- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

المســــؤولية في زمان الغيبة

المســــؤولية في زمان الغيبة

قال تعالى:- (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون).

لا ريب في ثبوت حقوق للإمام المعصوم(ع) وهي واجبات عقلية وشرعية، يتقوم الإيمان والتدين بها، وتوجب السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، وهي منشأ الخيرات والبركات في حياة المجتمعات البشرية.

 

منشأ حقوق المعصوم:

وتنشأ هذه الحقوق من جهات:

الأولى: أنه حجة الله تعالى وخليفته، فما يجب لله سبحانه وتعالى من حقوق في الأمة، فإنه يجب للرسول(ص)، ويجب للإمام المعصوم(ع).

الثانية: أنه واسطة الفيض.

الثالثة: أنه(ع) غاية الخلق.

الرابعة: أنه عنصر الهداية والتربية للأمة.

 

واجبات الأمة ومسؤولياتها:

ويمكن تقسيم واجبات الأمة ومسؤولياتها إلى قسمين:

1-واجبات عامة.

2-واجبات خاصة.

 

أما الواجبات العامة، فهي التي يشترك فيها المعصومون الأربعة عشر(ع)، وهي: المعرفة، والمحبة، والطاعة.

أما الواجبات الخاصة، فإنها التي ينفرد بها المولى الصاحب(عج)، وهي مختصة بزمان غيبته، وذلك بانتظار فرجه المبارك.

 

بعد هذه المقدمة، فإن الحديث ينصب عن واجبات الأمة ومسؤولياتها الخاصة في زمان الغيبة، وهو انتظار فرج قائم آل محمد(ص)، حتى ينشر العدل في الأرض ويقمع الجور والظلم بين العباد، وهذا من أعظم الواجبات، فهنا محاور:

الأول: أهمية الانتظار ووجوبه:

يعدّ انتظار الفرج من أعظم حقوق الإمام(عج) على الأمة بمقتضى الأدلة العقلية والنقلية، لأنه حجة الله سبحانه في أرضه، وهو اسطة الفيض الإلهي على الخلق، كما أنه بركة الأرض ومستقرها، وبوجوده المبارك ثبتت السماء والأرض، وبيمينه رزق الخلق. فلا ينحصر حقه على الأمة في خصوص إمامته، بل له عليهم حق الوجود وحق الإفاضة والتدبير، لهذا يثبت له على الجميع انتظار ظهوره المبارك، والاستعداد لذلك.

 

ومضافاً إلى اتفاق العقلاء على ضرورة وجود مصلح عالمي يأتي ليبدل الظلم إلى عدل، والفساد إلى إصلاح، دلت النصوص على وجوب انتظار فرج آل محمد(ع)، بظهور القائم(عج)، وما يعطاه المنتظرون من الثواب، نشير لبعضها:

منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله(ع) أنه قال ذات يوم: ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملاً إلا به؟ فقلت: بلى. فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله(ص)، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا-يعني الأئمة(ع) خاصة- والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة والانتظار للقائم(عج).

وقد دلت الرواية على أن أحد شروط قبول الأعمال هو الانتظار للفرج، فلا يقبل عمل من دون ذلك.

 

ومنها: ما رواه السيد عبد العظيم الحسني(رض)، قال: دخلت على سيدي محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)، وأنا أريد أن أسأله عن القائم المهدي، أو غيره، فابتدأني وقال لي: يا أبا القاسم، إن القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره وهو الثالث من ولدي.

ومقتضى هذين النصين وغيرهما من النصوص التي لا يبعد تواترها كون انتظار فرج آل محمد(ع)، من الواجبات النفسية العينية على جميع العباد، فكما لا يتحقق إيمان من يشك في النبوة والإمامة، فإنه لا يتحقق إيمان من يشك في تحقق الظهور المبارك.

 

ولا يستثنى من هذا الوجوب أحد، فهو واجب على الصغير والكبير، والرجل والمرأة، كالتوحيد والنبوة، والإمامة، كما يظهر ذلك من التعبير بلفظة الدين الواردة في بعض النصوص وعدّ الانتظار للصاحب(عج) من الدين، وكذا يستفاد ذلك من الأمر الوارد في رواية السيد عبد العظيم الحسني(رض).

 

ولعل هذا يبرر التأكيد الحثيث في النصوص على عدّ انتظار الفرج من أفضل الأعمال، فعن أمير المؤمنين(ع) عدّه أحب الأعمال إلى الله.

وجاء أن من مات وهو منتظر للفرج يكون كمن استشهد مع رسول الله(ص). وعن أبي عبد الله الصادق(ع) عن آبائه(ع)، قال: المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله.

 

وقد وصف(ع) المنتظرين للظهور المبارك بأولياء الله، قال(ع): لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

وقد وصف الإمام السجاد(ع) أهل زمانه(عج) المنتظرين لظهوره أنهم أفضل من أهل كل زمان.

 

المحور الثاني: حقيقة الانتظار ومعناه:

ما هو المقصود من انتظار الفرج، وكيف يكون الانتظار؟

من الواضح أن المقصود من الفرج في النصوص المتحدثة عن ذلك، هو ظهور حجة الله سبحانه وتعالى في الأرض، وهو الإمام صاحب الزمان(عج)، في آخر الزمان حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وسمي لذلك لأن في ظهوره المبارك(عج)، فرج للمؤمنين بالسلامة في الدين والدنيا والعدل، والأمن وتطبيق أحكام الله تعالى في الأرض.

 

معنى الانتظار:

وأما الانتظار، فيمكن تعريفه بمعنى جامع وهو طلب الإدراك لما يأتي من الأمر، وهو نحو من الترجي والترقب لتحقق ما يصبو إليه المنتظر.

ويعتبر توفر شرطين في تحققه:

الأول: أن يكون الشيء المنتظر مهماً للمنتظر.

الثاني: أن يكون الشيء المنتظر خارجاً عن اختيار المنتظر.

وبملاحظة هذين الشرطين يتضح أن الفرج لا يحصل صدقه من دون جهد وعناء وتعب، بل هناك أسباب لابد من السعي إليها في تحقيقه والحصول عليه.

وهذا يجرنا إلى أمر مهم جداً وهو كيف يكون الانتظار للفرج؟

 

هناك عدة تصورات يمكن ذكرها لمعرفة كيف يكون الانتظار:

التصور الأول: إن الانتظار عبارة عن الإكثار من الدعاء بتعجيل الفرج، فيقتصر مفهومه على الدعاء فقط.

وهذا التصور لا يملك بعداً وعمقاً في فهم الانتظار، كما أنه لا يملك رؤية شمولية لأبعاد الانتظار، لأنه لا يضع المؤمنين في المسار الواقع له.

والحاصل، إن هذا الفهم للانتظار فهم سطحي، لأنه لا يتجاوز إطار الدعاء، فيبقى ضمن محدودية الكلمات.

 

ولا يعني ما ذكرناه إنكار أهمية الدعاء، بل إننا نؤمن بأنه بعدٌ هامٌ من أبعاد الانتظار، وإنما النقاش في كون الانتظار هو الدعاء، فإن هذا لا ينسجم مع النصوص التي سمعت في الانتظار، وأنه واجب وأنه أفضل العبادات، وما يعطى المنتظرون من الدرجات العالية والصفات العظمى. مضافاً إلى الحاجة إلى إيجاد الكوادر المؤهلة للالتحاق بالركب المهدوي حين الظهور، ومن الواضح جداً أن هذا لا يمكن أن يتحقق بالدعاء فقط.

 

التصور الثاني: إن الانتظار يعني اعتزال الساحة والتخلي عن كافة المسؤوليات الرسالية والقيام بعملية التغيـير في زمن الغيبة.

وقد نشأ هذا الفهم نتيجة وجود خلل في الرؤية وفهم طبيعة الدور الذي سيمارسه الإمام الحجة(عج)، حيث يرى أصحاب هذا التصور أن مسؤولية التغيـير وإنهاء الانحراف من الوجود والتصدي لكل ظواهر الفساد وظيفة الإمام المنتظر(عج)، فهو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً. ولوجود خلل في فهم طبيعة العلاقة بين هذا الدور والأدوار التمهيدية قبل الظهور المبارك.

 

وهذا التصور يدعو إلى تعطيل فريضة الأمر بالمعروف ومحاربة الفساد، وهو مخالف لصريح النصوص التي تؤكد على استمرار التكاليف في كل عصر وزمان.

وعلى كل حال، فإن هذا التصور يدعو إلى تعطيل فريضة الأمر بالمعروف ومحاربة الفساد، وهو مخالف لصريح النصوص, والتي تؤكد على استمرار التكاليف في كل عصر وزمان.

 

التصور الثالث: وهو الذي يقرر أن خروج الحجة الصاحب(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، لن يتحقق حتى تملأ الأرض بالجور والظلم والفساد، والانحراف، فهنا شرط موضوعي لظهوره المبارك وهو امتلاء الأرض بالمفاسد والانحرافات، ولذا لا ينبغي ايقاف حركة الامتلاء هذه لأنها تأخر من تحقق الظهور، بل يتمادى أصحاب هذا التصور ليدّعوا ضرورة تهيئة الأجواء للانحراف والفساد التي تساهم في تعجيل تحقق الظهور.

وهذا التصور تشويه للقضية المهدوية، لأن عدم الوقوف أمام الانحرافات والمفاسد يجذرها في المجتمع، ويساعد على إقصاء الإسلام بعيداً عن الحياة.

 

التصور الرابع: الانتظار وعي وثقافة وعمل دؤوب، وترقب واستعداد، كما يستفاد ذلك من دعاء الندبة. ويقوم هذا التصور على عناصر:

1-الترقب الدائم للظهور المبارك:

وذلك بأن يعيش المؤمن حضوراً مستمراً لتوقع ظهوره الشريف في أي لحظة.

 

2-الاستعداد الدائم:

وهذا يفرضه الترقب الدائم، فإن المؤمن ما دام مترقباً دائماً لابد أن يكون مستعداً، ويتحقق الاستعداد من خلال محطات:

الأولى: الاعداد الروحي.

الثانية: الإعداد الفكري.

الثالثة: الإعداد السلوكي.

وهذه المحطات تهيأ الأرضية للظهور المبارك.

 

3-الارتباط الفعلي بقيادة الإمام المنتظر(عج):

وذلك من خلال الارتباط بالمرجعية التي تمثل هذا المنصب اليوم.

 

تصنيف المنتظرين:

ووفقاً لما تقدم، يمكن تصنيف الناس المنتظرين إلى صنفين:

الأول: صنف عام، وهم أغلب الناس، بل عامتهم الذين يؤمنون بالإمام المهدي(عج)، وبظهوره وينتظرونه فقط دون شيء آخر، فهم بذلك مطيعون لأمر الله تعالى، وممتثلون للحكم الشرعي بوجوب الانتظار.

الثاني: صنف خاص، وهم الذين ينتظرون الفرج بالعمل، فيلتـزمون حال الانتظار بالتقوى والعمل الصالح والورع ومحاسن الأخلاق.

وهؤلاء يحظون برتبة صحبة الإمام القائم(عج)، فيكونون من أنصاره، ولا يصل المؤمن لهذه المرتبة المعنوية إلا بالعمل والطاعة، ولا يكون ذلك بالانتظار وحده.

 

ولو مات أحد من أصحاب هذا الصنف قبل حصول الظهور المبارك، فإنه يعود ويخرج من قبره لنصرة الإمام(عج)، وهذا ما يستفاد من دعاء العهد، وهو أحد الأدعية المخصوصة بالمنتظرين الحقيقيـين، وكفى قول الداعي في آخر الدعاء: العجل العجل يا مولاي يا صاحب الزمان، الكاشف عن مدى الشوق والحرقة وشدة الترقب الموجود عنده.

 

المحور الثالث: واجبات الانتظار:

مع أنه قد تمت الإشارة في بيان كيفية الانتظار إلى واجباته، وذلك من خلال عناصره، وضرورة توفير أمور ثلاثة وهي: الإعداد الروحي، والإعداد الفكري، والإعداد السلوكي.

إلا أننا نشير في البين إلى شيء إضافي غير ذلك:

1-إظهار الشوق إلى لقائه:

ويكون هذا بالقول والعمل وهو يكشف عن المحبة والولاية، ويظهر من النصوص أنه من المستحبات المؤكدة، ويستفاد من سيرة المعصومين(ع) أنهم كانوا يظهرون الشوق للقائه(بأبي هو وأمي)، ويتمنون حضور أيامه لما فيها من الخيرات والبركات وظهور العدل الإلهي، فقد جاء عن النبي(ص)، قوله: طوبى لمن أردك زمانه. وعن أمير المؤمنين(ع): هاه، شوقاً إلى رؤيته.

 

2-توثيق الصلة بالإمام(عج) وزيادة الارتباط به:

ويتم ذلك من خلال أمور:

أحدها: المداومة على قراءة الأدعية المرتبطة به(بأبي هو وأمي)، ومن أهمها دعاء العهد.

ثانيها: تجديد البيعة بعد كل فريضة من الفرائض اليومية، ولا أقل كل يوم مرة واحدة، أو في كل جمعة، ونعني بتجديد البيعة هو تجديد العهد معه(روحي لترابح افرج واده الفداء)، على نصرته والاقتداء به.

ثالثها: النيابة عنه في أعمال البر، ولذلك جملة عديدة من الآثار كقبول العمل.

 

ومن المعلوم أن الأعمال النيابية كثيرة لا تحدد بعمل معين:

منها: التصدق عنه.

ومنها: النيابة عنه في الحج والعمرة.

ومنها: مشاركته في المال، بأن يجعله شريكاً معه في عمله وتجارته، ويخصص له نسبة من الأرباح سواء كان موظفاً أم تاجراً، ويعدّ هذا من موجبات قضاء الحوائج وإجابة الدعوات، مضافاً لحصول القرب منه(روحي لتراب حافر جواده الفداء).