19 مارس,2024

التعايش الاجتماعي

اطبع المقالة اطبع المقالة

 

التعايش الاجتماعي

 

أولى الأئمة الأطهار(ع) العلاقة مع الآخر أهمية خاصة رغبة في تحقيق التعايش الاجتماعي بين الأطياف الاجتماعية ومكونات المجتمع وشرائحه على اختلافها، ويظهر هذا من خلال مجموعة غير قليلة من النصوص الصدرة عنهم(ع)، فقد ورد في وصية الإمام العسكري(ع) لشيعته: أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد(ص)، صلّوا في عشائركم، واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا شيعي فيسرني ذلك، اتقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جروا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حق في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي(ص)، فإن الصلاة على رسول الله عشر حسنات، احفظوا ما وصيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام[1].

 

وهي تدل على منهج يلزم على الشيعة اتباعه في العلاقة مع الأطياف الأخرى في المجتمع.

ولا ينحصر الأمر في خصوص هذا النص، بل هناك نصوص أخرى نعرض عن ذكرها طلباً للاختصار، ويمكن للقارئ العزيز الوقف عليها في عدد من المصادر الحديثية.

وقد يعترض على ما ذكر، فيقال: كيف يوفق بين ما دل من نصوص على التعايش مع الآخر ولزوم حسن المعاملة والعشرة، وبين النصوص التي تؤكد على إبراز المفاهيم العقدية الكاشفة عن الهوية والانتماء للطائفة، مثل نصوص اللعن لرموز الظلم والطواغيت، ولزوم التبري، وما دل على أن الخليفة بعده(ص) هو أمير المؤمنين(ع).

ومن الواضح أن الجواب عن ذلك يستوجب الوقوف على النصوص المذكورة، والتي تضمنت الإشارة لعرض المفاهيم العقدية، وملاحظة نسبتها لنصوص التقية، وأنه هل يمكن التوفيق بينهما أو لا.

 

الابعاد العقدية في النصوص:

لقد تضمنت النصوص عرض مجموعة من المفاهيم، وركزت عليها، لأنها تشكل الهوية الواضحة للانتماء للمذهب، نشير إلى بعضها:

اللعن وما يرتبط به:

منها: ما تضمنت مفهوم اللعن:

ولا يختلف اثنان في اشتمال النصوص الصادرة عن الأئمة الأطهار(ع) على لعن رموز الكفر والظلمة والطواغيت، ولم يكن ذلك محدداً بوقت دون آخر، ولا بمكان دون مكان، أو عصر دون عصر، وقد اتخذ ذلك شكلين:

أحدها: ما تضمنت لعناً لعناوين كلية.

ثانيها: ما تضمنت لعناً لأسماء خاصة بنفسها.

 

وهنا نقطتان:

الأولى: اللعن مفهوم قرآني:

لا يختلف المقصود من اللعن في المعنى الاصطلاحي عما تضمنته كتب اللغة بياناً لحقيقته، لاتفاق الكل على أنه الطرد من رحمة الله سبحانه وتعالى. نعم لو كان اللاعن هو الباري سبحانه وتعالى، كان طرداً. أما لو كان اللاعن هو الإنسان، فإنه يكون دعاء منه على الملعون حتى يطرد من رحمة الله سبحانه وتعالى.

وعلى أي حال، فقد ورد اللعن في القرآن الكريم في موارد متعددة، فإن المتابع للآيات الشريفة يجد أنه قد ذكر في سبعة وثلاثين مورداً منه، تضمنت لعناً من الله سبحانه وتعالى.

ثم إن اللعن الوارد في القرآن الكريم على أربعة أنواع:

1-عموم الكفار.

2-خصوص أهل الكتاب.

3-المنافقون.

4-عناصر تهديد النظام الاجتماعي الاسلامي.

 

الثانية: اللعن ضرورة عقائدية:

لا يخفى أن اللعن مسألة عقائدية، ضرورية يحتاجها المجتمع المسلم، لتعميق الأصالة الإسلامية في واقعه واستخلاص الشوائب من داخله ليتنفر من كل ما يمت لخط الباطل والشر بصلة.

 

ومنها: مفهوم التبري:

لا ريب في كون التبري واحداً من فروع الدين المعروفة، ويقصد به التنفر والانزجار عن كل من لا يحبه الله سبحانه وتعالى، إما لكفر به تعالى، وبرسوله(ص)، أو لعداوة لأولياء الله وظلم لأهل البيت(ع)، أو لفسق ونفاق وتولي أعداء الله وعداوة المؤمنين.

وعلى أي حال، فهو مفهوم قرآني، وقد تناوله القرآن الكريم بصيغتين:

منها: ما تضمن أصل فكرة التبري، قال تعالى:- (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون)[2].

وفي النصوص، ما رواه الفضل بن شاذان-في حديث- أنه قال: سأل المأمون علي بن موسى الرضا(ع) أن يكتب له محض الإسلام على الإيجاز والاختصار، فكتب: والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين الذين هتكوا حجاب رسول الله(ص)، ونكثوا بيعة إمامهم، وأخرجوا المرأة وحاربوا أمير المؤمنين(ع)، وقتلوا الشيعة رحمة الله عليهم، واجبة، والبراءة ممن نفى الأخيار وشردهم، وآوى الطرداء اللعناء، وجعل الأموال دولة بين الأغنياء، واستعمل السفهاء مثل معاوية وعمرو بن العاص لعيني رسول الله(ص)، والبراءة من أشياعهم الذين حاربوا أمير المؤمنين(ع)، وقتلوا الأنصار والمهاجرين وأهل الفضل والصلاح من السابقين، والبراءة من أهل الاستيثار ومن أبي موسى الأشعري وأهل ولايته الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم بولاية أمير المؤمنين ولقائه(ع)، كفروا بأن لقوا الله بغير إمامته، فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً فهم كلاب أهل النار، والبراءة من الأنصاب والأزلام أئمة الضلال وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم، والبراءة من أشباه عاقري الناقة أشقياء الأولين والأخرين وممن يتولاهم[3].

بل إن المستفاد من ملاحظة الأدلة المتضمنة للحديث عن التبري والتولي، كون التبري مقدماً على التولي.

 

ثم إن المستفاد من النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة(ع)، أنه لا يعتبر في تحقق التبري من أعدائهم(ع) التصريح بأسمائهم، بل يكفي حصول ذلك من الإنسان قاصداً التبري من كل عدو لهم(ع)، دون أن يعمد إلى التصريح باسم المتبرئ منه.

ولا يخفى أن مقتضى اختلاف الزمان والمكان يوجب اختلاف الطريقة التي يتحقق التبريء بها، فليس ذلك بنسق ونحو واحد دائماً وأبداً، فقد يكون الإنسان في زمان ومكان يسمح له بإظهار التبري بصورة صريحة ومباشرة، وقد يكون آخر في نفس الزمان إلا أن المكان مختلف فلا يمكنه ذلك، كما يمكن أن يكون الزمان والمكان مختلفين، ولا يمكنه أن يبرز ذلك أيضاً.

والحاصل، إن التبري قد يكون قلبياً، كما يمكن أن يكون من خلال التصريح، ويتحكم في ذلك الظروف المحيطة التي يعيش فيها الإنسان، فلو كانت مساعدة على الإظهار، فعليه ذلك، وإلا لم يكن مطالباً بذلك أصلاً.

ويدخل في الظروف المحيطة جوانب متعددة مثل مصالح بقية المؤمنين، بمعنى أنه لو كان الإظهار لذلك يوجب ضرراً ولو على بعض الشيعة في مناطق أخرى بسبب ما يظهره من التبري الصريح، لم يجز له ذلك، وهكذا.

بقي أن نشير إلى أن النسبة بين التبري واللعن هي نسبة العموم المطلق، فإن كل لعن تبري، إذ يعدّ اللعن أحد مبرزات التبري التي يكشف عن تحققه وحصوله، فإن لعن شخص من قبل شخص دال بالصراحة على تبرأه منه.

 

نصوص التقية:

ويقابل ما قدمنا ذكره من نصوص تتضمن عرضاً لجملة من المفاهيم العقدية، نصوص كثيرة تؤكد على التقية، حتى أن الإمام الصادق(ع) يعبر عنها بأنها دينه، ودين آبائه وأجداده(ع)، وأنه لا إيمان لمن لا تقية له. قال(ع): التقية ديني ودين آبائي وأجدادي، ولا إيمان لمن لا تقية له[4].

ومن المعلوم أن النصوص المذكورة الحاثة على استعمال التقية ليست مختصة بأحد فروع الدين دون البقية، بل هي جارية في الجميع على حد سواء، وهذا يقضي عدم اختصاصها بالأحكام الشرعية، كما قد يتوهم بعضهم. بل هي شاملة للجميع، خصوصاً وأن اللعن والتبري حكمان شرعيان، فتجري فيهما التقية كجريانها في بقية الأحكام الشرعية الأخرى من دون فرق بين حكم وحكم آخر.

ومن الواضح، حصول المنافاة والمعارضة بين هاتين الطائفتين من النصوص، ذلك أن نصوص الطائفة الأولى تدعو إلى وجود حكمي اللعن والتبري، وهي مطلقة، فإنها لم تفرق بين حالة التقية وعدمها، بينما نجد نصوص الطائفة الثانية، تدعو إلى ممارسة التقية، ومقتضاها عدم الفرق في ما يتقى فيه بين كونه لعناً أو تبرياً، أو غير ذلك.

 

رفع اليد عن نصوص التقية:

وقد يقرر البناء على تقديم نصوص ابراز اللعن والتبري على نصوص التقية، بأحد بيانات:

منها: الالتـزام بعدم احراز صدور نصوص التقية عن المعصوم(ع)، وذلك بسبب ضعف أسنادها، فلا تكون أصالة الصدور متوفرة فيها، ما يمنع عن معارضتها لنصوص الطائفة الأولى والمتضمنة لإبراز المفاهيم العقدية.

ومنها: التسليم بصدورها، إلا أنه يشكك في أصالة الجهة فيها، بكون المقصود منها شيئاً آخر غير ما هو الظاهر منها.

ومنها: بعد التسليم بتوفر الأصالتين المذكورتين فيها، أعني أصالة الصدور، وأصالة الجهة، فإنه يشكك في توفر أصالة الظهور، فيقال:

1-إن النصوص المتحدثة عن التقية مختصة بوقت صدورها، فليس لها عموم أو إطلاق لتكون شاملة لكل عصر وزمان، فقد كان الشيعة في تلك الأزمنة يعيشون ضعفاً وقلة، ولهذا اتخذ الأئمة الأطهار(ع) هذا المنهج. وقد اختلف الحال اليوم تماماً، فلم يعد حال الشيعة كما كانوا عليه في السابق.

 

2-البناء على كونها عامة وشاملة لكل زمان ومكان، إلا أنها خاصة ببعض الموارد، فلا تجري في موارد أخرى، فكما استثني من تحتها الأموال والدماء والفروج، فلا تجري فيها، كذلك قد استثني من تحتها هذه الأمور العقدية، فلا مسرح لأدلة التقية فيها.

إلا أن شيئاً من هذه البيانات لا يتم ليعمل على وفقه. وسوف نقصر التعقيب على آخرها، فيقال: إن المانع من جريان أدلة التقية في الأموال والدماء والفروج، يعود إلى وجود دليل دل على ذلك، فإن وجد دليل ما، يوجب خروج هذه الأمور المذكورة كان متبعاً، وإلا فلا موجب لرفع اليد عن العموم أو الإطلاق المستفاد من أدلة التقية.

وقد يدعى أن المعارضة بينهما مستقرة، وليس في البين ما يوجب ترجح أحدهما على الآخر ليعمل على وفقه، وهذا يستوجب البناء على التساقط، فتسقط الطائفتان ولا يعمل بشيء منهما.

وهو صعب جداً، ذلك أن نصوص اللعن والتبري، وكذا نصوص التقية من الضرورات التي لا يمكن ردها، ورفع اليد عنها، وعدم العمل بها.

 

والصحيح، أنه يمكن التوفيق بين الأمرين، لأنه يمكن الجمع بين نصوص اللعن والتبري، وبين نصوص التقية، والعمل على وفق ذلك، إذ أن نصوص التقية حاكمة على نصوص إبراز المفاهيم العقدية حكومة تضيـيق، ليكون موردها بعض الأزمنة والأماكن، وفق حيثيات معينة، ومحددة، وليس الأمر على إطلاقه، فليس الباب مفتوحاً على مصراعيه، وهذا نظير موارد كثيرة مذكورة في الفقه، كحكومة قاعدة لا ضرر على الأدلة الأولية للوضوء والغسل مثلاً، وغير ذلك.

ويساعد على هذا التوفيق، النصوص التي منعت عن إذاعة الأسرار الخاصة بهم(ع)، فإنه لا يبعد أن يكون المقصود بتلك الأسرار هي هذه المفاهيم العقدية الخاصة التي تشكل الهوية الانتمائية للمذهب،

ففي معتبر سليمان بن خالد، قال: قال أبو عبد الله(ع): يا سليمان إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله[5]. فقد جعل (ع) العزة الذلة على الكتمان للأسرار، والإذاعة، فمن كتمها نال من الله سبحانه وتعالى العزة، ومن أذاعها، نال من الله عز وجل الذل.

 

ويصل الأمر إلى أن يتبرأ الإمام الصادق(ع) من الذين يذيعون الأسرار ولا يحفظونها ويشهرونها فيعرضون الإمام، والشيعة إلى الخطر، فقد جاء عن القاسم، شريك المفضل، وكان رجل صدق، قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: خلق في المسجد يشهرونا ويشهرون أنفسهم، أولئك ليسوا منا، ولا نحن منهم، انطلق فأداري وأستر فيهتكون ستري، هتك الله ستورهم يقولون: إمام، والله ما أنا بإمام إلا من أطاعني، فأما من عصاني فلست له بإمام، لم يتعلقون باسمي، ألا يكفون اسمي من أفواههم، فوالله لا يجمعني الله وإياهم في دار[6].

وقد طبق الإمام الصادق(ع) افشاء الأسرار على قتل الأنبياء، وجعله أحد الأسباب التي أدت إلى ذلك، فعن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع) في قول الله عز وجل:- (ويقتلون الأنبياء بغير حق)، فقال: أما والله ما قتلوهم بأسيافهم، ولكن أذاعوا عليهم، وأفشوا سرهم فقتلوهم[7].

 

ويضع الإمام الصادق(ع) الصورة الحقيقة للمنتمي إليهم(ع)، ويجعل الميزان في ذلك قدرته على كتم الأسرار، وعدم إفشائها، فلا يحدّث الناس بما لا يطيقون، وما لا يقبلون، فعن عبد الأعلى، قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إنه ليس احتمال أمرنا التصديق له والقبول فقط، من احتمال أمرنا ستره وصيانته عن غير أهله، فاقرأهم السلام، وقل لهم: رحم الله عبداً اجتّر مودة الناس إلينا، حدثوهم بما يعرفون، واستروا عنهم ما ينكرون[8].

ولقد ورد في بعض النصوص أن أحد أصحاب الإمام الصادق(ع)، وهو المعلى بن خنيس، إنما قتله أعداؤهم لأنه لم يكتم الأسرار، مع أنه قد أمر من قبل الإمام(ع) بكتمها وعدم إذاعتها، فقد روى عن الإمام الصادق(ع) أنه قال له: يا معلى، أكتم أمرنا ولا تذعه، فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله به في الدنيا، وجعله نوراً بين عينيه في الآخرة يقوده إلى الجنة، يا معلى، من أذاع أمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا، ونزع النور من بين عينيه في الآخرة، وجعله ظلمة تقوده إلى النار، يا معلى، إن التقية من ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، يا معلى، إن الله يحب أن يعبد في السر كما يحب أن يعبد في العلانية، يا معلى، إن المذيع لأمرنا كالجاحد له[9].

 

وعن البزنطي، قال: سألت الرضا(ع) عن مسألة فأبى وأمسك، ثم قال: لو أعطيناكم كل ما تريدون كان شراً لكم، وأخذ برقبة صاحب هذا الأمر. قال أبو جعفر(ع): ولاية الله اسرّها جبرئيل(ع) وأسرّها جبرئيل إلى محمد(ص)، وأسرّها محمد(ص) إلى علي، وأسرّها علي إلى من شاء الله، ثم أنتم تذيعون ذلك، من الذي أمسك حرفاً سمعه؟ قال أبو جعفر(ع): في حكمة آل داود ينبغي للمسلم أن يكون مالكاً لنفسه، مقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه، فاتقوا الله، ولا تذيعوا حديثنا، فلولا أن الله يدافع عن أوليائه وينتقم لأوليائه من أعدائه، أما رأيت ما صنع الله بآل برمك وما أنتقم الله لأبي الحسن(ع)؟ وقد كان بنو الأشعث على خطر عظيم، فدفع الله عنهم بولايتهم لأبي الحسن، وأنتم بالعراق ترون أعمال هؤلاء الفراعنة وما أمهل الله لهم، فعليكم بتقوى الله، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا تغتروا بمن قد أمهل قبلكم، فكأن الأمر قد وصل إليكم[10].

ولهذا جاءت النصوص تأمر بالاجتهاد في العبادة، وترك الجدال في الدين، والمناقشة في إثبات حقانيتهم(ع)، فإنهم(ع) مع إيمانهم أنهم على الحق، إلا أننا نجد نهيهم(ع) عن القيام بذلك.

ولا يختلف العقلاء أن اتخاذ هذا المنهج العقلائي هو المنهج الأسلم، للأقليات التي تكون عرضة للقمع.

وعليه، فلا مانع من إبراز المفاهيم العقدية المعلومة في الموضع الذي يكون مهيأ لذلك لعدم وجود تقية فيه، لا مطلقاً.

 

ليس الزمان زمان تقية:

إن قلت: إنه بعد التسليم بما ذكرتموه، إلا أنه يقرر بأن الزمان اليوم لم يعد زمان تقية حتى يقال بعدم القدرة على إبراز ما يعتقده الإنسان من معتقدات، ويظهر ما يتبنى من معارف.

قلت: من الواضح أن هذا من التشخيص للموضوع، ومن المعلوم أنه لابد في الرجوع في مثله من الأمور المهمة وذات الارتباط بالطائفة المحقة بصورة عامة إلى الجهة المعنية بحفظ المذهب، وحماية المنتمين إليه، وصيانته التي تمثل الواجهة الفعلية له، والتي يلقى على عاتقها مسؤولية حفظه وهذا يكون في شخص المرجعية الدينية للطائفة.

 

عدم الفرق بين أقسام التقية:

ثم إن مقتضى ما ذكرناه من البناء على الالتـزام بالتقية في الموارد التي تكون مورد تقية، ولو من باب صدور الأمر بذلك من المرجعية الدينية، وأنه يلزم التحفظ وعدم التصريح بالمفاهيم العقدية المعلومة، فإنه لا يفرق في ذلك بين أقسام التقية المذكورة في الكتب الفقهية، فيتساوى الأمر بالنسبة للتقية المداراتية والتقية الخوفية على حد سواء من دون فرق بينهما.

 

 

 

 

[1] تحف العقل ص 487-488.

[2] سورة الآية رقم

[3] بحار الأنوار ج 10 باب ما كتب الرضا(ع) للمأمون من محض الإسلام ح 1 ص 352.

[4]

[5] وسائل الشيعة ج 16 ب 32 من أبواب الأمر والنهي ح 1 ص 235.

[6] المصد السابق ب 34 من أبواب الأمر والنهي ح 1 ص 237.

[7] وسائل الشيعة ج 16 ب 34 من أبواب الأمر والنهي ح 8 ص 249.

[8] وسائل الشيعة ج 16 ب 32 من أبواب الأمر والنهي ح 5 ص 236.

[9] وسائل الشيعة ج 16 ب 32 من أبواب الأمر والنهي ح 6 ص 236.

[10] وسائل الشيعة ج 16 ب 34 من أبواب الأمر والنهي ح 1 ص 247.