28 مارس,2024

تفسير الإمام العسكري (ع)

اطبع المقالة اطبع المقالة

ينسب للإمام الحسن العسكري(ع) كتاب تفسير, اختلف فيه قديماً و حديثاً كما سيتضح. وقد عـدّت نسبة تفسير إليه (ع) من الخدمات الجليلة التي قدمها للأمة الإسلامية.

ويختلف ما ينسب إليه من تفسير عما عدّ من مؤلفات الحسن بن خالد البرقي, فقد ذكر ابن شهراشوب في معالم العلماء أن له كتاب تفسير العسكري (ع) من إملاء الإمام (ع) في مائة وعشرين مجلداً, لان هذا التفسير لم يعرف له عين و لا أثر.

كما أن أحد موجبات التوقف في ثبوت التفسير المنسوب إليه(ع) ضعف راوييه, ولم يذكر تضعيف في وصف الحسن بن خالد, بل قد نص النجاشي على وثاقته, قال: الحسن بن خالد بن محمد بن علي البرقي أبو علي أخو محمد بن خالد, كان ثقة له كتاب النوادر.

و بالجملة, يظهر نسبة كتابي تفسير إليه (ع) أحدهما برواية البرقي, ولا كلام في ثبوت نسبته إليه, والأخر برواية غيره و هو الذي وقع الخلاف بين الأعلام في صدوره عن الإمام (ع) و ثبوت نسبته إليه و عدمها. وهذا هو الكتاب المتداول و الموجود بأيدينا دون الكتاب الأخر.

كيفية كتابة التفسير :

ذكر في كيفية تأليف التفسير وكتابته أنه مجموعة من الدروس و المحاضرات التي قام بإلقائها الإمام (ع) على بعض أصحابه والمنتمين إليه, وقد قام بعض الحضار بجمعها و تأليفها, بل ذكر حصر المستمعين لهذه المحاضرات في خصوص اثنين من الشيعة قد خصهما الإمام (ع) بذلك دون البقية عندما لجأ إليه.

فقد حكى الشيخ الصدوق (ره)، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسر الاسترابادي الخطيب (ره)، قال : حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد, و أبو الحسن علي بن محمد بن سيار وكانا من الشيعة الأمامية , قالا: كان أبوانا إماميين, و كانت الزيدية هم الغالبون باستراباد , و كنا في إمارة الحسن بن زيد العلوي الملقب بالداعي إلى الحق, إمام الزيدية, و كان كثير الإصغاء إليهم, يقتل الناس بسعاياتهم, فخشينا على أنفسنا فخرجنا بأهلينا إلى حضرة الإمام أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن أبي القاسم(ع), فأنزلنا عيالاتنا في بعض الخانات ثم استأذنا على الإمام الحسن بن علي (ع) فلما رآنا قال : مرحباً بالآوين إلينا, الملتجئين إلى كنفنا, قد تقبل الله تعالى سعيكما , و آمن روعكما وكفاكما أعداءكما , فانصرفا آمنين على أنفسكما و أموالكما , فعجبنا من قوله ذلك لنا , مع أنا لم نشك في صدق مقاله , فقلنا : ما تأمرنا أيها الإمام أن نصنع في طريقنا إلى أن ننتهي من بلد خرجنا من خرجنا من هناك , و كيف ندخل ذلك البلد و منه هربنا و طلب سلطان البلد لنا حثيث و وعيدهُ إيانا شديد ؟! فقال (ع) : خلّفا علي ولديكما هذين لأفيدهما العلم الذي يشرفهما الله تعالى به , ثم لا تحفلا بالسعاة و لا بوعيد المسعى إليه , فإن الله عز وجل يقصم السعادة و يلجئهم إلى شفاعتكم فيهم عند من قد هربتم منه.

قال أبو يعقوب و أبو الحسن : فأتمرا لما أُمرا و خرجا و خلفانا هناك و كنا نختلف إليه فيتلقانا ببرّ الآباء و ذوي الأرحام الماسة . فقال لنا ذات يوم : إذا أتاكما خبر كفاية الله عز وجل أبويكما و إخزائه أعداءهما وصدم وعدي إياهما جعلت من شكر الله عز وجل أن أفيدكما تفسير القرآن مشتملاً على بعض أخبار آل محمد (ص) فيعظم الله تعالى بذلك شأنكما .

قال : ففرحنا و قلنا : يا بن رسول الله فإذن نأتي على جميع علوم القرآن و معانيه ؟

قال (ع) : كلا , إن الصادق(ع) علم–و ما أريد أن أعلمكما – بعض أصحابه , ففرح بذلك , و قال: يا بن رسول الله (ص) قد جمعت علم القرآن كله ؟ فقال : قد جمعت خيراً كثيراً و أوتيت فضلاً واسعاً , لكنه مع ذلك أقل قليل من أجزاء علم القرآن , إنه الله عز وجل يقول :- (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي و لو جئنا بمثله مدداً). و يقول :- (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله) و هذا علم القرآن و معانيه و ما أودع من عجائبه , فكم ترى مقدار ما أخذته من جميع هذا القرآن ؟ ولكن القدر الذي أخذته , قد فضلك الله تعالى به على كل من لا يعلم كعلمك و لا يفهم كفهمك .

قالا : فلم نبرح من عنده حتى جاءنا فيج قاصد من عند أبوينا بكتاب يذكر فيه أن الحسن بن زيد العلوي قتل رجلاً بسعاية أولئك الزيدية و استصفى ماله …..

فلما كان اليوم العاشر جاءنا كتاب أبوينا أن الداعي إلى الحق : الحسن بن زيد , قد وفى لنا بجميع عداته , و أونا بملازمة الإمام عظيم البركة صادق الوعد . فلما سمع الإمام (ع) بهذا قال : هذا حين إنجازي ما وعدتكما من تفسير القرآن , ثم قال : قد وظفت لكما كل يوم شيئاً منه تكتبانه , فالزماني وواظبا عليّ , يوفر الله تعالى من السعادة حظوظكما . فأول ما أملى علينا أحاديث في فضل القران و أهله , ثم أملى علينا التفسير بعد ذلك , فكتبنا في مدة مقامنا عنده , و ذلك سبع سنين , نكتب في كل يوم منه مقدار ما ننشط له[1].

وقد تحصل من خلال القصة السابقة الإحاطة بكيفية كتابة التفسير, و من خلالها يعرف أيضاً الطريقة الذي وصل إلينا من خلاله ,وعليه يقرر أنه طريق معتبر يستند إليه , أم أنه ليس كذلك , و ستأتي الإشارة إلى ذلك إن شاء الله تعالى .

أقوال العلماء في التفسير :

سبقت الإشارة إلى اختلاف العلماء في صحة نسبة التفسير إلى الإمام العسكري(ع)، و لهم في ذلك قولان:

الأول: البناء على صحة النسبة و التسليم بصدوره عنه(ع), وقد قال به كل من الصدوق, والطبرسي, والراوندي, و ابن شهراشوب , و المحقق الكركي , و الشهيد الثاني , و المجلسيين , والحر العاملي , و الفيض الكاشاني , و المحدث البحراني , و الشيخ الحويزي , و الشيخ الأعظم الأنصاري و غيرهم(رض).

الثاني: المنع عن ثبوت نسبته إلى الإمام(ع)، و منع صدوره عنه(ع), و هو قول ابن الغضائري , والعلامة الحلي , والسيد التفرشي , والمحقق الداماد , والمقدس الأردبيلي , والقهبائي , والشيخ البلاغي , والسيد الخوئي(قدس الله أرواحهم جمبعاً)؟

وقد توقف جملة من الأعلام , فلم يتخذ طريق النفي و منع النسبة , كما لم يلتزم بإثباتها , و إنما قال بأن شأن هذا الكتاب شأن بقية الروايات المروية عنهم(ع) فإن أحرز صدورها من خلال صحة سندها و تمامية مضمونها , قبلت الروايات و إلا لم تقبل.

و بكلمة، لا يخرج ما تضمنه الكتاب عن كونه أخباراً يعتبر للقبول بها توفر شرائط الحجية فيها و على رأسها أصالة الصدور الملحوظة في السند والمتن , فمتى توفرت موجبات الحجية و الصدور بني على القبول بها و اعتبارها و إلا لم يركن إلى شيء منها .

موانع القبول :

وقد استند المانعون من صحة نسبة التفسير المذكور للإمام (ع)، و صدوره عنه إلى مجموعة من الموانع , وقد حاول القائلون بصحة النسبة الإجابة عنها و دفعها , و سوف نعمد إلى عرض كليهما , فنعرض المانع الذي تمسك به المانعون ثم نعرض ما أجيب به عنه , وننظر في الجواب قبولاً وعدما.

منها: إن المفسر الأسترابادي و اسمه محمد بن القاسم, الذي روى عنه الصدوق (قده) ضعيف كذاب, فقد قال عنه ابن الغضائري : ضعيف كذاب .

ومع النص على كذب وضعف من يعدّ المصدر الأساس للكتاب , وقد كان وصول الكتاب إلينا من طريقه، فإن هذا يمنع من القبول بالكتاب ,فضلاً من نسبته إلى المعصوم(ع) .

وقد أجيب عن هذا المانع بعدة أجوبة :

أحدهما : قد عرفت أن مصدر التضعيف و التكذيب هو كتاب ابن الغضائري و التسليم بهذه الشهادة فرع ثبوت نسبة كتاب الضعفاء إليه , و مع التشكيك في ثبوته , أو منع ثبوته كما عن السيد الخوئي (قده) فلن يترتب عليها أثر كما لا يخفى .

و بالجملة لا بد من إحراز نسبة الكتاب المذكور لابن الغضائري كي ما يكون للشهادة المذكورة أثر و إلا فلا .

ثانيها : بعد التسليم بثبوت نسبة كتاب الضعفاء لابن الغضائري , إلا أنه لا عبرة بما جاء فيه من تضعيفات , لأنه يشترط في قبول الشهادة بالضعف أو الوثاقة أن تكون الشهادة حسية متلقاة كابراً عن كابر ممن قد عاصر الراوي .

أما لو كانت شهادة حدسية نجمت من خلال النظر في روايات الشخص أو التأمل في سيرته , فلن يعول عليها .

و المعروف من تضعيفات ابن الغضائري كونها حدسية و ليست حسية , اعتمد فيها على دراسة شخصية الراوي و رواياته و استظهار حاله من خلالهما .

ثالثها : المنع من ضعف المفسر الاستربادي , بل البناء على وثاقته , لما ذكره المحدث النوري (قده) و هو أمران :

1-توثيق الصدوق (ره) إياه, فقد ترضى (ره) و ترحم عليه في غير مورد , فإنه لم يذكره إلا و عقب ذلك بأحد هذين الأمرين, و من المعلوم أن كليهما يعدّ من أمارات التوثيق.
لا يقال : قد يكون حاله خافياً على الشيخ الصدوق (ره) وأنه لم يكن مطلعاً عليه.

فإنه يقال: إن من يذكر الشخص بكنيته و يكثر من الرواية عنه، يستبعد أن يكون حاله خافياً عليه, بل إن مثل هذه الأمور تكشف عن وضوح حاله عنده ، وإحاطته بشؤونه.

2-لقد أكثر الصدوق(ره) الرواية عنه في أكثر كتبه، والتي منها كتابه من لا يحضره الفقيه، الذي صرح في مقدمته أنه لم يقصد فيه قصد المصنفين، قال(ره): ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي وأحكم بصحته، وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره[2].

فإكثار الصدوق(ره) من الرواية عنه، ظاهر في حكمه بوثاقته، بل إن نصه على صحة جميع ما أورده في كتابه من لا يحضره الفقيه، دليل صريح على اعتبار جميع أسناد الكتاب، لوثاقة جميع رواتها[3].

وحاصل الجوابين، أمران:

أحدهما: بناء الصدوق(ره) على وثاقة المفسر الاسترابادي، لأحد وجوه:
1-ترضيه عليه.
2-ترحمه عليه.
3-كثرة الرواية عنه.
4-وقوعه في أسناد روايات الفقيه التي حكم بصحتها.

ثانيهما: إن من المستبعد أن يغفل الصدوق(قده)، عن حاله، ولا يعلم بضعفه، ويعلم بذلك ابن الغضائري، وهو المتأخر عنه زماناً.

ويمكن التأمل في الإجابات الثلاث:

بأن الأولى قضية صغروية مبنائية، تختلف حسب المبنى، فكما أن هناك من يشكك في نسبة الكتاب أو ينفيه عنه، فإن هناك أيضاً من يقرر ثبوت النسبة ويعدّه من مؤلفاته، وهذا يعني ثبوت النسبة، فيكون الوارد فيه تام النسبة لابن الغضائري. وعليه، لا يمكن أن تكون الإجابة بأن الكتاب المذكور ليس ثابتاً، لأنه يمكن أن يحتج الآخر بأننا نسلم بثبوت نسبة الكتاب لمؤلفه.

ولا يختلف حال الإجابة الثانية عن الأولى، فإن دعوى حدسية تضعيفات ابن الغضائري عهدتها على مدعيها، ضرورة أن هناك جملة من الأعلام يعتبرونها أصلاً معتمداً يعول عليه، بل لا يقدم عليه شيء، ولقوله التقديم حال المعارضة مع أقوال غيره.

وأما الإجابة الثالثة، وقد عرفت اشتمالها على أمرين، أحدهما: توثيق المفسر الاسترابادي لطرق ذكرناها، وهذا وجيه على بعض المباني الرجالية في أمارات التوثيق، فإن هناك من يلتـزم بأن الترضي من الصدوق(ره) يعدّ أمارة من أمارات التوثيق، بينما يبني آخرون على أنه لا يكشف عن أكثر من كونه شيعياً، وهناك قسم ثالث يلتـزم بأنه لا يخرج عن دائرة الدعاء.

وكذلك جرى الكلام بين الرجاليـين في دلالة الترحم الصادر من الصدوق(ره)، أو من غيره، فقد حكم بعضهم بأن الترحم لا يختلف حاله عن الترضي، فكما أن الترضي من الصدوق(قده) كاشف عن الوثاقة، كذلك الحال بالنسبة إلى الترحم. وإن كان هناك آخرون يصرون على أنه لا يخرج عن مجرد كونه دعاء، ومن المعلوم أن الدعاء لا يكشف عن وثاقة.

وأما شهادته(رض) في ديباجة الفقيه، فالنقاش في دلالتها على ذلك يتوقف على احراز أن مسلك الصدوق(ره) في قبول الخبر على الوثاقة، ليكون التصحيح الصادر منه تصحيحاً اصطلاحياً. أما لو بني على أن مسلكه هو الوثوق، فلن يكون للعبارة المذكورة ظهور ودلالة على المدعى.

وأما ثانيهما، إن احتمال الغفلة في حقه(ره) وارد جداً، بل قد يدعى أنه ليس من أهل الفن، وإنما هو مقلد لأستاذه ابن الوليد في هكذا موارد.

ثم إنه لو بني على القبول بما ذكر من طرق أشير إليها في كلام شيخنا الصدوق(ره) لتكون دالة على وثاقة المفسر الاسترابادي، كما عليه المحدث النوري(ره)، فسوف تقع المعارضة بين توثيق الصدوق(قده)، وتضعيف ابن الغضائري، ولو لم يلتـزم بتقدم تضعيف ابن الغضائري، فلا مناص من التسليم بتساقطهما، فيكون المفسر الاسترابادي عندها مجهول الحال، ولا يعول على شيء ن مروياته.

ومنها: إن الراويـين لهذا التفسير شخصان مجهولا الحال، وقد أشير إلى ذلك في كلام العلامة الحلي(ره) كما في كتابه الخلاصة عند ذكر محمد بن القاسم، قال: وروى عنه أبو جعفر بن بابويه، ضعيف كذاب، روى عنه تفسيراً يرويه عن رجلين مجهولين: أحدهما يعرف بيوسف بن محمد بن زياد، والآخر علي بن محمد بن يسار[4].

وعبارة العلامة(ره) صريحة في مجهولية حالهما، ومن المعلوم أن مجهول الحال في الكتب الرجالية، يقصد به أحد معنيـين:

الأول: ما تعارض فيه التوثيق مع التضعيف وتساقطا بعد ذلك، فيكون مجهولاً، وهذا يعدّ في الضعفاء.
الثاني: ما لم يذكر في المصادر الرجالية بشيء أصلاً من مدح، ولا قدح، وهذا قد يسعى للبحث عما يمكن الركون إليه في إثبات وثاقته.

وبالجملة، سواء كان مقصود العلامة(ره) من المجهول الأمر الأول، أم كان مقصوده الأمر الثاني، فإنه يفيد عدم إمكانية الاعتماد عليهما.
وأجيب عنه، بمنع كونهما مجهولين، لتصريح الصدوق(ره) وكذا الشيخ الطبرسي(قده) في أول الاحتجاج بأنهما من الشيعة الإمامية.

وفيه: إن مجرد كونهما من الشيعة الإمامية لا يوجب الاعتماد على رواياتهما، بل لابد من إحراز وثاقتهما، ولو لم تحرز فإنه لن يستند لما يرويان. نعم إذا كانا من الشيعة الإمامية ولم يرد في حقهما تضعيف ولا قدح أو ذم، أمكن عدّ أخبارهما من الحسان، ومع البناء على حجية الأخبار الحسان، يمكن قبول مروياتهما.

ومنها: ما ذكره ابن الغضائري، من أنهما يرويان التفسير عن أبيهما عن الإمام الهادي(ع)، قال: إن يوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن يسار، يرويان هذا التفسير عن أبيهما، عن أبي الحسن الثالث(ع)[5].

وقد انفرد ابن الغضائري(ره) بهذا الإشكال، مع أن السند المذكور للتفسير يتضمن روايتهما عن الإمام العسكري(ع).
وقد أجيب عنه، تارة بالتشكيك في نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري، وهذا يمنع من البناء على ما تضمنه من إشكال، حتى أن بعضهم احتمل أن الكتاب من موضوعات بعض العامة، أراد من خلاله أن يسيء للمذهب والطائفة، بكثرة ما أورد فيه من تضعيف للرواة.

وأخرى، بأنه بعد التسليم بكون كتاب الضعفاء من مؤلفات ابن الغضائري(ره)، إلا أنه لا تعويل على ما جاء فيه، لأن ما يصدر عنه مبني على الاجتهاد منه، الذي لا يعتمد عليه في هذه الموارد.

وقد سمعت في ما سبق التعقيب على هكذا إجابة، فلا نعيد.

ولعل الذي دعى ابن الغضائري للبناء على هذا المعنى، ما سوف يأتي من عدم مناسبة الفترة الزمنية التي تلقى فيها راويي التفسير عن الإمام العسكري(ع) مع المدة الزمنية لإمامة الإمام العسكري(ع).

ومنها: إن التفسير موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه، كما ذكر ذلك ابن الغضائري(قده).
وأجيب عنه، بأن للتفسير طريقاً لا يقع فيه سهل الديباجي أصلاً، فكيف يكون واضعاً له.

وبعبارة أخرى، حتى تصدق دعوى ابن الغضائري(ره)، وتتم، لابد أن ينتهي طريق التفسير إلى سهل الديباجي، وإذا لم ينته الطريق إليه كان ذلك كاشفاً عن عدم ارتباطه به أصلاً.
نعم من الممكن أن يكون هناك كتاب تفسير ينتهي لسهل المذكور عن أبيه، ويكون مشتملاً على الموضوعات والأكاذيب، لكن لا يعني ذلك أنه الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه.

ومنها: إن التفسير المذكور يشتمل على أحاديث منكرة وأخبار كاذبة، فقد تضمن المعاجز الغريبة، والقصص الطويلة التي لا توجد في غيره، ونسبة مثل ذلك إلى المعصوم(ع)، افتراء واختلاق:
منها: قصة الحجاج مع المختار، وقد جاء فيها: ثم قال أمير المؤمنين(ع): وسيصيب(أكثر)الذين ظلموا رجزاً في الدنيا بسيوف(بعض) من يسلط الله تعالى عليهم للانتقام بما كانوا يفسقون كما أصاب بني اسرائيل الرجز.

قيل: ومن هو؟ قال: غلام من ثقيف، يقال له المختار بن أبي عبيد. وقال علي بن الحسين(ع): فكان ذلك بعد قوله هذا بزمان. وإن هذا الخبر اتصل بالحجاح بن يوسف عليه لعائن الله من قول علي بن الحسين(ع) فقال: أما رسول الله فما قال هذا، وأما علي بن أبي طالب فأنا أشك هل حكاه عن رسول الله، وأما علي بن الحسين فصبي مغرور، يقول الأباطيل ويغر بها متبعوه، اطلبوا إلي المختار.

فطلب، وأخذ فقال: قدموه إلى النطع واضربوا عنقه فأتي بالنطع فبسط وأنزل عليه المختار، ثم جعل الغلمان يجيئون ويذهبون لا يأتون بالسيف.

قال الحجاج: ما لكم؟ قالوا: لسنا نجد مفتاح الخزانة وقد ضاع منا، والسيف في الخزانة.
فقال المختار: لن تقتلني، ولن يكذب رسول الله(ص)، ولئن قتلتني ليحييني الله حتى أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألفاً.

فقال الحجاج لبعض حجابه: أعط السياف سيفك يقتله به، فأخذ السياف بسيفه فجاء ليقتله به، والحجاج يحثه ويستعجله، فبينا هو في تدبيره إذ عثر والسيف في يده وأصاب السيف بطنه، فشقه ومات، وجاء بسياف آخر، وأعطاه السيف في يده، وأصاب السيف بطنه فشقه ومات، وجاء بسياف آخر وأعطاه السيف فلما رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب وسقط فمات، فنظروا وإذا العقرب فقتلوه.

فقال المختار: يا حجاج انك لن تقدر على قتلي، ويحك يا حجاج أما تذكر ما قال نزار بن معد بن عدنان لسابور ذي الأكتاف حين(كان)يقتل العرب ويصطلمهم فأمر نزار(ولده) فوضع في زنبيل في طريقه، فلما رآه قال له: من أنت……إلى أن قال: فقال للسياف: اضرب عنقه. فقال المختار: إن هذا لن يقدر على ذلك، وكنت أحب أن تكون أنت المتولي لما تأمره، فكان يسلط عليك أفعى كما سلط على هذا الأول عقرباً. فلما هم السياف بضرب عنقه إذا برجل من خواص عبد الملك بن مروان قد دخل فصاح: يا سياف كف عنه، ويحك، ومعه كتاب من عبد الملك بن مروان، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد يا حجاج بن يوسف فإنه سقط إلينا طائر عليه رقعة فيها: أنك أخذت المختار بن أبي عبيد تريد قتله، وتزعم أنه حكى عن رسول الله(ص) أنه سيقتل من أنصار بني أمية ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألف رجل، فإّا جاءك كتابه هذا فخل عنه ولا تتعرض له إلا بسبيل خير فإنه زوج ظئر الوليد ابن عبد الملك بن مروان، وقد كلمني فيه الوليد…[6].

وهي مخالفة لتمام ما في السير والتواريخ من أن قاتل المختار هو مصعب الذي قتله عبد الملك، وهو الذي ولى الحجاج على العراق بعد ذلك.

مضافاً إلى أن الطريقة التي عرضت بها القصص تناسب ما يذكره القصاصون، وأهل الحكايات والأساطير، وهذا بعيد جداً أن يكون من المعصوم(ع).
وقد أجيب عنه، بأن منشأ هذا الإشكال هو ابن الغضائري(ره)، وقد عرفت أنه لا يؤخذ بقوله.

وضعف هذا الجواب واضح، ضرورة أن المورد ليس شهادة منه حتى يكون الكلام في قبول قوله وعدمه، بل إن المقام يتضمن ذكر موانع من القبول بمتون الروايات التي تضمنها الكتاب المذكور من خلال ذكر شواهد سلبية على عدم حجيتها لمنافاتها للقاعدة العقلية باشتمال هذه المتون على ما لا يمكن الالتـزام به، وهو مخالفتها لما تم التسالم عليه تاريخياً.

وأجيب عنه بجواب آخر حاصله: إن مجرد اشتمال كتاب ما على ما لا يمكن الالتزام به لا يوجب سقوط الكتاب بأكمله عن الاعتبار، وإنما يلتـزم برفع اليد عن خصوص ذلك النص أو تلك النصوص التي لا يمكن قبولها فقط ليس إلا، وإلا لو كان مجرد وجود رواية لا يلتزم بها توجب رفع اليد عن الكتاب للزم رفع اليد عن كتاب الكافي، فقد نقل قصة دخول يزيد بن معاوية المدينة المنورة، مع أن الشيخ المجلسي(قده)، عقب عليها بقوله: وأعلم أن في هذا الخبر إشكالاً وهو أن المعروف أن هذا الملعون لم يأتِ بالمدينة بعد الخلافة، بل لم يخرج من الشام حتى مات، ودخل النار، فنقول مع عدم الاعتماد على السير، لا سيما مع معارضة الخبر، يمكن أن يكون قد اشتبه على بعض الرواة، وكان في الخبر أنه جرى ذلك بينه وبين من أرسله الملعون لأخذ البيعة وهو مسلم بن عقبة[7].

وبالجملة، يمكن إجراء ما ذكره غواص بحار الأنوار(قده) في شأن الكافي في كتاب التفسير أيضاً، فيقال إنه قد حصل اشتباه من قبل بعض الرواة أو النساخ، إلا أن ذلك لا يوجب رفع اليد عن الكتاب بصورة كلية.

ومنها: ما جاء في كلمات بعض الأعاظم(قده)، من أن الناظر في هذا التفسير لا يشك في كونه موضوعاً ويجلّ مقام عالم محقق أن يكتب مثل هذا التفسير، فكيف بالإمام المعصوم(ع)[8].
وأجيب عنه بما ورد في كلمات الشيخ المجلسي الأب(قده)، حيث قال: وتوهم أن مثل هذا التفسير لا يليق أن ينسب إلى المعصوم، مردود، ومن كان مرتبطاً بكلام الأئمة يعلم أنه كلامهم(ع)[9].

وحاصل الجواب، أن الممارس لنصوص المعصومين، والمتعامل معها يمكنه أن يميز أن هذا التفسير صادر عن المعصوم(ع)، لأن بينه وبين تلك النصوص الصادرة عنهم(ع) جهة اشتراك ونقطة التقاء.

والإنصاف، عدم تمامية هذا الجواب، ذلك أنه كما يدعى قوة مضمون مرويات التفسير، وعلو معانيه، كما يظهر من كلام العلامة التقي المجلسي(قده)، فإنه يدعى ركاكة أسلوبه وضعف مضامينه، واضطراب متونه، مما لا يليق صدوره عن مثل المعصوم(ع)، وهذا يعني أن الأمر لن يخرج عن الاستحسان والاجتهاد، وليس هناك ضابطة واضحة يمكن الاحتكام إليها.

ومع كون الحال هذه، فإنه يصعب عد ما ذكر جواباً دافعاً للإشكال المذكور، نعم يمكن للقائلين بثبوت النسبة أيضاً أن يمنعوا عدّ ما ذكر إشكالاً لنفس النكتة.

ومنها: إن مدة حضور راويي التفسير عند الإمام العسكري(ع)، وهي سبع سنين، لا تنسجم مع مدة إمامته(ع)، والتي هي ست سنوات، فقد نص الراويان لهذا التفسير أن هذه الدروس والمحاضرات قد استمرت مدة سبع سنين، قال:… فكتبنا في مدة مقامنا عنده وذلك سبع سنين، نكتب في كل يوم منه مقدار ما ننشط إليه[10].

والمعروف أن مدة إمامة الإمام الحسن العسكري(ع) لا تزيد على ست سنوات، فكيف ينسجم أنهما حضرا عنده سبع سنين، ومدة إمامته ست سنين.

واحتمال حضورهما عنده(ع) قبل إمامته الفعلية بحيث أنهما قد ابتدأ بالحضور في أيام إمامة أبيه الإمام الهادي(ع)، واستمرا إلى ما بعد شهادة الإمام الهادي0ع)، وقيامه(ع) بمنصب الإمامة، وإن كان متصوراً، إلا أنه خلاف الظاهر من الخبر، فإن الوارد فيه أنهم عندما قدموا سامراء، استأذنوا على الإمام العسكري(ع)، ولم يتضمن النص الإشارة من قريب أو بعيد إلى وجود الإمام الهادي(ع)، وهذا يساعد على أنه كان عصر إمامة الإمام العسكري(ع)، لأنه لو كان في عصر إمامة الإمام الهادي(ع)، لكان الاستئذان عليه(ع). مضافاً إلى ما تضمنه النص من إخبار بالأمر الغيبي وما سيؤول إليه الأمر، ويساعد على كون الدخول في زمان إمامة الإمام العسكري(ع).

ومنها: إن القصة التي تضمنتها رواية التفسير وكيفية دخول راويـيه على الإمام(ع) تنافي قانون الاحتجاب الذي سنه الإمام الهادي(ع)، في الجملة، وطبقه الإمام العسكري(ع) بصورة كاملة، لأن مقتضى القانون المذكور عدم دخول أحد عليه(ع)، إلا خاصة الخلص من الخواص، وليس كل أحد، ولا يظن بأحد أن يقول أن راويي التفسير وأبويهما كانا من خاصة خلص أصحاب الإمام(ع)، ليحظيا بالدخول عليه.

ومنها: إن قراءة سريعة للوضع الأمني الذي كان يعيشه الإمام الحسن العسكري(ع)، وطريقة الحصار والإقامة الجبرية المفروضة عليه بنحو من الأنحاء تمنع من دخولهما عليه، فضلاً عن أن يختلفا إليه طيلة سبع سنين، ويترددا على بيته بصورة مستمرة، ويكون دخولهما عليه-كما يظهر- بكل يسر وسهولة دون مشقة أو عسر في ذلك.

والحاصل، إن هناك موانع متعددة تمنع من القبول بنسبة التفسير إلى الإمام(ع)، وأنه صادر عنه، وهذه الموانع لو لم تكن ناهضة في نفسها، إلا أن ضم بعضها إلى بعض يورث الوثوق والإطمئنان بعدم صحة النسبة، ولا أقل من كونه مدعاة إلى التوقف في ثبوت النسبة، وما استند إليه في مقام إثبات نسبته إليه(ع) لا يصلح لمقاومة ما يمنع من ثبوتها.

بقي أن نشير في الختام إلى أن هناك رسالة نفيسة كتبها العلامة المحقق الشيخ البلاغي(قده)، وقد نفي أن يكون هذا التفسير صادراً عن الإمام العسكري(ع)، وقد استقصى فيها موارد موجبة لمنع النسبة، فذكر الاختلاف في تحديد الراويـين للتفسير وأنهما الأبوان، أم الابنان، ففي بعض المواضع يظهر أنهما الابنان، إلا أنه في مواضع أخرى يظهر أنهما الأبوان. مضافاً إلى تضمنه ما لا يمكن الالتزام به من أمور منافية للأمور العلمية، وغير ذلك.

[1] التفسير المنسوب للإمام العسكري(ع) ص 9.
[2] من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 3.
[3] خاتمة مستدرك الوسائل ج ص
[4] خلاصة الأقوال ص 256.
[5] مجمع الرجال ج 6 ص 25.
[6] التفسير المنسوب للإمام العسكري(ع) ص 549-551.
[7] بحار الأنوار ج 46 ص 137.
[8] معجم رجال الحديث ج 12 ص 147.
[9] روضة المتقين ج 14 ص 250.
[10] التفسير المنسوب للإمام العسكري ص 9.