29 مارس,2024

أسد الله وأسد رسوله, الحمزة بن عبد المطلب(ع)

اطبع المقالة اطبع المقالة

أسد الله وأسد رسوله

الحمزة بن عبد المطلب(ع)

 

 

هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. أمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، وهي ابنة عم آمنة بنت وهب أم النبي(ص)، وقد قيل أنه أخ رسول الله(ص) من الرضاعة. وربما منع ذلك، لأمور:

 

أحدها: تناقض الروايات الواردة في ذلك.

ثانيها: إن المستفاد من المصادر التاريخية التي تعرضت للحديث عنه، أنه كان أكبر من رسول الله(ص) بعشر سنوات، ويساعد على ذلك قصة نذر عبد المطلب مع التسليم بها، وقد قيل أن عبد الله(ع) والد النبي(ص) هو أصغر أخوانه.

ثالثها: إنه لو سلم أنه قد ارتضع رسول الله(ص) وإياه وقد بلغ هذا المقدار من العمر، فإنه لا يترتب عليه الأثر الشرعي للرضاع عادة. وقد أشار لهذا ابن عبد البر في الاستيعاب حيث قال تعقيباً أنه قد أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح: هذا يرد عليه ما ذكر من تقيـيد رضاعة ثويبة بلبن ابنها مسروح إذ لا رضاع إلا في حولين. ولولا التقيـيد بذلك لأمكن حمل الرضاع على زمانين مختلفين.

وأجيب بإمكان ارضاعها حمزة في آخر سنته في أول ارضاعها ابنها وارضاعها النبي(ص) في أول سنته في آخر ارضاعها ابنها فيكون أكبر بأربع سنين وقيل أكبر بسنتين.

وقد ذكر أنه(رض) كان أسن من رسول الله(ص) بسنتين، ويمكن التحفظ على ذلك بلحاظ نذر سيدنا عبد المطلب(رض) لو قبلنا به، وسلمنا بصدوره منه.

واسمه حمزة، وقد ذكر أن منشأه أحد أمرين:

الأول: ما تضمنته كتب اللغة، من أن الحمزة من أسماء الأسد، ويقال أنه لحموز لما حمزه أي ضابط لما ضمه، ومنه اشتقاق حمزة.

الثاني: أنه مشتق من الحمازة، وهي الشدة.

 

ويمكن التوفيق بينهما في الدلالة على شدة البأس وصعوبة المراس، فيكون المقصود من اسمه(رض) التأكيد على كونه سوف يملك قوة البأس وشدة المراس.

وكنيته أبو عمارة، وقيل أن كنيته أبو يعلى، وقد ذكر في وصفه(رض)[1] أنه كان رجلاً ليس بالطويل ولا بالقصير.

وقد أسلم في السنة الثانية من البعثة الشريفة، وقد كشف عن إسلامه حادثة ذكرها المؤرخون، فقد قال ابن إسحاق، حدثني رجل من أسلم كان واعية أن أبا جهل مر برسول الله(ص) عند الصفا فآذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لأمره، فلم يكلمه رسول الله(ص)، وقد كانت هناك مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة فجلس معهم، فلم يلبث حمزة بن عب المطلب(رض) أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قنص له وكان صاحب قنص، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على نادٍ من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز فتى في قريش وأشد شكيمة، فلما مر بمولاة ابن جدعان، وقد رجع رسول الله(ص) إلى بيته، قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفاً من أبي الحكم بن هشام، وجده ههنا جالساً فأذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد، فاحتمل حمزة الغضب، وخرج يسعى لم يقف على أحد حتى قام على رأس أبي جهل جالساً في القوم، فرفع قوسه وضربه بها وشجه شجة منكرة، وقال له: أتشتمه، فأنا على دينه، أقول ما يقول، فرد عليّ ذلك إن استطعت. وقامت بنو مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال لهم: دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً. وقد كان إظهاره(رض) لإسلامه على الملأ من قريش سبباً لعزة الإسلام، وقد عزّ به رسول الله(ص)، والمسلمون، حتى أن قريشاً قد كفوا عنهم شيئاً مما كانوا يلاقونه منهم.

وقد أنشد أبياتاً بعد إسلامه، فقال(رض):

حمدت الله حين هدى فؤادي              إلى الإسلام والدين الحنيف

لديـــــــــــــن جاء من رب عزيز               خبير بالعـــــباد بهم لطيف

إذا تليت رسائـــــــله عليـــــــــنا          تحدر دمع ذي اللب الحصيف

رسائل جاء أحمد مـــــــن هداها                        بــــــآيات مبينة الحروف

وأحمد مصطفى فينا مطاع              فلا تغشوه بالقول العنيف

فلا والله نسلمه لقوم                ولما نقض منه بالسيوف

وقد كان من المهاجرين الأوائل إلى المدينة المنورة، وهو صاحب أول لواء عقده رسول الله(ص) عندما جاء إلى المدينة المنورة. وقد آخى رسول الله(ص) بينه وبين زيد بن حارثة.

شهد بدراً وأبلى فيها بلاء عظيماً مشهوراً، وشهد أحداً ونال فيها الشهادة، ولم يكتف الأعداء بقتله(ع)، بل عمدوا إلى التمثيل والتنكيل به، فبقرت هند بطنه وأخرجت كبده، وجعلت تلوكها. وقد اشتد وجع رسول الله(ص) لما رآه وقد مثل به، فلم ير منظراً كان أوجع لقلبه عليه منه، وقد أبنه(ص)، قائلاً: رحمك الله أي عم فلقد كنت وصولاً للرحم، فعولاً للخيرات. وقد روى جابر أنه لما رآه رسول الله(ص) قتيلاً بكى فلما رأى ما مثل به شهق.

وقد لقبه رسول الله(ص) بأسد الله وأسد رسوله(ص)، وعبر عنه يوم شهادته بسيد الشهداء.

وقد ذكر السيد الأمين(ره) في الأعيان أن عمره يوم شهادته تسعة وخمسون سنة، وقد كان ذلك في النصف من شهر شوال في السنة الثالثة من الهجرة على رأس اثنين وثلاثين شهراً من الهجرة.

 

أولاده:

وقد ذكر أن له ولدين، عمارة ويعلى، ولم يعقب أحدهما، مع أن يعلى قد أنجب خمسة رجال إلا أنهم ماتوا بأكملهم من غير عقب. كما ذكر أن له ابنة، وقد اختلفوا في اسمها وفي زوجها، فذكرت لها أسماء، وهي: آمنة، وأم أبيها، وفاطمة، وأمامة.

وقد ذكر بعضهم أن اسمها فاطمة بقرينة أنها واحدة من الفواطم اللاتي حملنهن أمير المؤمنين(ع) يوم هجرته من مكة، وأما أمامة، فإنما هو لقب لها.

وأما زوجها، فقيل إنها كانت تحت عمران بن أبي سلمة المخزومي، ربيب رسول الله(ص)، وقيل أن زوجها هو سلمة ابن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي.

والظاهر عدم وجود الخلاف في زوجها، وإنما الخلاف في اسمه، وأنه سلمة، أو عمران.

 

قاتله:

اتفقت المصادر التاريخية على أن قاتله يوم أحد هو عبد حبشي يسمى وحشي بن حرب، وقد وقع الخلاف في مالكه، فذكر في ذلك قولان، أحدهما أنه كان ملكاً لأبنة الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وقيل أن مالكه هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف.

وقد جاء في وصفه أنه كان عبداً مميزاً في رمي الحربة قلما يخطئ، وهذا فن لم تكن العرب محيطة به، وإنما كان يتميز به أهل الحبشة.

وقد ذكر في سبب إقدامه على اغتياله(رض)أن ابنة الحارث طلبت منه قتل واحد من ثلاثة وهم محمد، وعلي بن أبي طالب، والحمزة بن عبد المطلب، لأن أباها قد قتل يوم بدر، ولا تجد في القوم كفؤاً لأبيها غير واحد من هؤلاء الثلاثة. وقد ذكر لها أنه سوف يجعل هدفه أمير المؤمنين(ع)، وأنه سوف يقوم بقتله، وبرر عدم قدرته على قتل النبي(ص)، بأن أصحابه لن يسلموه، وأما مانعه من الإقدام على قتل الحمزة(رض)، فذلك بسبب هيبته، حتى أنه قال أنه لو وجده نائماً لم يوقظه من نومه بسبب هيبته.

ولما كان يوم أحد، جاء وحشي يطلب هدفه وبغيته أمير المؤمنين(ع)، فتفاجأ بما رأى، يقول: فكنت يوم أحد التمسه فبينا أنا في طلبه طلع علي فطلع رجل حذر مرس كثير الالتفات، فقلت ما هذا بصاحبي الذي التمس، إذ رأيت حمزة يفري الناس فرياً فكمنت له إلى صخرة فاعترض له سباع بن أنمار، وبعدما تمكن منه(رض) وقتله رأى وحشياً وجاء يطلبه، وزلت قدمه في طريقه فاستغل وحشي الفرصة وضربه بحربته في خاصرته حتى خرجت من أسفله، فسقط شهيداً(رض). وجاء وحشي وشق بطنه واستخرج كبده، وجاء بها إلى هند بنت عتبة، فمضغتها وأعطته سلبها من ثياب وحلي، وعشرة دنانير بعد العودة إلى مكة. وجاءت معه إلى مصرعه، وقامت بالتمثيل به، فقطعت أجزاء من بدنه الشريف، واتخذتها لها مقالد ومعاضد وأسوار[2].

ولم تكن خاتمة وحشي إلى خير، فقد ضرب غير مرة على شربه للخمر، وقد كانت وفاته في خلافة عثمان بن عفان، وقد ذكر في سبب موته شربه الخمر.

 

المقامات السامية للحمزة:

وعند التأمل في السيرة العطرة لهذه الشخصية الشريفة يتجلى للقارئ شيئ من مناشئ الاهتمام ودواعيه التي أحاطه رسول الله(ص) بها، حتى أنها قد ميزت على بقية الشخصيات الهاشمية ما عدا من خص بالتميـيز كعبد المطلب وأبي طالب، وعبد الله، وجعفر الطيار (ع)، وذلك لوجود مجموعة من السمات والمقامات التي ميزتها، ومن المعلوم أن الإحاطة بذلك يكون من خلال ملاحظة ما صدر فيه، سيما وأن الصادر فيه(رض) ليس عادياً، فهو ليس مجرد كلام قد صدر عن المؤرخين والمحدثين، بل إن الصادر أبعد من ذلك، فقد ورد أنه قد نزلت في شأنه جملة من الآيات القرآنية، كما قد صدرت عن المعصومين(ع) نصوص في حقه، بل تضمنت النصوص الإشارة إلى شيء من مقاماته.

 

الآيات القرآنية في شأنه:

منها: قوله تعالى:- (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً)[3]، فقد ورد عن ابن عباس أن المقصود بقوله تعالى:- (فمنهم من قضى نحبه) حمزة بن عبد المطلب، ومن قتل معه.

ومنها: قوله تعالى:- (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل)[4]، فقد روى ابن عباس أنها نزلت في علي وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث ابن عبد المطلب[5].

ومنها: قوله تعالى:- (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً)[6]، فقد ورد في تفسيرها يعني يبشر محمد(ص) بالجنة علياً وجعفراً وعقيلاً وحمزة وفاطمة والحسنين(ع).

ومنها: قوله تعالى:- (أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا)[7]، حيث ورد أنها قد نزلت في علي والحمزة(ع)[8].

ولا يذهب عليك أن أسباب النزول التي ذكرت لها ليست من باب الجري والتطبيق بالمعنى الخاص، بل هي ناظرة للجري والتطبيق بالمعنى العام، وهذا يعني أن المورد من صغريات تطبيق المصداق على المفهوم. نعم هذا لا يمنع من استفادة مكانة سيدنا الحمزة(رض) منها، فإن اتصافه بالصفات الواردة فيها يكشف عما هو عليه من الفضل والمكانة، ولتوضيح ذلك نسلط الضوء بصورة موجزة على دلالة آيتين من الآيات التي ورد نزولها فيه(ع):

الأولى: قوله تعالى:- (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمن من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً)[9]. فإن المستفاد منها دلالتها على الحديث عن مجموعة من المؤمنين، قد تأسوا برسول الله(ص)، وثبتوا على عهدهم الذي عاهدوا الله عليه وهو التضحية في سبيل دينه حتى النفس الأخير وإلى آخر قطرة دم، فلم ينحرفوا قيد أنملة عن خطهم ولم يتـزلزلوا لحظة، ولم يألوا جهداً في سبيل الله سبحانه وتعالى.

الثانية: قوله تعالى:- (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله)[10].

من المعلوم وجود تفاوت في القلوب واختلاف من حيث الاستعداد، وهذا يعني أن أي قلب منها تتوقف استفادته من آيات الله سبحانه وتعالى على ما يكون له من الاستعداد، فهو كالأرض ما لم يكن لها استعداد فلن تستفيد من قطرات المطر، واستفادة الحمزة(ع) من آيات الله سبحانه وتعالى يكشف عن وجود استعداد له(ع)، جعلته في المقام العالي والمنصب الشامخ.

 

الحمزة في النصوص:

ويمكن تصنيف النصوص التي تضمنت الحديث عن الحمزة(ع)، بلحاظ ما جاء فيها من عناوين تكشف تارة عن مقام له(رض) في عالم الدنيا، وأخرى عن مقام له في عالم الآخرة.

 

فمن الأول، ما جاء عن الإمام الباقر(ع) قال: على قائمة العرش مكتوب: حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء.

وقد دل النص المذكور على وصف الحمزة(ع) بصفات ثلاث:

الأولى: أسد الله سبحانه وتعالى.

الثانية: أسد رسول الله(ص).

الثالثة: أنه سيد الشهداء.

ومنها: ما جاء عن الإمام الباقر(ع) في ذكر شجرة النبوة، أنه قال: ومنهم الملك الأزهر، والأسد الباسل حمزة ابن عبد المطلب[11].

ومنها: حديث الوزارة، الوارد عن النبي الأكرم(ص) أنه قال: ما من نبي إلا وقد خصه الله تبارك وتعالى بوزير، وقد خصني الله تبارك وتعالى بأربعة: اثنين في السماء، واثنين في الأرض، فأما الذين في السماء فجبرئيل وميكائيل، وأما اللذان في الأرض فعلي بن أبي طالب وعمي حمزة[12]. ومن الواضح أن منصب الوزارة التي يجعل لأحد الأنبياء، لا يكون لكل أحد، فإنه وإن لم يكن معصوماً[13] إلا أنه يكشف عن قوة إيمان، وعمق في الانتماء، والتضحية للدفاع عن الرسول الكريم، ونصرة الدين الحنيف.

ومنها: ما جاء عن الإمام الصادق(ع) أن رسول الله(ص) قال: أحب إخواني إليّ علي بن أبي طالب، وأحب أعمامي إليّ حمزة. فإذا ضمننا إلى هذا النص ما تضمنته الآيات الشريفة من أنه(ص) لا ينطق عن الهوى، فمن الطبيعي أن لا يكون حبه(ص) حباً عاطفياً بحتاً، وإنما سوف يكون ناشئاً من ملاحظة الجوانب الإيمانية الموجودة عنده، والبعد المتضمن لارتباطه بالله سبحانه وتعالى.

ومنها: ما جاء في شأن زيارته(ع) والحث عليها، فقد ورد عنه(ص) أنه قال: من زارني ولم يزر قبر عمي حمزة فقد جفاني. ويجري في هذا النص ما سبق ذكره حول الرواية السابقة، وأن حصول الجفوة له(ص) ليس من منظور عاطفي بحت، بل بلحاظ الجوانب الدينية.

ويمكن أن يجعل من هذا الصنف، دوره(ع) عند الظهور المبارك لولي النعمة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، وسوف نشير إلى ذلك تحت عنوان مستقل فأنتظر.

 

مقامه في الآخرة:

وأما الثاني، وهو النصوص المتضمنة لبيان مقامه في عالم الآخرة:

فمنها: حمله لواء التكبير في عرصة القيامة، فقد ورد في تفسير فرات الكوفي، أنه إذا كان يوم القيامة دفع لواء التهليل إلى مولانا أمير المؤمنين(ع)، ودفع لواء التكبير إلى سيدنا الحمزة(ع)، وكان لواء التسبيح بيد سيدنا جعفر بن أبي طالب(ع). ومن الواضح جداً أن هذا التمايز من خلال هذه الألوية المدفوعة لكل واحد منهم تكشف عما لكل واحد منهم من عظيم المنـزلة، والمكانة، خصوصاً بملاحظة أن الموضع هو عرصة القيامة، وهو الموقع الذي لا يكون فيه نسب ولا قرابة، وإنما الميزان والمدار على العمل، والطاعة، فكيف إذا وجدنا شخصاً لم يكتف فيه بالنجاة في ذلك الموقف، بل هو من الممتازين بأمور لا تكون إلا للأنبياء، والأوصياء، فإن هذا يكشف عما له من المقام، والشأن الجليل.

ومنها: ما تضمنته بعض النصوص من أنه يقوم يوم القيامة بذود جهنم عن المؤمنين، ففي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري(ع) أنه يأتي أمير المؤمنين(ع) يوم القيامة بالرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء الله في الدنيا، فيناوله إياه ويقول يا عم رسول الله، وعم أخي رسول الله ذد الجحيم عن اولئك برمحك هذا، كما كنت تذود به عن أولياء الله في الدنيا أعداء الله[14].  ولا ريب أن إعطائه هذا الدور في ذلك الموقف العظيم يرجع لرفعة مقام وعلو شأن له عند الله سبحانه وتعالى، وإلا لم يعط ذلك، خصوصاً وأن هذا المنصب لا يكشف فقط عن كونه من الناجين في ذلك الموقف العظيم، بل يشير إلى أنه من الفائزين.

 

معرفته للحق:

ومما يلفت النظر في سيرة سيدنا الحمزة بن عبد المطلب(رض) ما تضمنته النصوص من أنه كان عارفاً بهذا الأمر، وأنه كان معتقداً بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) خليفة النبي(ص) من بعده، قد جعله الله سبحانه وتعالى في هذا المنصب، وأمر الرسول(ص) بإبلاغ ذلك في غير موضع وموطن، فمن ذلك ما رواه سدير الصيرفي، قال: كنا عند أبي جعفر(ع)، فذكرنا ما جرى على أمير المؤمنين(ع) بعد النبي(ص)، فقال رجل من القوم: أصلحك الله فأين كان عز بني هاشم، وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبو جعفر(ع): من كان بقي من بني هاشم؟ إنما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقي معه رجلان ضعيفان، عباس وعقيل. أما والله لو أن حمزة وجعفراً كانا بحضرتهما لما وصلا إلى ما وصلا إليه، ولو كانا شاهديه لأتلفا أنفسهما.

وإلى هذا المعنى يشير أيضاً ما روي عن الإمام الباقر(ع) من أنه قال: كان أمير المؤمنين(ع) دائماً يقول: والله لو كان حمزة وجعفر حيـين ما طمع فيها فلان، ولكنني ابتليت بعقيل والعباس.

وقد جاء في شرح النهج لأبن أبي الحديد المعتزلي ما يساعد على ذلك أيضاً، حيث قال: قد روى كثير من المحدثين أن عليا(ع) عقيب يوم السقيفة قال: واجعفراه ولا جعفر لي اليوم، واحمزتاه، ولا حمزة لي اليوم[15].

وجاء في المناقب للخوارزمي، بإسناده عن أبي علقمة مولى بني هاشم، قال: صلى بنا النبي(ص) الصبح، ثم التفت إلينا، فقال: معاشر أصحابي رأيت البارحة عمي حمزة بن عبد المطلب، وأخي جعفر بن أبي طالب، وبين أيديهما طبق من نبق فأكلا ساعة، ثم تحول النبق عنباً وأكلا ساعة، فتحول العنب رطباً، وأكلا ساعة، فدنوت منهما فقلت: بأبي أنتما أي الأعمال وجدتما أفضل؟ قالا: فديناك بالآباء والأمهات، وجدنا أفضل الأعمال: الصلاة عليك، وسقي الماء، وحب علي بن أبي طالب[16].

وقد جاء هذا الخبر أيضاً عن ابن عباس، فقد نقله المحدث النوري(ره) في كتابه مستدرك الوسائل[17].

 

زيارته:

تضمنت النصوص أن النبي الأكرم محمد(ص)، قد أمر بزيارة قبره الشريف، وقد ورد أنه(ص) أمر بزيارة قبره(رض) بزيارة خاصة، وزيارة شهداء أحد زيارة عامة.

وقد كانت السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع) مداومة على زيارة قبره الشريف في كل جمعة، وقد عمدت إلى تميـيز قبره وتعليمه بصخرة[18].

 

رجعته مع الراجعين:

تضمنت بعض النصوص أن من ضمن الراجعين مع الإمام الحسين(ع) سيدنا الحمزة بن عبد المطلب(رض)، نعم الكلام في أن عودته للحياة هل يكون في الكرة، وهذا يعني أن عودته للحياة يكون حال حياة مولانا ولي النعمة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، أو بعد خروجه من عالم الدنيا، ويكون ذلك في الرجعة مع الإمام الحسين(ع)، وتفصيل ذلك يحتاج مزيد تأمل ومتابعة في النصوص المرتبطة بكلا الموضوعين، وهذا لا يسعه هذا المختصر، ويحال الحديث عنه إلى بحث آخر.

 

شبهات حول الحمزة:

لم يختلف حال شخصية سيدنا الحمزة(ع) عن بقية الشخصيات المرتبطة بالنبي محمد آله(ع)، حيث وجهت له سهام النقد وإثارة الشبه حوله، كما جرى ذلك في شأن غيره، ولعل أبرز شبهتين تثار حول شخصيته المباركة، مسألة إسلامه، ودعوى شربه للخمر، وتوضيح ذلك:

إيمانه عن عصبية جاهلية:

من الإشكالات المثارة حول هذه الشخصية العظيمة، أنه لم يكن إسلامه(ع)، ناجماً عن قناعة وقبول ورضا، واعتقاد، وإنما حصل ذلك نتيجة عصبية جاهلية نتجت من غيرته وحميته لابن أخيه، لما تجرأ عليه أبو جهل ونال منه، وقد أسقط في يده بعدما أعلن أمام ملأ قريش أنه على دينه، أن يتراجع عن ذلك.

ولا ريب في ضعف هذه الشبهة، ووهنها، فمع أننا نعتقد أن الأصل في بيت سيدنا عبد المطلب(ع) كان الطهارة والنقاء والالتزام بدين إبراهيم الخليل(ع)، لم يشذ من ذلك إلا أبو لهب، ما يعني أن الحمزة(ع) كان من الموحدين، ولم يكن من المشركين، فضلاً عن الكفار، فإنه لا يوجد ما يثبت هذه الدعوى، فإن من المحتمل جداً أن الحمزة(ع) كان مؤمناً برسالة النبي(ص)، شأنه شأن أبي طالب(ع)، لكنه كان يكتم إيمانه لبعض الحيثيات، ولما حانت الفرصة المناسبة أعلن عن ذلك، وأظهره على الملأ.

وإلا فإن التأمل في مواقفه التي كانت منه بعد الإسلام حتى يوم شهادته، لا تنسجم أبداً مع شخص دخل في هذا الدين الجديد عن حمية وعصبية، حتى أنه قبل أن يخلف الدنيا بكل ما فيها من ملذات وزخرف، ويهاجر مع رسول الله(ص) إلى المدينة لعيش الغربة، والفقر وفراق الأهل والأحبة. فإن التأمل في هذا وأضرابه يمنع من أن يكون دخول الإسلام عن غير قناعة ومعرفة.

 

شربه الخمر:

ومن التهم التي وجهت لسيدنا الحمزة(رض) تهمة أنه كان يشرب الخمر في المدينة المنورة، وقد استند القائلون بذلك لرواية يرووها عن الإمام زين العابدين(ع)، عن أبيه، عن علي(ع)، أنه بينما كان يستعد لنقل فاطمة (ع)، وعنده شارفان من الإبل، كان أخذهما من خمس غنائم بدر، قد أناخهما إلى جانب حجرة لبعض الأنصار، وإذا بحمزة بن عبد المطلب قد خرج عليهما من بيت كان يشرب فيه، وعنده قينة تغنيه: ألا يا حمز للشرف النواء، خرج عليهما وهو سكران، فجبّ أسنمتهما، وبقر خاصرتيهما، وأخرج كبدهما، ومضى لسبيله. فشكاه علي إلى رسول الله (ص)، فجاء معه الرسول ورأى ما رأى، فنظر إلى حمزة، وصعد النظر إليه، وقال: وهل أنتم إلاّ عبيد لأبي؟ فتركه (ص) وانصرف، وذلك قبل تحريم الخمر[19].

وقد نقل أن الفعل المذكور قد صدر منه في واقعة أحد، حتى أن رسول الله(ص) لم يرض عنه إلا في وسط المعركة، وبعد أن حمل عدة حملات صاعقة على العدو.

 

وقد منع بعض الباحثين(حفظه الله) صحة هذه القضية، وذلك لأمور:

أولاً: مخالفة ما تضمنته القضية المذكورة لما هو الثابت والمعروف تاريخياً من أن أمير المؤمنين(ع)، يوم زواجه لم يكن يملك شيئاً إلا درعه الحطمية، وقد باعها وأنفق ثمنها على الزفاف. نعم قد تضمنت بعض النصوص أنه كان يملك فرسه أيضاً بالإضافة لدرعه. فلو كان عنده شارفان من الإبل، كما يفيد الخبر الأول، لكان عليه أن يذكرهما لرسول الل(ص)، عندما سأله عما يملك حتى يقدم مهراً للسيدة الزهراء(ع). ولا ريب أنه حال حصول المعارضة بين الخبرين، يكون التقديم للخبر المشهور وهو أنه(ع) لم يكن يملك إلا درعه الحطمية.

ثانياً: إن هناك معارضة في تحديد وقت حصول الحادثة بين الروايتين، فإن الأولى منهما حددت ذلك بما قبل زفاف أمير المؤمنين والسيدة الزهراء(ع)، وقد كان ذلك قبل واقعة أحد بعدة أشهر، بينما تحدد الرواية الثانية صدور هذا الفعل في واقعة أحد نفسها، ولا أقل أنه قريب منها جداً، فكيف يوفق بين الأمرين؟ مع أن جملة من المصادر التاريخية قد ذكرت في شأن سيدنا الحمزة(ع) أنه كان يوم أحد صائماً[20]، فكيف يكون قد شرب الخمر، وفعل ما فعل في ذلك اليوم، أو في اليوم الذي قبله؟!

ثالثاً: إن المحكي أن الخمر لم تكن حسنة السمعة عند العرب، لما أدركوه من سوؤها، ولهذا عمد جملة منهم إلى تحريمها على أنفسهم قبل مجئ الإسلام، كعبد المطلب، وأبي طالب[21]، وجعفر بن أبي طالب، وعثمان بن مظعون، وعباس بن مرداس، وغيرهم ممن تضمنت ذكرهم كتب السير والتاريخ.

 

ومن الواضح، أن ما حرمها هؤلاء على أنفسهم إلا لأنهم قد رأوا أنها لا تناسب كرامتهم وسؤددهم.

ومن عرف سيدنا الحمزة(ع)، وأطلع على سمو نفسه، وعزته، وأنفته، وسجاياه، فإنه يرى أنه لا يقصر عن هؤلاء ولا عن غيرهم ممن حرمها على نفسه، لو لم يكن يزيد عليهم في كثير من الخصال والسجايا التي تجعله يربأ بنفسه عن أمر كشرب الخمر.

وهذا يدلل على أن القضية المذكورة مكذوبة وضعها الحاقدون على البيت الهاشمي، والذين لم تكن لهم من غاية إلا الإساءة لأفراد ذلك البيت، وكل من ينتسب إليهم ولو بالكذب والافتراء والدجل والتزوير.

رابعاً: إن الرواية المذكورة تفيد أن تحريم الخمر كان حين زفاف السيدة الزهراء(ع)، مع أن الأقوال والنصوص تتفق على خلاف ذلك[22].

 

 

 

[1] الطبقات الكبرى لابن سعد

[2] اشتملت المصادر التاريخية على ذكر التفاصيل للجريمة البشعة التي وقعت على سيدنا الحمزة(رض) من قبل هند، وقد آثرنا الإعراض عن ذكر التفاصيل.

[3] سورة الأحزاب الآية رقم 23.

[4] سورة البقرة الآية رقم 25.

[5] البرهان في تفسير القرآن ج 1 ص 157.

[6] سورة الإسراء الآية رقم 9.

[7] سورة القصص الآية رقم 61.

[8] البرهان في تفسير القرآن ج 6 ص 88.

[9] سورة الأحزاب آية 23.

[10] سورة الزمر الآية رقم 22.

[11] مستدرك سفينة البحار ج 2ص 418.

[12] المصدر السابق ص 418.

[13] لا يذهب عليك أن الحديث عن سيدنا الحمزة(ع)، لأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) قد ثبتت عصمته، وإمامته وخلافته.

[14] مستدرك سفينة البحار ج 2 ص 416.

[15] شرح نهج البلاغة ج 3 ص 37.

[16] مقتل الخوارزمي ص 41.

[17] مستدرك الوسائل ج 5 ص 331.

[18] التمهيد لابن عبد البر ج 3 ص 234.

[19] البخاري ج 2 ص 120 كتاب الخمس ح 1 ط سنة 1309، كتاب المغازي باب 12، وكتاب المساقات، صحيح مسلم كتاب الأشربة ج 6 ص 85-86، مسند أحمد ج 1 ص 142، البداية والنهاية ج 3 ص 245، الإصابة ج 4 ص 378، نقلاً عن الصحيح من سيرة الرسول الأعظم ج 5 ص 289.

[20] مغازي الواقدي ج 1 ص 211، شرح نهج البلاغة ج 14 ص 224.

[21] السيرة الحلبية ج 1 ص 4، ص 113.

[22] الصحيح من سيرة الرسول الأعظم ج 5 ص 289.