29 مارس,2024

آية التطهير

اطبع المقالة اطبع المقالة

ذكرنا في الدرس السابق أن الشيعة يستدلون على نصب علي بن أبي طالب خليفة بعد رسول الله(ص)ليقوم بأداء المهام التي كان يؤديها رسول الله(ص)بأدلة من الكتاب والسنة،وبدليل العقل.

وقلنا بأننا سوف نتعرض لتلك الأدلة التي يذكرونها،كما أنه إذا ساعدت الحياة إن شاء الله سوف نتعرض لما يقوله أبناء السنة من التمسك بمسألة الشورى،وإيكال أمر الخلافة للأمة،مع أنه قد ثبت من الدروس السابقة فساد ذلك،لكننا تتميماً للبحث نتعرض لما استدلوا به كما قلنا ذلك في درس سبق.

آية التطهير:

وعلى أي حال،فلنشرع في استعرض الأدلة التي يستدل بها الشيعة على جعل أمير المؤمنين(ع)وأهل بيته الطاهرين في هذا المنصب،فنبدأ بكتاب الله الشريف القرآن الكريم،ونبدأ بآية من آياته الكريمة،وهي آية التطهير.

قال تعالى:- (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)[1].

وتعتبر هذه الآية من جملة الآيات التي يتمسك بها الشيعة على إمامة أمير المؤمنين(ع)،وقبل الحديث حول دلالتها أود الإشارة لنكتة مهمة،وهي أن القرآن الكريم لم يأت فيه ذكر اسم أحد،وهناك جواب شافٍ لعدم ذكر اسم أمير المؤمنين(ع)في القرآن الكريم[2]،وعليه فلابد من الرجوع في دلالة الآية التي يستدل بها وفي شأن نزولها،إلى السنة المفسرة لتلك الآية.

هذا ويجب أن تكون تلك السنة المفسرة للآية محل البحث والإستشهاد مقبولة عند الطرفين،في المسألة،وإلا لم يكن البحث مثمراً ومؤدياً الغرض المرجو منه.

منهجية البحث:

ثم إنه سيكون بحثنا حول الآية المباركة ضمن نقاط خمس:

الأولى:موضع الآية،حيث وردت ضمن الآيات المتحدثة عن زوجات النبي(ص)فهل هي مختصة بهم.

الثانية:الحديث حول شأن نزولها.

الثالثة:بيان معنى الإرادة الواردة في الاية المباركة.

الرابعة:بيان معنى الرجس في الاية الشريفة.

الخامسة:الحديث حول عبارة أهل البيت،وهل هي اصطلاح خاص،أو أن لها مفهوماً عاماً يشمل جميع أقرباء رسول الله(ص).

ومن الواضح أن الإستدلال بالآية يعتمد اعتماداً كلياً على نقطتين وهما:

الأولى:بيان المراد من أهل البيت فيها.

الثانية:بيان المراد من إذهاب الرجس.

وبقية النقاط الأخرى،إنما هي الإشكالات التي يمكن أن تثار،أو يتحرك الخصم من خلالها لمنع دلالة الآية الشريفة على المدعى.

النقطة الأولى:علاقة الآية بزوجات النبي(ص):

المعروف كما في كتب التفسير أن الاية الشريفة من الآيات المدنية التي نزلت في المدينة المنورة،بل لا يرتاب أحد في أن الايات الواردة في سورة الأحزاب المتعلقة بزوجات النبي(ص)مدنية النـزول،إذ أنهن إنما دخلن في عصمة الرسول(ص)وأصبحن أزواجه في المدينة.

وهذا يستدعي حصول ظن قوي بكون الآية محل البحث من الايات التي نزلت في أواخر حياة النبي(ص)حينما كان(ص)ذا أزواج عديدة.

والأمر الذي يهمنا في البحث هنا هو الإشارة بداية إلى أن الآيات التي تعرضت لخطاب زوجات النبي(ص)لم تثبت لهن أي فضيلة،بل مفادها هو تحريضهن على كسب الفضائل،كما أنها تقوم بتعريفهن بما يجب على امرأة مسلمة تريد أن تكون زوجة للنبي(ص)وتتمتع إلى يوم القيامة بهذا الشرف.

وقد جاءت هذه الإرشادات لتقطع الطريق على تماديهن وتدخلهن في القضايا الإسلامية العامة والحساسة مما أوكله الله ورسوله(ص)إلى رجال الإسلام في مستقبله،فلا تذهب بهن الظنون وتسول لهن أنفسهن أنهن ورثن الملك وحق سياسة الدولة الإسلامية لكونهن أزواج النبي(ص).

وهذه الآيات لا تعني بأي حال تعلق الإرادة التكوينية للباري عز وجل بطهارة نساء النبي(ص)أو عصمتهن أو نـزاهتهن واستقامتهن،حيث دفعت كلمة(تردن)في الاية أي احتمال للإرادة الإلهية التكوينية بهذا الصدد،وألقت عبء اكتساب الكمالات التي وعدت بها الايات على عواتقهن وسعيهن،إذ عرضت عليهن:إن كن يردن عرض الدنيا المهلك فعليهن الإنفصال عن الرسول(ص)،فإنهن لا يلقن بشرف الإقتران به،وإن كن يردن الله ورسوله فإن لهن أجراً عظيماً.

فالذات الإلهية المقدسة إذن ليست لها إرادة استثنائية بالنسبة إلى نساء النبي(ص)،والأمر راجع إليهن وإرادتهن الخاصة في الوضع والحال الذي يكن عليه من السعادة أو الشقاء.

وعليه نستخلص من الآيات الواردة في هذا المجال أمرين:

1-فصل وعزل نساء النبي(ص)عن أي دور في القضايا الإجتماعية الحساسة وشؤون المسلمين العامة،وأمرهن بانتهاج خط سلمي يمضي بالتي هي أحسن،واتخاذهن دور ربة البيت المنصرفة إلى شؤون بيتها وتهذيب نفسها بالفضائل بعيداً عن الأهواء الدنيوية الشيطانية.

2-انتفاء الدلالة على تعلق الإرادة الإلهية بنـزاهة نساء النبي(ص)وكونهن حالة متميزة ومتفوقة،ففي المضمار لهن الخيار،إلا أنهن إن أردن الإحتفاظ بشرف اللقب فعليهن اتخاذ طريق الصلاح.

الآية الخاصة(آية التطهير):

وفي أثناء الحديث عن هذه الايات تأتي جملة معترضة تحكي عن تعلق المشيئة الإلهية والإرادة الربانية بأمر عظيم،فتغير اسلوب الحديث وشكل الخطاب الإلهي في هذه الجملة،فالحديث يدور حول مشيئة الباري تعالى وإرادته التكوينية،ومفاد هذه الجملة هو:حتم القضاء وحكم بوجود بيت وأسرة تسمو فوق قمم الفضيلة والطهارة وأعلى مراقي الإنسانية والقدرة والكفاءة،ففي جملة قصيرة يتغير فيها ضمير جمع المؤنث إلى جمع المذكر،يقول تعالى:- (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)

فقد قضت إرادة الله أن يكون أهل البيت(ع)الصفوة من بيت النبوة،هم الوحيدين المنـزهين عن كل نقص وعيب وسوء ورجس.

فنحن إذن أمام الإرادة التكوينية والقضاء المحتوم،ومن البديهي أن قضاء الله وإرادته الأزلية لم تتعلق بهذا الأمر عبثاً ولغواً،بل هي مقدمة لإعداد هذه الوجودات القدسية لدور إسلامي خطير،وهو قيادة المسلمين وهدايتهم.

وعلى هذا فإن هذا الخطاب لا يمكن أن يشمل نساء النبي(ص)لعدة أدلة،نشير إلى دليلين منها:

الأول:إنه لا دلالة في الآيات المتعلقة بنساء النبي(ص)على إرادة الله سبحانه وتـنـزيههن،بل إنها صرحت من خلال كلمة(تردن)بأن أمر بلوغ مرتبة الأجر المضاعف،أو نيل العقوبة المضاعفة منوط بهن وبإرادتهن الخاصة،فإن إرادتهن لها المدخلية التامة في مصيرهن،ومع ثبوت هذا الأمر لا يعود لفرض دور في تدخل الإرادة الربانية بشكل تكويني خصوصاً لصالح نزاهتهن وطهارتهن أي معنى.

وبعبارة أخرى:كيف يمكن أن تتعلق الإرادة الإلهية المحتومة بنـزاهة نساء النبي(ص)وطهارتهن من كل الخبائث والأرجاس،مع أن الآيات صرحت بإحتمال انصرافهن إلى الدنيا وسقوطهن في حبائل زينتها مما لا يجتمع وشأنية الإقتران برسول الله(ص)بحيث طالبتهن تلك الايات بالتخلي عن رداء الفخر والإعتـزاز،الذي نلنه بمقام الزوجية إذا ما أخترن طريق الدنيا ليصبح شأنهن كشأن سائر نساء المسلمين دون امتياز.

فهل يتوافق هذان الأمران ويقبلان الإجتماع والإلتقاء في موضوع واحد؟…

أبداً إنهما لا يقبلا ذلك،ومن هنا يعلم أن نساء النبي خارج دائرة إرادة الباري التكوينية،التي قضت بطهارة أهل البيت(ع)،وأن مصيرهن يتعلق بإرادتهن الخاصة وسلوكهن الشخصي لا غير.

الثاني:إن رسالة هذه الايات من قوله تعالى:- (يا أيها النبي قل لأزواجك)حتى قوله(وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله)هي بيان واجب وتكليف نساء النبي وانحصاره بدور ربة البيت المتدينة العفيفة، لا التدخل في أمور المجتمع والخوض في القضايا السياسية.

أما آية التطهير،فإنها حاكية عن إرادة الباري في خلق وإيجاد بيت وأسرة طاهرة مطهرة ليوكل إليها دور وتناط بها وظيفة اجتماعية وسياسية غاية في الأهمية.

كيف يمكن إذن أن يكون هذا القسم من الاية شاملاً لزوجات النبي(ص)مع أننا نلاحظ تغيراً واضحاً في اسلوب الخطاب الذي تحول فجأة إلى ضمير(عنكم)بعد تتالي عشرين ضميراً لجمع المؤنث.

فهذه إشارة موجزة تشير إلى أن آية التطهير لا تدل على طهارة زوجات النبي(ص)ونـزاهتهن،وهذه النتيجة تنسجم مع رؤية العارفين بالقرآن الكريم وأسلوبه ومنهجه،فقد خلصوا إلى أن دور زوجات النبي(ص)لا يتجاوز مدلول هذه الآيات التي تشير إلى أن عليهن التـزام بيوتهن والقيام بشؤونها والتحلي بلباس التقوى.

هذا ولكي يصح ما ذكرناه نحتاج أن نتناول نماذج من أراء هذه الطبقة،وليكن من ضمنها رأي لأحدى هذه النسوة،وهذا ما سنـتعرضه في الدرس القادم إن شاء الله.

——————————————————————————–

[1] سورة الأحزاب الآية رقم 33.

[2] ذكرنا ذلك في إحدى الإجابات على أحد الأسئلة فيمكن مراجعتها.