28 مارس,2024

إمامة بقية الأئمة

اطبع المقالة اطبع المقالة

مع أننا لم نخلص بعد من الأدلة القرآنية على الإمامة،وبالتحديد على إمامة أمير المؤمنين(ع)،لنـتعرض بعد ذلك للسنة الشريفة وأدلتها على ذلك،ثم نعقب بدليل العقل.

لكننا نقدم الحديث عن كيفية إثبات إمامة الأئمة الأثني عشر،مكتفين بما قدمناه من أدلة،ونحيل البحث عن بقية الأدلة إلى وقت آخر إن شاء الله تعالى.

هذا وينبغي قبل استعراض الأدلة الدالة على ذلك،أننا نحن الشيعة نعتقد أن إمامة بقية الأئمة،من بعد أمير المؤمنين(ع)مروراً بالإمام الحسن،ثم الحسين،حتى القائم المهدي(عج)من ضروريات المذهب،فكل من يشكك في إمامة أحدهم فليس بشيعي،أصلاً،ونعامله معاملة غير الشيعة،ولذا لا نعترف بكون الواقفية أو الفطحية،أو الزيدية،من الشيعة،وما إطلاق ذلك عليهم إلا من باب المجاز،وليس من باب الحقيقة،إذا أن التشيع ليس مجرد تقديم أمير المؤمنين(ع)على غيره من الخلفاء،دون الاعتراف بإمامة البقية من ولده الذين نص النبي(ص)عليهم،بل لابد من الإيمان بإمامة الأثني عشر معصوم لكي ينطبق عنوان الشيعي عليه.

وعلى أي حال،كون إمامة هؤلاء من ضروريات المذهب تجعلنا في غنى عن البحث عن الدليل على إمامتهم(ع).

لكن نحن بصدد إقامة الدليل على ذلك من باب دحض حجة الخصم ودفعها،لتأكيد الحقيقة وبيان أن الحق أحق أن يتبع.

طرق إثبات الإمامة:

هذا والطرق لإثبات إمامة الإمام،هي:

1-النص.

2-الأفضلية.

3-العصمة.

ويمكننا أن نـثبت إمامة أئمتنا(ع)من خلال هذه الأمور الثلاثة،ومن كتب غيرنا من أبناء العامة.

إثبات الإمامة بالنص:

إن المراجع لكتب العامة،يجدهم يروون في كتبهم الحديثية وغيرها،حديث الأئمة إثنا عشر،أو الخلفاء بعدي إثنا عشر،وهو من الأحاديث مقطوعة الصدور عندهم،اتفق عليه الشيخان وغيرهما من أئمة الحديث،وأخرجوه بطرق وأسانيد معتبرة،ورووه عن عدة من الصحابة.

نصوص حديث الأئمة أثنا عشر:

هذا ولا بأس أن نشير لبعض تلك المصادر،التي تضمنت ذكر هذا الحديث الشريف:

أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة،قال:دخلت مع أبي على النبي(ص)فسمعته يقول:إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة،ثم تكلم بكلام خفي علي،فقلت لأبي:ما قال؟قال:قال:كلهم من قريش[1].

وهنا أود أن الفت النظر إلى قول الراوي:تكلم بكلام خفي عليّ.

كيف يخفى عليه مقطع خاص من الحديث دون البقية،هذه نقطة تستدعي التأمل والوقوف أمامها،فهل حدث شيء في المجلس كلغط مثلاً؟…

وجاء في صحيح البخاري عن جابر:سمعت النبي(ص)يقول:إثنا عشر أميراً،فقال كلمة لم أسمعها،فقال أبي:إنه يقول:كلهم من قريش[2].

والملاحظة السابقة واردة هنا أيضاً،فليتأمل ما ذكرناه.

وأخرج الترمذي عن جابر نفسه قال:قال رسول الله:يكون من بعدي اثنا عشر أميراً،ثم تكلم بكلام لم أفهمه،فسألت الذي يليني،فقال:قال:كلهم من قريش.

قال الترمذي:هذا حديث حسن صحيح،وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة،وفي الباب عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو[3].

وفي سنن أبي داوود يقول جابر:سمعت رسول الله يقول:لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خلفة،قال:فكبر الناس وضجوا،ثم قال كلمة خفيت،قلت لأبي:يا أبه ما قال؟قال:قال:كلهم من قريش[4].

نجد هنا الإشارة إلى حصول التكبير،وهذا لعله السبب في خفاء الكلمة التي قالها رسول الله(ص)لكن ما هو الداعي إلى التكبير،هل كانت قضية عفوية تدل على الإيمان بقوله(ص)،أو أنها كانت قضية مفتعلة؟…هذا ما يحتاج إلى تأمل وتدقيق.

نعم الذي يـبدو أن الأيدي الأمينة قد تصرفت في الحديث شيئاً ما،وهذا يظهر من خلال قول الراوي قال كلمة لم أسمعها،أو لم أفهمها،أو غير ذلك،وقد عرفنا في بعض النصوص التي قدمناها أنه حصل ضجيج حوله،وهذا العبارة وردت في مصدر دون البقية،وكأنه لم يُرد نقلها،لكي لا يُلتفت إلى سبب الضجيج،إذ من الواضح أن هناك فئة علمت أن رسول الله(ص)سيقول كلاماً لا يرضيها،فأحدثت الضجة،كما افتعلت الضجة عند رسول الله(ص)يوم نادى بالداوة والكتف ليكتب الكتاب،قبل أن يتكلم الرجل بكلمته المشهورة.

وعلى أي حال،فقد أوضح لنا الراوي عن جابر،وهو عبد الملك بن عمير،الذي روى الرواية عنه في البخاري،الكلمة التي قالها رسول الله(ص)أثناء اللغط،فقال:كلهم من بني هاشم.

ولا ينقض علينا بأنكم الشيعة لا تقبلون بوثاقة عبد الملك بن عمير،فهو مطعون ومجروح عندكم،لأنه كان قاضي الكوفة،وعندما أرسل الحسين(ع)إلى الكوفة رسولاً من قبله،وأمر ابن زياد بإلقائه من أعلى القصر،فألقي وكان به رمق،قام عبد الملك هذا وذبحه،فلما اعترض عليه،برر فعله بقوله:أردت أن أريحه.

فإننا نجيب:إن هذا الشخص أحد رجال الصحاح الستة،مما يعني أنه ثقة عند القوم.

والحاصل،إن عبد الملك هذا يروي الرواية،بدل لفظة:كلهم من قريش،كلهم من بني هاشم.

ولم ينفرد عبد الملك بهذا،بل يوافقه أيضاً سماك بن حرب،الذي هو أحد رجال مسلم،والبخاري في تعليقاته،ومن رجال الصحاح الأربعة الأخرى.

فهذان الشخصان يرويان الحديث عن جابر نفسه،بلفظ:كلهم من بني هاشم.

وغير ذلك من المصادر التي تعرضت لنقل هذا الحديث،وقد ورد النص عليهم(ع)بعددهم تارة وبأسمائهم تارة أخرى في كتبنا رواية عن النبي الكريم محمد(ص).

المراد من الأثني عشر:

ويراد من الأثني عشر الوارد في هذا النص وأمثاله،هم أئمتنا الأطهار(ع)،لكن أبناء العامة وقعوا في حيص وبيص في بيان المراد من هذا الحديث،وذلك لأمور ثلاثة:

الأول:ثبوت هذا الحديث في كتبهم بطرق صحيحة،كما أشرنا لذلك.

الثاني:عدم قبولهم لمقالة الشيعة الإثني عشرية،لأنها تخالف معتقدهم.

الثالث:إن الذين تولوا من بعد رسول الله(ص)يـبلغ عددهم أكثر من إثني عشر خليفة.

وهذا أوجب لهم الاضطراب،في معنى الحديث،ومن أراد أن يراجع،فليرجع إلى كتاب البداية والنهاية لابن كثير،في مناقشته للبيهقي،وغيره في تفسيرهم للحديث[5].وفتح الباري لابن حجر العسقلاني،في مناقشه لرأي ابن الجوزي والقاضي عياض.

هذا والتأمل في الحديث والقرائن الموجودة فيه تؤكد المعنى الذي فهمه علمائنا،فلاحظ القرائن الواردة في تلك النصوص،كلفظة:لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة،أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة،وقوله:يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً لا يضرهم من خذلهم.

الذي يظهر من كلمة (القيم)،أن المراد هو الإمامة بالمعنى الحقيقي،وهي الإمامة الشرعية،وليس المراد الحكومة،وبسط اليد،ونفوذ الكلمة والسيطرة والسلطة الإجرائية.

كما أن كلمة الخذلان الواردة تحتاج إلى تدقيق،فمتى خذل معاوية،ومتى خذل يزيد،ومتى خذل مروان؟…وغير أولئك،كل هذه تحتاج إلى جواب.

العصمة:

وهذا هو الطريق الثاني،الذي يستكشف من خلاله إمامة الإمام كما ذكرنا،ويكفينا لإثباته حديث الثقلين،لدلالته دلالة واضحة على ذلك،حيث جعلوا عدل القرآن.

الأفضلية:

ويدل على أفضلية أئمتنا(ع)حديث الثقلين من جهات عديدة،لدلالته على تقدمهم في العلم،وغيره،ومن الواضح أن هذه جهة تقتضي الأفضلية بلا شك.

قال التفتازاني في شرح المقاصد:وفضل العترة الطاهرة،لكونهم أعلام الهداية وأشياع الرسالة،على ما يشير إليه ضمهم في إنقاذ المتمسك بهما عن الضلالة[6].

وهو يشير إلى حديث الثقلين،من خلال ضم العترة إلى الكتاب.

هذا ويمكننا أن نـتحدث عن أفضلية كل إمام إمام من أئمتنا(ع)لكن ذلك يستدعي طول المقام،وقد بنينا على الاختصار،لكن يمكن للقارئ العزيز المراجعة لغير واحد من المصادر التي تعرضت لترجمتهم عليهم السلام من كتب الفريقين.

——————————————————————————–

[1] صحيح مسلم 3/1452 رقم 5.

[2] صحيح البخاري 9/101.

[3] سنن الترمذي 4/106،رقم 2223.

[4] سنن أبي داوود 4/106،رقم 4280.

[5] البداية والنهاية المجلد 3 ج 6/249-250.

[6] شرح المقاصد ج 5 ص 303.