- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

خمس الراتب

خمس الراتب

 

لما كان الخمس يتعلق بالمال المملوك للإنسان، أوجب ذلك تساؤل بعض المؤمنين الذين يقلدون الفقهاء القائلين بعدم ملكية الدولة، كالسيد الخوئي(ره)، والسيد السيستاني(دامت أيام بركاته)، عن تعلق الخمس برواتبهم التي يقبضونها جراء عملهم في وظائف حكومية، كالمعلمين، وموظفي الصحة، وموظفي البلدية، وبقية القطاعات الأخرى.

 

ومنشأ السؤال يعود لملاحظة أمور ثلاثة:

الأول: عدم صحة عقد العمل الوظيفي الذي بينهم وبين الدولة، لأن المفروض أن الدولة جهة اعتبارية حقوقية، وليست حقيقية، وهي جهة لا تصلح للملكية، ولا يمثلها من يقوم بإيقاع العقد الوظيفي مع الموظف. وعليه، لا يكون الموظف مستحقاً لشيء على الدولة، لأن عقد عمله غير صحيح.

 

الثاني: لما كانت الدولة جهة غير قابلة للملكية، فإن الأمور الموجودة تحت يدها تكون أموالاً مجهولة المالك.

الثالث: إن مجرد تحويل الأموال من الدولة إلى حساب الموظف لا يدخلها في ملكه، لأن المفروض أن الأموال مجهولة المالك، والمال المجهول المالك يحصل تملكه بقبضه، فيلزم أن يسحبه الموظف من الحساب البنكي ويقبضه، ليكون ملكاً له، فما لم يسحبه، لم يملكه.

 

ومع ضم الأمور الثلاثة مع بعضها تكون النتيجة البناء على عدم وجوب الخمس في رواتب الموظفين الحكوميـين، لأنهم لم يستحقوا شيئاً على الدولة أصلاً لعدم صحة العقد الوظيفي بينهم وبينها، ولأن المال المحول لحساباتهم البنكية مال مجهول المالك، لابد من قبضه لتملكه، فما لم يحصل ذلك لم يتحقق الملك. والخمس كما نعلم يتعلق بالمال المملوك، وليس بمطلق المال.

 

إلا أن المتابع للفتاوى اليوم يجدها تنص على تعلق الخمس بمرتب الموظف الحكومي، كتعلقه بمرتب الموظف الأهلي الذي يعمل عند شركة أهلية، والسر في ذلك يعود إلى عملية إمضاء العقود التي قام بها السيد السيستاني(دامت أيام بركاته)، فقد تصدى(أطال الله في عمره الشريف) إلى إمضاء عقود الموظفين مع الدولة، فأصبحت العقود الموجودة بين الموظف وبينها عقوداً شرعية صحيحة مستكملة لكافة شروط الصحة.

وعليه، أصبح الموظف الحكومي مستحقاً لمرتبه على ذمة الدولة، يستحقه منها، وله المطالبة به.

 

نعم مجرد تحويل راتبه من الدولة على حسابه البنكي لا يحقق الغرض، بحيث تكون الدولة قد حققت التزامها تجاه الموظف ودفعت إليه مستحقاته، لأن الأموال الموجودة تحت يدها أموال مجهولة المالك كما عرفت.

وبناءاً عليه، لن يتعلق الخمس بالمبلغ المحول لحسابه البنكي، لأنه مال مجهول المالك، يتوقف تعلق الخمس به على ملكه، ولا يكون تملك الموظف له إلا بقبضه.

 

ويتوقف قبضه على إجازة من الحاكم الشرعي، وقد اشترط السيد السيستاني(دامت أيام بركاته)، جواز القبض بإبراء ذمة الدولة مما هي مشغولة به من مرتب الموظف، فعندها يمكن للموظف قبض المبلغ والتصرف فيه.

وبعد البناء على شرعية العقد الوظيفي الذي بين الموظف والدولة، أصبح للموظف حق عندها وهو بمثابة الدين الذي يرتجى تحصيله، فيكون الخمس متعلقاً بهذا الدين كما هو واضح.

 

بل يمكن القول أيضاً بتعلق الخمس بالحساب البنكي، لا لأنه قد تحقق منه القبض، بل بلحاظ حق الاختصاص الثابت للموظف في هذا الحساب، والذي لا يمكن لأحد أن يتصرف فيه غيره، وحق الاختصاص حق مالي وفق بناء العقلاء، فيكون زيادة يتعلق بها الخمس.

 

تنبيه:

قد يتصور البعض اختصاص إمضاء العقود بالموظفين الذين يقلدون السيد السيستاني(دامت أيام بركاته) مطلقاً، فلا يشمل ذلك الباقين على تقليد السيد الخوئي(ره)، ولو من خلال تقليد السيد السيستاني(دام وجوده المبارك).

لكنه تصور في غير محله، ذلك أن الإمضاء للعقود الوظيفية الصادر من السيد السيستاني(دام ظله الشريف) شامل لكل مقلديه، سواء من يقلده مطلقاً، أم الباقين على تقليد السيد الخوئي(ره) بواسطته، ومن دون فرق بينهما.