- موقع سماحة العلامة الشيخ محمد العبيدان القطيفي - https://www.alobaidan.org -

ذكورية الشريعة(5)

ذكورية الشريعة(5)

 

النصوص المعصومية:

وأما النصوص المعصومية فقد سمعت أنها طوائف متعددة، تقدمت الإشارة إليها في مطلع البحث، ولا نحتاج أن نسلط الضوء عليها جميعاً، فمضافاً إلى ضعف أغلبها سنداً، فإنه يكفي التركيز على جملة منها لبيان رؤية الإسلام حيال المرأة، وأنها تتوافق مع ما تضمنه القرآن الكريم من عدم وجود ما يشير إلى تفضيل الرجل على المرأة أو لا.

ولما كان الحديث عن ذلك بصورة مفصلة يستدعي طولاً، سوف نقصر الحديث على عناوين ثلاثة مما تضمنتها تلك النصوص، وهي:

1-ناقصات عقل           2-ناقصات دين                               3-لا تشاورهن

 

المناقشة السندية:

مع أن أغلب النصوص الذامة للمرأة ضعيفة السند، لأنها إما مراسيل كنصوص نهج البلاغة مثلاً، أو لوقوع بعض المجاهيل في أسنادها، لكن منع بعضهم مناقشتها من هذه الناحية وحكم باعتبارها، على أساس أنها متواترة، وقد قرر في محله عدم حاجة النصوص المتواترة لملاحظة أسنادها.

ولو سلم بثبوت التواتر فإنه يتم على وفق مختار المشهور القائم على ملاحظة الأسلوب الأرسطي، ولا يتم على منهج حساب الاحتمال الرياضي الذي يتبناه غير واحد من الأعلام، كالسيد الشهيد(ره). ويعتمد مسلك المشهور في تحقيق التواتر على ملاحظة الكم العددي للنصوص، فمتى بلغت النصوص عدداً معيناً مع الشروط الأخرى بني على تحققه، ولا يعتنون بملاحظة المصادر التي وردت النصوص المذكورة فيها، فضلاً عن كونها مسندة أو مرسلة، وهكذا.

 

من هنا لما كانت النصوص محل البحث من الكثرة بمكان فقد سمعت استعراض اثنين وعشرين طائفة، فقد تُحققُ التواتر الموجب للقطع بالصدور.

لكن قد يوحي كلام لبعض الأعاظم(ره) ذكره في تحقق الاستفاضة من خلال ملاحظة الكمية العددية، بأن هناك قيداً وشرطاً لابد من توفره حتى يحكم بحصولها، قال(قده): إن الرواية المستفيضة هي التي توجب أقل مراتب الاطمئنان بصدورها عن المعصوم(ع)، ومع انحصار الرواية في ثلاث أو أربع وكلها ضعاف كيف تكون الرواية مستفيضة وموجبة للاطمئنان بصدورها.

 

وهو صريح في اعتبار قيد في تحقق الاستفاضة وهو الاطمئنان، وهذا يمكن تطبيقه في المقام، فلا يكتفى في تحقق التواتر بمجرد ملاحظة الكم العددي للنصوص، بل لابد من تولد الإطمئنان منها، وهذا يستدعي ملاحظة مصادرها وأسنادها.

ومن الواضح صعوبة تحقق ذلك من خلال المراسيل، فضلاً عن مجهولية المصدر، لأنه يعتبر في الخبر المتواتر تعدد الرواة في جميع الطبقات، وهذا ما لا يحصل في الأخبار المرسلة، ما يعني سقوطها من النصوص التي يراد إثبات تواترها، وهذا يوجب قلة العدد الموجود، بل إن مقتضى اعتبار تولد العلم من التواتر عدم كفاية وجود البعد الكمي، بل يلزم ملاحظة المصادر.

 

والحاصل، إن الجزم بكون النصوص المذكورة متواترة حتى لا تناقش سنداً ممن الصعوبة بمكان جداً.

ثم إنه لو رفعنا اليد عما تقدم، وسلمنا بتواترها، فمن المعلوم أنه من التواتر الإجمالي وليس من التواتر اللفظي والمعنوي، وهذا ما أنفرد بتأسيسه صاحب الكفاية المحقق الآخوند الخراساني(ره)، ولم يكن معروفاً قبله بين الأعلام، وهو غير مقبول عند من تأخر عنه، فقد رفض ومنع من جعله قسيماً للتواتر اللفظي والمعنوي، وعليه لا يوجد تواتر للنصوص المذكورة ليمنع من مناقشتها سنداً.

 

مخالفتها للقرآن:

وأتخذ بعض الأساتذة(حفظه الله) طريقاً آخر في مناقشتها الصدورية، فردها لأنها مخالفة للقرآن الكريم، وأن منشأها ومصدرها هو الفقه السني، فإن الحكومات والسلطات كانت بأيديهم، فوضعوا هذه الروايات من أجل الطعن في السيدة الزهراء(ع)، لأنها كانت تمثل تهديداً حقيقياً للحكومات آنذاك، وللأسف أن الشيعة قد تأثروا بهذه النصوص دون التفات منهم لدواعي وضعها.

 

وقد تضمن جوابه(حفظه الله) دعويان:

الأولى: أن النصوص المذكورة مخالفة للكتاب العزيز.

الثانية: أنها من الموضوعات التي وضعت لجملة من الأغراض السياسية.

 

وقد يعترض على هذا الجواب بالتالي:

أولاً: إنما يتم ما ذكر لو كانت النصوص الذامة للمرأة منحصرة في المصادر الحديثية للجمهور، لكننا نجد النصوص المذكورة واردة في مصادرنا الحديثية أيضاً.

ثانياً: لو سلمنا تسرب هذه النصوص لمصادرنا الحديثية من كتبهم، إلا أن تعدد نقلها في عدة مصادر حديثية لنا مانع من ذلك، فقد جاءت في الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب ونهج البلاغة.

ثالثاً: إن التعبير بتأثر الشيعة بها عنوان عام، لم يتضح المقصود منه، فهل يقصد منه تأثر كبار المحدثين من الشيعة وأنهم قد نقلوها في كتبههم، أو أن الذين تأثروا بها هم عامة السنة؟ والثاني بعيد، فإنها كما وردت في كتب الجمهور وردت في مصادرنا أيضاً، ما يجعل الأمر متعيناً في الأول.

رابعاً: إن نقل هذه النصوص في أهم المصادر الشيعية وأكثرها اعتباراً يضعف احتمال وضعها.

خامساً: إن القول بأن الغرض من هذه النصوص هو توهين السيدة الزهراء(ع) يحتاج شاهداً ومؤيداً وهو مفقود في المقام، خصوصاً وأن النصوص التي وردت في فضائل السيدة الزهراء(ع) في مصادرهم من الكثرة بمكان.

 

والحاصل، إن الجزم بكون النصوص موضوعة مع هذا الكم من الروايات صعب جداً، خصوصاً وأنها قد وردت في الكتب الشيعية المعتبرة، وإثباتها يحتاج دليلاً، مضافاً إلى أن هناك شرائط معتبرة في الخبر الموضوع مثل روايته عن الكذابين ومخالفته للكتاب والسنة القطعية.

وأما الدعوى الأولى، فإنه لم يذكر(حفظه الله)، الآيات القرآنية التي خالفتها هذه النصوص، ولعل نظره للآيات الدالة على أن الله تعالى قد خلق الإنسان في أحسن صورة وأكمل حالة، ولم يفرق في ذلك بين الرجل والمرأة، قال تعالى:- (فتبارك الله أحسن الخالقين)، ويساعد على ذلك أنه لا توجد آية في القرآن الكريم تتحدث عن أفضلية عقل الرجل على المرأة، أو أفضلية إيمانه عليها.

ويجاب عنها، بأنه سبق وذكرنا أنه يعتبر في مخالفة الخبر للكتاب أن تكون المخالفة بينهما بنحو التباين، ولا يعتبر في حجية الخبر الموافقة للكتاب، ومن الواضح أن النصوص محل البحث لا تخالف الكتاب بنحو التباين، ما يمنع من ثبوت الدعوى المذكورة.

 

المناقشة الدلالية:

وسوف نعمد لملاحظة كل واحد من العناوين السابقة التي تمت الإشارة إليها:

ناقصات عقل:

ومن ذلك ما جاء في كتاب الكافي، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص): ما رأيت من ضعيفات الدين وناقصات العقول أسلب لذي لب منكن.

وقد عمد بعض الاعلام والباحثين إلى توجيه هذ النصوص وحملها على بعض المحامل الظاهر في بنائهم على صدورها، لأنه لم يناقش أحد منهم في ذلك.

 

وكيف ما كان، لما كان استقراء جميع ما ذكر توجيهاً للنصوص المذكورة من الصعوبة بمكان لأنه يستوجب طولاً، ويخرج هذا المختصر عن ما وضع له، نقتصر على ذكر بعضها:

منها: ما ذكره آية الله الشيخ جوادي آملي(حفظه الله) في كتابه جمال المرأة وجلالها، وحاصله: إن النصوص المذكورة مأخوذة بنحو القضية الخارجية وليست الحقيقية، توضيحه: إن النصوص المذكورة ليست ناظرة إلى حقيقة المرأة بما هي امرأة، بل هي ناظرة إلى زمن معين ومختصة بمورد معين بسبب أعمال معينة، ومع كون الرواية صادرة بحق مورد معين في فترة زمنية معلومة، فسيكون الذم مخصوصاً بذلك المورد فقط لا غير، ولن ينسحب على جنس المرأة، فلا يثبت دعوى تنقيص المرأة، فضلاً عن ذكورية الشريعة.

 

وهو يقرر أن المرأة المقصودة بالذم هي عائشة بسبب تجييشها الجيوش وخروجها لقتال أمير المؤمنين(ع) في حرب الجمل.

وربما كان دافع آية الله جوادي آملي(حفظه الله)، وغيره من حمل النصوص المذكورة على المرأة كون الخطبة التي اشتملت على ذم النساء بنقصان العقل كانت بعد واقعة الجمل.

 

لكن يلاحظ على هذا التوجيه:

أولاً: إن الجواب المذكور أخص من المدعى، لأنه إنما يصلح لمعالجة خصوص النصوص الصادرة عن أمير المؤمنين(ع)، ولا يصلح للجواب عن النصوص الصادرة عن رسول الله(ص)، أو عن الإمام الصادق(ع).

ثانياً: إنه بعد رفع اليد عن النصوص الصادرة عن النبي الأكرم محمد(ص)، وعن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع)، وحصرها في خصوص ما صدر من أمير المؤمنين(ع)، إلا أن النصوص المتضمنة ذم المرأة بنقصان عقلها والصادرة عن أمير المؤمنين(ع) في النهج، لا تنحصر في خصوص الخطبة التي حصلت بعد واقعة الجمل، فقد جاء ذلك عن أمير المؤمنين(ع) في خطبة بعد فتح مصر، وفي خطبة بعد واقعة النهروان، بل صدر ذلك منه(ع) عندما كان يوجه أنصاره قبل حرب صفين.

 

ثالثاً: إن هذا الجواب خلاف الظاهر جداً، لأن الذم الوارد في بعض النصوص كان حال الخطاب لجمع من النساء، فقد قال(ع): يا معاشر النساء خلقتن نواقص العقول. وقال(ع) أيضاً: يا معاشر النساء، ما رأيت نواقص عقول ودين.

ومنها: البناء على عدم ثبوت العموم والشمول لكافة النساء من خلال دخالة الزمان والمكان في الاستنباط، بهذا البيان:

إن المقصود من النساء في هذه النصوص هو ما كان موجوداً في أذهان عامة الناس في ذلك الزمن حول المرأة، وليس المقصود هو المفهوم الحقيقي لها في كل الأزمنة، فالنصوص جاءت متناسبة مع نظر المجتمع للمرأة في تلك الفترة الزمنية، فقد كان عموم الناس ينظرون لها على أنها سطحية التفكير وناقصة العقل.

 

وببيان آخر، إن الروايات تتحدث عن الواقع الحياتي المعاش للمرأة خلال فترة صدورها فإن المرأة بعدُ لم تصل المستوى الفكري المناسب بسبب عدم تهيأ الأرضية الثقافية المناسبة.

وبالجملة، إن المخاطب في هذه النصوص هي المرأة وقت صدور هذه النصوص وليس جنس المرأة.

 

ويمنع من القبول به:

أولاً: ما تضمنته بعض النصوص من تعليل نقصان عقولهن بالشهادة، وأن شهادتها نصف شهادة الرجل، فإن العلة تعمم وتضيق، ومقتضى ذلك شمولية الحكم لكافة الأزمنة فتكون المرأة ناقصة عقل في كل عصر وزمان.

ثانياً: إن هذا المعنى لا ينسجم وسماحة الشريعة وعظمتها، إذ كيف يحكم على شخص بوصف معين وهو لا يد له ولا قدرة لتغيـيره واستبداله في ذلك الوقت.

 

ومنها: إن النصوص المذكورة لا ينبغي تفسيرها على ظاهرها، لأنه يقصد منها معنى آخر، فإن المراد من نواقص العقول هو أن كل إنسان له عقل وعاطفة، ولكل واحد منهما دور معين وكل منهما يكمل الآخر، وقد اقتضت الحكمة أن تكون العاطفة في المرأة أقوى من الرجل، بسبب المهمة الملقاة على عاتقها لقيامها بمهمة التربية التي تحتاج شدة العاطفة، فعقل المرأة كامل، لكن عاطفتها أقوى، وهذا بخلاف الرجل فإن عاطفته ليست أقوى من عقله، وحينئذٍ تكون جنبة التعقل عند المرأة أقل من الرجل انسياقاً وراء عاطفتها، بينما جنبة التفكر عند الرجل أقوى لقلة عاطفته وغلبة عقله عليها.

 

فالمراد بنواقص العقول مقابل شدة العواطف التي تملكها المرأة.

وفيه، مضافاً، لكونه مخالفاً لظاهر الرواية جداً، لقد تضمنت الآيات القرآنية الدعوة للتعقل والتفكر والتدبر، ولا ريب أن المرأة مشمولة بها، ولا يتصور بأحد أن يخرجها من تحتها، وهذا يعني امتلاكها لعنصر العقل والقابلية بل القدرة على التعقل، ما يجعل التفسير المذكور للرواية غريباً.

 

ومنها: ما ذكره المرجع الديني المعاصر الشيخ الجوادي(حفظه الله)، من أن المقصود من نقصان عقلها، هو نقصانها في الحفظ والذاكرة، فهي أضعف حفظاً وذاكرة من الرجل. ويساعد على هذا التفسير ما تضمنته بعض النصوص التي تحدثت عن نقصان عقلها من تعليل ذلك بأن شهادة اثنين من النساء تعدل شهادة رجل واحد، ويشير لذلك ما جاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال في خطبة له بعد حرب الجمل في ذم النساء: معاشر الناس، إن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول، فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن، وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الأنصاف من مواريث الرجال، وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد.

 

واستشهد أصحاب هذا التوجيه بقوله تعالى:- (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)، لأن المقصود من كلمة(تضل) في الآية بمعنى النسيان، وهو حاصل في المرأة غالباً بسبب انشغالها بتدبير المنـزل وتربية الأطفال ومشاكل الأمومة فتنسى ما رأته، لذا احتاجت إلى امرأة ثانية معها لتذكرها[1] [1].

 

وبالجملة، ليس في البين ما يوجب نقصاً للمرأة، ذلك لأن ما تعانيه من نقصان عقل بسبب ظروفها الحياتية وطبيعة الوظيفة التي تقوم بها، وتتحكم فيها الأبعاد والجوانب العاطفية.

نعم قد توجد بعض النساء أفضل حالاً من بعض الرجال فلا يتأثرن بشيء مما يحيط بهن، فضلاً عن يكون للعاطفة دور للتأثر فيهن، إلا أن الطابع والغالب على المرأة هو ما قد سمعت.

 

وقد يمنع من القبول بهذا التفسير خلو جملة من النصوص التي تضمنت وصف النساء أنهن ناقصات عقل من تعليل ذلك بمسألة الشهادة، وهو وإن لم يوجب المعارضة بين النصوص، لكنه يكشف عن وجود طائفتين في المقام.

إلا أن يلتـزم أن مقتضى إثبات الطائفتين يستدعي كون الطائفة المشتملة على التعليل مفسرة للنصوص الخالية من ذلك.

 

ومع أن الجواب المذكور حسن في نفسه، إلا أنه لا يصلح لعلاج المشكلة، لأن المتفاهم العرفي يفهم وجود نقص في المرأة، والمفروض أنه نقص تكويني قد نشأ من خلال الوظيفة التي جعلت إليها، فإن مقتضى تصديها للقيام بالشؤون الأسرية جعلها تعاني من هذه المشكلة، والمفروض أنه لا دخل لها في ذلك، بل هو أمر خارج عن إرادتها، فكيف توسم بعد ذلك أنها ناقصة عقل.

 

ثانياً: إن التبرير الوارد في بعض النصوص بنقصان عقلها بالشهادة وأن شهادة المرأتين تعدلان شهادة رجل واحد، تعدّ قرينة مساعدة على التشكيك في صدور هكذا نص عنه(ع)، لعدم انسجام ذلك مع نقصان العقل، فإن الشهادة ترتبط بسلامة الحواس في ما يراه الإنسان ويسمعه وبأمانة النقل، ولا ربط لذلك بمسألة العقل أصلاً، فضلاً عن الظروف المحيطة بالمرأة، فكيف يمكن إرجاع نقصان عقولهن لما يتصل بالشهادة.

 

إن قلت: قد سمعت أن العامل العاطفي والمؤثرات المحيطة بها تمنعها من ضبط الوقائع وحفظها سليمة عن النقص، وعدم اختلاط الأمور، لدى عدت ناقصة عقل.

قلت: إن مقتضى التسليم بما ذكر يمنع أن يكون النقص عند المرأة في عقلها، بل مرجع ذلك إلى الظروف المحيطة بها، والمؤثرات الحياتية التي توجب تشتت الحواس لديها.

ثالثاً: إن القبول بالتفسير المذكور يعتمد على أن يكون المقصود من الضلال الوارد ذكره في الآية الشريفة بمعنى النسيان، وليس المقصود منه شيئاً آخر مثل التيه والانحراف، مع أن القرائن الداخلية في الآية الشريفة تساعد على الثاني دون الأول. بل حتى لو سلم بكون المقصود من الضلال في الآية الشريفة هو النسيان والتشتت، فقد عرفت أن هذا لا ربط له بمسألة نقصان العقل أصلاً.

 

ومنها: ما ذكره ابن ميثم البحراني(ره)، في شرحه على النهج، من أن المقصود من نقصان عقلها، هو فقدانها للتجربة، والمقصود من العقل الناقص عندها هو العقل التجريبي.

وهذا المعنى مستفاد من تقسيم أمير المؤمنين(ع) إلى العقل، فقد جاء عنه(ع) قوله: العقل عقلان: عقل الطبع، وعقل التجربة، وكلاهما يؤدي المنفعة.

 

وحتى يتضح هذا المعنى نشير لاستعمالات العقل في النصوص، فإنها على ثلاثة أقسام:

الأول: قوة إدراك الخير والشر والتميـيز بينهما، ومعرفة أسباب الأمور، ونحو ذلك، وهذا هو مناط التكليف.

الثاني: حالة وملكة تدعو إلى اختيار الخير والمنافع، واجتناب الشر والمضار.

الثالث: التعقل بمعنى العلم، فهو يقابل الجهل.

 

والمقصود من العقل المطبوع هو مجموعة المعارف التي أودعها الله سبحانه وتعالى في طبيعة كل إنسان ليعثر بواسطتها على الطريق الذي يقوده إلى الكمال، وإليه يشير سبحانه وتعالى في قوله:- (ونفس وما سواها* فألهمها فجورها وتقواها)، ويعتبر عقل الطبع هو مبدأ الإدراك.

 

ويقابل العقل المطبوع عقل التجربة، بسبب قلة معاشرتهن لأهل العقل والتصرفات. ومن المعلوم مدى أهمية التجربة في حياة الإنسان وما لها من أثر كبير في صقل عقل الإنسان ليصل للمراتب العالية، والمقامات السامية.

ولا يختلف اثنان في زيادة خبرة الرجال على النساء بسبب كثرة تجاربهم، ما يؤثر إيجاباً على عقل التجربة عندهم دون النساء، اللاتي تقل تجاربهن الحياتية لانحصارها عادة في شؤون الأسرة وتربية الأطفال.

 

ولو سلم بهذا الجواب، فهو لن يكون نافعاً على نحو العموم الاستغراقي وبنحو القضية الحقيقية، بل لابد أن يكون مأخوذاً بنحو القضية الخارجية وأنه يتغير وفق مقتضيات الزمان والمكان، فإن المرأة اليوم تقارع الرجال، وهي تخوض غمار كثير من الأمور، وتمارس العديد من الشؤون الحياتية ما يجعل قابليتها للانتفاع بالتجارب ممكناً، بل حاصلاً، ولا يوجب ذلك امتيازاً للرجل عليها.

 

على أنه يمكن التشكيك في ذلك حتى في عصر العرب الأول أيام بعثة النبي الأكرم محمد(ص) فإن من خلدهن التاريخ من النساء الفاضلات كالسيدة خديجة(ع)، وغيرها وقيامها بممارسة التجارة يكشف عن خوض المرأة التجارب ودخولها في المعترك الحياتي.

 

إلا أن يقال بقلة تلك النسوة خلال تلك الفترة الزمنية المذكورة، فتأمل.

والذي نعتقده على فرض التسليم بصدور هذه النصوص عنهم(ع) أنها ناظرة إلى حقبة زمنية محددة من التاريخ البشري، ومع جريان قاعدة دخالة الزمان والمكان في عملية الاستنباط، لا مانع من رفع اليد عنها، فتأمل.

 

 

 

[1] [2] المرأة في مرآة الجلال والجمال ص 460-461.