً، أو إلى عبس بن هوازن من الأزد.

ولا يخفى أن هذه النسب الثلاث لا تجتمع مع الربعي، ضرورة أن الأولين من ولد مضر مضر، وهو أخو ربيعة. وأما الأخير فهو من قحطان، لأن الأزد منهم، بينما ربيعة من عدنان.

إن قلت: مقتضى ما ذكر عدم إمكانية اتحاد مسعدة بن صدقة مع مسعدة بن زياد، وذلك لأن مسعدة بن صدقة قد وصف في رجال الشيخ(قده) بكونه عبسياً، وعليه يمنع الاتحاد.

قلت: لا يبعد القول بوجود تصحيف في رجال الشيخ(ره)، وأن الصحيح نسبة مسعدة إلى الربعي أو العبقسي، ويقوي هذا الاحتمال مشابهة العبقسي في الرسم للعبسي، فلعل الناسخ، لم يكن محيطاً بصحة النسبة إلى عبد قيس بالعبقسي، فظن أنها العبسي، فقام بعملية التصحيح، وهو في الحقيقة تصحيف، فتأمل.

وربما يؤيد التصحيف المذكور، ما جاء في تفسير الكوفي من وصف مسعدة بن صدقة بالعيسي، مع أن العيسي لا وجود له في كتب الأنساب، فلا يبعد أن يكون تصحيفاً للعبقسي، فيتأكد الاحتمال السابق الذي ذكرناه في رجال الشيخ(ره).

الثاني: كثرة الجهات المشتركة بينهما، فهما متحدان في الاسم، والطبقة، وكونههما من أصحاب الصادق(ع)، واتحاد الراوية عنهما وهو هارون بن مسلم، وتشابه تعبيرهما عن أبي عبد الله الصادق(ع) كثيراً، إذ نجد أنهما يروريان عنه بلفظ جعفر أو بلفظ جعفر بن محمد. وقد يستظهر عندها كون الرجل من العامة نتيجة هذا التعبير، ولا أقل من أنه مرتبط بهم، ويتكلم بلسانهم ومنهجهم في الكلام.

إن قلت: لعل منشأ ذلك هو الراوية، وليس الراوي، أي أن ذلك بسبب هارون بن مسلم، وبالتالي يكون المحتمل المذكور وارداً في حق هارون بن مسلم، وليس في حق مسعدة بن صدقة أو بن زياد.

قلت: إن ما يذكر يصح لو كان التعبير المذكور منحصراً في خصوص مرويات هارون بن مسلم عنهما، أما لو كان التعبير وارداً في غير ما رواه هارون بن مسلم، فلا يتم الكلام المذكور، فلاحظ.

إن قلت: إن المتابع لمرويات الكافي عن مسعدة يجد أن التعبير الوارد فيها هو بلفظ أبي عبد الله، وليس التعبيرا لوارد فيها باسمه الشريف(ع)، وبالتالي لا يثبت ما ذكر، ولا أقل من ترجح الكافي على غيره من المصادر كقرب الإسناد، وغيره.

قلت: لا يـبعد أن ذلك من تصرف الكليني(رض)، وهو تصرف لا يشين بالمؤلف ولا بالراوي، ولا يعدّ تحريفاً، خصوصاً إذا التفتنا إلى أنه ربما كان هناك داعٍ دعى شيخنا الكليني(ره) إلى فعل ذلك، وهو احتمال كون التعبير عن الإمام(ع) باسمه الشريف في عصر الكيني أمراً مشيناً في حق الإمام، ونحو تجرٍ عليه، فأبدله شيخنا المذكور مراعاة لحرمة المعصوم وأداء لحقه، والتأدب معه في التخاطب، فتأمل.

ومن الجهات المشتركة بينهما أيضاً: نوعية الرواية التي ينقلانها عن أبي عبد الله الصادق(ع)، إذ يلحظ المتابع لمروياتهما أنهما ينقلان عن أبي عبد الله(ع) على أنه راوية لأحاديث رسول الله(ص)، وأن أمير المؤمنين(ع) كذلك، فلاحظ رواياتهما، فإنهما متى رويا عن أبي عبد الله(ع) رويا عنه تكون الرواية بالطريقة التالية:عن أبي عبد الله عن آبيه عن آبائه عن رسول الله(ص)، كما أنه في بعض مرويات بن صدقة عنه(ع) يرد عبارة رفعه، أو يرفعه.

وبالجملة، مروياتهما متحدة في الأسلوب، بحيث أن القارئ لمروياتها يرى أنها مأخوذة من خبر واحد بسبب اتحاد الأسلوب فيها، ولنشر لبعض النماذج:

منها: ما جاء في الكافي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله(ع)، قال: قال أمير المؤمنين(ع): إياكم والمراء والخصومة، فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان، وينبت عليهما النفاق[45].

ومنها: ما جاء في الكافي عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد الله(ع)، قال: قال أمير المؤمنين(ع): إياكم ونكاح الزنج فإنه خلق مشوه[46].

ومنها: ما جاء في الفقيه عن مسعدة بن زياد أن علياً صلوات الله وسلامه عليه قال: إياكم واللقطة، فإنها ضالة المؤمن، وهي حريق من حريق جهنم[47].

الثالث: اتحاد الرواية الواحدة، لكنها تروى تارة عن مسعدة بن صدقة، وأخرى عن مسعدة بن زياد. فمن تلك الموارد ما جاء في الكافي عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله(ع) قال: ليس لك أن تـتهم من ائتمنته، ولا تأتمن الخائن وقد جربته[48].

وقد رويت هذه الرواية في قرب الإسناد عن مسعدة بن زياد قال: وحدثني جعفر، عن أبيه، أن رسول الله(ص) قال: ليس لك أن تـتهم من قد ائتمنته، ولا تأمن الخائن وقد جربته[49].

إن قلت: إن في البين نحو تغاير، إذ أن مسعدة بن زياد قد نقله عن رسول الله(ص)، بينما نقله مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله(ع)، مما ينفي وجود الاتحاد.

قلت: لا يخفى أن رواية بن صدقة منقولة من كتاب الكافي، وقد عرفت تصرف شيخنا الكليني(ره) في الجملة في بعض المرويات، وبالتالي لا يـبعد تصرفه في المقام أيضاً، ولا أقل من احتمال التصحيف، بوقوع نقيصة في البين، فتأمل.

ومنها: ما ورد في قرب الإسناد عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه قال: وقال رسول الله(ص): الحياء على وجهين، فمنه الضعف، ومنه قوة وإسلام وإيمان[50].

وجاء في الخصال عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي(ع) قال: قال رسول الله(ص): الحياء على وجهين، فمنه ضعف، ومنه قوة وإسلام وإيمان[51].

ومنها: ما جاء في العلل عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن آبائه(ع) أن رسول الله(ص) قال: تاركوا الترك ما تركوكم فإن كلبهم شديد، وكلبهم خسيس[52].

وجاء فيه عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه(ع) أن رسول الله(ص) قال: اتركوا اللص ما ترككم، فإن كلبهم شديد، وسلبهم خسيس[53].

ومنها: ما جاء في الكافي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله(ع) قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما قد شدّ العظم وأنبت اللحم، وأما الرضعة والرضعتان والثلاث حتى يبلغ عشراً، إذا كن متفرقات فلا بأس[54].

وفي التهذيب عن مسعدة بن زياد العبدي، عن أبي عبد الله(ع)، قال: لا يحرم الرضاع إلا ما شدّ العظم وأنبت اللحم، فأما الرضعة والثنـتان والثلاث حتى بلغ العشر إذا كن متفرقات فلا بأس[55].

هذا والإنصاف قوة قرائن الاتحاد، وإن كان هناك ما يشير إلى التغاير، لكن الحق أقوائية قرائن الاتحاد على قرائن التعدد، إلا أن الجزم بذلك في مقام الفتوى مشكل جداً، والله العالم.

بقي أن نشير في الختام إلى ما ذكره السيد الفقيه البروجردي(قده) دليلاً على الاتحاد، قال(قده) في تعليقه على رواية في الكافي، وهي ما رواه هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن زياد عن أبي عبد الله(ع) قال: الهندباء سيد البقول[56].

الظاهر أن صوابه مسعدة بن صدقة بن زياد، إذ أن مسعدة بن صدقة روى أخباراً كثيرة عنه(ع) بدون توسط أحد، وزياد لم يتوسط إلا هنا، وعادتهم ذكر الواسطة النادرة بأوصاف دافعة لجهالته، ولم يوصف هنا بشيء وحينئذٍ يشهد هذا على وحدة مسعدة بن صدقة ومسعدة بن زياد في روايات هارون بن مسلم، وأن الثاني نسبة إلى جده[57].

والحق صحة ما أفاده(ره) من وقوع التحريف في السند المذكور، إلا أن ما أفاده لثبات الاتحاد ممنوع، ضرورة أنه يمكن القول بزيادة (عن زياد) في السند، ويشهد له أن الشيخ الحر(قده) نقل الرواية المذكورة عن الكافي من دون الزيادة المشار إليها.

كما أنه جعل في الطبعة الجديدة من الكافي، وكذا طبعة مرآة العقول بين معقوفتين، مما يشير إلى خلو جملة من النسخ عن هذه الزيادة.

كما يحتمل أن تكون الزيادة لكلمة(صدقة)، وعليه تكون الرواية مروية عن مسعدة بن زياد، وهو ممكن لرواية هارون بن مسلم عنه كما عرفت، فلاحظ.

كما يحتمل كون الزيادة لكلا الأمرين، أي(عن زياد) وعن (صدقة) ومنشأ ذلك كون اسم صدقة مجمل، فيحتمل تفسيره بما ذكر.

وبالجملة، مع وجود هذه المحتملات في البين، لا مجال لقبول ما ذكره(قده) لأن الأمر لا ينحصر في ما ذكره لكي يصح الجزم بالاتحاد، فلاحظ.

ثم إنه لو قلنا بعدم ثبوت وثاقة مسعدة بن صدقة، أو لا أقل من احتمل وجود شبهة إرسال أو قطع في البين، فقد يقال: بأنها مجبورة بعمل المشهور.

ويرد عليه: أنه مع قبولنا الكبرى كما هو المختار، فإن إحراز الاستناد في المورد محل تأمل، بل منع لوجود وجوه أخرى يحتمل استنادهم إليها. وقد ذكرنا غير مرة أن الجبر الذي يوجب دخول الخبر دائرة الحجية، ليس مجرد موافقة المشهور للخبر الضعيف في مقام الفتوى، بل لابد من إحراز استنادهم إلى الخبر الضعيف كي يتحقق فيه المطلوب، فلاحظ. هذا كله بالنسبة للسند.

وأما من ناحية الدلالة: فقد أورد عليها في التنقيح بما محصله:

إن البينة قد استعملت في الكتاب الشريف والنصوص بمعناها اللغوي وهو ما به البيان والحجة على الشيء ولم يثبت استعمالها في شهادة العدلين، بل هذا المعنى اصطلاح بين العلماء لعله كان ثابتاً في الدور الأخير من زمانهم(ع)، فلا دلالة للرواية على اعتبار البينة بالمعنى المصطلح[58]. وتابعه في هذا شيخنا الأستاذ دام ظله.

ولا يخفى أن حاصل كلامه(قده) يعود إلى إنكار ثبوت حقيقة شرعية للبينة، وإنما هي مستعملة بحسب المعنى اللغوي الثابت لها، وهذا يعني أنها بمعنى الحجة والبيان، وليس المراد منها العادلان، إذ لا ريب في وجود فارق بينهما كما لا يخفى.

وبالجملة، لما لم تـثبت لها حقيقة شرعية، ولا زالت مستعملة في معناها اللغوي، فهذا يمنع من صلوحها للدلالة على المدعى.

وفيه: أولاً: أن المعنى المصطلح للبينة من أجلى مصاديق المعنى اللغوي لها بعد أنس الأذهان باعتماد الشارع عليها في باب القضاء والشهادات لإثبات الحقوق وعليه كان عمل المعصومين(ع).

ثانياً: إن جعل البينة قسيماً للعلم والإستبانة بعطفها عليها بلفظة (أو) دليل على مغايرتها معنى، وهذا يعني ظهورها في المعنى الاصطلاحي لا ما يتبين به الأمر ويوجب العلم، إذ حينئذٍ يكون معنى المعطوف والمعطوف عليه أمراً واحداً لأنهما متحدان إشتقاقاً وهذا ما يأباه العطف بأو.

ثالثاً: إحراز أن المراد هو المعنى الاصطلاحي من خلال استصحاب القهقرى ببيان: إن البينة في عرفنا ظاهرة وحقيقة في شهادة العدلين وبالاستصحاب القهقري يثبت كونه كذلك في الروايات حين الشك في جعلها من قبل بذلك المعنى.

هذا وقد يجاب عما أفاده(قده) بأن كلمة البينة مستعملة في غير واحد من النصوص المعصومية في البينة الإصطلاحية، كقوله(ص): البينة على المدعي واليمين على من أنكر. وقوله(ص): إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان، وغير ذلك من النصوص.

ولا يخفى ضعف هذا الجواب، ضرورة أن البينة في الموردين المذكورين يمكن حملها على الحجية، وما يصلح لإثبات المدعى.

ولو قيل بأن مقصود المجيب أن البينة الوارد في هذين النصين وأضرابهما من النصوص، بضم ما صدر من النبي(ص) من الفعل بتطبيق البينة على الشاهدين، يثبت أن لها معنى اصطلاحياً، وهو خصوص شهادة العادلين، وبالتالي ثبت للبينة استعمالاً خاصاً شرعياً, فيثبت المطلوب.

قلنا، بأن العمل الصادر منه(ص) لا يثبت حقيقة شرعية للبينة، بل عمدة ما يثبته أنه جعل البين أثنين، وهذا لعله إثبات للحجة والبيان، وليس لحقيقة شرعية للبينة.

هذا وقد حكي الإشكال على دلالتها أيضاً: بأن الرواية ظاهرة في الحكم بالحلية في المارد المذكورة فيها استناداً إلى أصالة الحل، المستفادة من قوله(ع) في مطلع النص: كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه، فالموارد المذكورة في الرواية عبارة عن صغريات لهذه الكبرى وتطبيقات لها، مع أن الحلية في كل واحد منها ليت مستندة إلى أصالة الحل، بل هي في كل واحد تستند إلى شيء آخر، فالثوب مستند إلى قاعدة اليد، والعبد إما إلى الإقرار أو إلى قاعدة اليد، وهكذا.

ولا يخفى أن جعل قاعدة كلية مع كون الموارد المذكورة فيها على خلاف تلك القاعدة موجب للاستهجان، وبالتالي عدم صلوحها للدليلية.

وأجاب حاكي الإشكال(دام ظله): بأننا نسلم بالإشكال المذكور، إذ لا طريق لنا إلى حله، غير أنه لا يضر بالاستدلال للمدعى، إذ المقصود هو إثبات حجية البينة، وعدم انطباق القاعدة على الموارد المذكورة لا يستلزم خروج ذيل الرواية الدال على اعتبار البينة، وأن قيامها يوجب سقوط أصالة الحلية عن الاعتبار والحجية فتأمل[59].

أقول: الظاهر أن التسليم بالإشكال المذكور مانع من التمسك بالحديث لإثبات المدعى، توضيح ذلك: إن الظاهر من الحديث كونه في مقام بيان حجية البينة في خصوص الموارد التي ثبتت فيها الحلية الظاهرية نتيجة أصالة الحل، وبالتالي سوف يكون مدلول الخبر المذكور هو حجية البينة في مقابل أصالة الحل، فلو قامت بينة على خلاف ما قامت عليه أصالة الحل، كانت البينة حجة ومقدمة على أصالة الحل، وحاكمة عليها.

ويمكن الجواب عن هذا الإشكال من خلال التقريب الوارد في كلام بعض الأعيان(قده)، وهو ما فهمه من الحديث مقابل ما فهمه مشهور الأصحاب، قال(قده): إن ما هو بحسب ظاهر الشرع لك ومختص بك-كالثوب الذي اشتريته واحتمل أن يكون سرقة، والمملوك الذي تحت يدك ومحكوم بملكيتك واحتمل حريته، والامرأة التي تحتك واحتمل كونها أختك، أو رضيعتك. مع أن اليد وأصالة الصحة، بل والاستصحاب الموضوعي في الرضيعة بل في الاُخت على فرض جريانه في الأعدام الأزلية، كل يقتضي كونها زوجتك-هو حلال لك لا تنقطع حليته إلا بأمرين: العلم الوجداني، والبينة، دون سائر الأمارات.

ويشهد لهذا الاستظهار من النص أمور:

منها: ذكر(هو) في خلال الكلام، وهو غير مناسب لبيان حلية المجهول، كما هو غير مذكور في الروايات التي سيقت لبيان حليته، فنكتة الضمير لعلها لإفادة خصوصية زائدة: هي تقيـيد الشيء بكونه لك.

ومنها: قوله: وذلك مثل…، كذا وكذا، فإن الظاهر منه أن له عناية خاصة بالأمثلة التي ذكرها، ولها نحو اختصاص بالحكم.

ومنها: ذكر الأمثلة التي كلها من قبيل ما تقدم من كون الموضوع مما يختص به بحسب أمارة شرعية، كاليد، أو أصالة الصحة، أو الاستصحاب، فذكر خصوص تلك الأمثلة التي ليست واحدة منها من مورد كون الشك موجباً للحلية، يؤكد ما ذكرناه، بل يدل عليه.

ومنها: أن لسان الرواية بناءاً على هذا الاحتمال لن يكون جعل حكم ظاهري.

ومنها: نخصيص العلم الوجداني والبينة بالذكر، فإن الظاهر من (الاستبانة) في مقابل البينة هو العلم الوجداني، فحملها على الأعم خلاف الظاهر المتفاهم منها، فعليه تكون الرواية بصدد بيان أن ما هو لك بحسب الأمارات الشرعية ونحوها، لا تنقطع حليته إلا بالعلم الوجداني، وخصوص البينة من بين الأمارات، وليست بصدد بيان الحكم الظاهري[60].

——————————————————————————–

[1] عوائد الأيام العائدة رقم (86) ص 811-812.

[2] بحوث في شرح العروة ج 2 ص 83.

[3] الوسائل ب 4 مما يكتسب به ح4.

[4] المعجم ج20 ص253.

[5] رجال الشيخ رقم 40 ص137.

[6] رجال الكشي 39/733.

[7] الخلاصة ص .

[8] روضة المتقين ج14 ص266.

[9] أصول علم الرجال ص 164.

[10] خاتمة المستدرك ج 3 ص 523 من الطبع القديم، معجم رجال الحديث ج 1 ص 50 ، أصول علم الرجال ص 184 .

[11] قاعدة لا ضرر للسيد السيستاني ص 21 .

[12] الرواشح السماوية ص 115.

[13] منتهى المقال ج 6 ص 254.

[14] عدة الأصول ج 1 ص 379.

[15] اختيار معرفة الرجال ص 453 رقم 733.

[16] المصدر السابق ص 307 رقم 422.

[17] الرواشح السماوية ص 115.

[18] وسائل الإنجاب الصناعية ص 650.

[19] مستدركات علم الرجال الحديث ج 7 ص 404 -405.

[20] معجم رجال الحديث ج 18 ص 139.

[21] وسائل الإنجاب الصناعية ص 649.

[22] المصدر السابق

[23] وسائل الإنجاب الصناعية ص 650.

[24] رجال النجاشي رقم 346.

[25] المصدر السابق رقم 1155.

[26] وسائل الإنجاب الصناعية ص 650.

[27] بحار الأنوار ج 39 ص 280.

[28] المصدر السابق ج 23 ص 310 .أصول الكافي ج 2 ص 219.

[29] تفسير فرات الكوفي ح 494 ص 364.

[30] قرب الإسناد ص 9 ح 30.

[31] المصدر السابق ص 78 ح 254.

[32] المصدر السابق ص 77 ح 250.

[33] المصدر السابق ص 87 ح 253.

[34] كمال الدين وتمام النعمة ص 302 ح 11.

[35] التهذيب ج 9 ح 665.

[36] المصدر السابق ج 6 ح322.

[37] المصدر السابق ج 1 ح 968.

[38] الفوائد الرجالية ص 49.

[39] رجال ابن داود ص 25.

[40] نقد الرجال ج 1 ص 35.

[41] منهج المقال ص 14.

[42] الرسائل الرجالية للكلباسي ج 2 ص 302.

[43] وسائل الإنجاب الصناعية ص 650.

[44] مصادر فقه الشيعة في شرح وسائل الشيعة ج 1 ص 122.

[45] الكافي ج 2 ص 300 ح 1.

[46] المصدر السابق ج 5 ص 352 ح 1.

[47] من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 292 ح 4048.

[48] الكافي ج 5 ص 298 ح 1، التهذيب ج 7 ص 232 ح 1011.

[49] قرب الإسناد ص 84 ح 276.

[50] قرب الإسناد ص 46 ح 150.

[51] الخصال ص 55 ح 76.

[52] علل الصدوق ص 392 ح 3.

[53] المصدر السابق ص 603 ح 68.

[54] الكافي ج 5 ص 439 ح 10.

[55] التهذيب ج 7 ص 314 ح 1303.

[56] الكافي ج 6 ص 363 ح 5.

[57] تجريد الأسانيد ج 1 ص 242 رقم 55.

[58] التنقيح في شرح العروة ج 2 ص 166.

[59] تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة-كتاب الاجتهاد والتقليد- ص 193.

[60] كتاب الطهارة ج 4 ص 264-266.